الإمام الرِّضا (ع) هو الإمام الثَّامن من أئمَّة أهل البيت (ع)، عاش إمامته كما
عاش آباؤه، وانفتح النَّاس عليه في خطِّ الولاية والإمامة بما انفتحوا به على آبائه
(ع)...
أمَّا الجانب البارز من شخصيَّته، فهو أنّه كان المحاور الَّذي يدخل في حوار مع كلِّ
النَّاس الذين يختلفون معه، ولا يشترط في حركته الحواريَّة شرطاً معيّناً في
شخصيَّة المحاوَر، فليكن ملحداً، أو بوذيّاً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً، أو ليكن
سائراً في الخطوط الفلسفيَّة التي كانت قد بدأت تدخل في الواقع الإسلاميّ، ولا
سيَّما في زمن (المأمون) الَّذي عاصره الإمام، فلقد كان المأمون يجمع النَّاس إليه
من سائر أرباب المقالات والمتكلّمين، فكان الإمام (ع) يجلس إليهم ويخاطبهم من موقع
المعرفة الشَّاملة بكلّ أفكارهم، فهو يعرف أفكارهم ومقالاتهم، ويعرف كيف يفكّرون،
ولذلك كان يحاورهم من موقع الإنسان المنفتح على كلِّ التيارات الفكرية في عصره. ومن
هنا، فإنّهم كانوا يعجبون ويفاجأون بأنَّه يعرف ما يعرفون ممّا يتحرّكون فيه، وكان
يبادرهم بالحجَّة والبرهان، فلا يملك أحد أن يثبت أمامه، هكذا تقول كتب السِّيرة.
ونحنُ أمام شخصيَّة الإمام الحواريّ الَّذي ينفتح على الإنسان كلّه، مهما اختلفت
أفكاره وآراؤه.. نحن في عصر لا يملك الإنسان عندما يريد أن يفتح الدَّرب إلى فكره،
إلَّا أن يكون الحوار هو الخطّ الَّذي يتحرّك فيه، ولا بدَّ للإنسان أن يطَّلع على
حركة الفكر في عصره، وعلى اتجاهات الواقع في سياسته واقتصاده وأمنه وسائر شؤونه،
لأنَّ الإنسان إذا لم يستطع أن يفهم عصره، فإنّه لا يستطيع أن يدخل هذا العصر، ولا
يستطيع أن يحاور النَّاس الذين يعيشون في عصره، فعندما يكون فكرك فكر النَّاس الذين
كانوا يعيشون قبل مئات السّنين، فأنت من جيل مضى لا تستطيع أن تحاوره الآن لأنَّه
مات، أمَّا الجيل الذي يعيش معك ولم تعش فكره ولا تطلُّعاته ولا اتّجاهاته، فكيف
يمكن أن تتفاهم معه؟!
وقد ورد في الحديث عن الإمام الكاظم (ع): "وجدتُ علمَ الناسِ كلّهم قد اجتمعَ في
أربع؛ أوَّلها: أن تعرفَ ربَّك، والثَّانية: أن تعرف ما صنع بك، والثَّالثة: أن
تعرف ما أراد منك، والرَّابعة: أن تعرف دينك، وأن تعرف ما يخرجك من دينك" ، وهذا
يعني أن تعرف كل الاتجاهات التي تتحدّى دينك فكراً وشريعة ومنهجاً وحركةً.
إنَّ مسؤوليَّتنا عندما نطلُّ على حياة الإمام الرّضا (ع) وحياة الأئمَّة من قبله
ومن بعده، هي أن نأخذ الدَّرس، فإنّنا نجد أنَّ هذا الطَّابع الحواريَّ الَّذي كان
الإمام الرّضا (ع) يحاور به كلّ النَّاس هو طابع الأئمَّة، وقد تعلَّموه من سيِّدهم
وجدِّهم رسول الله (ص) الَّذي كان يحاور كلَّ النَّاس، وقد نقل القرآن لنا كيف
يعلِّمه الله تعالى أن يكون محاوراً في أسلوب الحوار وحركته، والقرآن هو معلِّمُ
الرَّسول، كما هو معلّم الأئمَّة، وكما هو معلّم كلّ النَّاس، لأنَّ الله هو الذي
خطَّ الطَّريق للجميع. فلا بدَّ أن نفهم هذا المعنى في حياة الإمام الرضا (ع)
لننقله إلى حياتنا.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.