يقول تعالى عن النساء في الحياة الزوجيّة في علاقة الرجال بهنّ: {وَعَاشِرُوهنَّ بِالمَعْروفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثْيراً}[النّساء: 19]...
يتحدَّث الله تعالى عن علاقة الزوج بزوجته، ومن الطبيعي أنَّ الزواج يخلق بعض المشاكل في ما يواجهه الرَّجل من مزاج زوجته الذي عاشته من خلال تأثرها ببيئة أهلها، أو أن تعيش الزوجة مزاج زوجها الذي تربَّى عليه عندما عاش مع أهله، أو ما يحدث من حالات طارئة في المعاشرة في داخل البيت الزَّوجي، من مشاكل الأولاد والإنفاق وما إلى ذلك. في هذه الصّورة، قد يكره الزوج زوجته، وقد يتضايق من بعض مزاجها أو أوضاعها، فيضطهدها، أو يجعل إحساسه الشعوري النفسي مبرّراً لأن يطلّقها، وقد يكون للزوجة بعض السلبيَّات في أخلاقها أو في كلماتها أو في بعض أوضاعها البيتيَّة المتعلّقة بالغذاء والكساء وتربية الأولاد، ولكن إلى جانب هذه السلبيَّات، قد تكون لها إيجابيَّات كثيرة، فقد تكون صاحبة عقل، أو من أكثر النّساء عفّةً، فتحفظ زوجها في نفسها وفي ماله، وقد تكون متديّنة...
فعلى الإنسان أن لا يبادر إلى الخضوع لهذا الإحساس بالكراهة، بل أن يقارن بين السلبيَّات بنسبة عشرين أو ثلاثين في المائة، وبين الإيجابيَّات بنسبة سبعين أو ثمانين في المائة، أن يدرس الأمر دراسة عقليَّة، بحيث يحسب في كلّ معاشرته الزوجيَّة حساب الأرباح والخسائر، فإذا كانت الأرباح أكثر، فعليه أن يتحمَّل السلبيَّات ويعالجها بحكمته وعقله، وبكلِّ الوسائل التي تنشر السَّلام في البيت: {وَعَاشِرُوهنَّ بِالمَعْروفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ - فلا تبادروا إلى التصرّف على أساس هذه الكراهة السطحيّة - فَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثْيراً}. لا بدَّ أن يدرس الإنسان الأمور دراسة موضوعيَّة إنسانيَّة عقلانيَّة، لأنَّ الحياة الزوجيَّة ليست علاقة طارئة، بل هي مكوَّنة من العلاقات، إنَّ في العلاقة الزوجيَّة عائلتين تتصاهران، وجيلاً من الأولاد الَّذين قد ترتبط مصالحهم ويتحرَّك مستقبلهم من خلال علاقة الزوج بزوجته.
فعلى الزوج أن لا ينظر إلى المسألة من خلال تأثيراته النفسيَّة، بل عليه أن ينظر إلى أنَّه جزء من كيان ومن عائلة قد تمتدّ في سلبيَّاتها وإيجابيَّاتها إلى العوائل الأخرى، فعلى الزوجين أن ينظرا إلى أنهما يصنعان جيلاً جديداً، وأن تصرفاتهما سوف تؤدي إلى سقوط هذا الجيل أو إلى ارتفاعه.
وإذا كان القرآن قد تحدَّث عن الزوج أن لا يبرِّر بعض الكراهة السطحيَّة في الانفصال أو في بعض الأعمال القاسية تجاه زوجته، فالله تعالى يوجِّه خطابه أيضاً إلى الزوجة الَّتي تملك بعض مواقع الإرباك في الحياة الزوجيَّة، لأنَّ الفكرة واحدة.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 27 ربيع الأوَّل 1426هـ/ الموافق: 6 أيّار 2005م.