الترتيب حسب:
Relevance
Relevance
Date

الحفاظُ على مكتسباتِ شهرِ رمضانَ حتَّى لا نخسرَ أعمالَنا

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة السياسية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[النّحل: 92]. صدق الله العظيم.

نقضُ الأعمال!

تشير هذه الآية القرآنية إلى امرأة من قريش، كانت هي وعاملاتها يعملن من الصّباح حتى منتصف النَّهار في غزل ما عندهنّ من الصّوف، وبعد أن ينتهين من عملهنّ، تأمرهنّ هذه المرأة، وبدون أيّ سبب، بنقض ما غزلن، ليذهب كلّ جهدهنّ أدراج الرياح.

قد يكون هذا العمل مستغرباً، ولكن هذا العمل نجد نظائره لدى الكثيرين، وإن كان يتم بأشكال أخرى.

فنحن نراه في الذين يبدّدون أموالهم، بعدما تعبوا في تحصيلها، فيما لا فائدة منه، ولا يجدونه عندما يحتاجون إليه، أو الذين يضيِّعون عمراً مديداً وضعه الله سبحانه بين أيديهم، ليكسبوا به خير الدنيا والآخرة، في اللّهو والعبث، بحيث يخرجون من الدنيا خالين من أيّ زاد يلقون به الله تعالى.. ونراه أيضاً في الذين يقومون بواجباتهم ويؤدّون ما أوجبه الله عليهم، فيصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون، ويقومون اللّيل ويفعلون المستحبّات، ولكن تراهم يفرّطون بكلّ ذلك بارتكابهم المعاصي أو بسوء الخلق، أو بظلمهم النّاس قولاً أو فعلاً. لذا، عندما يقفون بين يدي الله ليحظوا بما عنده، لا يجدون ما كانوا يأملونه.

وهذا ما حذَّر منه الله سبحانه وتعالى، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمّد: 33].

أحاديثُ عن ضياعِ الأعمالِ

وقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال يوماً لأصحابه: "من قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرةً في الجنَّة، ومن قال: الحمد لله، غرس الله له بها شجرة في الجنَّة، ومن قال: لا إله إلا الله، غرس الله بها شجرة في الجنة، ومن قال: الله أكبر، غرس الله له بها شجرة في الجنة، فقال رجل من أصحاب رسول الله: يا رسول الله، إنَّ شجرنا في الجنة لكثير! قال: نعم، ولكن إيَّاكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها".

ولقد أشار رسول الله (ص) في أكثر من حديث إلى ما قد يؤدِّي إلى ضياع الأعمال، إذ ورد عنه: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا". فقيل له: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا".

وفي ذلك إشارة من رسول الله (ص) إلى أولئك الذين يرتكبون الحرام عندما يكونون وحدهم وبعيداً من أعين الناس، فيما يتورَّعون عن ارتكابه عندما يكونون بينهم خشيةً منهم.. وهذا ما ذكره الله بقوله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط}[النساء: 108]، فهم لا يأخذون بالاعتبار أن عين الله تراهم مما أشار إليه الله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة: 7].

وفي حديث آخر له (ص)، نجده يتوجَّه إلى أصحابه قائلاً: "أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي؟"، قَالُوا: "يا رسول الله، الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهُ (ص): "الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْتَصُّ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".

وهو قال (ص) في حديث ثالث: "يُؤتَى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، ويدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي هذا كتابي، فإني لا أرى فيه طاعتي، فيقول له: إنَّ ربَّك لا يضلّ ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب النَّاس، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه، فيرى فيها طاعات كثيرة، فيقول: إلهِي، ما هذا كتابي، فإنِّي ما عملت هذه الطّاعات، فيقول: إنَّ فلاناً اغتابك فدفعت حسناته إليك".

وقد أشار القرآن الكريم إلى ما يضيع صدقات الناس والخيرات التي يبذلونها والأعمال التي يقومون بها، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 264].

