
ألقى سماحة الشيخ زهير قوصان خطبة الجمعة نيابةً عن سماحة العلّامة السيّد علي
فضل الله. وهذا ما ورد في الخطبة الثّانية منها:
في انتظار الموازنة
البداية من الوضع المعيشي للّبنانيين الذي يزداد تفاقماً يوما ًبعد يوم، على الرغم
من الهبوط الذي حصل في سعر صرف الدّولار، والذي - مع الأسف - لم ينعكس إلى الآن على
معظم الأسعار، وخصوصاً أسعار الموادّ الغذائيّة، بفعل جشع التجّار والمحتكرين
للسِّلع والموادّ الغذائيّة والدّواء والمحروقات، فيما المواطنون لا يزالون ينتظرون
من الوزارات والبلديّات أن تقوم بدورها في كفّ يد هؤلاء عن التلاعب بلقمة عيشهم
ودوائهم وحاجاتهم.
في هذا الوقت، تنشدّ عيون اللّبنانيّين إلى ما يجري على طاولة مجلس الوزراء، وهم
يأملون أن تكون الموازنة بروحيّة القرار التي أطلقته على نفسها، وهو "معاً للإنقاذ"،
لا أن تضيف أعباء جديدة عليهم تزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، فالأرقام
الّتي بدأت تظهر حول الموازنة، وعلى الرغم من أنها ليست ثابتة، إلا أنها تقدِّم
صورة عن العقليّة التي لا تزال تحكم السلطة السياسيّة في مسألة الخروج التدريجيّ من
الأزمة، وأنها لن تتغيَّر، ولا سيَّما بخصوص سداد فواتير الدَّولة والخسائر
الماليّة الّتي يراد أن تكون على حساب الطبقات الفقيرة، فهي من عليها أن تدفع
الضّرائب والفواتير الكبيرة، وتحمل على كاهلها كلّ ما جرى ارتكابه من إفلاس وانهيار
تسببت به المنظومة السياسية المصرفية بحق الاقتصاد والخزينة العامّة، إلى أن وصلت
معدلات الفقر في لبنان إلى ما يتجاوز السبعين في المئة من الناس الَّذين باتوا غير
قادرين على حمل أعباء أيّ ضرائب جديدة...
ومن هنا، إنّنا نحذِّر من أن تشكّل الموازنة التي يُسعَى لإقرارها الضربة القاضية
التي تسقط على رؤوس الناس، من خلال ضرائب مباشرة وغير مباشرة، ولكنها تؤخذ من جيوب
الفقراء، وحتى لا نقول الطبقة المتوسّطة، لأنّ هذه الطبقة قد اختفت تقريباً، بعدما
زحف العوز والفقر إليها بفعل السياسات المالية والفساد وتحميل الناس ما لا يطاق
حمله.
ومن هنا، فإنَّنا نؤكّد على هذه الحكومة، أن تكون جريئة في تحميل الخسائر للمصارف
والطبقة السياسيّة، وكل هؤلاء المستفيدين من السياسات الّتي رسمت منذ الطائف إلى
الآن.
في الوقت الَّذي ندعوها إلى اللجوء إلى الطرق التي يمكن من خلالها التَّخفيف من ثقل
الأزمة، بوقف الهدر، ووقف السمسرات والاحتكار، وإجراء إصلاحات حقيقيّة في هيكل
الدولة الوظيفيّ، واعتماد سياسة متوازنة ومدروسة في كلّ الوزارات، لتلبية الحاجات
الأساسية للمواطنين، بالرغم من الصعوبات في هذا المجال.
إنّنا نجدِّد القول لكل القوى السياسية الممثَّلة في الحكومة، أو التي تدعمها، إنها
أمام امتحان النّاس الذين لم يقبلوا بأن يضاف إلى معاناتهم معاناة جديدة، وإن كانت
الدَّولة في وضع صعب، فهم لم يعودوا قادرين على تحمّل أعباء إضافيّة تفرض عليهم،
وعلى من أوصل البلد إلى ما وصل إليه، أن يجد الحلول والخيارات المتاحة لديه لانتشال
الوطن من هذا الانهيار.
الانكفاء ليس حلّ
أما في الساحة السياسيّة، فإننا رأينا في الأسبوع الماضي عزوفاً سياسيّاً لمكوِّن
أساسيّ من المكوِّنات اللبنانية، والذي من الطبيعي أن يكون له تداعيات سلبية على
التوازن الوطني والصّيغة اللّبنانية، ونخشى أن يؤدِّي هذا الأمر إلى مزيدٍ من
الانقسام والشرذمة، وأن يدخل على خطِّه من يتلاعب بالوحدة الداخليَّة على المستوى
الإسلامي والوطني.
ونحن في هذا المجال، كنا نأمل أن لا يكون الانكفاء هو طابع هذه المرحلة الّتي ينبغي
أن تتضافر فيها الجهود من أجل إخراج البلد مما يعانيه، ونأمل من كلّ القيادات
الإسراع في تطويق أيِّ تداعياتٍ قد تحصل من ذلك بمعالجة أسبابه، للحؤول دون الوصول
إلى حال الإحباط أو الفوضى، وإثارة الحساسيات الطائفية والمذهبيّة، بدلاً من أن
تفكّر في توظيف هذا العزوف لتحسين موقعها السياسي والانتخابي، حتى لو أدَّى ذلك إلى
فتنة لا تحمد عقباها.
مباردة الكويت!
أمّا على صعيد المبادرة التي تقدَّمت بها الكويت، فإننا نأمل أن يكون ذلك بداية
لحوارٍ بين لبنان وأشقّائه العرب، لمعالجة ما يهدِّد هذه العلاقة، والتي ينبغي أن
تأخذ بالاعتبار هواجس هذه الدّول، ولكن في الوقت نفسه، عليها أن تأخذ في الاعتبار
هواجس اللّبنانيّين، وما يتهدَّدهم على الصعيدين الاقتصادي والأمني، فالعدوّ
الصّهيوني لا يزال جاثماً على بعض أرضهم، ويستبيح بحرهم وجوَّهم وبرهم.