العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
02 شعبان 1444هـ
/ 22/02/2023
يقول تعالى في كتابه الكريم عن المؤمنين:
{... يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}[المائدة: 54].
نحن نتمسّك بخطّ الجهاد ولو تكلَّم علينا النَّاس، ولو وقفوا ضدّنا، ليست عندنا مشكلة ما دام الله معنا، هذه هي الفكرة. ليس المؤمن أن يكون قلبه هواء، وعندما تتحرَّك الموجة يخذل أصحاب الحقّ. بعض النَّاس يخذلون الحقّ ويخذلون أصحابه، لأنّهم يخافون كلام النَّاس. وسيحاسب الله الساكتين عن الحقّ، كما يحاسب الله أعداء الحقّ، ولهذا "السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس".
أيُّها المؤمن، كن مع الله وخف الله تكن قويّاً، وهذا ما أكَّدته الآية الكريمة:
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: 173]، الناس كلّهم ضدّك، وقد تجمَّعوا ليهزموا موقفكم ويسقطوا روحيَّتكم ويعملوا على اضطهادكم وتصفيتكم. ولكن كلَّ هذا التَّهويل زادهم إيماناً، لأنّهم شعروا بأنّهم لو لم يشكِّلوا خطراً على التيَّار المنحرف، لَمَا تجمَّع هؤلاء.
أنا أقول لكم شيئاً، كمؤمنين، كلَّما سبَّكم النَّاس أكثر، كلّما اضطهدوكم أكثر، كلّما اشمأزَّت نفوسهم منكم أكثر، يجب أن تكون ثقتكم بأنفسهم أكبر، لأنّه لو لم تكونوا خطراً على الكفر والضّلال والانحراف، لَمَا شعر الناس بأهميّتكم ليضربوكم وليحاصروكم.
إذا لم يشتمك أحد، وإذا لم يؤذك ويضطهدك أحد، فَأَعِد النظر في وضعك؛ إنّك بقدر ما تكون خطراً على الكفر وعلى الظّلم والطغيان، يكون ذلك دليلاً على أنَّك تسير في الاتجاه الصَّحيح. فلهذا، عندما قالوا لهم إنَّ الناس كلّهم ضدّكم، والناس كلّهم في خطّ الكفر، زادهم إيماناً.
لذلك، نحن نشعر بقيمة إيماننا وقوَّة إيماننا
{فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران: 174 ـــ 175].
إذا وقفتم بين خوف الله وبين خوف أولياء الشَّيطان، فخافوا الله وتقدَّموا، ولا تخافوا أولياء الشَّيطان، ولا تأبهوا لكلِّ تهاويلهم وأوضاعهم. والله يحدِّثنا عن بعض النَّاس الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله
{إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً}[النساء: 108]، الله يقول لرسوله في بعض المواقف، عندما كان النبيّ (ص) يتأثّر من كلام الناس خوفاً على الرّسالة
{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}[الأحزاب: 37]، ما يعطينا القوّة في متابعة خطِّ السَّير في طاعة الله، وفي خطِّ الإسلام الحقِّ المتحرّك على رضى الله.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".