الترتيب حسب:
Relevance
Relevance
Date

الكلمةُ الطيِّبةُ تختصرُ كلَّ إيجابيّاتِ الحياة

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم: 24 – 25].
إنَّ الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ يريد أن يركّز في وجدان الإنسان، أن كل حياته في دورها الإيجابي تختصرها (الكلمة الطيبة)، كما أنّ كلّ حياته في دورها السلبي تختصرها (الكلمة الخبيثة). فالإنسان الذي يعيش العقل كما يريده الله، ويعيش القلب كما يحبّه الله، ويعيش الحركة كما يرضاها الله، هو (كلمة الله) المتجسِّدة في إنسانه، ونحن نؤمن أنَّ الله سبحانه وتعالى أعطى عيسى (ع) صفة أنّه كلمته، وربّما يفسّرها البعض لأنَّه انطلق من إرادة الله التي يعبّر عنها {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
ولكنّنا قد نستوحي من (كلمة الله)، أنَّ عيسى (ع) في كل روحيّته، وبكلّ انفتاحه على الرسالة في واقع الإنسان، وبكلِّ جهده وجهاده، وبكلّ الحبّ الذي أعطاه للإنسان وللحياة كلّها، جسَّد الكلمة التي يحبّها الله من حيث تجسّدها في الإنسان...
ونستطيع أن نستوحي من كلّ القرآن، أنَّ الله أراده أن يغدو كلَّ حياة الناس، ولعلّ القمة في هذا التجسّد القرآني في الإنسان، يتمثّل في النبيّ محمّد (ص) والأئمة الهُداة من أهل بيته (ع)، لاعتبار أنّهم القرآن الناطق، فقد تحوَّلوا إلى كلمة، وتحوَّلت الكلمة فيهم إلى عقل وروح وحركة وحياة، وهذا ما يريده الله منّا، بأن تتحوّل الكلمة القرآنيَّة عندنا عقلاً نفكّر به في خطّ القرآن، وقلباً نتحسَّسه في عواطفنا في عاطفة القرآن، وحركة نعيشها في حركة القرآن، وأن لا تكون الكلمة حروفاً، بل إنساناً، بكلّ ما تعنيه إنسانيَّته التي تتحرّك من خلال معاني الكلمات القرآنية، وهذه هي قمّة هدف التربية في الإسلام، بأنْ نحوِّل القرآن إلى شيء نعيشه ونحسّه ونتمثّله ونتحرّك فيه.
هذه هي الكلمة الطيّبة، لأنّ الطيبة ليست محدودة في جانب معيّن، فهي كلمة طيبة لأنّها تغني الحياة وتعطيها حركيّتها وحيويّتها، وهي كلمة طيّبة للإنسان لأنها تجعل عقله طيّباً ينفتح بكلّ الطّيب الذي يتحرّك به الفكر، فتشعر بطيب الفكر في عقله، وتجعل القلب طيّباً، فإذا بالقلب كلّه محبة وخير وانفتاح، وتجعل الحركة طيّبة، فإذا بها تنطلق لتعطي فاكهة فكرية هنا، وثمرة روحية هنا، ومشروعاً للحياة هناك.
فالكلمة الطيّبة تمثّل كلّ إيجابيّات الحياة وكلّ إنسانية الإنسان، ولهذا شبّهها الله تعالى في عطائها وحيويتها وفي امتدادها وفي عمقها بالشجرة الطيّبة...
ثم إنّ عطاء (الكلمة الطيبة) ليس له موسم معيّن، ففي الربيع تعطيك الثمر، وفي الصيف تعطيك، وفي الشتاء وفي الخريف.. هذه هي الكلمة الطيّبة في صورتها المادية الحسّية، فهي عندما تكون صدقاً، حقاً، وعندما تكون عدلاً، علماً، وعندما تكون خيراً، فهي تؤتي أُكُلَها كل حين، فالخير لا فصل له، فكلّ الفصول فصوله، والحقّ لا موسم له، فكلّ المواسم مواسمه، وهكذا العدل وكلّ القِيَم الروحية {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} في عمقها، وفي امتدادها، وفي عطائها، {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.
والله تعالى لا يأذن إلَّا بالمحبة {وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، فالله يضرب المثل بالشَّيء الحسيّ، لننتقل منه إلى الشَّيء المعنوي.
{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}[إبراهيم: 26].
فالشجرة الخبيثة ليس لها جذور، وإذا لم يكن لها جذور في أعماق الأرض، فكيف تكون لها فروع في أعالي الفضاء، فالشَّجرة تمتدّ في الفضاء بمقدار امتدادها في الأرض، فإذا كانت تعيش على السَّطح، لا علاقة لها بالعمق، فإنّها ستموت أمام أيّ عاصفة. والكلمات الخبيثة هي كذلك، فكلمة (الكذب)، وكلمة (الغيبة)، وكلمة (النميمة)، وكلمة (الباطل)، وكلمة (الظلم)، وكلّ كلمة لا تتعمَّق في حياة الإنسان ولا ترتفع إلى الله، فهي قد تترك تأثيراً بين وقت وآخر، لكنَّها لا تستطيع أن تصل إلى مستوى الخلود.
أيُّها الناس، انظروا إلى الكلمات الطيّبة كيف امتدَّت وقد مات الرسل ومات الأولياء، ويبقى القرآن أمدَ الدَّهر يمتدّ فكراً وقيمة وحركة وحيويَّة، وانظروا إلى الكلمات الخبيثة كيف ذهبت مع الرياح، فيما يبقى الله وتبقى كلماته، ويبقى الإنسان يحلّق في الكلمات الطيّبة التي ترتفع إلى الله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: 10]. فهل لنا أن نأخذ بالكلم الطيِّب في حياتنا الفرديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، حتى ينطلق الكلم الطيِّب ليغني حياتنا؟
أيُّها الأحبَّة: فكّروا فيما يخلد، ولا تفكِّروا فيما يموت: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ} تلهون بها لحظة أو لحظتين {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} في كلِّ الحبّ الذي تعطونه، وفي كلِّ الحقّ الَّذي تثبّتونه، وفي كلِّ الباطل الذي تهدّمونه {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[الكهف: 46]، ويبقى الأمل عند الله للعاملين الصَّالحات يخضرُّ في حياتهم، وينطلقون للخضرة اليانعة في الجنّة التي أعدّها الله للمتّقين في أُخراهم.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 2.

