يقول تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
- بمعنى أنهم خطّطوا لأن يجاهدوا أنفسهم، فيخضعوها لطاعة الله تعالى، وإذا عرف الله
منّا أنَّنا نجاهد أنفسنا، فنحاسبها ونراقبها ونرصدها من أجل أن نصحِّحها ونجعلها
مطيعة لله، فإنَّ الله سوف يزيدنا من ذلك - لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا - يدلّنا
على الطرق التي تؤدّي بنا إليه - وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:
69].
ويقول تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحجّ: 78]، {وَمَن جَاهَدَ
فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 6]، {وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ
لِنَفْسِهِ}[فاطر: 18].
وفي الأحاديث الَّتي توجّه الإنسان إلى طاعة الله ومجاهدة النَّفس، في رواية عن
الإمام الصّادق (ع)، يقول: "أعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته - وطاعة
الله هي عنوان للإتيان بما أمر والاجتناب عمَّا نهى - فإنَّ الله لا يُدرك شيء من
الخير عنده إلَّا بطاعته واجتناب محارمه" ، فإذا أردت أن تحصل من الله على كلِّ
ما يحقِّق لك النَّجاة ويرفع درجتك عنده، فعليك بالطَّاعة، وهذا أمر ورد على لسان
رسول الله (ص) في آخر حياته، عندما قال: "أيّها النَّاس، لا يدَّع مدعٍ، ولا
يتمنَّ متمنٍّ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا ينجي إلَّا عمل مع رحمة، ولو عصيت
لهويت" . وهذا ما نقرأه في القرآن الكريم، عندما كان النبيّ (ص) يخاطب النَّاس
الذين كانوا يريدون له أن يسير على خطّهم: {قُلْ إِنِّي
أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الزّمر: 13].
ويقول الإمام الصَّادق (ع): "اعلموا أنَّه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك
مقرَّب، ولا نبيّ مرسل، ولا من دون ذلك أقلّ من خلقه كلّهم إلَّا طاعتهم له،
فاجتهدوا في طاعة الله" .
ويقول الإمام عليّ (ع): "عليكم بالجدّ والاجتهاد - لا تعيشوا الحياة على أساس
العبث واللَّامبالاة - والتأهّب - لما تقبلون عليه – والاستعداد، والتزوّد في منزل
الزاد، ولا تغرَّنّكم الحياة الدنيا كما غرَّت من كان قبلكم من الأمم الماضية
والقرون الخالية" ، النَّاس الذين كانوا قبلنا، كانت لهم أحلامهم وأطماعهم
وأهواؤهم، فأين صاروا؟ وسنصير إلى ما صاروا إليه.
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "أفضل الجهاد من أصبح لا يهمّ بظلم أحد" ،
فأفضل ما تعيشه في علاقتك بالآخرين، هو أن لا تفكِّر في ظلم أيِّ إنسان، والظّلم هو
أن تمنع النَّاس من حقّهم، فعليك أن تعرف حقوق النَّاس لتعطي كلَّ ذي حقّ حقّه.
ويقول الإمام عليّ (ع): "جاهد في الله حقَّ جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم"
، قف مع الحقّ الَّذي يريد الله منك أن تقف معه، ولو كان النّاس كلّهم ضدّك، لا
تفكّر في ملامة النَّاس لك، بل فكِّر في رضا الله وضميرك وقناعتك، فالإمام (ع) يطلب
منَّا أن نقتدي به، فقد عاش مع الحقّ وما ترك له من صديق، فقد كان "عليّ مع الحقّ
والحقّ مع عليّ". ولذلك كنا نقول إنَّ الولاية لعليّ (ع) مكلفة، لأنها تقتضي أن
تسير في خطّه، وخطّه هو الحقّ، ولذلك كان (ع) يقول: "ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى
من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني
بورع واجتهاد، وعفّةٍ وسداد" .
فعلينا أن نأخذ بالحقّ، ونتحمّل السبّ والشتّم في سبيل ذلك، وقدوتنا في ذلك رسول
الله (ص) الَّذي بقي مصرّاً على دعوته بالرّغم من كلّ الاتهامات، وعليّ (ع) الَّذي
سُبّ سبعين سنة على المنابر، ولكن أين عليّ وأين هؤلاء؟ إنَّ الله تعالى هو الَّذي
يرفع وهو الَّذي يضع.
ونقرأ عن رسول الله (ص): "أشدُّ النَّاس اجتهاداً من ترك الذّنوب" . وجاء
شخص إلى الإمام الباقر (ع) وقال له: إني ضعيف العمل، قليل الصَّلاة، قليل الصَّوم،
ولكن أرجو أن لا آكل إلَّا حلالاً، ولا أنكح إلَّا حلالاً، فقال له الإمام (ع):
"وأيّ
جهاد أفضل من عفّة بطن وفرج" ؟
* من خطبة جمعة لسماحته بتاريخ: 29 رمضان 1425 هـ/ الموافق: ١٢ تشرين الثّاني
٢٠٠٤م.
***
بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج75، ص 216.
بحار الأنوار، ج22، ص 467.
ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 458.
ميزان الحكمة، ج1، ص 458.
ميزان الحكمة، ج1، ص 452.
بحار الأنوار، ج74، ص 218.
بحار الأنوار، ج33، ص 474.
ميزان الحكمة، ج1، ص 459.
ميزان الحكمة، ج3، ص 2007.