في السابع عشر من أيّار كاد لبنان يدخل في صلح منفرد مع "إسرائيل"، يعطيها حقّ السَّيطرة الكاملة على سيادة لبنان، بما يفرّغ هذا البلد من استقلاله الحقيقيّ والفعليّ، وكلّ ذلك كاد أن يتمّ بمشاركة أمريكا ورعايتها.
ولكنّ الشعب اللبناني والمسلمين المجاهدين أسقطوا هذا الاتفاق، فأخرجوا أمريكا والقوى المتعدّدة الجنـسيَّات من قوى حلف الأطلسي من لبنان، كما أخرجوا "إسرائيل" من جنوبه.
ومن الملاحظ أنَّ الأكثريَّة في المجلس النيابي قد صوَّتت لصالح الاتفاق قبل التَّعيين، وهي نفسها صوتَّت بعد ذلك على إسقاطه، لأنَّ حركة السياسة اللبنانيَّة هي، كما يقول ذلك الشَّاعر عن بعض هذه النماذج الإنسانية: يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرماً، ولكن على أساس ما يطلب له أن يعطي وما يطلب له أن يمنع.
ولم تنته مشاريع الاستكبار وخططه الهادفة إلى إسقاط المنطقة نهائياً تحت قبضتها، فهيأت لإنتاج اتّفاق 17 أيَّار عربي، و17 أيَّار لبناني...
ولا يزال اتفاق 17 أيَّار حياً في الذاكرة الإسرائيليَّة، وهو يعطي لـ "إسرائيل" الحقّ في أن تشرف على كلّ أمن المنطقة الجنوبيَّة، والحقّ في أن تمنع الطيران اللّبناني، عسكرياً كان أو مدنياً، من التحليق في الجنوب إلَّا بموافقة الكيان الصّهيوني.
وبينما كان شعبنا يقوم بكلِّ هذه الأعمال ويقدّم التضحيات، كان النظام اللبناني يخطّط لإنجاح اتفاق 17 أيار، فصوّت أغلب نوَّاب المجلس النيابي (آنذاك) لمصلحته، فكان انطلاق التحرّك من مسجد الإمام الرّضا (ع) في بئر العبد، حيث استشهد أحد الإخوة من الشباب المعارضين للاتفاق، وتابع شعبنا تحرّكاته لإسقاط هذا الاتّفاق، ومنهم من اعتصم بهذا المسجد، من علماء السنّة وعلماء الشيعة، انطلاقاً من قاعدة الوحدة الإسلاميَّة في مواجهة العدوّ المشترك...
عندما تسلَّم الشعب القضيَّة، أمكنه أن يحقّق الكثير، فأسقط اتّفاق 17 أيَّار، ومنع "إسرائيل" من تحقيق أهدافها في لبنان وفي داخل فلسطين، ولو كانت لشعوبنا قوَّة أكثر، لاستطاعت أن تصنع نتائج أعظم. ولكنَّ المشكلة أنَّ أمريكا و"إسرائيل" وكلّ هذا العالـم المستكبر، نصّب علينا مسؤولين، مهمَّتهم الحفاظ على مصالحهم...
* من كتاب "إرادة القوّة".
***
توصَّلت الولايات المتحدة بالاتفاق مع حكومة العدو الإسرائيلي بعد الاجتياح الواسع الذي أقدمت عليه للبنان في 1982، إلى فرض شروط صلح مخلّ ومذلّ على رئيس الجمهوريَّة اللبنانية آنذاك أمين الجميل، الابن الأكبر لمؤسّس حزب الكتائب اللّبنانية بيار الجميل، وقد واجه هذا الاتفاق معارضة وطنيّة وإسلاميّة واسعة، كان انطلاق شرارتها من مسجد الإمام الرضا (ع) الَّذي كان يؤمّ جموع المصلّين فيه سماحة المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله (رض) قبل انتقاله إلى إمامة الصَّلاة في مسجد الإمامين الحسنين (ع).
الشهيد محمَّد نجد