الحفاظُ على المكتسبات

أيّها الأحبّة، هي مصيبة ليس بعدها مصيبة، وما أصعبه من موقف! أن يكدح المرء في الدنيا باذلاً الجهد، عاملاً بما أوصى الله به من الطاعات والخيرات، ويريد من ذلك أن يحصل لا على رضا الله أو جنّته، بل على مكاسب خاصَّة، فلا يرى لها آثراً في ذلك اليوم المهيب، بل يراها قد ذهبت أدراج الرّياح، في وقتٍ لا مجال للتعويض، إلا أن يشمله سبحانه وتعالى برحمته.

ومن هنا، فإننا مدعوّون إلى أن نحافظ على مكتسبات ما قمنا به، بأن نتابع فعل الخيرات والقيام بالطاعات، فلا نبدِّد كلّ هذه الجهود بارتكاب المعاصي وفعل الحرام، وبذلك ننجح في إفشال ما توعَّدنا به الشيطان من السعي لإبطال أعمالنا، ونسدّ أمامه كلّ المنافذ التي يضيع بها أعمالنا، والتي عبَّر عنها عندما قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: 16 – 17]، وقال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}[النساء: 119]، وهذا ما ينبغي أن نكون واعين له في كلِّ مكان وزمان، وبعد كلِّ إنجاز تحقَّق لنا بطاعتنا له، وهذا ما ينبغي أن نستحضره الآن، بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.

إنّ علينا أن نعيش حال التنبّه والمراقبة من أيّ تسويلات للشيطان، أن لا نضيع إنجازات هذا الموسم، بما أشار إليه رسول الله (ص)، بغيبة أو نميمة أو كذب أو أكل للمال بالباطل، أو غشّ أو خيانة أو قول بغير علم، فنعود خاليي الوفاض، وحالنا حال من نقضت غزلها بعد قوة أنكاثاً.

الامتحانُ الكبيرُ

أيّها الأحبّة: لقد كان الله واضحاً معنا، عندما قال في سورة العنكبوت؛ هذه السورة التي تلوناها في ليالي القدر: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{[العنكبوت: 1 – 3].

هذه السورة تشير إلى امتحان كبير لا بدَّ من أن يقف الإنسان أمامه عند كلّ عمل والتزام، وفيه يتبيّن مدى صدقه وجدّية ما قام به، ولذلك لن يكتفي الله من الإنسان بأن يقول صُمْتُ وقرأت القرآن وصلَّيت ودعيت ما دعيت في شهر رمضان حتى يكتبه من الصّائمين والقائمين والتالين للقرآن الكريم والداعين والذاكرين الله، بل لا بدَّ من أن يخضع لامتحان يظهر فيه الجدية في ذلك.

وقد أشار القرآن الكريم إلى طبيعة هذا الامتحان الذي يميّز المؤمن الحقيقيّ من غيره، بقوله: {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}. والفتنة هي إذابة الذَّهب الممزوج بالتّراب بالنّار، وبها يتميّز الذهب من التراب.

لقد جاء التأكيد من الله واضحاً بأنَّنا جميعاً سنفتن وسنمتحن، وسيكون لكلّ منا امتحانه، والامتحان سيكون صعباً، فمنّا من قد يمتحن بعاطفته، ومنّا بماله، ومنّا بموقعه، ومنّا بانفعالاته أو عصبياته أو لسانه، وبهذا الامتحان تُعرَف حقيقة معنى صيام الإنسان، ومدى فعاليَّته في بناء التقوى في نفسه، بحيث تمنعه عن الحرام أو لا تمنعه.

فلنحرص، أيّها الأحبَّة، على أن نكون من النّاجحين والفائزين، وأيّ فوزٍ أفضل من أن نكتب من الّذين أعتقت رقابهم من النَّار، واستحقّوا الفوز برضوانه، وليكن دعاؤنا لذلك: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْنا عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِا، وَلا تُزِغْ قَلوبنا وأبصارنا وأسماعنا وجميع جوارحنا.. اللّهم أدّ عنّا حقَّ ما مَضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرَنا فيه، وتسلَّمه منّا مقبولاً، ولا تؤاخذنا بإِسرافِنا على أنفسنا... واجعلنا من المرحومين، ولا تجعلنا من المحرومين، يا أرحم الراحمين".

