بعض الناس يستحلُّون الكذب على أولادهم، وكأنّهم يعتبرون أنّ المسألة مسألة على مَن تكذب؛ هذا طفل ويريد أن يتعلَّق بي ليخرج معي، فأقول له ارجع إلى البيت وسأجلب لكَ معي هديَّة، وأنا عازم على أن لا أجلب له تلك الهديَّة..
تلك كذبة يعاقبك الله عليها من ناحيتين: أوّلاً لأنّك كذبت، وثانياً لأنّك أعطيت ولدك أوّل درس في الكذب، لأنّه عندما تأتي والهديَّة ليست معك، فإنّه يعتقد أنّ الكذب شيء جيّد، أبي يكذب وهو المثل الأعلى، فعليَّ أن أكذب عليه، وعليَّ أن أكذب على أخي، وعليّ أن أكذب على ابن الجيران، وبذلك تكون أوّل مدرسة يتعلَّم فيها الولد الكذب، هي مدرسة أمّه وأبيه.
هذه مسألة أساسيَّة لا بدَّ من معرفتها. بعض الناس يفكِّرون أنَّ علينا أن نصدق مع المسلمين، أمّا غير المسلمين من الكافرين، فعلينا أن نكذب عليهم؛ نكذب عليهم في المعاملة، ونكذب عليهم في الحديث، ونكذب عليهم في المواقف، ولكنَّ الله يريد للحقيقة أن يعرفها كلّ النَّاس من المؤمنين ومن الكافرين، لأنَّ الله يريد للكافر أن يرتبط بالحقيقة في الحياة، حتّى يقوده الارتباط بالحقيقة إلى أن يرتبط بالإيمان بالله الَّذي هو حقيقة الحقائق. لهذا، مسألة أن تكذب، ليست مسألة الشَّخص الَّذي تكذب عليه، ولكنّها مسألة الحقيقة التي تخفيها وتشوّهها من خلال كذبك.
كونوا الصَّادقين مع كلّ الناس صغاراً وكباراً، وكونوا الصَّادقين مع كلّ الناس مسلمين وغير مسلمين، لأنَّ ذلك أسلوب من أساليب الدَّعوة إلى الله.
يقول الإمام الصَّادق (ع) وهو يوجِّه نصيحته إلى أصحابه: "كونوا دعاة للنّاس بغير ألسنتكم" ، أتريدون أن تدعوا إلى الله؟ أتريدون أن تدعوا إلى خطّ أهل البيت (ع)؟ كونوا دعاةً للنّاس بغير ألسنتكم، ليلقوا منكم الصِّدق والخير والورع، فإنَّ هذا أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب"