قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. صدق الله العظيم.
خطورةُ الكذبِ
إنَّ أخطر ما يتهدد الدول والمجتمعات ويقوّض أركانها ويهدّد العلاقات بين مكوّناتها، هو تفشّي الكذب فيها، ما قد يؤدي إلى تضييع الحقائق وتزييفها وفقدان الناس ثقتهم بعضهم ببعض، ومن خلاله تفتح أبواب الشرّ وسبل الانحراف، حتى ورد في الحديث: "إنَّ أَعْظَمُ الخطايا اللّسانُ الكَذُوبُ".
ويكفي للدّلالة على خطورة الكذب، أنه السلاح الذي استخدمه إبليس لإخراج آدم وحوّاء من الجنة، فهو عندما عرف أنّ الله سبحانه وتعالى نهاهما عن أن يأكلا من شجرة حدَّدها لهما، جاء إليهما بثوب الناصحين وبلسانٍ كاذبٍ وقال لهما: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}. وحتى يكون سلاحه هذا ماضياً وفاعلاً، أقسم لهما إنه من الناصحين، وكان له ما أراد.
وهذا السلاح هو الذي يستخدمه إبليس في إغواء الناس، وحتى يكونوا معه من أصحاب السَّعير، والذي أشار إليه الله سبحانه، عندما قال: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُور}..
وهو ما سيعترف به يوم القيامة: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
نهيُ الأحاديثِ عن الكذبِ
فقد أشارت الآيات والأحاديث إلى هذه المخاطر، فقد ورد أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله (ص) قائلاً له: إني ابتليت بخلال أربع: الزنا، وشرب الخمر، والسّرقة، والكذب... وهي خلال أعرف أنَّ الله حرَّمها، ولكن لا طاقة لي على تركها كلّها، فإن قبلت مني بترك واحدة منها، آمنت بك، فقال له رسول الله (ص): نعم، تستطيع ذلك، اترك الكذب... فقبل الرَّجل ذلك وأسلم. فلمّا ولَّى الرجل، عرضوا عليه شرب الخمر، فقال في نفسه: إن أنا شربت الخمر وسألني رسول الله عن شربها، فماذا أقول له؟ فإن كذبت أكون بذلك نقضت معه العهد، وإن صدقت أقام عليَّ حدَّ شرب الخمر، فتركها لذلك. ثم عرضوا عليه الزنا، فجاءه الخاطر نفسه وترك لأجل ذلك الزنا، وعندما أراد السَّرقة، تكرّر الأمر نفسه، فعاد إلى رسول الله (ص) وقال له: ما أحسن ما فعلت! لما منعتني عن الكذب، انسدَّت أبواب المعاصي.. وتاب الرَّجل عن الذنوب الثلاثة وعن أيّ ذنب كان سيفعله.
ومن هنا، ورد الحديث: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل للشرّ أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشّراب، والكذب شرّ من الشراب".
ولا تقف آثار الكذب ومخاطره على من يتمّ الكذب عليهم وتشويه الحقائق، بل على الكاذب أيضاً؛ فقد ورد في الحديث: "من عُرف بالكذب قلّت الثقة به".
وفي الحديث: "إنَّ الكذبَ يُسَوّدُ الوَجهَ، وينقص الرّزق، ويورث الفقر، ويسبّب المهانة في الدنيا، والعذاب في الآخرة".
ويصل الأمر إلى طرده من رحمة الله {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
وقد ورد في الحديث: "يكتسب الكاذب بكذبه ثلاثاً: سخط الله عليه، واستهانة النَّاس به، ومقت الملائكة له".
لا يجتمعُ كذبٌ وإيمانٌ
لذلك، أيُّها الأحبَّة؛ ومنعاً لكلِّ التَّداعيات الخطيرة التي قد يؤدِّي إليها الكذب، دعا الإسلام الإنسان إلى أن يكون واعياً عندما يستمع وعندما يقرأ، وعندما يتابع الواقع السياسيَّ أو الاقتصاديَّ أو الاجتماعيَّ أو ما ينسب إلى الدّين، حتى لا يقع في أحابيل من يزيفون الحقائق ويتلاعبون بفكر النَّاس ومشاعرهم ومواقعهم، مما أشارت إليه الآية التي تلوناها: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
وعمل الإسلام في الوقت نفسه على الإشارة إلى ما قد يؤدِّي إليه، فاعتبر أنَّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان، وهذا ما عبَّرت عنه الآية: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
وقد ورد عنه (ص): "علامة الإيمان أن تؤثر الصِّدق وإن ضرَّك، على الكذب وإن نفعك"، لأنَّه سيضرّك بعد ذلك.
