د. أحلام شهيد علي حول ظاهرة العنف ضدّ المرأة في العراق:
لصناعة ثقافةٍ إنسانيّةٍ متطوّرةٍ تجاه المرأة
على الرّغم من أنَّ الإنسان يعيش في عصر الحداثة والعولمة والتطوّر على كلّ المستويات، إلا أنَّه على صعيد بعض الممارسات، بقي لا يعبِّر عن حقيقة هويّته الإنسانيّة، وخصوصاً لجهة ممارسة العنف ضدَّ المرأة، والّذي يتفشّى في كثير من المجتمعات تحت مبرّرات ومسمّيات واهية. ولقد تخطّت هذه الظاهرة مجتمعاً بعينه، فأضحت مشكلةً عالميّةً، على حدّ وصف منظّمة الصحّة العالميّة.. والّذي يلفت الانتباه أكثر، أنّ انتشار هذه الظّاهرة في المجتمعات الّتي تعتبر محافظةً أكثر من غيرها، يثير الكثير من التّساؤلات حول طبيعة هذه الظّاهرة.
حول طبيعة هذه الظّاهرة وتفشّيها في المجتمع العراقيّ المحافظ، وللإضاءة على موضوع العنف ضدَّ المرأة في العراق، توجَّهنا بمجموعةٍ من الأسئلة إلى الدّكتورة أحلام شهيد علي، المستشارة الثّقافيّة في سفارة جمهوريّة العراق في بيروت. وهذا نصّ المقابلة:
العنف الأسريّ في العراق
ـ تحدَّثت كثير من الصّحف والمواقع الإلكترونيَّة عن انتشار ظاهرة العنف الأسريّ في العراق، وخصوصاً ضدّ النّساء. ما هي الأمور الّتي ساعدت على تفشّي هذه الظّاهرة، مع أنّ المجتمع العراقيّ مجتمع إسلاميّ ومحافظ؟
ـ تعدّ ظاهرة العنف كنوعٍ من أنواع السّلوك البشريّ، ظاهرةً قديمةً قدم الإنسانيّة، ولها تفسيراتها المتعدّدة، ورغم الخطى الواسعة نحو التقدّم والازدهار في شتّى ميادين الحياة، إلا أنّنا لازلنا نشهد سيادة منهج العنف والسّلوك العدوانيّ بين البشر، فالعنف سلوك أو فعل إنسانيّ يتّسم بالقوّة والإكراه والعدوانيّة، صادر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعةً أو دولة، وموجّه ضدّ الآخر بهدف إخضاعه واستغلاله في إطار علاقة قوّة غير متكافئة، ما يتسبَّب في إحداث أضرار مادية أو معنويّة لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.
والعنف ضدّ النّساء هو أحد مظاهر العنف عموماً، وهو لا يقتصر على مكانٍ أو زمانٍ محدّدين، فهو ظاهرة عامّة لكافّة الطبقات المجتمعيّة والثقافيّة، وهو أسلوب معتمد في التّعاطي مع المرأة لدى المجتمعات النّامية والمتطوّرة، فعلى مرّ التّاريخ، وفي كلّ مكان، تعرّضت المرأة وتتعرّض لعنف المجتمع والأسرة والرّجل، كنتيجة للعلاقات غير المتكافئة بين الرّجل والمرأة في الأسرة والمجتمع على السواء.
وفي العراق، كما في غيره من الدّول، تتعرّض المرأة للعنف الذّكوريّ، وقد ازدادت هذه الظّاهرة مؤخّراً نتيجة الظروف القاسية الّتي مرّ بها الشعب العراقيّ.
الحروب تولّد العنف
ـ هل يتقبّل المجتمع العراقيّ هذه الظّاهرة، وهل الظّروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة الصّعبة تساعد على انتشار هذه الظّاهرة؟
ـ تشير التّقارير الدولية في هذا المجال إلى أنّ العنف ضدّ النّساء يبلغ أعلى مستوياته أينما وجدت الحروب والصّراعات في البلدان التي تشهد اضطراباً أمنيّاً وتدهوراً اقتصادياً ومعاشياً وغياباً للرقابة الحكوميّة.
