قد تجلسون مع الناس في مجالسهم، في السهرات الطّويلة، وفي النّوادي المليئة، قد يتحدَّث محدّث فيسخر بأحكام الله، ويستهزئ بأولياء الله، ويسخر من مجتمعات المؤمنين...
ماذا تفعل أنت في المجلس وهو يخطب ويتحدّث ويسبّ ويشتم، وأنت تعرف أنَّ ذلك كلّه لا يرضي الله، ماذا يفعل بعض النّاس؟ نراهم يضحكون للخطيب، ويصفّقون وهم غير مقتنعين بكلامه، لأنّهم يخافون سطوته، ويريدون رضاه.
بعض الناس يتزلّفون للمتحدِّث الّذي يسخر بأحكام الله وبأولياء الله، لأنّه من الوجهاء والأغنياء والمسلّحين، أو غير ذلك.
ردُّوا عليهم كلامهم، قولوا له إنّك مخطئ، قولوا له إنّك كاذب، قولوا له إنّك تتكلَّم بغير ما يرضي الله. يقولون إنّنا نخاف أن يقتلونا، أو يسجنونا، أو يعذّبونا، وهذا أمر حاصل، لأنَّ بعض الناس يفهمون الحريّة على أنّها حريّتهم لا حريّة الآخرين، ويفهمون أنَّ الأمن أمنهم لا أمن الآخرين، وأنَّ الحقَّ حقّهم لا حقّ الآخرين. لكنَّ الله يقول لك إذا لم تستطع أن تتكلَّم، فانسحب.
اسمعوا كلام الله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ...}[النساء: 140].
أنتم تفهمون اللّغة العربيّة أم لا؟ وهذه الآية لا تحتاج أن أُفسِّرها لكم، إذا كان الأمر كذلك، لا تجلسوا، انسحبوا، حتّى تعبّروا عن احتجاجكم بانسحابكم، وهذا موجود في العالَم، سفراء الدّول عندما يحضرون حفلة خطابيّة، أو مهرجاناً، وينطلق خطيب ليهاجم دولة هذا السّفير، فإنَّ القوانين تمنع السّفير من أن يقف ليردّ، ولكنَّ تعليمات دولته تفرض عليه أن ينسحب ليعبِّر بانسحابه عن احتجاجه، وإذا لم يفعل ذلك عوقب. الله يقول لكلّ مؤمن إنَّك سفير الله في كلّ مجتمع، إيمانك يفرض عليك أن تمثّل أنَّك سفير الله، تدافع عن أحكام الله، وعن أولياء الله في كلّ مكان. إذا لم تستطع أن تدافع فانسحب {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} إذا لم تنسحبوا، {إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ}، يعني إذا سمعت الكلمة، فكأنّك قلتها إذا لم تنسحب، وكأنّك ألقيت الخطاب الذي لم تنسحب منه، إنّكم إذا لم تفعلوا ذلك، وإذا قعدتم معهم، وإذا بقيتم معهم {إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيع}. معنى ذلك أنّك ستحشر مع الخطيب ومع المتكلِّم، لأنَّ جلوسك مع قدرتك على الانسحاب رضى بعمله، "الرَّاضي بفعل قومٍ كالدَّاخل فيه معهم"(1).
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
[1]نهج البلاغة، ج:18، باب:148، ص:362.