وقد ربط الله سبحانه طريق النَّار بالكذب، كما ربط طريق الجنة بالصّدق، وذلك عندما جاء رجل إلى رسول الله (ص)، فسأله: يا رسول الله: ما عمل الجنّة؟ فقال له: "الصدق". وعندما عاد ليسأله عن عمل النَّار، قال له: "الكذب".
وقد ورد في الحديث: "كبرت خيانة أن تحدِّث أخاك حديثاً هو لك مصدِّق وأنت له كاذب". وقد اعتبرته الأحاديث "خائناً"، بل هو أكبر الخائنين، ومنافقاً، وهذا قوله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
وفي الحديث: "ثلاثٌ من كنَّ فيه فهو منافق: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".
فيما هدَّد الله الذين يكذبون عليه بالعذاب: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}.
ونحن عندما نتحدث عن الكذب، فإنَّه لا يقف عند حدود الكلام كالذي نشهده في الأخبار الكاذبة التي تنقل إلى الناس، إن من خلال وسائل الإعلام والتواصل، بل نراه أيضاً في المتملّقين لمن يمتلكون المال أو السلطة لكسب ودّهم وما عندهم من مال أو موقع، وفي الوعود الكاذبة وشهادة الزور، ونراه في الَّذين يسوّقون السِّلع ويظهرون خصائص ومميزات لها وهي ليست بتلك الصّورة.
الكذبُ المباحُ
لكنّ الإسلام رغم كلّ هذا التشدّد في حرمة الكذب وذمّه، أجاز الكذب إذا توقَّف عليه الإصلاح ولم يكن الإصلاح ليتمّ إلَّا به.
لذا، ورد في الحديث: "المصلح ليس بكاذب". وورد: "الكلام ثلاثة: صدق، وكذب، وإصلاح بين النَّاس". كما يجوز الكذب، أو قد يصبح واجباً لدفع الظّلم عن إنسان مؤمن، فقد ورد في الحديث: "احلف بالله كاذباً ونجِّ أخاك من القتل"، "الكذب مذموم إلَّا في أمرين: دفع شرّ الظّلمة، وإصلاح ذات البين".
الكذبةُ البيضاءُ؟!
أيُّها الأحبَّة: إنَّ من المؤسف أن يسوِّق البعض للكذب ويعتبره مهارة وشطارة وأنَّه ملح الرجال، ويفرِّق بين كذبة بيضاء وأخرى سوداء، وقد وصل الأمر إلى أن صار له يوم باسمه يبرّرون فيه الكذب، ولو من باب الهزل، وهو الأوَّل من نيسان.
فيما الحديث يقول: "اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَالْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ".
لمواجهةِ هذه الآفةِ
إنَّنا أحوج ما نكون إلى مواجهة هذه الآفة واستئصالها، وذلك بتعزيز الوعي لدى أجيالنا وفي المجتمع للتَّداعيات الَّتي غالباً ما تحصل من وراء هذه الآفة عند الله وعلى صعيد الواقع، حيث تؤكِّد تجارب الحياة، أنَّ الكذب قد ينجي ظاهراً، وقد يحصل الإنسان على بعض الفوائد منه، ولكنَّ حبل الكذب قصير، وما يخسره الإنسان بسببه أكثر مما يربحه، إن هو ربح، فهو يخسر علاقته بربِّه الذي بيده أمر رزقه وحياته ونجاته، وسينعت إن لم يكن في الدنيا، ففي الآخرة، بالخائن والمنافق، وسيكون مهاناً ذليلاً.
أيُّها الأحبة: لن يكون هناك أمان واطمئنان واستقرار في المجتمع إلَّا بالصدق، فقد ورد في الحديث: "الصّدق صلاح كلّ شيء، والكذب فساد كل شيء"، و"الصِّدق ينجيك وإن خفته، والكذب يُرديك وإن أمنته".
وقد ورد في الحديث: "لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته"، ولن تكون لنا النجاة يوم القيامة إلَّا به، وهذا ما أشار الله إليه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
فلندع الله أن نكون من الصَّادقين الذين يطابق قولهم عملهم، وسريرتهم علانيتهم، وإيمانهم سلوكهم، وأن نكون مع الصَّادقين حتى لو كانوا أبعد الناس، وفي مواجهة الكاذبين حتى لو كانوا أقرب الناس.
الخطبة السياسية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) أحد أصحابه حين قال له: "اتَّقِ اللهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، وَخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ، وَلَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ، فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً، وَلِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً".
فلنستوصِ بوصية أمير المؤمنين التي تدعونا إلى أن يمسك كلٌّ منا بزمام نفسه، فلا يدع أهواءه ورغباته وانفعالاته تتحكّم به، بل هو يتحكم بمسارها ويأخذ بقيادها، حتى لا ترديه، وحتى نأخذها إلى شاطئ أمانها في الدنيا والآخرة.
وبذلك نكون أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات.
معاناةٌ مرشَّحةٌ للاستمرارِ
والبداية من هذا البلد الذي يبدو أنّ معاناة الإنسان فيه لن تتوقّف، بل هي مرشحة للاستمرار بفعل تفاقم أزماته على كلّ الصعد، وانعكاس ما يجري في الخارج، حيث الحرب المستمرة في أوكرانيا بكلّ تداعياتها وآثارها، ولا سيما على الصعيد الغذائي، ما جعل الناس غير قادرين على تأمين أبسط مقوّمات حياتهم، من الدواء والاستشفاء والغذاء والكهرباء وسبل التدفئة في هذا البرد القارس، ولا سيما على الجبال، وتوفير القدرة على تأمين المحروقات وسبل الانتقال، في وقتٍ يعاود الدولار الارتفاع، ويخشى من عودة طوابير السيارات على المحطات...
يأتي ذلك في ظلّ عجز الدولة عن القيام بمسوؤليتها، لعدم التوافق بعد على خطة تعيد التعافي الاقتصادي والمالي إلى البلد وتخرجه من أزماته، وبعدما بُددت مدخرات الدولة، واستهلك أغلب الاحتياط الإلزامي في المصرف المركزي، وسيستهلك الباقي إن استمرَّ الواقع على حاله، وبعدما أصبح واضحاً أن العالم الذي ينتظر منه أن يمدّ يد المساعدة، بات مشغولاً بأزماته ومشاكله، أو بملفات أخرى يرى لها الأولوية. وهناك من قرر عدم المساعدة لدولة يراها فاشلة وهي لم تقدم على أيّ خطوة إصلاحية، أو لديه مطالب تؤمِّن مصالحه وهو لن يعطي قبل أن يأخذ... وهناك في هذا العالم من ينتظر ما ستفضي إليه الانتخابات القادمة، وأيّ صورة ترسم لهذا البلد ليبنى على الشيء مقتضاه...
الحكومةُ مطالبةٌ بالمعالجةِ
ونحن، في هذا المجال، نجدد مطالبتنا للحكومة بأن تكون أكثر جدية في معالجات أزمات البلد، ولا سيما على الصعيد المعيشي والحياتي، بأن لا تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، وتقوم أسوة بالحكومات السابقة بترحيل المشاكل إلى الحكومة التي تأتي بعدها، فالبلد لا يتحمّل مثل هذه الحكومة، والناس لا يتحملون.
إن على الحكومة أن تفي بما وعدت به، عندما أعلنت أنها حكومة إنقاذ في بلد أحوج ما يكون إلى الإنقاذ، فمن يتحمل المسؤولية، عليه أن يقوم بها أو يدعها لغيره ليقوم بها، حتى لا يتكرر التبرير الذي عهدناه ممن يتولون مواقع ومسؤوليَّات بأنهم لم يدعونا نعمل، فمن لم يستطع العمل، أو لم يُسمَح له، عليه أن يغادر موقعه...
كباشُ المصارفِ والقضاء
في هذا الوقت، يستمر الكباش الحاصل بين القضاء والمصارف، والذي وصل إلى ذروته بعد الإجراءات القضائية التي اتخذت بحقّ بعضها، وردّ الفعل الذي جاء منها، والذي وصل إلى حدّ التهديد بإيقاف خدماتها أو تعليقها، ما يترك تداعيات على مصالح المودعين ومن يستفيد من هذه الخدمات.
ونحن، في هذا المجال، نكرّر ما قلناه سابقاً، إن من واجب القضاء أن يقوم بدوره في هذه القضية، وأن تكون له الصلاحية والأبواب المفتوحة، ليلاحق من أساء الأمانة وفرَّط بأموال المودعين وجنى عمرهم، فلا ينبغي أن توضع أمام القضاء خطوط حمراء، أو تمارس الضغوط أو التهديدات عليه لتثنيه عن أداء دوره.
لكننا في الوقت نفسه، نعيد دعوتنا القضاء الذي بات يوضع موضع اتهام في أيّ قضية يقدم عليها، إلى أن يثبت، وبالممارسة، استقلاليّته، وأنه بعيد من الاستنسابية والخضوع لأيّ أجندة سياسية، وأنه ليس جزءاً من الصراع الجاري بين القوى السياسية على مكاسب ومصالح أو لتسجيل نقاط في ما بينها.
إننا نريد للقضاء أن يكون عين الشعب التي ترعى مصالحه إن أخفقت السلطة السياسية أو تغاضت وتورطت، وإلى أن يسير في هذا الملفّ المالي كما في غيره من الملفات بمعايير الشفافية والوضوح والعدالة والحكمة، إلى أن يحقّق الهدف المرجوّ منه بإعادة الأموال المنهوبة، وتحقيق أماني المودعين بإعادة حقوقهم.
ونحن في الوقت نفسه، نؤكّد على كل القوى والمرجعيات السياسية وغير السياسية، أن من مصلحتها إبقاء القضاء بعيداً من أيّ تجاذبات، لأن من هو قويّ قد لا يكون قوياً في المستقبل، حتى يبقى القضاء مرجعاً للجميع لبلوغ العدالة والعدالة وحدها.
ملفُّ الانتخاباتِ
ونبقى على صعيد الانتخابات التي تتصاعد حدّتها، لنجدِّد الدعوة إلى أن يكون التنافس فيها مبنيّاً على حسن الاختيار للمرشَّحين وللحلفاء، وعلى نوعيَّة البرامج التي سوف تعتمد في المرحلة القادمة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية وإنقاذ البلد من حال الانهيار.
إننا نريد أن يتمَّ التحشيد للانتخابات على هذا الأساس، فلا يتمّ بالشّعارات أو بخطابات استثارة الغرائز الطائفية أو المذهبية، أو بإثارة الأحقاد والضغائن، أو بالاتهامات المتبادلة، أو بتحميل كل فريق مسؤولية ما وصل إليه البلد للفريق الآخر، مما سئمته الناس وملَّت منه، أو بالأعطيات التي بدأت تغدق على الناس.
إنَّنا هنا نقدّر كلّ الذين سارعوا إلى كشف حساب عن ماضيهم، وبيَّنوا فيه إنجازاتهم، ولماذا قصَّروا إن كانوا قصَّروا، وندعو إلى أن يتحول ذلك إلى قاعدة في العمل الانتخابي، فمن دون هذه القاعدة، لن يُحاسَب أحد على أخطائه وارتكاباته، ولن نبني وطناً.
قضيّةٌ لا تموتُ
أمّا في فلسطين، فنتوقف عند العملية البطولية في بئر السبع، والتي نراها تعبيراً عن إرادة الشعب الفلسطيني في مواجهة ما يتهدَّده من العدوّ الصهيوني الذي يستمرّ في سياسته العدوانيَّة.
إنَّ هذه العملية تؤكّد مجدَّداً أن جذوة المقاومة في فلسطين مستمرّة، وأن هذه القضيّة لن تموت، على الرغم من كلّ اعتداءات هذا العدوّ وجرائمه.
عيدُ البشارةِ
وأخيراً، ونحن اليوم نلتقي بعيد البشارة، هذا اليوم الذي بشَّرت فيه الملائكة السيدة مريم (ع) بالسيد المسيح (ع)، ونريد لهذه المناسبة أن تكون فرصةً لتعزيز القيم الروحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة التي جسَّدتها السيدة مريم (ع)، ودعا إليها السيد المسيح (ع).