الترتيب حسب:
Relevance
Relevance
Date

الإسلام الحقّ في مواجهة المنافقين

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

يحدّثنا الله عن هؤلاء الذين يتكبّرون على الناس عندما يتحرّكون في الإيمان بطريقة ليست على النهج الذي يسير عليه المؤمنون، ككثير من الناس الذين ينطلقون في حياتهم على أساس أنَّهم مؤمنون وأنّهم مسلمون، ولكنَّهم يقولون إنَّ إيماننا من نوعٍ آخر، وإنَّ إسلامنا من نوعٍ آخر، يجعلون لأنفسهم إيماناً على طريقتهم، بحيث لا يتحدَّى إيمانهم مصالحهم وأطماعهم، ويجعلون إسلامهم إسلاماً على طريقتهم، فيحلّلون ما كانت مصلحتهم في تحليله، ويحرّمون ما كانت مصلحتهم في تحريمه.

وهكذا، يتحرّكون في المجتمع باسم الإسلام وباسم الإيمان، كما نشاهده في الكثير من الملوك والرؤساء والسياسيّين والشخصيات الدينية الرسمية وغير الرسمية، والشخصيات الاجتماعية، عندما تتحدَّث عن إسلام عاقل مهذَّب، لا يثير المشاكل، ولا يتحدّى الواقع الفاسد، ولا يواجه الضغوط الاستكبارية، ولا يدخل في معركة مع الكفر، ولا يثير مشاكل للضّلال، إسلام يحقّق لنفسه سلاماً على حساب قيمه، وعلى حساب واقعه، ومسلمون يحقّقون لأنفسهم امتيازات على مستوى الحكم، وعلى مستوى السياسة، وعلى مستوى الاقتصاد، وعلى مستوى الحياة الاجتماعيّة، حتّى يتمشّى هذا الإسلام مع كلّ الكفر الّذي يحيط بالمجتمع، ومع كلّ الضّلال الذي يحيط بالمجتمع.

وينطلق الإسلام الحقّ في السّاحة ليواجه ويتحدَّى، وليدعو وليجاهد وليقاتل، حتّى يحرِّك الحياة على أساس أن تكون الحياة لله، وأن يكون الدين لله؛ أن لا يكون الدّين امتيازاً لأشخاص يضخِّمون به أوضاعهم ويضخّمون به امتيازاتهم، بل يكون الإسلام لله كما أراد الله أن يكون؛ إسلام العدل، إسلام الحريّة، إسلام العزّة والكرامة. وعندما يتحرَّك هذا الإسلام في السّاحة، ويقول الناس لهؤلاء: لماذا لا تأخذون بالإسلام الحقّ؟ لماذا لا تأخذون بالإسلام الحركيّ؟ لماذا لا تأخذون بالإسلام المقاوم؟ لماذا لا تأخذون بالإسلام المجاهد؟ لماذا تريدون الإسلام أن يكون موظّفاً في بلاطات الملوك والرؤساء، أو أن يكون الإسلام موظّفاً في هذه الدّائرة أو تلك الدّائرة؟ لماذا لا تسيرون على خطّ هذا الإسلام الّذي يخدم عباد الله المستضعفين، والّذي يعمل على أن يضع المستكبرين؟

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ} وهذا في زمان النبيّ (ص) وفي زماننا، آمنوا كما آمن النّاس الذين يقاتلون المشركين مع القيادة النبويّة، آمنوا كما آمن النّاس الذين يؤكّدون مواقفهم من خلال الالتزام بأوامر الله ونواهيه... اجعلوا الإسلام يمثّل كلّ حياتكم، ولا يكن لهم كفر في جانب وإسلام في جانب، فما هو جوابهم؟ {قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء}، نحن نريد الإسلام المثقَّف، نحن نريد الإسلام الذي ينطلق في الدّرجات العليا، الإسلام الذي يلتزمه الملوك والرؤساء والوجهاء والأغنياء وكلّ هؤلاء، لأنَّ إسلامكم هو إسلام الشّعب... إنّنا نريد الإسلام المتطوّر، نريد الإسلام المقتدر، نريد الإسلام الذي لا يشاغب، لا نريد إسلام السفهاء هؤلاء، الذين يقفون في خطّ المواجهة للاستكبار وللاستعمار ولكلّ القوى الباغية الظالمة؛ يقفون ويتحرّكون بطريقة ينشرون فيها المشاكل في المجتمع، ولا يجعلون النّاس يرتاحون في حياتهم وبيوتهم، نحن لا نريد إسلاماً كإسلام السّفهاء، يتدخّل في حريّات النّاس ليمنع الناس من أن يشربوا الخمر، أو يلعبوا القمار، أو يكونوا جواسيس للأعداء، أو يزنوا، أو يسرقوا، أو يخونوا، أو يعملوا أيّ شيء.

ويضيفون أنَّ الإسلام الذي يتدخّل في حريّات الناس هو إسلام السّفهاء، ونحن نريد إسلاماً لا يتدخّل في حريّة الناس، إنّه إسلام الطبقة العالية من المجتمع.

بعض الناس كانوا يفكّرون بهذه الطّريقة على حسب ظروف التحدّيات في زمان رسول الله (ص) وبعض الناس يفكّرون بهذه الطّريقة عندما يتحدّثون عن المسلمين الملتزمين، ليشيروا إليهم بكلمات جارحة نابية: هؤلاء السّفهاء، هؤلاء الغوغاء، هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يتحرّكوا على مستوى الانضباط وعلى مستوى السير على طبق الأمر الواقع...

{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء}. السّفيه هو الذي لا يعرف أن يدبّر أمره على خطّ الحكمة والتوازن في ماله، وفي رأيه، وفي حركته. هؤلاء الذين يلتزمون الإسلام باسمه، ولكنَّهم يلتزمون الكفر مضموناً، ليدخلوه في واجهة الإسلام، هؤلاء ألا يعرفون أنّهم يورّطون أنفسهم في معصية الله، وفي المجالات التي سيظهر الله بها خداعهم { وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }[البقرة: 13].

ثمّ كيف يتصرّفون؟ {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّ} ليشهدوا المؤمنين على إيمانهم { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }[البقرة: 14]، نحن نضحك على هؤلاء الناس، نصلّي أمامهم حتّى يثقوا بنا، نصوم أمامهم حتّى يثقوا بنا، نتحرّك في كلّ المجالات لنربح قناعاتهم حتّى ننفذ إلى داخلهم. نحن نضحك عليهم، أنتم العمق لنا. هؤلاء يخلون إلى شياطينهم، سواء كان هؤلاء الشياطين من رجال الاستخبارات الدوليّة، أو من رجال الاستخبارات العربية، أو الاستخبارات المحلية، أو الذين يتحرّكون في محاور الضلال من الأحزاب الضالّة والكافرة.

أتستهزئون بالمؤمنين {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} يقول لهم امشوا في الطّريق {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[البقرة: 15] يتحيَّرون، ولكن في النهاية سينكشف أمرهم، ويواجهون خزي الدنيا وخزي الآخرة. { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ } يعني باعوا الهدى واشتروا الضّلالة مكانه.

فإذا كان منكم، أيُّها المستمعون هنا، وفي كلّ مكان، إذا كان هناك منكم من أقنعه بعض الناس بأن يكون منافقاً، يقول للمؤمنين كلمة، ويقول لغير المؤمنين كلمة، إذا أقنعكم النّاس بأنّها "شطارة"، وإذا أقنعكم الناس بأنَّ هذا ذكاء، وأقنعكم الناس بأن ترتّبوا أمركم في جميع الحالات، على أساس أنّ الطعام عند معاوية أدسم، والصّلاة عند عليّ (ع) أقوم، والجلوس على التلّ أسلم، إذا أقنعكم بعض الناس بذلك لأنّكم تريدون أن تعيشوا، والعيش يحتاج إلى ذلك؛ انظروا إلى كلمات الله، الله يستهزئ بكم، الله يقول: إنّكم السفهاء. الله يقول لكم يا جماعة، إذا كنتم تعتبرون النفاق عملاً تجارياً فهي التجارة الخاسرة { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }[البقرة: 16].

