قال الله سبحانه وتعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159]. صدق الله العظيم.
مرَّت علينا في السَّابع والعشرين من شهر رجب، ذكرى المبعث النبويّ الشَّريف، هذا اليوم الّذي نزل فيه جبريل الأمين على رسول الله (ص) وهو في غار حراء، ليبلّغه كلام ربِّه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1- 5] .
بدءُ رسالةِ الإسلامِ
لقد كانت هذه الآيات إشارة من الله سبحانه وتعالى لرسوله، أنّ عليه أن يبدأ العمل لإخراج النَّاس مما كانوا يعانونه من جهل وتخلف وانحراف وضلال، والأخذ بأياديهم إلى حيث الإيمان والعلم والوعي والهداية.. لبّى رسول الله (ص) نداء ربّه، وبلَّغ ما أمره الله سبحانه وتعالى به، وتحمَّل لأجل ذلك الأذى والحصار والتجويع والتهجير والحروب التي شنَّت عليه، واستطاع في خلال فترة لم تتجاوز الثَّلاث والعشرين سنة، أن يفتح قلوب النّاس على رسالته، وأن يوصل صوت الإسلام إلى أرجاء المعمورة.
وفي ذلك نزلت الآيات: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[سورة الفتح].
عواملُ نجاحِ الرّسالةِ
وهنا، قد يطرح السّؤال: ما الذي جعل هذه الرّسالة تبلغ هذا المدى الذي وصلت إليه؟ وكيف استطاع رسول الله (ص) أن يغيّر مجتمعاً جاهليّاً متخلِّفاً تتفشَّى فيه الأميَّة، وتفتك به الصِّراعات القبليَّة والعشائريَّة، إلى مجتمع حمل الحضارة إلى العالم.
تُذكر عوامل عديدة ساهمت في سرعة هذا التَّغيير، منها طبيعة الدِّين الّذي حمله رسول الله (ص) إلى النّاس، فقد جاء هذا الدين في عقائده وشريعته ومفاهيمه منسجماً مع موازين العقل ونداء الفطرة، وداعياً إلى القيم الأخلاقية والإنسانية، ومنها الأثر الذي تركه القرآن الكريم في الذين كانوا يستمعون إلى آياته، في بلاغته وفصاحته ومضمونه ورونقه وجماليّة كلماته وعلوّ معانيه، والذي وصل بهم إلى أن يقولوا إنَّه سحر، ومنها القدرة التي أظهرها الإسلام في معالجة المشكلات التي تعانيها الجزيرة العربية وتوحيدها، بعدما كانت تعبث بها الفتن والحروب التي أكلت أخضرها ويابسها، والتي أشار إليها الله سبحانه عندما قال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}[آل عمران: 103].
عاملُ الرّحمةِ
لكن يبقى العامل الأهمّ في نجاح رسول الله (ص) في دعوته، والذي لا بدّ من التوقّف عنده اليوم، وهو الرحمة التي تميَّز بها الرسول، والتي أشار إليها القرآن الكريم، بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. وهي أساساً تجسيد لرحمة الإسلام وروحانية أخلاقه.
لقد كان القرآن واضحاً في إشارته إلى دور الرحمة التي كانت في قلب رسول الله (ص)، والتي كانت تظهر على لسانه وتصرفاته مع الناس، فرسول الله (ص) لم يكن فظّ اللّسان، ولم يحمل في قلبه حقداً على أحد، ولم يبادل الإساءة بمثلها، وهذا ما ظهر جلياً في تعامله مع الّذين آذوه ووضعوا الأشواك في طريقه واتهموه بالسّحر والجنون، وأبعدوه عن أحبّ البقاع إليه، وحاربوه وقتلوا أعزّ أصحابه إليه، فرغم كلّ ذلك، كان رسول الله يتحسَّر ويتألم لحالهم، حتّى كادت نفسه تزهق لذلك، حتى إنَّ الله سبحانه تدخل للتخفيف عن نفسه، قائلاً له: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}[فاطر: 8] ويدعو لهم، فيقول: "اللَّهمَّ اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
ولذلك، عندما قيل له يوم أُحُد، بعد أن شُجَّ رأسُهُ وكسرت رباعيته وقتل سبعون من أصحابه: لم لا تدعو عليهم؟! قال: "إنّي لم أُبعَثْ لعّاناً، إنّما أنا رحمة مهداة".