مواضيع متعلّقة

تعليقات القرّاء

ملاحظة: التعليقات المنشورة لا تعبّر عن رأي الموقع وإنّما تعبر عن رأي أصحابها

أكتب تعليقك

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو الأشخاص أو المقدسات. الإبتعاد عن التحريض الطائفي و المذهبي.

تويتر يحذف حساب عهد التميمي تويتر يحذف حساب عهد التميمي الاحتلال يعتقل 3 فتية من الخليل الشيخ عكرمة صبري: من يفرط في القدس يفرط في مكة والمدينة شيخ الأزهر يؤكد أهمية تدريس القضية الفلسطينية في مقرر دراسي حماس تدين جريمة كنيسة مارمينا في القاهرة الهيئة الإسلامية المسيحية: الاعتداء على كنيسة حلوان إرهاب يجب اجتثاثه الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء منظمات أممية تدعو لوقف الحرب في اليمن داعش تتبنى هجوم الأربعاء على متجر بسان بطرسبورغ الميادين: مسيرات حاشدة في مدن إيرانية رفضاً للتدخل الخارجي بالبلاد بنغلاديش تستعد لترحيل 100 ألف لاجئ من الروهينغا إلى ميانمار فى يناير/ كانون الثاني وزير ألماني محلي يدعو للسماح للمدرسات المسلمات بارتداء الحجاب صحيفة أمريكية: الولايات المتحدة تفكر فى قطع مساعدات مالية عن باكستان مقتل 3 عمال في إطلاق نار في ولاية تكساس الأميركية بوتين يوقع قانوناً لإنشاء مختبر وطني لمكافحة المنشطات مسلح يقتل عمدة مدينة بيتاتلان المكسيكية علماء يبتكرون لقاحاً ضد الإدمان على المخدرات منظمة الصحة العالمية: السكري سابع مسببات الوفاة في 2030 دراسة: تلوث الهواء يقتل 4.6 مليون شخص كل عام المشي 3 كيلومترات يومياً يحد من تدهور دماغ كبار السن ضعف العلاقات بين المهاجرين ندوة في بعلبكّ: دور الحوار في بناء المواطنة الفاعلة شهرُ رجبَ شهرُ الرَّحمةِ وذكرِ الله لمقاربةٍ لبنانيَّةٍ وحوارٍ داخليٍّ قبل انتظار مساعدة الآخرين السَّبت أوَّل شهر رجب 1442هـ مناقشة رسالة ماجستير حول ديوان شعريّ للمرجع فضل الله (رض) الحجاب واجبٌ وليس تقليدًا اجتماعيًّا في عصر الإعلام والتّأثير.. مسؤوليَّة تقصّي الحقيقة قصّة النبيّ يونس (ع) المليئة بالعبر المرض بلاءٌ وعذاب أم خيرٌ وثواب؟! فضل الله في درس التفسير الأسبوعي
يسمح إستخدام المواضيع من الموقع شرط ذكر المصدر