[من العناوين التي يتناولها دعاء الصّباح والمساء للإمام زين العابدين (ع)]،
الإحساس بوحدة الإنسان مع كلّ الموجودات في الكون؛ السَّماء والأرض، الساكن
والمتحرك، المنبسط والشاخص، العالي في الهواء والكامن في أعماق الأرض؛ بحيث يتحسَّس
الإنسان وجوده، في يقظة الصباح وإغفاءة المساء، جزءاً من النظام الكوني، ما يولّد
في نفسه الشعور بالألفة الوجودية، والتكامل الكوني معها، فلا تكون قضيَّته فيها
قضية صراع على طريقة الغالب والمغلوب، أو على طبيعة حركية الصّراع، بل تكون قضية
الإنسان الذي يتحمل مسؤوليَّة المخلوقات التي وجدت معه، فيتعامل معها من موقع
مسؤوليَّته عنها باعتبارها مجال عمله، من خلال تسخيرها له في إخضاع الله الكون
للإنسان، مما يدبر أمره أو يستفيد من طاقته.
[وكذلك] الشعور بالسيطرة المطلقة لله على الوجود كلّه، وعلى الإنسان كلّه، فهو
يتقلّب في ملك الله وسلطانه، ويخضع لسطوته، لأنّ قبضة الله، في معناها الكنائي أو
المجازي، تُمسك بزمام أمره، وتضغط عليه بكلّ وجوده، وهو يتصرف من خلال مشيئة الله،
ويتحرك بأمره، وينحني لقضائه وقدره في كلّ أموره، فليس له من الأمر إلَّا ما قضاه
الله، وهو يحصل على رزقه من خلال عطاء الله، فليس له من الخير إلَّا ما أعطاه.
إنّه الإحساس بالفقر المطلق لله، القاهر فوق عباده، المهيمن على الأمر كلِّه، ممّا
يترك تأثيره على انفعال الإنسان بأوامر الله ونواهيه، والرجوع إليه في كلّ حاجاته
وآلامه وأحلامه.
[ومن العناوين أيضاً]، التصور الواعي للزمن؛ اليوم، الشهر، السنة، العمر كلّه،
باعتباره عيناً تختزن في داخلها الرؤية الواضحة للإنسان في حركته العملية، على أساس
المنهج الإلهي الذي يحكم مسؤوليته، فيتحوَّل اليوم إلى شاهد حاضر يرصد مفردات أعمال
الإنسان وأقواله في ظواهرها وبواطنها، ليشهد عليه يوم القيامة، وهو في الوقت نفسه،
لا يقف مجرَّد شاهد راصد، بل ينطلق ليتخذ منه موقفاً إيجابياً إذا كان في خطِّ
الإحسان، فيودعه بمحبة وكرامة وحمد، أو موقفاً سلبياً إذا كان في خطِّ الإساءة،
فيفارقه بعصبيَّة وذمّ، تماماً كما لو أنّ الزمن مخلوق حيّ خاضعٌ لله، محبٌّ له،
موظّف عنده، بحيث ينفعل سلباً أو إيجاباً للعلاقة الخيّرة أو الشريرة التي تربط
الإنسان بالله.
ولعلَّ هذا اللون من التصوّر الإيماني للزمن وعلاقته بالمصير في حياة الإنسان، يترك
تأثيره الجيِّد على مسيرة الإنسان، في إحساسه بمرور الثواني والدقائق والساعات
والأيام، ليتوقَّف عندها، ولينضبط أمامها، تماماً كما يتوقَّف أمام أيّ شخص حيّ
يتحفَّز للشَّهادة عليه، ويقف ليواجهه بكلِّ ذلك.
وهذا ما تمثِّله فقرات الدعاء التي يبتهل فيها الإنسان إلى ربّه أن يرزقه التوفيق
ليصاحب هذا اليوم مصاحبةً حسنةً، ويعصمه من سوء مفارقته بارتكاب الخطيئة، صغيرةً،
أو كبيرة، حتى يحصل على محبَّة يومه، وليفوز، بالتَّالي، برضوان ربّه ومغفرته، من
خلال ما يوفقه إليه من الحسنات ويخليه من السيِّئات، ويجمع له ما بين طرفيه الحمد
لله والشّكر له والأجر العظيم والفضل الإلهيّ والإحسان الرباني الذي يمثّل خطّ
الفائزين.
* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.