هناك ذكر لله لا باللّسان فحسب، بل بالقلب والوعي؛ أن تذكر الله سبحانه وتعالى
عندما تقف أمام المعصية، وتدعوك نفسك إلى أن تهجم عليها، أو تقف أمام الطّاعة،
وتدعوك نفسك إلى أن تتركها.. اذكر الله، لأنّك إذا ذكرت الله، ذكرت نفسك، وعرفت ما
يصلحها وما يخلّصها وما يحقِّق لها الخير كلّه في الدنيا والآخرة. أمَّا إذا نسيت
الله، فإنّك تنسى نفسك، لأنَّك تعبد الشّيطان وتعبد شهواتك وغرائزك، وبذلك تهمل
نفسك، وتنسى مصلحتها، وتضيع كما يضيع كلّ من اعتمد على نفسه وترك الاعتماد على الله.
{
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ
}[الحشر: 19]، لأنَّ الإنسان إذا نسي ربَّه، فإنَّه يتحرّك في
وحول المعصية، وبذلك يفسق في عمله، كما يفسق في روحيَّته. ثمّ بعد ذلك فكّروا في
الجنّة، لا تنسوها. لا تفكِّروا فقط في دار تبنونها لسنوات تعيشونها، بل فكِّروا في
دار تبنونها لعمرٍ خالد تعيشونه. فكّروا في الجنّة وفي ثمنها، وفكّروا في النّار
وبما يبعدكم عنها. فقد جاء عن رسول الله (ص) للكثيرين من النّاس الذين يستغرقون في
خير الدنيا، ولكنَّهم لا يفكِّرون في خير الآخرة، وللكثيرين من النَّاس الذين
يعانون شرَّ الدّنيا، ولكنَّهم لا يفكِّرون في شرِّ الآخرة: "ما خيرٌ بخيرٍ بعده
النَّار، وما شرٌّ بشرٍّ بعده الجنَّة" . يعني، لو كان الخير كلّه لك، من مال وجاه
وشهوات، وكان مصيرك إلى النّار، فما قيمة كلّ ذلك البلاء والعناء؟ لهذا، فكِّر أن
تكون من أهل الجنّة، ولا تفكّر أن تكون من أهل النّار {
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ
النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ
}[الحشر:
20] وذلك هو الفوز العظيم. وإذا كنت تريد الجنَّة، فاعرف أنَّ الله لا يبيع جنَّته
مجَّاناً، بل إنّه جعل المسألة خاضعةً للتِّجارة، {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
}[الصفّ: 10].
ويذكر الله الإيمان والجهاد في سبيل الله {
إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ...
}[التّوبة: 111].
قالها عليّ (ع) لأصحابه في وقتٍ من الأوقات وهو يتحدّث عن أعمالهم، "أفبهذا تريدون
أن تجاوروا الله في دار قدسه وتكونوا أعزّ أوليائه عنده؟! هيهات! لا يخدع الله عن
جنَّته، ولا تنال مرضاته إلاّ بطاعته" .
إذا كنتم تخدعون أنفسكم، ويخدع بعضكم بعضاً، في مظهر إيمانيّ يوحي بأنّكم من أهل
الجنّة، وفي عمل إسلاميّ يوحي بأنّكم من أهل الجنّة، وهناك خفايا وبلايا لا يعلمها
إلّا الله، لو اطّلعت عليها لولّيت منها فراراً ورعباً، فأنتَ قد تخدعني، وقد
أخدعك، ولكن مَن يخدع الله سبحانه وتعالى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصّدور؟!
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".