يلجأ الآباء أو الأمَّهات أو المعلِّمون إلى الضرب في إخضاع الطفل لقلّة صبرهم، لأنّهم يعتقدون أنَّ هذا الأسلوب يختصر الطريق عليهم إلى حلّ مشكلتهم مع الصّغار. لكنّ الضرب قد يُسكِت الطّفل إلى حين، ولكنّه في الواقع يترك آثاراً سلبيَّة في شخصيّته، فهو يولِّد لديه إحساساً بالقهر والخوف من جهة، وموقفاً رافضاً من الشَّخص الذي يضربه من جهةٍ أخرى.
أنْ نُشْعِرَ الطّفل بالاضطهاد بفعل استخدام الأسلوب العنيف معه، هو شكل من أشكال الظلم الذي يفترض بالأولياء تجنّبه، ولعلَّنا نستوحي ذلك من الفكرة الإنسانيَّة الرائعة التي يُعبّر عنها هذا القول: "ظلم الضَّعيف أفحش الظّلم" . من هنا، يأتي وجوب أنْ نحترم إنسانيَّة الطفل جزء من احترام إنسانيّتنا. إنَّ مشكلة غالبيَّة الناس هي أنّهم أنانيّون، يطلبون من الآخرين أنْ يتعاملوا معهم بطريقة إنسانيَّة، ولكنّهم لا يقابلون الآخرين بالاحترام الَّذي يطلبونه منهم، وهو أمر يعبّر عنه دعاء الإمام زين العابدين (ع): "اللَّهمَّ فكما كرّهت لي أنْ أُظلَمَ، فقني مِنْ أنْ أَظلِم" .
وهذا هو معنى "عامل النَّاس بما تحبّ أن يعاملوكَ به"، "يا بنيّ، اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك" . إنَّ الهامش الَّذي يكون فيه اللّجوء إلى الضَّرب مبرّراً ضيّق إلى أبعد تقدير، بحيث لا يلجأ إليه إلَّا في حالات الخطر الشَّديد، بوصفه عملية جراحيَّة وظيفتها استئصال المرض.
ونجاح الأسلوب الَّذي يمكن أن نتبعه في إيصال أيِّ فكرة إلى عقل الطّفل، أو في إيصال أيِّ شعور إلى قلبه، يقوم على مراعاة ما يمكن أنْ تتحمَّله شخصيَّة الطفل من دروس أو ضغوط، ذلك أنَّ الخطّ التربوي العام الَّذي يفترض أن نتبنَّاه يقوم على رحمة الطّفل، باعتبار أنَّ الرَّحمة خطّ عام يحكم علاقة الله بالإنسان وعلاقة الإنسان بالإنسان الآخر.
والرحمة ليست مجرَّد مفردة أخلاقيّة، بل هي مفردة معرفيَّة تستدعي تحديد مستوى الطّفل العقلي، وتقدير ظروفه الواقعيَّة عند محادثته أو توجيهه، ذلك أنَّ التربية عموماً، يفترض أن لا تنطلق ممّا يفكّر فيه المربّي، بحيث يتعمَّد إسقاط ما قرأه أو تعلَّمه على الطّفل قسراً، كما هي حال المرشد الديني أو الاجتماعي الذي يفترض به أن لا يفرض مواقفه الخاصّة على الآخرين، بل عليه أن يدرس تجاربهم وأوضاعهم، ليحصل على ثقافة تربويَّة تساعده على القيام بعمله في مجال التربية أو التثقيف، بالشّكل الذي يؤدّي إلى تحقيق الأهداف المرجوَّة. وإنْ كان الخطّ العام يقول: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا...}[البقرة: 286]، فيما تعطى من توجيهات، وما يفرض عليها من تكاليف وما إلى ذلك.
* من كتاب "دنيا الطّفل".