قال الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم: «يا هشام، لو كان في يدك
جوزة وقال النَّاس إنَّها لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنَّها جوزة، ولو كان في
يدك لؤلؤة وقال النَّاس إنَّها جوزة، ما ضرَّك وأنت تعلم أنَّها لؤلؤة».
فلا يكن كلام النَّاس هو ما يرفع ثقتك بنفسك، أو يسقطك عند نفسك، اعرف نفسك جيِّداً،
اعرف ما هو حجم فكرك، وما هو حجم طاقتك، واعرف أهدافك وما هي امتداداتها،
وخلفيَّاتك وما هو عمقها، فإذا جمعت ذلك كلَّه، ورأيت أنَّك لا تملك انطلاقةً ولا
حجماً كبيراً في الخبرة، ولا سموّاً في الأهداف، وجاء النَّاس فكبّروك وضخَّموا
شخصيَّتك ومدحوك، وأنت تعرف نفسك، فاحذر أن يرفعوك إلى فوق، بينما تعرف أنَّ موقعك
هو في الأسفل، لأنهم إذا حملوك إلى فوق وتركوك، فسوف يكون سقوطك فظيعاً مريعاً...
الجانب الآخر، أنَّه لو كان في يدك لؤلؤة، وعرفت، وخصوصاً من خلال ما لك من فكر
وعقل وخبرة وطاقة، عرفت حجمك دون غرور من خلال الحسابات الدَّقيقة، وجاءك النَّاس
يريدون أن يسقطوك أو أن يهزموك نفسيّاً، وأن يشتموك وأن يضعفوك، فكن القويّ، لا
تضعف، اعرف أنها كلمات تتطاير في الهواء عندما تملك عنصر الثقة في نفسك. فكن
الإنسان الَّذي يعيش في خطِّ هذه الثقة، لا لتعيش الغرور، بل لتعيش واقعك.
وفي ضوء هذا، فعليك عندما تؤمن بأنَّك على حقّ، أن ترفض كلَّ الكلمات التي تحاول أن
تصفك بالباطل. قالها عمَّار بن ياسر (رض)، وقد هُزِمَ جيشُ عليٍّ في بعض مراحل
الحرب، قال: «والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على حقّ
وأنهم على باطل»، لأن قضيَّة أن تعرف الحقّ، هي قضيَّة أن تبقى معه عندما تعرفه،
وتلك هي المسألة على مستوى الفرد، فلا تستعر ثقتك بنفسك من الآخرين، ولا تفقد ثقتك
بنفسك من خلال الآخرين.
والأمر سيّان مع الأمَّة، خصوصاً ونحن نعيش أمام الإعلام الاستكباري والإعلام
الكافر الذي يحاول أن يسقطنا نفسياً عندما يتحدَّث عن تخلّفنا وتعصّبنا وعن كلِّ
العناصر السلبية في شخصيَّتنا، وعندما يريد أن يثير نقاط ضعفنا، فإنَّ علينا أن لا
نسكت، نحن لدينا نقاط قوَّة ونقاط ضعف، فلنستحضر نقاط القوَّة عندما يرجمنا الآخرون
بنقاط الضّعف، ولنستحضر نقاط ضعفهم عندما يعرضون عضلاتهم أمامنا بنقاط قوَّتهم، فلا
نسكت، فإذا كانت لدينا مواطن ضعف، فإنَّ لدينا مواطن قوَّة أيضاً.
لذلك، حذار من أن نسقط تحت تأثير الحرب النفسيَّة والإعلاميَّة والسياسيَّة التي
تريد أن تصوِّر لنا أعداءنا أقوياء...
فعندما يرون التزامنا وقوَّتنا وإصرارنا على حريَّتنا، وتطلّعنا إلى العدالة فينا،
عندها يسمّون ذلك تخلّفاً، يحضّرون لنا من قاموسهم كلَّ المفردات التي تسقطنا: «إرهابيون»،
«متعصّبون» «أصوليون»، «متخلّفون»... ولكن علينا أن نقول لهم ما قاله عليّ (ع)
في مواجهة ذلك الإنسان الَّذي تزلّف إليه، فقال له: «أنا دون ما تقول، وفوق ما في
نفسك»، فنحن فوق ما في أنفسهم بالنِّسبة إلينا، وعلينا عندما يقف المستكبرون ضدَّنا،
أن تكون لنا كبرياؤنا في مواجهتهم. فنحن لا نتكبَّر، ولكنَّنا لا نسقط كبرياءنا، من
خلال أصالتنا الإسلاميَّة، ومن خلال كلِّ أصالتنا الإنسانيَّة.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 1.