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بما جرى في معركة الخندق، هذه التي مرَّت علينا ذكراها في الثالث من شهر شوّال، والتي جرت بعدما تجمَّعت أحزاب المشركين واليهود، يريدون بذلك اجتثاث جذور الإسلام في المدينة المنورة.

أمر رسول الله (ص) يومها بحفر الخندق لإعاقة هذا الجيش من الدخول إليها. يومها، فوجئت قريش بما جرى، لكن عمرو بن ودّ العامري، أحد فرسانها الأشدّاء، استطاع تجاوز الخندق والوصول إلى حيث جيش المسلمين بقيادة رسول الله، وطلب المبارزة، لكنَّ أياً من المسلمين لم يلبِّ النداء، رغم أن رسول الله راح ينادي بجموع المسلمين: من لعمرو وأنا أضمن له على الله الجنَّة؟ فلم يجب سوى عليّ (ع)، فنزل إلى البراز، ولما وصل إليه عليّ (ع)، قال له: إنّك كنت تقول في الجاهليّة لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلّا أجبته بواحدة، وأنا أعرض عليك ثلاث؛ أمَّا الأول: أن تشهد أن لا إله إلَّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وتُسلم للّه ربِّ العالمين". قال له عمرو: دع.. أمَّا الثانية: فأن ترجع أنت وقريش إلى مكَّة.. قال له: وماذا تقول عني نساء قريش إنني جبنت؟! قال له أدعوك إلى البراز راجلاً، فقال له: ما كنت أظنّ أنَّ أحداً من العرب دعاني إلى ذلك.. وتصاولا ولم تنجلِ الغبرة إلَّا وعليّ على صدره بعدما صرعه، وتحقَّق بذلك النصر للمسلمين على المشركين، يومها قال رسول الله: "ضربة عليٍّ يوم الخندق تعادل أعمال الثقلين"، ونزلت الآية: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيز}.

الواقعُ المأزومُ

والبداية من الواقع المأزوم الذي يعيشه اللّبنانيّون على الصعيدين المعيشي والحياتي، والذي بات يهدّد لقمة عيشهم واستقرارهم في هذا البلد، ويجعل كل لبناني مشروع سفر، من دون أن تبدو في الأفق أي بارقة أمل للخروج من هذا الواقع الصّعب، بل يخشى اللبنانيون أن تزداد الأمور صعوبة بعد الانتخابات التي فرملت الدولار، وأجَّلت الكثير من القرارات غير الشعبوية، سواء على صعيد رفع الضّرائب والرسوم، أو ما يمليه صندوق النقد الدولي، حتى لا يكون لهذه القرارات أي تأثير في المرشَّحين الذين يتولّون مواقع السلطة أو ينتمون إلى جهات سياسية.

انتخاباتُ الاغتراب

وبالانتقال إلى الانتخابات التي بدأت في بلدان الاغتراب، رغم أن هناك من لا يزال يشكّك في إجرائها، فإنّها تفتح باباً للبنانيين ليعبّروا من خلالها عن وجعهم وآلامهم ومعاناتهم وآمالهم بوطنٍ أفضل لهم ولأولادهم، وعن إدانتهم للذين أساءوا إلى هذا البلد وأوصلوه إلى المنحدر الَّذي وصل إليه.

