العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
02 شعبان 1444هـ
/ 22/02/2023
[فيما يتعلَّق بعناصر الاختيار في مسألة الزواج]، نرى أنَّ للفتاة، كما للشابّ، الحقّ في أن تطلب الأشياء الذاتيَّة، باعتبارها إنسانةً لها أحاسيسُ ومشاعرُ وطريقة في التَّفاعل مع الإنسان الآخر، فلها أن تطلب، في عمليَّة اختيارها، الإنسانَ الجميلَ، أو الإنسانَ المقبولَ من حيث الشَّكل، لأنّها لا تطيق أن تعيش مع إنسان قبيح الشَّكل، تماماً كما هو الحال بالنِّسبة إلى الرجل، ولها أن تطلب الإنسان الَّذي يمثّل الكفاية الحياتيّة من حيث إمكانياته الماديَّة، ولها أن تطلب الشخص الذي يملك مستوى ثقافياً معيَّناً أو مستوى اجتماعياً معيَّناً.
إنَّ الإسلام لا يقف أمام رغبة المرأة في تحديد المواصفات الذاتيَّة للرجل الذي تريد أن تختاره، باعتبار أنَّ مسألة الزواج هي مسألة اختيار ناشئ عمَّا يفكِّر فيه الإنسان في حياته. ولكنّ الإسلام الذي يحترم إرادة المرأة والرجل في هذا المجال، يحاول أن يوجِّه رغباتهما ليؤكِّد أنَّ هذه المواصفات التي قد تنجذب إليها المرأة أو الرَّجل، لا تمثّل القيمة الكبيرة، بحيث يجعلانها في قِمَّة اهتماماتهما، فتكون الخطّ الصَّحيح في حياتهما.
إنّ مثل هذه الأمور لا تُعتبر أساساً في ثبات الحياة الزوجية؛ فالجمال، مثلاً، شيء طبيعيّ في الرَّغبة، ولا سيَّما في مجال الرغبة الحسّية، ولكن قد يذهب الجمال بفعل التَّشويه، أو بفعل أيّ وضع من الأوضاع، وربّما يذهب المال، وربّما يصاب الإنسان بنكسة ماليَّة أو بخسارة كبيرة، وقد يفقد مركزه الاجتماعيّ مثلاً، وتضعف ثقافته بفعل عدم الممارسة... إنَّ هذه الأمور ليست من الأمور التي تمثّل العناصر الثابتة التي يمكن أن تتحرّك في داخل الحياة الزوجيَّة لتضمن سلامتها. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الزواج يمثّل علاقة خاصَّة، لأنّه يمثّل أسلوباً من أساليب حركة العلاقات الإنسانيَّة في ما يتصرّف به كلّ فريق تجاه الفريق الآخر، على مستوى احترام حقوقه، وعلى مستوى طريقة إدارة المعنى الإنسانيّ في داخل هذه العلاقة، وما إلى ذلك.
إنَّ هذه المسألة تتَّصل بالجانب الأخلاقي في شخصيَّة الزوج أكثر ممّا تتّصل بالجانب الماديّ، فقد يُغرق الزَّوج زوجته بالمال أو بتلبية الرغبات الحسّيَّة، ولكنّه لا يحسن التعامل معها بشكل إنسانيّ جيِّد، من خلال غياب الجانب الإنسانيّ في تعامله، وبذلك، فإنَّ حياتها سوف تتحوّل إلى جحيم. وكذلك عندما لا يكون الإنسان متديّناً يخاف الله، فإنّه من الممكن جداً أن ينعكس عدم تديّنه على طريقة تعامله مع زوجته الَّتي يستضعفها في البيت، عندما لا يكون هناك شخص آخر معهما يحمي الزوجة منه، كما أنّه يستطيع أن يدمِّر حياتها بطريقة أو بأخرى، من خلال طبيعة إثارة المشاكل والقضايا وما إلى ذلك بشكل سلبيّ في الحياة الزوجيَّة.