تخليدُ صفةِ الرّحمةِ
وقد سجَّل الله له هذه الرحمة وخلّدها من بين كل الصفات الأخرى التي تحلَّى بها رسول الله (ص) وتميَّز، فالله سبحانه وتعالى عندما تحدَّث عن النبيّ (ص) في كتابه العزيز، لم يتحدث عن عبادته، رغم أنه كان أعبد الناس، فقد كان يقوم الليل حتى تتورّم قدماه من الوقوف للعبادة، ولم يقدِّمه على أساس زهده بالدنيا، رغم أنَّ الدنيا أقبلت عليه، ولذلك عندما رآه أحد أصحابه ينام على حصير راح يبكي، وعندما سأله رسول الله: ما الذي يُبكيك؟ قال: ما لي لا أبكي، وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِك، وهذه خِزانتُك لا أرَى فيها إلَّا ما أرَى، وذاك كسرَى وقيصرُ في الثِّمارِ والأنهارِ! قال له (ص): "أما ترضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدُّنيا؟".
ولم يشر القرآن إلى شجاعته وبطولته، وهي الّتي قال عنها عليّ (ع): "كنا إذا احمرّ البأس، اتَّقينا برسول الله، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه"، أو عن عدله، وكان العادل بين الناس، وهو الَّذي قال: "وأيْمُ اللهِ، لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، ولا إلى تواضعه، لكنَّ الله سبحانه وتعالى عندما تحدّث، عنه تحدّث عن عظمة أخلاقه، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]، وعن رحمته: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107].
مواقفُ تجلَّتْ فيها رحمتُهُ (ص)
وقد تجلّت هذه الرحمة في الكثير من مواقفه، وظهرت آثارها على صعيد رسالته، ونحن اليوم سنكتفي ببعضها:
الموقف الأوّل: ورد عن أحد أصحابه أنّه قال: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رسول الله (ص) وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ، فأَدْركَهُ أَعْرَابيٌّ، فَجَبَذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدَةً، فَنظرتُ إِلَى صَفْحَةِ عاتِقِ النَّبيِّ (ص)، وقَد أَثَّرَتْ بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِن مالِ اللهِ الَّذِي عِندَكَ، فالتَفَتَ إِلَيْه، وضَحك، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ".
الموقف الثاني الذي جاء فيه أنَّ يهوديّاً كان يضع النّفايات أمام بيت النبيّ، فنهاه رسول الله عن فعل ذلك، لكنَّه استمرَّ على ذلك رغبةً بإيذاء الرّسول. وفي يوم، افتقد رسول الله هذه النِّفايات، فسأل عن اليهوديّ الذي يلقيها، فقيل له إنّه مريض، فذهب إليه وتفقَّده، وأبدى الاستعداد لمساعدته في مرضه ومساعدة عائلته، من دون أن يعاتبه على ما كان يقوم به في صحَّته.. كان هذا اللّقاء كافياً لأن يقول الرَّجل: افتح يدك يا رسول الله حتى أبايعك على الإسلام.
الموقف الثَّالث لما عاد إلى مكة فاتحاً منتصراً، وجاء إليه أهلها من الَّذين نكَّلوا به وعذَّبوه وحاصروه وتآمروا عليه لقتله، ما دعاه إلى أن يترك مكَّة التي كانت أحبّ البقاع إليه، ويهاجر إلى المدينة حيث شنّوا عليه الحروب... وكانوا ينتظرون قراره فيهم، قال يومها كلمته لأهل مكَّة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، كلمة كانت كافية لتعبِّر عن رحمته ورحمة الدين الذي جاء به، وأن يجعل قلوب الناس تنقاد إلى رسالته.