ونحن في الوقت الَّذي ندعو إلى أن تجري هذه الانتخابات وفق معايير الشفافيّة والنّزاهة والعدالة، نجدّد القول للبنانيين بأن يكونوا واعين جيِّداً في التعامل مع هذا الاستحقاق الذي يرسمون به مصيرهم ومصير بلدهم لأربع سنوات قادمة... فإمَّا أن يكون بداية الطريق لخروجهم من النَّفق المظل، أو قد تزيد من معاناتهم وآلامهم، وتكون سبباً لدفع البلد إلى ما هو أبعد من المنحدر الَّذي وصل إليه، والانهيار الذي بلغه ويخشى منه اللّبنانيون، ما سيجعله مجدَّداً في قبضة الفاسدين، وفي دائرة الارتهان للقوى الخارجية الّتي تستغلّ الأزمات، ولا تقدِّم شيئاً بالمجان، بل بشروط وفواتير مسبقة الدَّفع.

إنّ على اللّبنانيين أن يفكّروا جيداً قبل أن يضعوا أصواتهم في صناديق الاقتراع، وأن يتأكَّدوا أنهم يضعونها في الموقع الصَّحيح، وللشخص الأمين على الوطن والمواطن.

ومن هنا، فإننا نقول للّبنانيين لا تخدعنكم الشعارات الفضفاضة ولا الخطابات الرنانة، بل ادرسوا جيداً تاريخ من ستعطونه قيادكم وخلفياته ومدى صدقيته، وهل لديه الكفاءة التي تؤهِّله للدور الذي سيقوم به، وإلى ماذا يهدف من وراء بلوغه لهذا الموقع؛ هل يراه باباً للخدمة، أو أنه بابٌ للدّخول في لعبة المساومات والمحاصصات؟!

إنَّ على اللبنانيين أن يكونوا حذرين جداً ممن يتقن لغة استثارة العصبيات والحساسيات ونكء الجراح واستعادة الأحقاد لاكتساب الأصوات واستمالة الجمهور، وأن يقترعوا للمنطق العقلاني والواعي والمسؤول والحريص على الوطن وإنسانه.

الخيارُ للبرنامجِ الأفضلِ

ونبقى على صعيد الانتخابات، لندعو إلى إبقاء الاستحقاق في إطار التنافس البعيد من كلّ أساليب الترهيب الّتي بتنا نشهدها، إن على مستوى المرشَّحين أو المقترعين، ليكون لكل منهم الحرية في التعبير عن قناعاته، وليكون الخيار لمن يُقدِّم البرنامج الأفضل وفي صناديق الاقتراع.

إنَّنا نخشى من أن ينعكس هذا التنافس على أرض الواقع أحقاداً وتوتّرات قد لا تقف آثارها وتداعياتها عند انتهاء الانتخابات، بل قد تمتدّ إلى ما بعد ذلك.

في هذا الوقت، نريد للقيادات والرموز الدينيّة أن تكون تعبيراً حقيقياً في مواقفها عن القيم والرسالات التي تمثّلها عناوين العدل والإصلاح، ومواجهة الفساد والانحراف، وأن تكون لغتها وأسلوبها في ساحات الاختلاف لغة الأنبياء والرّسل وأسلوبهم بالقول بالَّتي هي أحسن وأصلح.

الثّروةُ النفطيّةُ في خطر

إلى ذلك، فإنه في الوقت الذي ينشغل اللبنانيون باستحقاق الانتخابات، يخطو الكيان الصهيوني خطوات متقدّمة نحو استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش الَّذي يقع في منطقة متنازع عليها. وهنا نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات التي دعت إلى عدم التنازل عن ثرواتنا وحقوقنا، وندعو كلّ من هم في مواقع المسؤولية إلى التحرك سريعاً، وبكلّ الوسائل، وأن تتضافر كلّ الجهود وتتوحَّد لإيقاف ما سيقدم عليه العدوّ، وعدم التفريط بثروة البلد النفطيّة والغازيّة في وقت هو بأمسّ الحاجة إليها، وأن ينطلقوا من موقع أنَّ لبنان ليس ضعيفاً حتى يقدِّم التنازلات ويخضع للإملاءات.

