في مسألة التَّطبير، هناك نقطتان:
النقطة الأولى: أنَّ كون أمرٍ شعيرةً من شعائر الله، هو أمر توقيفيّ، بمعنى
أنّه لا بدَّ أن يصدر عن الشَّارع أنَّ هذا الأمر من الشَّعائر، فما لم يرد عن
النبيّ أو الإمام ذلك، فلا يمكن القول إنَّه من الشَّعائر، ومن ثمَّ، لا يمكن أن
نطبق عليه: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحجّ: 32]. وفي كتاب "المسائل
الشرعيَّة" للسيِّد الخوئي (رض)، في ردٍّ على سؤال حول إدماء الرأس وما شاكل،
يقول: "لم يرد نصّ بشعائريّته، فلا طريق إلى الحكم
باستحبابه" .
النقطة الثانية: هناك جدل بين الفقهاء، ولا يزال، أنّه هل يحرم الإضرار
بالنَّفس، أو لا يحرم إلاَّ إذا أدّى إلى التهلكة؟
الشيخ الأنصاري (رض) وجماعة من العلماء يقولون إنَّ الإضرار بالنفس محرَّم حتّى
لو لم يؤدّ إلى التهلكة، كما لو جرح الإنسان يده، مثلاً. وهكذا يندرج تحت هذا
العنوان ـــ أي حرمة الإضرار ـــ التَّطبير، وضرب الظّهور بالسَّلاسل الذي يؤدّي
إلى الإدماء أو ما يشبهه. نعم، الّذين لا يرون أنَّ الإضرار بالنَّفس محرَّم
بعنوانه، يرون أنّه لا مشكلة في هذا المجال إلَّا إذا أدَّى إلى التَّهلكة؛ وحيث إنَّ
التطبير، أو إدماء الصَّدر أو الظهر، أو غيرها، لا يؤدّي إلى التَّهلكة، فهو جائز
بالعنوان الأوَّلي.
أمَّا بالعناوين الثانويَّة، فالسيِّد الخوئي (رض) يبيِّن أنّه إذا أدَّى
إلى هتك حرمة المذهب، فلا يجوز، وإلَّا فيجوز. ويقول ردّاً على سؤال: "لا
يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتدّاً به، أو استلزم الهتك والتَّوهين والله العالم، ثمّ
في جواب آخر، يوضح أنَّ المراد من الهتك والتَّوهين، "ما يوجب الذلّ والهوان للمذهب
في نظر العرف السَّائد" .
القضيَّة في بعدها الفقهي تعيش في هذا الإطار، وأنا ممّن يرون أنَّ الإضرار
بالنَّفس محرَّم وفاقاً للشَّيخ الأنصاري (ره) .
إنَّ جرح الرأس (التَّطبير)، والضَّرب بالسَّلاسل على الظهور (الزنجيل)، وإنْ
كانت مباحةً بالعنوان الأوّليّ، كما يراه بعض الفقهاء الذي لا يرون حرمة الإضرار
بالنَّفس إذا لم يؤدِّ إلى التَّهلكة أو ما يقرب منها، فإنّها قد تكون محرّمةً
بالعنوان الثَّانوي، لاستلزامها هتك حرمة المذهب الإسلامي الشيعي، بإثارتها سخرية
الآخرين واعتبارها تخلُّفاً، مع غياب دليل خاصّ يدلُّ على استحبابها أو وجوبها .