الرّحمةُ قبلَ السّيفِ
إذاً، الرَّحمة التي ملأت قلب رسول الله (ص) وظهرت على لسانه ومواقفه، كانت المفتاح لقلوب النَّاس وعقولهم، وبهما انتشر الدّين وامتدّ في الآفاق.. وفي ذلك الرّدّ على كلّ الذين يقولون بأنَّ الإسلام انتشر بالسّيف. صحيح كان للسَّيف دور في الدّفاع عن الدّين، لكنّ هذا السّيف لم يسلَّط على أحد للدخول في الإسلام، حيث كان القرآن واضحاً في ذلك، إذ قال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: 256]، بل كان في مواجهة السّيوف التي أرادت استئصاله أو منعه من أن يصل إلى الناس، وكانوا عقبة في وجه الدعوة، فقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا}[البقرة: 190]، وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ}[الأنفال: 39].. أما من لم يقاتل على الدّين، ولم يخرج المسلمين من أرضهم، فقد دعا الله سبحانه وتعالى إلى البرّ بهم، وأعطاهم كلّ حقوقهم.. وهذا ما أشار الله سبحانه إليه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: 8].
على هدى الرّسولِ (ص)
أيُّها الأحبَّة، إنّنا نريد لذكرى المبعث الشَّريف الّذي هو يوم ولادة الإسلام والبشارة به، أن تكون مناسبة لنستنفر جهودنا لمتابعة ما بدأه رسول الله (ص)، بأن نفتح قلوب النّاس وعقولهم على ما جاء به رسول الله (ص).
فلا يكفي أن يكون خطابنا مقنعاً وحجَّتنا ظاهرة ومعنا الحقّ ولدينا القوَّة على من خاصمنا، حتى نوصل رسالتنا وما نؤمن به إلى الناس، بل لا بدَّ من أن يكون ذلك مصاحباً للرحمة، وأن نبتعد عما يبعد الناس عنا، كما قال الله سبحانه وتعالى لرسوله (ص): {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. فبالرَّحمة يبلغ الإنسان رحمة الله ويبلغ جنته.
وبذلك نكون جديرين بالانتماء إلى رسول الله (ص) ومتأسّين به، ونكون زيناً له لا شيناً عليه.
الخطبة السياسية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء الشَّهر المبارك الَّذي دخلنا اليوم في رحابه، وهو شهر شعبان، هذا الشَّهر الذي كان رسول الله (ص)، يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه، وكان (ص) ينسبه إليه في إشارة إلى اهتمامه به، وكان يدعو أصحابه إلى أن يشاركوه هذا الاهتمام، فقد ورد أنه (ص) كان إذا دخل شهر شعبان، يأمر منادياً في المدينة أن ينادي في أزقتها وشوارعها: "يا أهل يثرب، إني رسول الله إليكم، ألا إن شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري".
ومن هنا أيُّها الأحبة، فإننا مدعوون إلى الاستنان بسنَّة رسول الله وبما دعا إليه، بأن نحيي هذا الشهر، بما ورد فيه من الصيام وتلاوة القرآن وذكر الله، والاستغفار والصَّدقة والدعاء، وإحياء لياليه بالعبادة، ولا سيما ليلة النصف من شعبان الَّتي هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر.
فلنحرص، أيُّها الأحبَّة، على أن نتزود من معين هذا الشّهر، وأن لا تفوتنا بركاته الروحية والإيمانية والتربوية، لنكون أقرب إلى الله، وبالتالي، أكثر قوة وصلابة في إيماننا، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات، وما أكثرها!
خطرُ الحربِ على العالمِ
والبداية من الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، والتي باتت تنذر بتطورات خطيرة، وقد تكون كارثية على صعيد الأمن العالمي، حيث يخشى أن تتوسع دائرتها، وأن تصل بتداعياتها إلى حرب عالمية ثالثة.
ونحن في هذا المجال، نقف مع كلّ الأصوات التي تدعو إلى إيقاف هذه الحرب الّتي باتت تهدّد حياة البشر، وما شيدته أيديهم لسنوات طوال، ونحن نرى أنَّ الطريق الأسلم يتمّ بمعالجة جادة للأسباب التي أدت إلى نشوئها، والهواجس والمخاوف التي دفعت إليها وعدم التغاضي عنها.