الدِّفاعُ عن الأقصى

ونبقى مع فلسطين، حيث يستمرّ العدوّ الصهيوني باستهدافه المستمرّ للمسجد الأقصى، عبر دعوته للمستوطنين باقتحام باحات المسجد لفرض أمر واقع فيه، وليكون له مكان في المسجد، من دون أن يأبه في ذلك لحرمة هذا المسجد ومشاعر المسلمين، ولما يمثله من موقع قداسة لديهم.

إننا، أمام ذلك، نشدّ على أيدي المرابطين داخل المسجد وحماته الَّذين يقفون بكلّ إباء وشموخ أمام اعتداءات المستوطنين، وندعو الشعوب والدول العربية والإسلامية إلى الوقوف معهم، وإسماع صوت الرفض لما قد يجري، لأنَّ أمَّة تقبل أن يدنَّس أولى قبلة لها وثالث الحرمين، ستسمح بتدنيس بقية المقدَّسات واستباحتها، في الوقت الَّذي نحيّي العمليَّة البطوليَّة التي جرت داخل الخطّ الأخضر، والتي تؤكّد خيار هذا الشّعب الّذي لن يقبل بالإذلال والامتهان لكرامته ومقدَّساته وأرضه.

مواضيع متعلّقة

تعليقات القرّاء

ملاحظة: التعليقات المنشورة لا تعبّر عن رأي الموقع وإنّما تعبر عن رأي أصحابها

أكتب تعليقك

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو الأشخاص أو المقدسات. الإبتعاد عن التحريض الطائفي و المذهبي.

تويتر يحذف حساب عهد التميمي تويتر يحذف حساب عهد التميمي الاحتلال يعتقل 3 فتية من الخليل الشيخ عكرمة صبري: من يفرط في القدس يفرط في مكة والمدينة شيخ الأزهر يؤكد أهمية تدريس القضية الفلسطينية في مقرر دراسي حماس تدين جريمة كنيسة مارمينا في القاهرة الهيئة الإسلامية المسيحية: الاعتداء على كنيسة حلوان إرهاب يجب اجتثاثه الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء منظمات أممية تدعو لوقف الحرب في اليمن داعش تتبنى هجوم الأربعاء على متجر بسان بطرسبورغ الميادين: مسيرات حاشدة في مدن إيرانية رفضاً للتدخل الخارجي بالبلاد بنغلاديش تستعد لترحيل 100 ألف لاجئ من الروهينغا إلى ميانمار فى يناير/ كانون الثاني وزير ألماني محلي يدعو للسماح للمدرسات المسلمات بارتداء الحجاب صحيفة أمريكية: الولايات المتحدة تفكر فى قطع مساعدات مالية عن باكستان مقتل 3 عمال في إطلاق نار في ولاية تكساس الأميركية بوتين يوقع قانوناً لإنشاء مختبر وطني لمكافحة المنشطات مسلح يقتل عمدة مدينة بيتاتلان المكسيكية علماء يبتكرون لقاحاً ضد الإدمان على المخدرات منظمة الصحة العالمية: السكري سابع مسببات الوفاة في 2030 دراسة: تلوث الهواء يقتل 4.6 مليون شخص كل عام المشي 3 كيلومترات يومياً يحد من تدهور دماغ كبار السن ضعف العلاقات بين المهاجرين ندوة في بعلبكّ: دور الحوار في بناء المواطنة الفاعلة شهرُ رجبَ شهرُ الرَّحمةِ وذكرِ الله لمقاربةٍ لبنانيَّةٍ وحوارٍ داخليٍّ قبل انتظار مساعدة الآخرين السَّبت أوَّل شهر رجب 1442هـ مناقشة رسالة ماجستير حول ديوان شعريّ للمرجع فضل الله (رض) الحجاب واجبٌ وليس تقليدًا اجتماعيًّا في عصر الإعلام والتّأثير.. مسؤوليَّة تقصّي الحقيقة قصّة النبيّ يونس (ع) المليئة بالعبر المرض بلاءٌ وعذاب أم خيرٌ وثواب؟! فضل الله في درس التفسير الأسبوعي
يسمح إستخدام المواضيع من الموقع شرط ذكر المصدر