وعلى الرّغم من أنّ المجتمع العراقيّ مجتمع محافظ ويحرص على القيم الدينيّة الّتي تمنع تعنيف المرأة وتحرص على حفظ كرامتها وحمايتها وحسن معاملتها، إلا أنّ ازدياد ظاهرة العنف ضدّ النّساء ليس نتاج قيم دينيّة، إنّما هو نتاج لضغوط اجتماعية واقتصادية، فلا أعتقد أن هناك شعباً في العالم عانى ما عاناه الشعب العراقي من ضغوط شديدة وصراعات ناتجة من حروب متتالية وعزلة وعقوبات دوليّة، هذا فضلاً عن معاناته الداخلية بسبب الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، ما جعله يواجه أقسى أنواع الاضطهاد والانتهاكات الموجّهة إلى الإنسان العراقي عموماً دون استثناء، فكلّ فئات المجتمع من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، كانوا عرضةً للانتهاك، وبالطبع كان نصيب المرأة من ذلك هو الأكبر، فهي الأم والزوجة والعاملة والمسؤولة عن شؤون المنزل، وكلّ ذلك يعرّضها للانتهاك والعنف المادّيّ أو المعنويّ، سواء كان عنفاً اجتماعيّاً أو اقتصاديّاً أو سياسيّاً أو قيميّاً.
إحصائيّات حول النّساء المعنّفات
ـ هل من إحصائيّات رسميّة دقيقة لعدد النّساء المعنّفات، وأين أصبحت الحملة الوطنيّة الشّاملة الّتي أطلقتها وزارة الدّولة لشؤون المرأة للقضاء على العنف الأسريّ؟
ـ تفيد الإحصائيّات الصّادرة عن منظمة الصحّة العالميّة، أنّ حوالى 24-33% من النّساء في العراق يتعرّضن للعنف الجسديّ أو التعسف العاطفيّ، رغم أنّ العديد من حالات العنف لا يبلّغ عنها لأسباب اجتماعيّة.
وفي عام 2010، أطلقت وزارة الدّولة لشؤون المرأة العراقيّة استراتيجيّة جديدة لمناهضة العنف ضدّ المرأة في العراق، شارك فيها ممثّلون عن وزارات أخرى، مثل وزارة الدّاخليّة ووزارة حقوق الإنسان، إضافةً إلى صندوق الأمم المتّحدة الإنمائيّ للمرأة. ولكنّ ذلك لا يكفي، فلا بدَّ من أن تتحوّل الخطط والقوانين من مجرّد حبرٍ على ورق، إلى واقعٍ تنفيذيّ يهدف إلى الحدّ من الانتهاكات الّتي تتعرّض لها المرأة، وإلى حمايتها من العنف ومن اضطهاد الرّجل والأسرة والمجتمع والأعراف. وأعتقد أنّ ذلك يتطلّب تضافر جهود الحكومة مع المجتمع المدنيّ ووسائل الإعلام، من أجل التّثقيف ضدّ الأعراف والتّقاليد الاجتماعيّة البالية الّتي اتخذ بعضها صفة شرعيّة دون حقّ، وكذلك تثقيف المرأة نفسها وتوعيتها بحقوقها الإنسانيّة والوطنيّة وكيفيّة الدّفاع عنها.
غطاء قانونيّ لتعنيف المرأة
ـ لماذا لم يشرّع إلى الآن قوانين لتعزيز حقوق الإنسان في العراق، وهل صحيح أنّ هناك غطاءً قانونيّاً يسمح للرّجل أو الزوج باللّجوء إلى العنف، مثل ضرب الأبناء أو الزوجة؟
ـ تضمّن الدّستور العراقيّ العديد من الفقر الّتي تحفظ حقوق الإنسان، فمثلاً الفقرة الرّابعة من المادّة (29)، تمنع كلّ أشكال العنف والتعسّف في الأسرة والمدرسة والمجتمع، والمادّة (140) من القانون المدنيّ تسمح للأرملة والمطلّقة أو غير المتزوّجة بالحصول على تعويضات.
وهناك مشروع قانون حماية الطّفل العراقي، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر.