اتركوا هذه التجارة التي يدلّكم عليها الشياطين وارجعوا إلى الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }[الصّفّ: 10 ـــ 11].

هذه هي التجارة، لهذا حاولوا أن تدرسوا مواقفكم التجارية في المسألة الإيمانية، وفي المسألة السياسية، وفي المسألة الاجتماعية، قبل أن تفوتكم الفرصة، لأنّ الله جعل للتوبة مواسم، وجعل لك في موسم التوبة، وفي موسم المغفرة، وفي موسم الرضوان، جعل لك مجالاً واسعاً أن تأخذ من الموسم ما يرفع درجتك عند الله، وما يخلد سعادتك عند الله، فلماذا لا تنتهز الفرصة لتترك التجارة الخاسرة، وتنطلق مع التجارة الرابحة؟!

*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

مواضيع متعلّقة

تعليقات القرّاء

ملاحظة: التعليقات المنشورة لا تعبّر عن رأي الموقع وإنّما تعبر عن رأي أصحابها

أكتب تعليقك

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو الأشخاص أو المقدسات. الإبتعاد عن التحريض الطائفي و المذهبي.

تويتر يحذف حساب عهد التميمي تويتر يحذف حساب عهد التميمي الاحتلال يعتقل 3 فتية من الخليل الشيخ عكرمة صبري: من يفرط في القدس يفرط في مكة والمدينة شيخ الأزهر يؤكد أهمية تدريس القضية الفلسطينية في مقرر دراسي حماس تدين جريمة كنيسة مارمينا في القاهرة الهيئة الإسلامية المسيحية: الاعتداء على كنيسة حلوان إرهاب يجب اجتثاثه الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء منظمات أممية تدعو لوقف الحرب في اليمن داعش تتبنى هجوم الأربعاء على متجر بسان بطرسبورغ الميادين: مسيرات حاشدة في مدن إيرانية رفضاً للتدخل الخارجي بالبلاد بنغلاديش تستعد لترحيل 100 ألف لاجئ من الروهينغا إلى ميانمار فى يناير/ كانون الثاني وزير ألماني محلي يدعو للسماح للمدرسات المسلمات بارتداء الحجاب صحيفة أمريكية: الولايات المتحدة تفكر فى قطع مساعدات مالية عن باكستان مقتل 3 عمال في إطلاق نار في ولاية تكساس الأميركية بوتين يوقع قانوناً لإنشاء مختبر وطني لمكافحة المنشطات مسلح يقتل عمدة مدينة بيتاتلان المكسيكية علماء يبتكرون لقاحاً ضد الإدمان على المخدرات منظمة الصحة العالمية: السكري سابع مسببات الوفاة في 2030 دراسة: تلوث الهواء يقتل 4.6 مليون شخص كل عام المشي 3 كيلومترات يومياً يحد من تدهور دماغ كبار السن ضعف العلاقات بين المهاجرين ندوة في بعلبكّ: دور الحوار في بناء المواطنة الفاعلة شهرُ رجبَ شهرُ الرَّحمةِ وذكرِ الله لمقاربةٍ لبنانيَّةٍ وحوارٍ داخليٍّ قبل انتظار مساعدة الآخرين السَّبت أوَّل شهر رجب 1442هـ مناقشة رسالة ماجستير حول ديوان شعريّ للمرجع فضل الله (رض) الحجاب واجبٌ وليس تقليدًا اجتماعيًّا في عصر الإعلام والتّأثير.. مسؤوليَّة تقصّي الحقيقة قصّة النبيّ يونس (ع) المليئة بالعبر المرض بلاءٌ وعذاب أم خيرٌ وثواب؟! فضل الله في درس التفسير الأسبوعي
يسمح إستخدام المواضيع من الموقع شرط ذكر المصدر