عندما ندرس المرأة والرجل لنكتشف خصائصهما، فلا بدَّ أن ندرس أساس وحدتهما في إنسانيّتهما، لأنَّ الخصوصيّة هي حركة في النوع وليست شيئاً مستقلًّا.
إنَّ الرجل والمرأة يمثّلان الإنسان، ويمثِّلان النَّفْسَ الواحدة التي تجعل الرجل وجوداً في المرأة، كما تجعل المرأة وجوداً في الرجل، من خلال أنَّ إنسانيَّتها تبحث عن إنسانيَّته، والعكسُ صحيح.
ومن الطبيعي أنّ الإنسانية الواحدة في هذا التعدُّد الوجودي، يفرض أن تكون للتعدُّدية خصائصها التي ترتفع بهذه الإنسانيَّة، ليعطي كلّ واحدٍ منهما شيئاً للآخر.. الرجل إنسانٌ بدأ وجودَه، فاكتشف بفعل الذّات، أو بفعل ما يُحيط به، أو ما أُعِدَّ له، أنَّه العنصرُ الفاعل، وبذلك حاول أن يُوحي إلى نفسه من خلال بعض الخصائص الماديّة الحسيَّة التي يملكها، وتملكها المرأة، أنَّ المرأة كائنٌ منفعل.. وبهذا اختزن الرَّجل جانب الفعل في موقعه من المرأة، واختزنت المرأة جانبَ الانفعال في موقعها من الرَّجل، ولكنّ الفعل والانفعال هما مسألتان مشتركتان في إنسانيّة كلّ واحدٍ منهما، لأنَّ القصّة الإنسانيَّة، هي قصّة حركة هذا الوجود في الوجود، ولذلك، فإنَّ من الطبيعيّ جداً أن يكون لأيّ حركة محدودة جانب سلب وجانب إيجاب.
تجاذب من هنا، نؤمن بأنَّ في المرأة إيجاباً وسلباً، كما أنَّ في الرجل إيجاباً وسلباً، وقد تضعفُ إيجابيَّة هذا أو سلبيَّة ذاك بفعل الظروف والأوضاع المتراكمة التي قد تفرضُ على الرجل أن تختفي خصوصيَّته أمامها، وقد تفرض على المرأة كذلك. ومن هنا، فقد كانت حركة الذكر والأنثى في كلّ هذا التأريخ الإنسانيّ، حركة تجاذب بين السلب والإيجاب، ولكنْ كان الرَّجل هو العنصر الموجِب في غالب مظاهر هذه الحركة، كما كانت المرأة العنصر السَّالب.
وإذا كنّا لا نرى فيهما هذه الذاتيَّة في السلبيَّة المطلقة هنا والإيجابيَّة المطلقة هناك، فإنَّنا نستطيع أن نؤكِّد أنَّ من الممكن جداً أنْ تقوى الإيجابيَّة في المرأة، كما يمكن أن تقوى السلبيَّة في الرجل. وعندما ننظر إلى العنصر الديني القرآني في هذا المجال، فإنَّنا لا نجدُ حديثاً عن المرأة كموجودٍ ضعيف، بل نجدُ الحديث عن الإنسان، الرَّجل والمرأة، كموجود يختزنُ في داخله عنصر ضعف {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}[النّساء: 28]، {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[الأنبياء: 37]. وهكذا نلاحظ أنّ الله تعالى عندما تحدَّث عن قوامة الرجل على المرأة، قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء: 34]. فالكلمة (قوّامون) لا تعني الفوقية، ولكنّها تعني تفوّق بعض الخصوصيّات في العنصر الإداري على الخصوصيّات الأخرى.. ممّا يمكن أن يُعطّل دورَ المرأة في أنْ تكون بيدها إدارة البيت من خلال بعض الخصائص السلبيَّة في حياتها، ويقوّي دور الرجل من خلال الخصائص الإيجابيَّة الموجودة لديه.
وهكذا، نجد أنّ الله سبحانه يتحدّث في القرآن الكريم {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[النِّساء: 1]، فعنوان الزوجية، عنوانٌ ينطبق على الرَّجل وعلى المرأة.
ومن خلال ذلك نقول: إنَّ الرجل والمرأة وجودان يتكاملان من حيث وحدتهما، ويتحرّكان نحو غاية واحدة في بناء الحياة على أساس مسؤوليَّة الإنسان في الحياة، من خلال تكامل عناصرهما الذاتيَّة التي تُغني الوحدة، بقدر ما تُغني حركة التنوّع في الوحدة. ومن هنا، فالإنسان، الذكر والأنثى، هو إنسان المسؤوليَّة في الحياة، وعلى الذكر أن يُعطي من خصوصيّته للمرأة لتقوى به، وعلى الأنثى أنْ تُعطي للذكر من خصوصيّتها ليقوى بها، وليكون كلّ واحدٍ منهما قوَّةً للآخر، لأنّه ليس هناك قوّة مطلقة لدى الذّكر، وليس هناك ضعفٌ مطلق لدى الأنثى، فالضّعف نسبيّ هنا، كما أنّ القوَّة نسبيَّة هناك.
* من كتاب "للإنسان والحياة".