لهذا، ركَّز الإسلام، في توجيهه المرأة، على الارتفاع برغباتها إلى الجانب الَّذي يمسّ عمق إنسانيَّة العلاقة وعمق شأنها، وهو "الخُلُق والدِّين"، فقد جاء في الحديث المأثور: "إذا جاءكم مَنْ تَرْضَون خُلُقه ودينه فزوِّجوه، إلَّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير" ، على أساس أنّ الزيجات التي تتحرَّك خارج هذا النطاق، هي زيجاتٌ لا بدَّ أن تفرز الكثير من المشاكل ومن الخلافات ومن الفساد في العلاقات الزوجيَّة.
لا أريد أن أقول إنَّ على المرأة أن تنظر إلى الخُلُق والدِّين ولا تنظر إلى الأشياء الأخرى، وإنّما أريد أن أقول إنَّ الفكر الإسلاميّ، في ما نفهمه من أمثال هذه الأحاديث، يدعو المرأة، عندما تريد أن تنظر إلى الجوانب الأخرى إلى أن لا تعتبرها الأساس، بل عليها أن تنظر إلى العناصر التي تمسّ طبيعة العلاقة الزوجيَّة من حيث هي علاقةٌ إنسانيّةٌ اجتماعيّة تحتاج إلى الأخلاق التي تحكم نظرة كلٍّ من الزوجين إلى الآخر وتصرّفه نحوه، وإلى الالتزام الدينيّ الذي يمثّل الضَّابطة التي تضبط تصرّفات الزوج في الخطِّ الشرعيّ نحو المرأة. للمرأة الحقّ في أن تطلب الرجل الجميل، والرجل الغنيّ، والرجل الذي يملك مركزاً اجتماعياً، والّذي يملك مركزاً ثقافياً، ولكن عليها أن تضع أمامها، إلى جانب هذه العناصر، عنصرَي الخُلُق والدّين، لأنّهما هما اللَّذان يساهمان في نجاح الحياة الزوجيَّة، حتّى ولو افتقر الرَّجل أو ذهب جماله أو فقد مركزه الاجتماعي.
إنَّ الأخلاق والدِّين يمكن أن يمثِّلا الأساس في هذا المجال، وهذا المعنى الذي يؤكّده الإسلام في الرجل يؤكّده في المرأة، فقد ورد في بعض الأحاديث أنَّ هناك مَن جاء إلى رسول الله (ص) يستأمره في الزّواج، فقال (ص): انكح، وعليكَ بذات الدِّين تَرِبَتْ يداك" . انطلاقاً من هذا التعبير، أيضاً، لا بدَّ للرجل من ألَّا يجعل جمال المرأة ومالها الأساس، ولذلك ورد في الحديث: "من تزوَّج امرأةً لا يتزوَّجها إلَّا لجمالها، لم ير فيها ما يحبّ، ومن تزوَّجها لمالها لا يتزوَّجها إلَّا له، وكله الله إليه" . الدِّين، إذاً، هو الأساس في شخصيَّة المرأة في العلاقة الزوجية، والدِّين هو الأساس في الرَّجل في مسألة العلاقة الزوجية، والأخلاق هي نوع من أنواع الفكر الدينيّ في تفاصيله.
وإضافةً إلى ما سبق، نريد أن نؤكِّد حقيقة؛ وهي أنَّ المرأة التي تطلب الجمال والثقافة والمال والمركز في الرَّجل، إلى جانب الخلق والدّين، هي امرأة غير منحرفة إسلامياً،. كما أنّ الرجل الذي يطلب في المرأة المتديّنة الجمال والمال والثقافة والموقع الاجتماعي، هو إنسان ليس منحرفاً إسلامياً، فالانحراف هو أن يكون الجمال كلّ شيء، أو أن يكون المال كلّ شيء، أو أن يكون المركز الاجتماعي كلّ شيء، بحيث تكون الأخلاق والدِّين حالة هامشيَّة في البحث عن الشريك في الحياة الزوجيَّة.
* من كتاب "تأمّلات إسلاميَّة حول المرأة".