سئل الإمام الرّضا (ع) عن العجب الَّذي يفسد العمل، فقال: "العجب
درجات؛ منها أن يرى العبدُ سوءَ عمله حسناً فيعجبه، ويحسب أنَّه يحسن صنعاً"
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً}[الكهف: 103 – 104]، {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
فَرَآهُ حَسَناً}[فاطر: 8].
وقد اغترف الإمام الرضا (ع) هذا المعنى من القرآن، وقد قدَّمنا أنَّ كلّ انتزاعاته
في أجوبته كانت من القرآن، فأن تعجب بنفسك، يعني أن تستغرق في ذاتك، وأن تبتعد عن
التفكير فيما حولك ومَنْ حولك، وأن تتعبَّد لذاتك، بأن تعتبر الفكر الَّذي يصدر عنك
هو الفكر العظيم، وأنَّ كلَّ حركة تتحرّك بها تتمثّل بها كلّ القِيَم، وأن تدرس
نفسك من خلال نفسك، لا أن تدرس نفسك من خلال الفكر الَّذي ينطلق به الآخر، لتدخل في
عمليَّة مقارنة بين فكرك وبين فكر الآخر.
إنَّ هؤلاء النرجسيّين الذين يتعبّدون لأنفسهم، تماماً كما تقف المرأة التي يعجبها
جمالها أمام المرآة من الصَّباح إلى المساء، من أجل أن تتعبَّد لذاتها في جمالها،
هؤلاء الَّذين يستغرقون في مرآة أنفسهم، فلا يرون أنفسهم إلَّا في داخل أنفسهم، في
حين أنَّ المؤمن مرآة أخيه، أي أنَّ عليك أن ترى نفسك في غيرك، وعليك أن ترى نفسك
في وحي الله تعالى، وعليك أن ترى نفسك في كلِّ ما ينطلق به رسلُ الله وأولياء الله.
إنَّ مشكلة المعجب بنفسه هي أنَّه يعتبر العالم محصوراً في نفسه، فلا يجد هناك شيئاً
غير نفسه، فكأنّه يختصر العالم فيها.
"ومنها أن يؤمن العبد بربِّه، فَيَمُنّ على الله ولله المنّةُ عليه فيه" ،
ويصلّي بعض الركعات فيما يتنفَّلُ به أو يحجُّ استحباباً أو يتصدَّق هنا وهناك، ثم
إذا ما ابتلاه الله عاتب الله في ابتلائه؛ لماذا تبتليني وقد عبدتك، لماذا تبتليني
وقد صلّيت لك صلاة اللَّيل، وقد حججت، وقد تصدَّقت "مدلّاً عليكَ فيما قصدتُ فيه
إليكَ، فإنْ أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك، ولعلَّ الَّذي أبطأ عنّي هو خيرٌ لي لعلمك
بعاقبة الأمور" ، فقد تكون حالة الإدلال على الله منطلقة من أنَّ الإنسان يشعرُ
بأنَّه قدَّم إلى الله خدمةً عندما صلَّى، وأنّه فعل مع الله جميلاً عندما صام وحجّ،
فيما يعتبر الله سبحانه وتعالى أنَّ كلَّ طاعة الإنسان إنّما هي لنفسه، ذلك لأنَّ
الله "لا تضرّه معصية مَنْ عصاه، ولا تنفعة طاعة مَن أطاعه" .
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.