[يقول البعض أليس منطق الآية القرآنيّة:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36]، تعطيلاً لحركة العقل، عندما تُفرض الكثير
من التشريعات على أنَّها مسلّمات لا يمكن الجدالُ حولها؟]
الواقع أنَّ هذه الآية، تعني اتّباع الإنسان للنظام الَّذي يؤمن به، وأنَّ من واجبه
ألَّا يتمرَّد عليه.. أمَّا أن يحاول الإنسان فهم الحكم الشَّرعي، أو مناقشة الحكم
الشَّرعي، وأنَّ هذا هو حكم الله، أوليس حكم الله؟ فمن حقِّ هذا الإنسان أن يطرحَ
تساؤلاته، ومن واجب العلماء الواعين أن يجيبوه عن هذه التَّساؤلات، عندما تكون
القضيَّة قضيَّة حكم يريد أن يفهمه أو يريد أن يناقشه.
ولكن هناك أحكام عباديَّة موجودة في الإسلام، تماماً كما هناك أحكام تنظيميَّة
موجودة في الأنظمة الأخرى، وهذه الأمور لا يمكن الدّخول في جدلٍ حولها، كجدل البعض
حول الصَّلاة، ولماذا هي ركعتان صباحاً، وأربع ركعات ظهراً وعصراً وعشاءً، وهكذا...
فهذه الأمور أمورٌ تنظيميَّة تنطلق فيها الفكرة العامَّة من خلال سرّ، وتنطلق
التفاصيل فيها من خلال عِلْم الله.
أمّا بالنسبة إلى القضايا الأخرى، سواء في "المعاملات" وغيرها، فإنَّنا نجد ما
يُسمَّى "علل التَّشريع" أو "علل الأحكام"، والقرآن الكريم قدَّم لنا الصَّلاة مثلاً
من موقع أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأعتقد أنَّ الجدل حُرّ حتّى في هذه
المسائل.. ولكنَّ الإنسان الذي يؤمن بالله، إذا لم يفهم حكماً شرعياً، وعرف أنَّه
صادرٌ عن الله، فلا بدَّ أن يتعبَّد به، تماماً كما هي الأحكام التي تنطلق من خلال
الأطباء، فيما نريد أنْ نتطبَّب به، قد نحاول مناقشة الطَّبيب لنفهم ذلك، ولكنَّنا
إذا لم نفهم، وعرفنا أنّه طبيبٌ خبيرٌ بطبّه، فإنَّنا نُسَلّم له بذلك.
* من كتاب "للإنسان والحياة".