قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ...}[الحجّ: 77 -78] صدق الله العظيم.
الجهادُ الأكبرُ
عندما عاد المسلمون من مهمَّة عسكريّة كان رسول الله (ص) قد أرسلهم إليها، توجَّه إلى أصحابه المنتشين بنصرهم قائلاً: "مَرْحَباً بِقَومٍ قَضُوا الجهادَ الأصْغر وبَقِي عَلَيهِم الجِهادُ الأكْبر" فقالوا: يَا رَسُولَ الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال(ص): "جهاد النفس"، ثم قال (ص): "أفْضَلُ الجِهاد مَن جاهَدَ نَفْسَهُ الّتي بينَ جَنْبَيهِ".
لم يرد رسول الله (ص) من ذلك أن يهوِّن من أهمية الجهاد بالنفس والمال، أو أن ينتقص منه عندما صنَّفه بالجهاد الأصغر، فهو – أي الجهاد بالنفس أو المال - مما دعا الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين إليه، وحثَّهم عليه، واعتبره تجارةً رابحة معه، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{[الصّفّ: 10 – 11]، وقال سبحانه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً...}[النساء: 95].
وعن عليّ (ع) أنَّ: "الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الوَثِيقَةُ".
ولكنّ رسول الله (ص) أراد بهذا الحديث أن يرفع من موقع جهاد النَّفس ويعلي من أهميّته، لأنه بدونه، لا يتحقَّق الجهاد العسكري ولا المالي، لأن الإنسان لن يبذل نفسه ويضحي بحياته، ولن يقدِّم ماله، إلا بعد أن يجاهد نفسه ويقف أمام رغبتها في حبِّها للحياة أو للمال. وهو الذي يحفظ الجهاد العسكري أو الجهاد المالي من أن تدخل عليه الدنيا أو المصالح أو الغرور والتكبر، وهو الجهاد الذي يصاحب الإنسان في كلّ مراحل حياته وعلى مدى الزّمن.
معنى جهادِ النَّفسِ
وجهاد النَّفسِ يعني أن يتصدَّى الإنسانُ لنفسِهِ، وأن يقاومها عندما تدعوه إلى معصيةِ الله، أو عندما تقفُ عائقاً أمامَهُ عندما يُدْعَى إلى طاعة الله، أو عندما يجزعُ عندما تواجهه الابتلاءات والتحدّيات، فالنفس إن تُركت ولم تهذَّب ولم تضبط، فإنها ستودي بصاحبها إلى مهاوي الضَّلال والانحراف والهلاك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ما قد يصدر عنها، عندما قال: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}[يوسف: 53]، وقد فصَّل ما قد تؤدي إليه في أكثر من آية، فقال: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}[النساء: 128]، فهذه النفس تدعو إلى البخل، وتعترض طريق الإنسان إن هو أراد أن يفعل الخير بأن يبذل مالاً أو جهداً أو أيّ نوع من العطاء، وتوجد له كلَّ المبرِّات لكي يمتنع عن ذلك. وقال في آية أخرى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً}[الإسراء: 11]. فالنفس تدفع إلى العجلة وإلى التسرّع في إطلاق الكلمات وإصدار الأحكام، وفي اتخاذ المواقف والقرارات، ما يؤدِّي إلى الوقوع في الأخطاء التي قد تكون مميتة.
وفي آيةٍ أخرى، أشار الله سبحانه إلى أنَّ النفس تجزع عند الصعوبات والمحن، أو عندما تخضع للابتلاءات: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً}[المعارج: 19 – 20]، وهي تطغى وتتجبَّر عندما ترى لديها مالاً أو سلطة أو تملك موقعاً أو قوَّة، وقال القرآن الكريم في ذلك: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[العلق: 6- 7]، وتدفع صاحبها إلى الظّلم وحتى الكفر، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار{[إبراهيم: 34]. وهذه النفس هي السبب في كلّ الفساد الذي نراه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الرّوم: 41].
وقد أشار القرآن الكريم إلى أنَّ أوَّل جريمة وقعت على الأرض، وأدَّت إلى أن يقتل ابن آدم قابيل أخاه هابيل بتسويل هذه النفس بغير ذنب، رغم ما عبَّر له عن مشاعره تجاهه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة: 28]، ولفت إلى ذلك قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة: 30].
