العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
03 شعبان 1444هـ
/ 23/02/2023
يشتمل الإسلام على المرونة والقدرة على التكيّف في مسألة التشريعات الإسلاميَّة.
ونحن نقول إنَّ الأخلاق الإسلاميَّة ليست مثاليَّة بالمطلق إذا كان المقصود بالمثاليَّة ما يتعالى على الواقع ولا نستفيد منه، فالإسلام واقعيٌّ في سننه الأخلاقيَّة، فمثلاً، عندما نواجه بعض الحالات في الواقع السياسيّ الَّذي نعيش فيه، حالات اضطهاد للنَّاس من قِبل أجهزة مخابراتيَّة أو أجهزة أعداء، فلو قُدِّم الإنسان إلى المحقِّق وطُلب منه أن يفضح أسرار شعبه أو دولته، وقيل له احلف بالله، ونحن نعرف أنَّ الكذب حرام، في هذه الحال، يحرم عليه قول الصِّدق، ويجب عليه التمويه والكذب، لأنَّ الله حرّم الكذب كخاصيَّة إفساد للإنسان وأراد له الصِّدق، لأنَّه يرتفع بمستواه، فإذا تحوّل الصِّدق إلى أداة سلبيَّة ضدّ مصلحة الإنسان، فيجب الكذب في هذه الحالة التي يتقدَّم فيها الأهمّ على المهمّ، وهناك حديثٌ يقول: "احلف بالله كاذباً ونجّ أخاك من القتل".
ونحن نقول إنَّ الأخلاق الإسلاميَّة متحرّكة، كالغيبة مثلاً، فهي محرَّمة، ولكن، مثلاً، إذا جاءك إنسانٌ يستشيرك في مسألة، وكنت تعرف أشياء سلبيَّة فيمن يستشيرك عنه، فهنا الحديث عن خفايا الشَّخص هو غيبة، ولكن لو أغلق باب النَّصيحة لاختلَّ نظام العالـم، ولذلك نقول إنَّ من مستثنيات الغيبة إعطاء النَّصيحة.
وهكذا، فإنَّ الأخلاق والقيم الإسلاميَّة ليست مثاليَّة بل واقعيَّة، فهي بقدر ما تلتصق بالمبادئ، تتوازن لما فيه صلاح الإنسان.
ثُمَّ هناك الانفتاح، فالإسلام هو دينٌ منفتح على العلوم والمعارف، ولذلك رأينا كيف استقدم الإسلام العلوم الأخرى من مناطق غير إسلاميَّة بواسطة الترجمة، وترك للحوار المجال الواسع في هذا الاتجاه.
وهكذا أراد الإسلام للنّاس أن يأخذوا بأسباب القوَّة، ولكن القوّة التي تحمي الإنسان ولا تسقطه. ولهذا، عندما ندرس آيات القتال في الإسلام
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}[البقرة:190] {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}[النساء: 75]، نجد أنَّ القتال في الإسلام هو وقائيّ تارةً ودفاعيّ أخرى، تماماً كأيِّ بلدٍ يتحرّك في خطِّ مواجهة الأعداء.
وعلى ضوء هذا، هناك عناصر أخرى تعني أنَّ الإسلام عندما يدخل ساحة التَّنافس الحضاريّ، فإنَّ لديه القدرة على أن يأخذ دوره في الحياة إذا تهيَّأت له الظروف الملائمة، لأنَّه يختزن الكثير من الغنى في العناصر الحضاريَّة التي يمكن للإنسان أن يعيش معها براحة وسعادة، وهذه هي مسألة الحضارة.
إنَّ قيمة أيّ حركة حضاريَّة هي بمقدار ما ترفع مستوى الإنسان وتعالج مشاكله، ونحن نتصوَّر بفعل التجربة، وبفعل المكوِّنات الداخليَّة للإسلام، أنَّه قادرٌ على الاستمرار في العصر الحاضر، ودخول معترك التَّنافس مع التيَّارات الأخرى كما كان في الماضي.
* من كتاب "الإسلام وقدرته على التَّنافس الحضاريّ".