إلا أنّ المادّة 41 (1) من قانون العقوبات، تمنح الحقّ القانونيّ للزّوج بمعاقبة زوجته دون حسيب ورقيب، ما يستدعي تعديل مثل تلك التّشريعات، لأنّها مخالفة للقوانين الدّوليّة الّتي وقّع عليها العراق، ومنها قانون حقوق الإنسان.
زواج الفتيات المبكر
ـ في سياقٍ متّصل، تتفشّى ظاهرة الزّواج المبكر للفتيات، ما يساعد على خلق مشاكل اجتماعيّة، منها ظاهرة ترك التّعليم. ما خلفيّة هذه الظّاهرة ـ الزّواج المبكر، ـ وكيف تنظرون إليها؟
ـ لا أرى أنّ هناك تفشّياً لظاهرة الزّواج المبكر في العراق، بل هي حالات معدودة لا تشكل ظاهرة، ويعود السّبب في ذلك إلى الأحداث المضطربة الّتي مرّ بها العراق طيلة السنوات المنصرمة، والّتي قادت إلى انحسار دور التشريع العراقي، الّذي أولى اهتماماً بقضيّة زواج القاصرات، وصار الكثير من عقود الزّواج يبرم خارج المحاكم وبعيداً عن أعين القانون.
المرأة العراقيّة دون دعمٍ رسميّ
ـ يوجد أعداد هائلة من الأرامل والمطلَّقات العراقيّات نتيجةً للأوضاع الصَّعبة الّتي مرّ بها العراق ولا يزال. هل من مواكبة فاعلة رسميّة ومدنيّة لأوضاعهنّ؟
ـ لقد بلغ عدد النّساء الأرامل والمطلّقات أرقاماً قياسيّةً نتيجة الحروب العبثيّة في العهد البائد، والإرهاب الّذي لازال مستمرّاً، ما يجعل العدد في تزايد مستمرّ، ومعظمهنّ بلا موارد، والكثير منهن يتحمّلن مسؤوليّة معيشة أطفالهنّ، ما يجعل هذه الشّريحة الواسعة من المجتمع العراقيّ تعيش مأساةً حقيقيّةً، ولا سيّما أنّ المعونة الاجتماعيّة الّتي تقدّم لهنّ لا تتناسب مع ارتفاع مستوى المعيشة في البلد، حيث خصّصت الحكومة العراقيّة راتباً شهريّاً يبلغ حوالى 120 دولاراً للّواتي ليس لديهنّ مورد ثابت، وهذا لا يكفي لحلّ المشكلة. لذا فإنّ هكذا وضع مأساويّ لا شكّ أنّه ينذر بعواقب اجتماعيّة وخيمة مالم يتمّ معالجته، وفي هذا الصّدد، نحن بحاجة إلى استراتيجيّة وطنيّة تشارك فيها جميع مؤسّسات الدّولة المعنيّة بالاشتراك مع منظّمات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات الإعلاميّة ومراكز البحوث والدراسات، لبحث أوضاع الأرامل والمطلّقات، ووضع الحلول الواقعيّة الممكن تنفيذها لهذه المشكلة، ووضع الآليّات لذلك ضمن فتراتٍ زمنيّة محدّدة.
لثقافةٍ إنسانيّةٍ حيال المرأة
ـ هل من شيء تودّين إضافته حول الموضوع أو بشكلٍ عام؟
ـ نعم ، أرى أنّ سنّ القوانين والتّشريعات لا يكفي لمعالجة قضيّة المرأة، فلا بدّ من أن تتضافر جهود المعنيّين بالأمر من المؤسّسات الرّسميّة وغير الرّسميّة، وأن ينشط الإعلام بكلّ أشكاله وأساليبه في صناعة ثقافة متطوّرة تجاه المرأة كوجود ورسالة ودور إنسانيّ ووطني، ولا بدّ من إبداع مؤسّسات مدنيّة جادّة وهادفة للدّفاع عن المرأة وصيانة وجودها وحقوقها. كما أنّ للنّخب الدينيّة والفكريّة والسياسيّة الواعية أهميّةً حاسمةً في صناعة حياة تقوم على قيم التّسامح والأمن والسّلام.
بروفيسور د.أحلام شهيد علي
المستشارة الثقافيّة في سفارة جمهوريّة العراق/بيروت