وهذه النفس هي التي كانت السَّبب في جريمة إلقاء أولاد النبيّ يعقوب لأخيهم يوسف في غياهب الجبّ، ثم جاؤوا بعدها أباهم يبكون، وادَّعوا يومها أنّ الذئب أكله، وهذا ما عبَّر عنه النبي يعقوب لأولاده: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف: 83].
جهادُ النَّفسِ في الأحاديثِ
إذاً، آثار هذه النفس وتداعياتها ستكون خطيرةً إن تركها صاحبها ولم يقم بالدَّور المطلوب منه في مراقبتها ومتابعتها ومحاسبتها وتهذيبها، وفي رفع كلمة (لا) في وجهها، إن هي حادت عن الطريق السويّ.
ولذلك، دعت الأحاديث الشريفة الإنسان إلى أن يتعامل مع نفسه تعامل العدوّ مع عدوّه والضدّ لضدّه، ففي الحديث: "جاهد نفسك على طاعة الله مجاهدة العدوّ عدوَّه، وغالبها مغالبة الضدّ ضدّه".
وعن رسول الله (ص): "أعدى عدوّك نفسك الَّتي بين جنبيك".
وقد دعا الله سبحانه الإنسان إلى أن لا يتهاون معها، وأن يستخدم في مواجهتها كلَّ ما يمتلك من سلاح فكريّ وروحيّ وزاد إيمانيّ، وأن يستعين عليها بالصَّبر، وهذا ما أشار إليه الله سبحانه عندما قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشَّمس: 9 - 10].
وقد رأت الأحاديث في جهاد النَّفس والانتصار عليها، التَّعبير الحقيقيَّ عن قوة الإنسان، ففي الحديث: "جاهد نفسك على طاعة الله مجاهدة العدوّ عدوَّه، وغالبها مغالبة الضدّ ضدَّه، فإن أقوى الناس من قوي على نفسه".
ولذلك، عندما رأى رسول الله (ص) أناساً يتبارون في حمل حجرٍ لتبيان أيّهم الأقوى، قال لهم: "أفلا أدلّكم على أشدكم وأقواكم؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أشدّكم وأقواكم الَّذي إذا رضي، لم يدخله رضاه في إثمٍ ولا باطلٍ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا ملك لم يتعاط ما ليس له".
وقد اعتبر القرآن الكريم والأحاديث الشَّريفة أنَّ هذا الجهاد باب لبلوغ رضوان الله والوصول إلى الجنَّة: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النّازعات: 40 – 41].
وفي الحديث: "جهاد النَّفس مهر الجنَّة".
وفي الحديث: "جاهِدْ شهوتَكَ، وغالَبْ غَضَبَكَ، وخالِفْ سوءَ عادَتِكَ، تَزكى نفسُكَ، ويكملُ عقلُكَ، وتستكمل ثوابَ ربّكَ".
وفي الحديث: "املكوا أنفسكم بدوام جهادها".
الصّومُ وجهاد النَّفس
أيُّها الأحبَّة؛ إنَّ معركة الإنسان مع النَّفس ليست سهلة، لأنها مع عدوّ غير مرئيّ له، وأقرب ما يكون إليه، وهي معركة ليست محدودة بزمان أو مكان، فهي على مدى العمر ومساحة عيش الإنسان، وهي جميعاً تصعِّب مهمّة الإنسان في المواجهة، لكنّها تبقى مهمة وضروريّة وواجبة، ولا خيار له فيها، لأنَّه بدونها لن يمتلك الإنسان قراره، ولن يضمن مصيره في الدنيا والآخرة. والإنسان قادر عليها عندما يقرِّر ويستعين عليها بالإيمان والوعي والإرادة، والتأييد والتسديد من الله سبحانه.
أيُّها الأحبَّة: لقد أراد الله من فريضة الصِّيام، أن تكون عوناً للإنسان في هذه المعركة الّتي من المطلوب أن يخوضها مع نفسه الأمَّارة بالسوء ومع من يختبئ خلفها، فدور هذه الفريضة كما رسمه الله للإنسان، أن يتغلَّب على نفسه من أهوائها، بحيث تبني له إرادته، وتعزِّز لديه المناعة تجاه تسويلاتها إن هي دعته إلى الحرام، فلا تأخذه حيث تريد، بل حيث يريد الله، ليكون بذلك الأقوى والأقدر، ومن المؤهَّلين للانتصار على معركة الحياة هذه، معركة الحقّ ضدّ الباطل والهوى والانحراف.