إن العالم يحتاج في هذه المرحلة إلى العقلاء الَّذين بهم تنقذ البشرية، وتوأد الحروب، وتحفظ الأرواح.
ونحن على صعيد هذه الحرب، كنا نأمل من الدولة اللبنانية التي التزمت سابقاً خيار عدم التدخّل في الصراعات الخارجية، أن تبقى على هذا الخيار في التعامل مع هذه الحرب، ما ينعكس على مصالح الوطن الذي هو أحوج ما يكون إلى مساعدة الجميع للنهوض مما يعانيه، إن على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، وأن لا يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد.
تداعياتُ الحربِ.. والانتخاباتُ
ونعود إلى هذا البلد الذي من الطبيعي أن تترك هذه الحرب تداعياتها عليه على الصعيد الاقتصادي، والذي نشهده في ارتفاع الأسعار، وخصوصاً المحروقات، وانعكاسها على بقية السِّلع والخدمات، لندعو الدولة للقيام بسدّ النقص ومنع المحتكرين الَّذين يستغلّون مثل هذا الظّرف لمزيد من الكسب المادي.
في هذا الوقت، بدأت تتضح شيئاً فشيئاً صورة المعركة الانتخابية، والتي ستسعى من خلالها القوى السياسية لكسب مواقع لها في المجلس النيابي، ليكون لها دور في رسم معالم المرحلة القادمة.
إننا في الوقت الذي نرى أنَّ من حقّ كلّ فريق أن يسعى للوصول إلى أهدافه، وأن يكسب لذلك أصوات الناس، فإنّنا نجدّد دعوتنا إلى كلّ المعنيّين بالانتخابات، بالكفّ عن التجييش الطائفي والمذهبي، وكيل الاتهامات الذي يزيد حدة الانقسام في البلد، ليكون الحاكم في هذه المرحلة الصعبة هو الخطاب العقلاني، خطاب البرامج الكفيلة بإخراج البلد من معاناته.
إن على كل المعنيين بالانتخابات، أن يأخذوا في الاعتبار أن الناس لم تعد تخدعهم الكلمات والشعارات، فقد باتوا أكثر وعياً بعدما صقلتهم المعاناة التي مروا بها ولا يزالون، وكشفت الكثير مما كان يخفى عليهم.. هم ينتظرون من كلّ من يتقدموا لكسب أصواتهم، أن يثبتوا أنهم جديرون بحمل هذه المسؤولية، وإن أخطأوا في السابق، بأنهم جادون بالتراجع عن أخطائهم بالأفعال لا بالأقوال.
في هذا الوقت، نتوقف عند الملاحظات الذي أبداها صندوق النقد الدولي الذي يستمرّ التفاوض معه لتأمين مساعدات نقدية تخفِّف من وقع الأزمة الاقتصادية الحالية، حيث عدم الجدية والبطء في إنجاز خطَّة التعافي المالي والاقتصادي.
ولعل الأخطر في ذلك، دعوته إلى مصارحة اللبنانيين بحقيقة ما آل إليه الوضع الماليّ، وحجم الخسائر الواقعة، وإبلاغ المودعين بأنَّ الجزء الأكبر من ودائعهم لم يعد موجوداً في مصرف لبنان، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن على المودعين أن يتحمَّلوا الخسائر التي منيت بها الخزينة، وهي التي نتجت من سرقات وصفقات وسمسرات وهدر وسوء إدارة ممن تولوا المسؤوليّة في المراحل السابقة، وهم من عليه أن يتحمَّلها.
لا للمساومةِ في حقِّ لبنان
وأخيراً، إننا أمام مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلَّة، نجدّد الدعوة إلى ضرورة أن يكون الموقف اللبناني موحَّداً، بما لا يفسح في المجال للتأويل حيال الحقّ اللبناني غير القابل للمساومة، والحريص على الثروة الوطنية كلّها، ولا سيما أن البلد في أمسّ الحاجة لهذه الثروة في ظلّ أزمته الاقتصادية والمعيشية الخانقة.