24 شعبان 1444هـ
/
24/02/2023
tabindex="-1">
استقبل سماحة العلَّامة السيّـد علي فضل الله "لقاء الثلاثاء الثقافي" الّذي يضمّ نُخبة من مؤسّسي العمل الإسلامي في لبنان.
قـدَّم للّقاء الدكتور نبيل سرور، الَّذي أكَّد أهمية الدور الكبير والفاعل الذي قام به العلَّامة المرجع فضل الله (رض)، في استعادة الإسلام دورَه الحركي والحضاري والتغييري في العالم المعاصر، وبالصورة المشرقة التي تتصل بتعزيز قيم الحوار والتواصل والعدالة والحرية والاستقلال، وحيث مثّل نموذجاً مميزاً في التواضع والعلم والثقافة والمعرفة، مواجهاً تحديات العصر، ومتفاعلاً مع قضاياه من خلال طروحاته الاجتهاديَّة العميقة في الفكر والفقه، وتضحياته وجهاده، واستغراقه في بناء الحركة الإسلاميَّة في النظرية والممارسة، وتوطيد أركان المقاومة ضدّ العدوّ الصهيوني، واهتمامه غير المسبوق بقضايا الوحدة الإسلاميَّة والحوار الإسلامي – المسيحي.
أضاف سرور: وعلى هذا الخطّ، يستكمل سماحة السيِّد علي فضل الله السير على خطى والده، لافتاً إلى أنّ انطلاقة هذا اللقاء كانت من هذه الدار الكريمة.
من جهته، رحـّب سماحته بالإخوة الحضور، معبراً عن اعتزازه وفخره بهذه المجموعة التي تشكَّلت منذ خمسة وثلاثين عاماً، وهي لا تزال على النهج الإسلامي الأصيل في رساليَّتها وانفتاحها، وما تبذله من جهود لتعزيز الوعي ومدّ جسور التواصل على الصعيد الإسلامي والوطني والقومي، مقدِّراً الدور الكبير الذي تقوم به في السَّاحة، وما تعيشه من تنوّع وأفق واسع، وما تمتلكه من حسّ نقديّ نعتقد بضرورته لتطوير العمل الإسلامي وتأصيل حركته وتحصينه أمام كلّ التحديات الخارجية والداخلية.
وتحدَّث سماحته عن محطات مشرقة في تاريخ الحركة الإسلاميَّة، على المستوى العام، في بناء الوعي وترسيخ القيم الإيمانيَّة، وتحقيق إنجازات مهمَّة على مستوى الوطن والأمَّة في تحرير الأرض وتعزيز الاستقلال الوطني، كما شهدت انتكاسات، وهذا أمر طبيعي، قد يعود بعضها إلى أسباب موضوعيَّة، وبعضها الآخر إلى أسباب تتعلَّق بأداء هذه الحركة أو بعض ثغرها، ما يتطلَّب القيام بمراجعة ذاتيَّه ونقديَّة لمراحل عملها، للتعلّم من الأخطاء، والتخفّف من السلبيَّات، والبناء على الإيجابيّات، مشدِّداً على أهمية فهم العالم الذي نعيش فيه، حيث تزداد مشكلاته وقضاياه تعقيداً وتداخلاً، ما يجعل المعالجات والمواقف الَّتي كانت صالحة بالأمس غير صالحة اليوم.
ولفت سماحته إلى ضرورة الحذر من الوقوع في ما تنصبه القوى المعادية من أفخاخ لدفع الحركة الإسلاميَّة نحو الانغلاق على ذاتها أو حول المذهب الذي تنتمي إليه، ما قد يؤدّي إلى فقدانها هويَّتها الإسلاميَّة والأخلاقيَّة، أو بعدها الوطني والإنساني، ويعزلها عن المكوّنات الأخرى في الوطن أو الأمَّة.
وأوضح سماحته أنَّ الأهداف التي حدَّدتها الحركة الإسلاميَّة ليست لخدمة قضايا المسلمين فحسب، بل لمصلحة المستضعفين على تنوّع انتماءاتهم ومكوّناتهم، ومن المؤسف أن لا يظهر، وبقوَّة، هذا البعد الوطني الإنساني في الخطاب والممارسة. وعلى أهميَّة دور الخريطة السياسيَّة الطائفيَّة المركَّبة في أكثر من بلد في التشويش والتعتيم على هذا البعد لحساب الطائفيَّة، فإننا نشدِّد على أهمية التركيز على الهويّة الوطنيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة لهذه الحركة.
