في كلّ مرّة تذكر التَّاريخ الهجريّ، فإنّك تتساءل: ما هذا التاريخ؟
وكيف بدأ؟ عند ذلك تتصوّر أنَّ هذا التاريخ بدأ من هجرة رسول الله (ص). لماذا هاجر
رسول الله؟ لأنّه عاش الاضطهاد لدعوته في مكَّة، ولأنّه أراد أن ينتقل من موقع إلى
موقعٍ آخر. ثمّ بعد ذلك، عندما تتحرّك سني التَّاريخ، تدرس كيف كان هذا التَّاريخ؟
كيف عاش المسلمون الصِّراعات؟ كيف كانت التحدّيات؟ وهكذا، فأنتَ في كلِّ يوم تؤرّخ
بالتَّاريخ الهجريّ، تتذكَّر كلّ تاريخك الإسلاميّ، وتشعر بأنّك جزء منه، وأنّ عليك
أن تصنع التّاريخ في مرحلتك، كما صنعه المسلمون الآخرون في مرحلتهم.
من هنا، فإنَّ مسألة التاريخ الهجري الإسلامي لا تمثِّل مجرَّد إحصائية للسنين،
ولكنّها تمثّل جزءاً من ملامح الشخصيَّة الإسلاميَّة. إنّ تاريخ السيّد المسيح يوحي
إليك بولادته، ولكنّ تاريخ الهجرة يوحي إليك بحركيّة الإسلام في قيادة رسول الله
(ص) وفي الصحابة وفي الأئمَّة وفي كلّ العلماء والمجاهدين الَّذين انطلقوا في شرق
الأرض وغربها، ليؤكِّدوا كلمة الإسلام على أساس أنّها كلمة الله. ولهذا حاولوا أن
تستذكروا تاريخكم، وأن تضعوه في مراسلاتكم وفي كلّ مناسباتكم، حتّى تعتبروا أنفسكم
جزءاً من هذا التَّاريخ، وحتّى تشعروا دائماً بأنّكم عندما تكونون جزءاً من تاريخ
الإسلام، فإنّكم تحملون مسؤوليَّتكم عن الإسلام؛ كيف تدعون إليه، وكيف تعزّزونه،
وكيف تقوّونه، وكيف تعطون الإسلام من قوّتكم ومن إرادتكم ومن خبرتكم ومن علمكم في
ما يحتاجه الإسلام في كلّ حركته وفي كلّ واقعه وتطلُّعاته.
المسألة هي أن نرتبط بملامح تاريخنا ... فقصَّة التاريخ في كلِّ أمّة هي قصَّة
مسيرة الأُمّة، من حيث هزائمها وانتصاراتها وكلّ أوضاعها المتحركة، فكلّ سنة من سني
هذا التَّاريخ تحمل في داخلها حركة الأمَّة في كلّ مواقعها في هذه السنة، فعندما
نؤكّد التاريخ الهجري في كلِّ يوم، فنسجّله في مذكّراتنا، ونؤرّخ به رسائلنا،
ونثبِّته في كلِّ ما يحتاج إلى التَّاريخ، فإنَّ ذلك يجعلنا نعيش التَّاريخ
الإسلامي منذ هجرة النبيّ (ص) وكيف انطلقت الهجرة، وكيف عاشها المصطفى (ص)، وكيف
كانت مرحلة الدَّعوة قبل الهجرة وبعد الهجرة، ثم كيف تحرّك المسلمون إلى العالم،
وكيف كانت الفتوحات والانتصارات والتعقيدات الداخليَّة السياسيَّة منها أو
الثقافيَّة أو الأمنيَّة، وكيف واجه المسلمون التحدّيات، فإنَّك وأنتَ تعيش
التَّاريخ الهجري، إنّما تعيش تاريخك وأصالتك وأنَّك جزء من هذا التَّاريخ، وأنّك
يمكن أن تشارك في صنعه كما شارك الآخرون في صناعته أيضاً. فللتَّاريخ الهجري في
بعده الإسلامي معنى يتَّصل بتركيز الأصالة في كياننا ووجودنا، ويتّصل كذلك بحركة
الأمَّة في هذا التاريخ، وبمسؤوليَّتنا قبال هذا التَّاريخ بحسب ما نملك من جهد
وطاقة.
فإذا كان الواقع الذي نعيش فيه واقعاً يسيطر فيه الاستكبار العالمي الَّذي فرض
علينا التاريخ الميلادي، فلا بدَّ من أن نضع التأريخ الهجري إلى جانب التأريخ
الميلادي، وإذا أمكن أن نضعه جنباً إلى جنب مع الميلادي، كما نقول ـــ أحياناً ـــ
التأريخ الهجري (كذا)، الموافق للتأريخ الميلادي (كذا)، لأنَّ أيّ أُمّة لا تحترم
تأريخها هي أمَّة لا تحترم أصالتها ولا تحترم حركيَّتها ووجودها. فعندما نستعير
التأريخ من غيرنا، فماذا يبقى لنا يا ترى؟! ذلك أنَّ للآخرين تأريخهم وقد نلتقي
معهم في هذا التأريخ، ولنا تأريخنا وعلينا أن نؤكِّده، لأنَّ هذا يمثّل نوعاً من
الهزيمة النفسيَّة والحضاريَّة والإسلاميَّة أمام الآخرين. والمؤسف أنَّ الكثير من
المسلمين لا يتذكَّرون التاريخ الإسلامي كما ينبغي، حتى إنّك إذا سألتهم ما هو
التاريخ الهجري اليوم، فإنّهم لا يعرفون ذلك .
***