استشارة..
يصوّر البعض مقاطع فيديو ويعرضها على مواقع التّواصل لشخص من ذوي الإعاقة أو الاحتياجات الخاصّة، حيث يقوم شبّان بالسخرية منه أو التهكّم عليه، أو دفعه ليقوم ببعض الحركات.
فما هي نظرة الإسلام إلى قيمة الإنسان وحرمته في هذه الحال؟
وجواب..
يعرض على الإنسان خلال سعيه في الدّنيا ونهوضه بدوره فيها وتحمّله لأعبائها، أحداث تنال من صحته الجسديّة والنفسيّة، فتدعه ذا عاهة ينوء بثقلها، ويصير أسيراً لها، حزيناً بها، مربكاً في التعاطي معها، وهو قدرٌ لا يمكنه الانفكاك منه، وبقدر إيمانه، سيحمد الله عزّ وجلّ على ما حدث، ويطلب منه العون على الصّبر والتحمّل، ويرجو ممن حوله أن يقدِّروا ألمه ويتعاطفوا معه ويساعدوه، وينظروا إليه بعين الكرامة والتقدير.
ولكن ما أبعد ما يتمنّاه وما سيجده من سوء خُلق يواجهه به كثيرون ممن حوله، عبر الغمز واللّمز والسخرية والتهكّم والمزاح الثّقيل، واستفزازه ليقوم بتصرّفات معيّنة، فيزيدون إلى آلامه ألماً، وإلى معاناته معاناة، وهو أمر توقّف الإسلام عنده كثيراً في تشريعاته وآدابه، وقدّر حالة ذلك الإنسان أيّما تقدير، فأسَّس العلاقة به على أسس متينة تسمو بالمجتمع في نظرته إلى هؤلاء، وتحثّ المؤمنين على أن يعتبروا أنّ قيمة الإنسان ليس بمظهره وشكله، بل فيما هو عليه من مشاعر وأحاسيس وأفكار وسلوك فاضل.
لقد نهى الإسلام عن أن يسخر شخص من شخص آخر ويعيّره في عيب أو نقص فيه، وحرَّمه تحريماً قطعيّاً، وعدَّه من الكبائر، نظراً إلى أهميّة حرمة الإنسان وقيمته عند الله تعالى، ونظراً إلى أهميّة قيام العلاقات بين الأفراد على أساس الاحترام والتّقدير، وحثّ المؤمنين على مدّ يد العون إلى صاحب الإعاقة أو صاحب الاحتياجات الخاصّة، ومساعدته بشهامة ونبل، والحرص الشَّديد على أن لا يجرحوا كرامته ولو بنظرة غريبة أو إشارة غامزة في غير محلّها.
وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
حيث جعل اللّمز والطّعن بالآخر يعادل الطّعن بالنّفس ولمز الإنسان نفسه وإهانته لها.
ولذلك، علينا أن نعتبر هؤلاء وديعة عندنا، وأنّ أيّ واحد منا قد يصاب بما أصيب به هؤلاء، وأنَّ علينا أن نفكّر في مختلف الوسائل التي تكفل لهؤلاء حياة كريمة، سواء في مؤسَّسات يتمّ تأهيلهم فيها وتعليمهم ليواجهوا الحياة، أو خارجها، وأن تهتمّ الدَّولة في إيجاد مرافق تيسّر لهم تنقّلهم، وتؤمّن لهم فرص العمل، وأن يكون النظر إلى هؤلاء من حيث هم ذوو احتياجات خاصّة، نظرة مختلفة عن سائر النّاس من مختلف النواحي المهمّة، سواء المعرفية أو المادية أو الصحية أو الخدماتية. وبذلك، نكون قد عشنا قيم الإسلام وآدابه الرّفيعة كأحسن ما يكون العيش، مكلّلين برضا الله تعالى.
***
مرسل الاستشارة:..................
نوعها: اجتماعيّة.
المجيب عنها: سماحة الشيخ محسن عطوي، عضو المكتب الشرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض).