{وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: 122].
في ذكراه، يصدر هذا (المطبوع) "فقاهة وريادة السيِّد محمَّد حسين فضل الله"، وهو
مجموع مسائل مهمَّة، دأب سيِّدنا الراحل (طيّب الله ثراه) على عرضها ومناقشتها في
وسطٍ علميّ يحضره عددٌ من طلَّابه أو ضيوفه.
هذا هو دأب السيِّد في كلِّ مجلس، فلا يعرف تضييع الوقت في غير المفيد، ويحرّض على
التفكير بصوتٍ عال .
كان يتردَّد على دمشق حيث مرقد السيِّدة زينب (ع)، في بواكير نشاطه الدّيني
المتواصل، فيجتمع عنده (في مقرّ إقامته) عدد من العلماء والفضلاء، فيطرح مسألة
خلافيَّة أو وليدة العصر، يحرّر فيها موضوع النّزاع والآراء والأدلَّة والرَّأي
المختار، وقد وفِّقت لتدوين عددٍ منها، أو بالأحرى تدوين خلاصاتها، ثم حرَّرتها
وعرضْتُ عليه ربما مسألة أو أكثر، وبقيت عندي أسيرة مكتبتي منذ التّسعينيات، وها هي
تأخذ طريقها إلى النَّشر .
قبل ذلك، نشرت تقريرات درسه الفقهيّ (فقه الإجارة)، وكتاب الشَّهادة (الإثبات
القضائي) و(فقه الشَّركة).
ينتمي فقه السيِّد فضل الله إلى مدرسة النَّجف، مزدانًا بانفتاح جبل عامل، ومذاق
لغويّ وشاعريّ مرهف، وإحساس بمتطلّبات العصر.. منشغل بما يشغل النَّاس، ومهموم بما
يهمّهم، فلا يُحسن التَّغافل عن ذلك ولا التمويه أو الالتفاف، صريح حيث تكون
الصَّراحة هي الموقف، ويسعده أن يسأل النَّاس عن كلِّ ما يشغل تفكيرهم، فلا سؤال
محظور أو تافه .
المرجع في الفقه عنده هو القرآن (كتاب الله)، والسنَّة الشَّريفة، وهي لا تنفصل عن
كتاب الله، وهي ترجمان له، وتسبح في فضائه.
تعاطيه مع النصوص بوصفها من سنخ لغة المخاطبين، وفي ضوء الفهم العرفي، ولذلك كان
يأبى تفسيرها بأدوات الفلسفة، وينأى عن التفسير الحرفي للنصوص، إلا إذا ثبت أنها
وصلتنا باللَّفظ لا بالمعنى.
لا يجد الباحث في تراثه الفقهيّ ما نُسب إليه من العمل بالقياس أو الاستحسان، فذلك
مرجعه إلى أقاويل الأفَّاكين، لأغراض مشبوهة.
يحترم السيِّد تراث السَّابقين وله إجلال لهم، كما يحترم معاصريه ويقدِّر جهودهم،
إلا أنَّه لا يرى لآرائهم سطوة تمنعه من التَّفكير خارج سربهم، إذ لا يجوز أن
يُستغرب رأي في محافل العلم، وإنما يُسأل عن دليله، ولذلك لم يرَ دعاوى الإجماع ولا
الشُّهرة تصلح لتقييد الفقيه عن الرَّأي المختلف.
ولا يتعاطى السيِّد مع آراء الغير في ضوء النَّوازع النفسيَّة، فهي عنده آراء توضع
على طاولة النَّقد والتَّمحيص، يوافقها إن رأى الرأي نفسه، ويخالفها إن كان في
ميزان النَّقد العلميّ ما لا يعضدها .
يعنى بالمعطيات العلميَّة ويصغي للخبراء بها، ولا يتبرَّع بأجوبةٍ كيفيَّة بصددها،
لأنَّه يرى أنها فضاءات معرفيَّة وعلميَّة أجنبيَّة عن اختصاص الفقيه، ولا يجوز
الافتئات عليها والتقوّل على المختصّين والعارفين بها .
وهو - السيِّد الراحل - حريص على المراجعة وتقليب النَّظر مرَّة بعد أخرى، ولذلك لا
يرى الإصرار على الرأي منقبة، ولا يجد ما يبرّر التخاصم على هذا الرأي أو ذاك.
ولذلك غلب على أدبيَّاته وخطابه ما يرفع الاستيحاش عن الرَّأي المختلف، لأنَّه يرى
في هذه الظَّاهرة سببًا للتَّغرير، وحجبًا لواقع حال المحافل العلميَّة تاريخيّاً.
في هذا المطبوع، عدد من المسائل المهمّة :
- الإحرام للحجّ والعمرة من غير المواقيت المعروفة لمن لم يمرّ عليها.
- حكم الغناء واستعمال آلات اللّهو.
- التَّشريح.
- ترقيع الأعضاء.
- ثبوت الشَّهر بولادة الهلال.
- بلوغ الأنثى.
- تحقّق الموت.
- مفطرات الصَّوم.
- اشتراط الفلس في حليَّة أكل السَّمك.
ومسائل أخرى .