ونبَّه سماحته إلى أنَّ ما حقَّقته الحركة الإسلامية من إنجازات على صعيد دحر العدوّ الصهيوني ومواجهته، تبقى مهدَّدة ما لم نحصِّن أوضاعنا الداخليَّة، ونقوم بتوسيع دائرة الانفتاح على شرائح اجتماعيَّة وطنيَّة وشعبيَّة متعدّدة، يمكن أن تشكِّل سنداً حقيقيّاً للشعب في حفظ الاستقلال وتحقيق الإصلاح.
ورأى سماحته أنّ أهمّ ما تمتلكه الحركة الإسلاميّة هو مصداقيَّتها وعدالة قضيَّتها وصوابيَّة خطّها السياسي. لذا، لا بدَّ من أن تتبصَّر قيادات هذه الحركة، وفي مختلف الأوطان، جيّداً في كلّ المفردات والمقولات التي يطلقها الخطاب المقابل، سواء كان معادياً أو غير معادٍ، والذي قد يشكِّك في مصداقيّتها، أو في مشروعيَّتها الدينيَّة والأخلاقيَّة، أو في صوابيَّة سياساتها، بأن تأخذ كلّ ما يطرح في الاعتبار، حتى لو كان هناك تجنٍّ يهدف إلى تشويه صورة الحركة أو الإسلام، فيتمّ التعامل معه بما يكشف زيفه، أو قد يكون صحيحاً يتطلَّب المراجعة والتَّصويب وتوضيح المنطلقات والأسس والموازين الشرعيَّة التي تعتمد في المواقف والسياسات.
وتوقَّف سماحته عند أحداث السنوات الماضية، فرأى أنَّ بعض ما يسمَّى حركات إسلاميَّة سقط في أتون الإرهاب والتطرّف، وكان له الدّور البارز في تشويه صورة الإسلام، ومسؤوليَّتنا مراجعة الأسس والقواعد الفكرية والفقهية الَّتي استندت إليها، وإظهار تهافتها أو تاريخيَّتها لإحداث القطيعة المطلوبة معها، وحتى لا يتمّ استعادتها بصور أو أشكال أخرى ، فيما عجزت حركات إسلاميَّة أخرى عن فهم المعادلات الداخليَّة في أوطانها، وظنَّت أنَّ بإمكانها قيادة عمليَّة التغيير بمفردها، لكنها اصطدمت بالواقع وتعرّضت لانتكاسات كبيرة، ذلك أن التغيير يحتاج إلى تعاون واسع مع مختلف المكوّنات ذات المصلحة في الإصلاح والتَّغيير، مع الأخذ في الحسبان أن لا تؤثِّر التحالفات سلباً في مصداقيَّة الحركة الإسلاميَّة وأهدافها.
وشدَّد سماحته على أنَّ هناك ضبابيَّة وغموضاً في تصوّر الحركة الإسلاميّة لنظام الحكم، وأنَّ ما يصلح من التصورات والرؤى في بلد قد لا يصلح في بلد آخر، ما يدعو أهل الفكر إلى تقديم أطروحات اجتهاديَّة تستجيب للتحديات والمعضلات التي تعانيها أوطاننا، وتأخذ في الحسبان التعدد الطائفي والمذهبي والثقافي والعرقي الَّذي تتميَّز به بلداننا، وهكذا الأمر على صعيد الخطاب الَّذي يجب أن يأخذ ذلك في الاعتبار كشرط رئيس لاتساع دائرته واشتداد تأثيره.
وفي ختام اللقاء، كانت جولة حوار مفتوح بين سماحته والحضور، تناولت مختلف قضايا الواقع الإسلامي، والتحدّيات التي تواجه العاملين في واقعنا السياسي والثقافي، ولا سيَّما في هذه المرحلة الصَّعبة، وأساليب المواجهة وسُبل تحصين الأمَّة والمجتمع.