إنَّ الإمام الخمينيّ (رض)، هذا الإنسان المنفتح على قضايا
الإنسان، من خلال انفتاح الإسلام كلّه على قضايا النَّاس في العالم، نجد أنّه (قده)
درس بوعيه الإسلاميّ السياسيّ الواقعيّ مسألة الاستكبار العالمي، ورأى أنّها
تتحرَّك بكلِّ قساوة وقوَّة لاستغلال نقاط الضّعف الموجودة داخل الواقع الإسلاميّ،
من خلال المذهبيات المتنوّعة التي تحوّلت إلى عصبيّات متنوّعة يقف فيها المسلم ضدّ
المسلم الآخر، أكثر ممّا يقف فيها ضدّ صاحب الدّين الآخر أو التيّار الآخر، بفعل
تاريخ التخلُّف والجهل، وبفعل الاستكبار الَّذي كان يعبث بالواقع الإسلامي. لذلك
أطلق الإمام الخميني (قده) شعاره المعروف "يا مسلمي العالم اتّحدوا"، أو "أيُّها
المسلمون اتّحدوا"، وانفتح من خلال تجربته على قضايا المسلمين في العالم. ومن هنا،
كانت قضية فلسطين تمثّل القضيَّة المركز في تفكيره، والتي أعطاها كلّ شيء، حتّى
إِنَّه كان يفكِّر في وقتٍ من الأوقات من خلال إيمانه بالقضيَّة الإسلاميَّة
الواحدة، بتجميد صراعه مع النظام العراقيّ... ليدفع بالمسلمين في إيران لأن يأتوا
لمقاتلة إسرائيل في فلسطين المحتلَّة، لولا أن رأى أنَّ المصلحة لا تتوفّر في ذلك،
لوجود بعض المشاكل الَّتي لا توفّر نجاح هذه اللَّحظة. وهكذا رأينا أنّه تبنّى
قضايا المسلمين في كلّ مكان في العالم، بالرّغم من أنّ هذه القضايا كانت تمثّل في
مجموعها الصفة المذهبيَّة، وهي قضايا إسلاميَّة سنيّة، وليست شيعيَّة، ودفع
بالجمهوريَّة الإسلاميَّة في مواقع الخطر على مستوى المواجهة مع الاستكبار العالمي.
ومن هنا، فإنَّ الإمام الخميني (قده) استطاع أن يخترق هذه الحواجز السياسيَّة
المنطلقة من خلال حواجز نفسيَّة وعصبيَّة في العالَم الإسلامي، بحيث أوجد حالة
إسلاميَّة تعبويَّة في أكثر من منطقة إسلاميَّة استطاعت أن تتحرَّك بروح وحدويَّة
شعوريَّة في المسائل الإسلاميَّة المشتركة.
ولذلك، فإنَّنا نتصوَّر أنَّ الإمام الخميني قد ترك تأثيره الكبير في مسألة الوحدة
الإسلاميَّة من النَّاحية السياسيَّة، وهو عندما تحدَّث عن الوحدة الإسلاميَّة من
الناحية الفكريَّة، فإنَّ منهجه كان يمثِّل المنهج الَّذي لا يريد أن تتحوَّل
المسائل الفكريَّة إلى شعارات فضفاضة مائعة، يمكن أن ينطلق بها الإنسان تجاه
الإنسان الآخر بوحي المجاملة، تماماً كما يفعل الآخرون عندما يقولون إنّه ليست هناك
مشاكل بين المسلمين، وليست هناك خطوطٌ فكريَّة صعبة، أو قضايا عميقة في هذه المسألة.
إنَّ الإمام الخميني، وبطريقته العمليَّة في التفكير، كان يجد أنَّ هناك قضايا
أساسيَّة يختلف فيها المسلمون، ويدور الجدل حولها، لذلك لا بدَّ أن يتحرَّك العلماء
ليتحاوروا في هذه القضايا، ليصلوا إلى نتيجة حاسمة حول المواضيع كافّة، لأنَّ بقاء
القضايا الحيويَّة الفكريَّة في الذهنيَّة الثقافيَّة التي تتوارثها الأجيال، يمكن
أن يُثير المشكلة في كلّ وقتٍ من الأوقات. لهذا، كان (قده) يدعو إلى وحدة تحسم
الجدل، وإلى وحدة تُسمِّي الأشياء بأسمائها، وحدة بالإخلاص للإسلام في بحث القضايا
الإسلاميَّة بطريقةٍ علميّة موضوعيّة تستهدي الأساليب الإسلامية في البحث، كان يريد
أن يقول للمسلمين، إنَّ الشيعة والسُنَّة يجب أن يفكِّروا بأنَّ الإسلام هو هدفهم،
وأنَّ وعي الإسلام في عقائده وشرائعه ومناهجه وخطوطه الفكريَّة، هو الذي يُبرئ
ذمّتنا أمام الله عندما نصلُ إلى الحقيقة في ذلك...
* من كتاب "للإنسان والحياة".