ولذلك، نحن مدعوّون إلى أن نتعامل مع هذه الفريضة من هذا الموقع، لنخرج من هذا الشَّهر وقد أصبحنا أقدر على جهاد أنفسنا ومقاومتها، عندما تدعونا أن نستسلم لغرائزها وشهواتها وانفعالاتها وعصبيَّاتها.
الخطبة السياسية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أشار إليه الإمام الصَّادق (ع) في حديثه عن الهدف من الصِّيام: "إنَّما فرض الله عزّ وجلَّ الصّيام، ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك لأنَّ الغني لم يكن ليجد مسَّ الجوع فيرحم الفقير، لأنَّ الغنيَّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغني مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف، فيرحم الجائع".
أيُّها الأحبَّة: لقد أراد الإمام (ع) أن يبيِّن واحدةً من أبرز المعاني التي لأجلها دعا الله عباده للصِّيام، وهي إحساس الأغنياء بمعاناة الفقراء والمساكين وذوي الحاجة مما قد لا يشعرون به في حياتهم، ليحفّزهم ذلك على أن يبادروا إلى مدّ يد العون والمساعدة إليهم.
وهذا إن حصل، فسيؤدِّي إلى تعزيز روح التَّكافل الاجتماعي الَّذي يريده الله أن يكون طابع المجتمع المسلم، ليكون بذلك أقوى وأقدر على مواجهة التحديات.
معاناةُ الشَّعبِ وعجزُ الدَّولةِ
والبداية من لبنان، حيث تستمرّ معاناة الإنسان فيه على الصّعيد المعيشي والحياتي، وتزداد الضغوط عليه لتحصيل أبسط مقوّمات حياته، إن على صعيد الطعام أو الشراب أو الدواء أو الكهرباء أو سبل الاستشفاء أو تأمين المحروقات، إما لعدم توافرها، أو لأسعارها التي لا قدرة له على تحمّلها، في ظلّ تدني الرواتب والأجور والواقع الاقتصادي والمالي الذي وصل إليه البلد.
يأتي كلّ ذلك في ظلّ دولة عاجزة عن القيام بمسؤوليَّاتها تجاه مواطنيها، لعجز واضح في الإمكانات والقدرات لديها، والذي جاء بسبب تعاقب السياسات التي اعتمدت في إدارة المال العام ومقدّرات الدّولة والهدر والفساد وسوء الإدارة، وللعقلية التي كانت ولا تزال تتحكّم بمن هم في مواقع السلطة في السابق وفي الحاضر، أنهم يرونها وسيلة لتحقيق مصالحهم الذاتية أو الفئوية، وإذا كبرت، فلأهداف ومصالح طائفيّة، فيما لا يجدون أنفسهم معنيّين بمصلحة الوطن كلّه وبمصالح كلّ المواطنين.
ويبقى التعويل لديهم على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذين يرونه خشبة الخلاص، فقد أصبح واضحاً رغم الاتفاق الأوّلي الذي جرى معه، أنه لن يقدم شيئاً إلا بعد تنفيذ الشروط القاسية التي وضعها، والتي قد لا يكون للبنانيين قدرة على تحمّلها، ولا رغبة للقوى السياسية على الأخذ بها، لأنها تمسّ بمواقعهم، وتضرّ بمكاسب حصلوا عليها، وهم لا يريدون التنازل عنها؛ لذا كان من الطبيعي أن نسمع نغمات التشاؤم ضمن مواقع ممن يديرون أمر الدّولة، وأن يكثر الحديث عن دخول البلد مرحلة الإفلاس والانهيار.
وهنا، نقدِّر هذه الصراحة وندعو إليها، حتى لا ينام اللبنانيون مجدداً على حرير أن البلد لا يزال قادراً على التحمل، لأنّ اللبنانيين عانوا ولا يزالون من التطمينات التي أغدقت عليهم ممن هم في مواقع المسؤوليَّة، فيما كان البلد يتداعى وينهار.
هل من فرصةٍ للمعالجة؟!
لكنَّنا، ورغم كل أجواء التشاؤم التي هي حقيقية وواقعية، ونخشى أن تبلغ أقصاها في الأيام القادمة، لا نزال نرى أن هناك فرصة للمعالجة، عندما تخرج القيادات الفاعلة ومن يتولون مواقع المسؤولية من عقلية تسجيل النقاط وتبادل الاتهامات والحسابات الخاصّة أو الفئويّة، إلى العمل معاً لإخراج البلد من النفق الذي وصل إليه، وإذا قرَّر كلّ منهم استنفار قدراته وكفاءته وعلاقاته في هذا الاتجاه.
ملفُّ التَّعيناتِ
في هذا الوقت، يبرز ملف التعيينات على صعيد مرافق الدولة، وأبرزها الجامعة اللبنانية، فقد دخل هذا الملفّ في أتون المحاصصات بين القوى السياسية، بدلاً من أن يكون خاضعاً أوّلاً وأخيراً للمعايير الأكاديمية ومعايير الكفاءة والجدارة وسدّ احتياجات هذه الجامعة لتأدية دورها.
ونحن على هذا الصعيد، ندعو للإسراع في معالجة هذا الملفّ بعيداً من دهاليز السياسة، وأن تراعى فيه المعايير التي تضمن النهوض بهذه الجامعة الوطنيَّة لا أي معايير أخرى، لتكون هذه الجامعة الجامعة لكلّ تلاوين الوطن في مقدمة الجامعات، لا على هامشها أو في أدنى السلَّم فيها... إننا نثق بأن لدى الجامعة الكفاءات لتحقيق هذا، لكن عندما تدعم وتصان.
ملفُّ الانتخابات
ونصل إلى الانتخابات النيابية التي دخلت مرحلة حاسمة بعد حسم اللوائح والتحالفات.
ونحن في هذا المجال، نجدد دعوتنا إلى كل من يتقدمون إلى الانتخابات، أن يعوا خطورة ما سيقدمون عليه في هذه المرحلة الصّعبة، وأنَّ الطريق لكسب الناس لن يكون بالخطابات الرنَّانة أو الوعود أو الشعارات الفضفاضة، بل بالبرامج الواضحة المعالم والعمليَّة التي تكفل إخراج الناس من معاناتهم، ليكون التنافس بين اللَّوائح وبين من يملك الصدقيَّة ومن يقدم البرنامج الأمثل والأفضل.
إنَّ الوقت ليس وقت استنفار غرائز الناس الطائفيّة والمذهبيّة، ما يجعل بعضهم في مواجهة بعض، بل استنفار عقولهم وتعزيز كلّ ما يوحّدهم.
عمليّةُ تل أبيب
وإلى فلسطين، فإننا نحيّي العملية البطولية في تل أبيب، والتي هزت كيان العدو الصهيوني مجدَّداً، وأظهرت هشاشة أمنه، وأكَّدت مرة جديدة أن الشعب الفلسطيني لن يهون ولن يستكين، وسيبقى عزيزاً مرفوع الرأس مهما عظمت عليه الضغوط واشتدّ الحصار، ما دامت أرضه مغتصبة ومقدَّساته تدنَّس.
ذكرى استشهادِ الصَّدر
وأخيراً، فإنَّنا في التاسع من شهر نسيان، ذكرى استشهاد الشَّهيد السَّعيد السيّد محمد باقر الصّدر وأخته بنت الهدى على يد النظام البائد في العراق.
هذه الذكرى التي نستعيد فيها تلك الفاجعة التي ألمت بالعالم الإسلامي، بفقد من ترك بصمات واضحة على صعيد الفكر والفقه والحركة الإسلاميَّة، وفي التصدي للتحديات التي واجهت الإسلام.
إنّنا، ونحن نستعيد هذه الذّكرى، نعيد التأكيد على الأمَّة بضرورة الاستهداء بهذا الفكر التجديديّ المنفتح والواعي الَّذي كان الشهيد الصَّدر أحد أبرز رموزه، والتمسّك به، لنقدِّم الصورة الناصعة عن الإسلام في فكره وعقائده وتشريعاته ومفاهيمه، ونخترق به كلَّ الحواجز الطائفية والمذهبية والعرقية، ليصل إلى كلِّ مكان.