التربية وسيلة من وسائل بناء الشخصيَّة الإنسانيَّة لتحقيق أهداف الإنسان
الكبرى في إطار الفهم الإسلامي.
إنَّ هدف التربية في الإسلام، إعداد المسلم لتحقيق كلّ الأهداف الإسلاميَّة الَّتي
وضعت بين يدي الإنسان، سواء على مستوى انفتاحه على الله، أو انفتاحه على الناس، أو
على نفسه وما إلى ذلك، بالعبادة والمعرفة. إنّ هدف التربية إعداد الإنسان المسؤول
عن الكون والحياة في علاقته بالله وبالإنسان وبالحياة.
على الرّغم من أنَّ الإنسان خُلِقَ ضعيفاً، لكن لديه قابليَّة أخذ القوّة، وعلى
الرّغم من أنّه خُلِقَ سريع الحركة والانفعال، لكن لديه قابليَّة الوصول إلى
التأنّي وما إلى ذلك.. فدور التربية إذاً هو أن تؤسِّس التوازن في شخصيَّة الإنسان
بمختلف أبعادها الجسديَّة والنفسيَّة والروحيَّة والذهنيَّة والاجتماعيَّة، وأنْ
تنمّي معرفته بالنَّشاط الذي ينسجم مع مستواه الفكري، وأنْ تزرع القِيَم والمفاهيم
داخل شخصيَّته، بالمستوى الذي يتحوَّل فيه الطّفل إلى تجسيدٍ حيّ لتلك القِيَم، حيث
تقوم تربيته على الصِّدق في شخصٍ صادق، وتربيته على الأمانة في شخص أمين، وهكذا...
إنّ هدف التربية هو إعطاء القِيَم وتجسيدها في الإنسان، ونقل القِيَم من عالَم
المفاهيم المجرّدة إلى عالَم الحركة الحياتيَّة، بحيث يتحوَّل الإنسان نفسه إلى
قيمة متجسِّدة، بدرجات متفاوتة في التَّجسيد تبعاً لتفاوت المؤهِّلات. هذا ما يمكن
أن نفهمه من حديث إحدى زوجات النبيّ (ص) عن أخلاق الرسول على سبيل المثال، حيث تقول:
"كان خُلقه القرآن"، بحيث إنّه تحوَّل إلى قرآن متحرّك. دور التربية إذاً هو أن
تؤصّل القِيَم في حركة الإنسان في الواقع.
إنّ الإسلام يؤكّد على الشخصية الإسلاميَّة من الناحية الفكرية والعملية والأخلاقية
في صناعة الإنسان، ومن الطبيعي أنّ هدف الإنسان المسلم في تربية أولاده، هو أنْ
يكونوا على الصّورة التي يتمثّل فيها الإنسان في عناصر شخصيّتهم فكراً وعملاً على
الخطّ المستقيم، في خطّ طاعة الله والخوف منه ومحبّته، بما يحقّق لهم معنى التقوى،
هذا من جهة.
ومن جهةٍ أخرى، إنَّ القول بأنّ هدف التربية في الإسلام، جعلُ الإنسانِ منفتحاً على
الله، لا يعني حصر التربية في إطار ضيِّق، كما يفعل البعض، فالانفتاح على الله ليس
مجرّد حالة صوفيَّة تأمليّة أو حالة عبادية طقسيّة جامدة، بل هو الانفتاح على كلّ
ما يريده الله للإنسان في الحياة. وإذا عرفنا أنَّ الله أراد للإنسان أن يكون
خليفته في الأرض، فمعنى ذلك أنّه أراد له أن يقوم بكلِّ مسؤوليَّاته تجاه الله.
من كتاب "دنيا الطّفل".