يقول الله سبحانه تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ
مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ...}[آل
عمران: 133- 134]...
يتحدَّث الله سبحانه عن أنَّ الحصول على الجنَّة لا بدَّ فيه من تحصيل عدة
سلوكيَّات، وأوّلها تحصيل ملكة التَّقوى في النفس.
والتقوى على قسمين؛ فهناك التقوى الشخصيَّة، وهي أن يأتي الإنسان بعباداته التي
فرضها الله عليه، وأن يترك المحرَّمات التي نهاه عنها. وهناك التقوى الاجتماعيَّة،
وهي التي تتصل بعلاقات الإنسان بالنَّاس، ففي المجتمع أناس يعيشون الحاجة، لأنهم لا
يملكون شروط العيش الكريم، إمَّا لأنهم لا يملكون فرصةً للعمل، أو لأنهم لا
يستطيعون العمل، لمرض أو لغير ذلك، أو لأنهم من الأيتام الَّذين لا عائل لهم، أو
لأنهم من الأسرى الَّذين لا يملكون الظروف التي يستطيعون إدارة أمورهم فيها...
فطريق التقوى في مثل هذه الحال تتمثَّل في الإنفاق على هؤلاء الناس مما رزقك الله
من مال، سواء كان ذلك في سعةٍ من أمرك، أو كان في ضيق منه،
{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}، بأن تعطي من
مالك الَّذي حصَّلته بجهدك ولو كان هذا المال قليلاً، كما يُقال: "القليل أفضل من
الحرمان".
فالإنسان الَّذي ينفق من ماله يأخذ بأسباب التقوى، باعتبار أنَّه ينفق حباً لله
وخوفاً منه ووفاءً له، لأن الله يقول: {وَأَنفِقُوا
مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد: 7]، بمعنى أنَّ المال
الذي يعطيكم الله إيَّاه، أنتم وكلاء على صرفه في الموارد التي أمركم الله أن
تصرفوه فيه. ربما يقول لك بعض النَّاس هذا مالي وأنا حرّ في أن أصرفه في أيّ شيء،
حلالاً كان أو حراماً! لا، أنت لست حراً في ذلك، لأنّ الله جعلك وكيلاً على هذا
المال ومؤتمناً عليه، لذلك فهو ليس مالك، بل هو مال الله،
{وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ
الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: 33]، لأنّ المال مال الله، وأنت ومالك وحياتك
كلّكم لله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ
اللهِ}[النَّحل: 53]، {وَإِن تَعُدُّوا
نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: 34]. الله يقول أنا أعطيتك
مالاً، ومصرف المال هو هذا {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذَّاريات: 19].
إنَّ الله سبحانه رزقك المال، وجعل لك مسؤوليَّة الإنفاق على الفقراء والمساكين،
وأن تنفق على زوجتك وعيالك، وليس لك أن تمتنع عن الإنفاق على عيالك لتصرف مالك في
شهواتك، كبعض الَّذين يحصلون على المال وينفقونه في القمار، أو ينفقونه في شهواتهم
ولذّاتهم، ويحرمون أهلهم (زوجتهم وأولادهم) من ذلك. وهنا نلفت إلى نقطة مهمَّة، وهي
أن نفقة الزَّوجة هي حقّ لها، ولا يحقّ للزّوج أن يترك زوجته بلا مال، حتى لو كانت
الزوجة موظَّفةً، فالإنفاق على الزوجة هو حقٌّ لها على الزوج.
أمَّا نتائج التقوى، فهي أنَّ الله أعدَّ الجنَّة بكلِّ نعيمها للمتَّقين الذين
يتّقونه ويخافونه ويراقبونه ويحبّونه، والصّفة الأولى لهؤلاء المتَّقين، كما ذكر
سبحانه، أنّهم ينفقون في السرّاء والضرّاء.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 8 شوَّال 1428 ه/
الموافق: ١٩ تشرين أوّل ٢٠٠٧ م.