حول قراءته لأحداث 11 أيلول

حول قراءته لأحداث 11 أيلول

أجرت صحيفة اللواء اللبنانية حديثاً صحفياً مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله تناول آخر المستجدات ،
 ونشرته بتاريخ
29 /جمادى الثاني 1421هـ الموافق في 17/9/2001م، وهذا نص المقابلة:

في اول حديث بعد الهجمات في نيويورك وواشنطن ميز فيه بين العمليات الانتحارية والاستشهادية
السيد فضل الله لـ اللواء : طرح اسم بن لادن لاشغال العالم
الادارة الاميركية تعيش حالة انعدام الوزن.. ولا مبرر لاستهداف مبنى التجارة الدولي


افغانستان لا تستطيع ان تواجه ولكن سيخلق جرحا جديدا في الشارع الاسلامي
النتائج كانت سلبية وجعلت اسرائيل المستفيد الاكبر
الاسلام يرفض الارهاب وعلينا الا نسكت امام هذه الحملة الارهابية ضد المسلمين والعرب


الاعتداء على المحجبات في اميركا وكندا يدل على عنصرية وليس على حضارة
اميركا ستضرب الضعفاء لاخافة الاقوياء
الحلف الاطلسي سيصفي اكثر من حساب في اكثر من دولة


اثر الضجيج الكبير الناتج عن حادث الهجوم على برجي مبنى التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، خص المرجع الاسلامي الكبير السيد محمد حسين فضل الله جريدة اللواء بأول حوار صحفي ينشر له بعد هذا الحادث الحدث ، الذي مس هيبة وكيان ودور اقوى دولة في العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا، و السيد عندما يتحدث وهو العالم المرجع يقدم رؤية اسلامية لما يجري من زاوية الدفاع عن مصالح العرب والمسلمين وحقهم في الحياة بعيدا عن العنصرية والانتقاص من شأنهم ودورهم في المجتمع المعاصر.
ان ما حدث في اميركا من هجوم على برجي مبنى التجارة العالمي ومبنى الكونغرس الاميركي تكمن وراءه طبيعة السياسات الاميركية في العالم ولا سيما في الشرق الاوسط، فهي عمدت الى محاصرة اكثر من بلد عربي واسلامي بما لم تقم به ضد اي بلد آخر حتى ولو كانت الاتهامات هي نفس الاتهامات، ثم هذا التأييد المطلق لاسرائيل بالشكل الوقح وهذا ما نتمثله في الادارة الاميركية الحاضرة التي أعطت شارون كل الحرية بأن يقوم بما يشبه عملية الابادة للشعب الفلسطيني، بحيث منحته الغطاء السياسي لكل اعماله لمستوى جعلت منه الضحية ومن الفلسطينيين المجرم.. .
وحول قضية اتهام اسامة بن لادن بالحادث قال السيد فضل الله: ارادوا ان يشغلوا العالم بالعنوان العربي والاسلامي الذي استهلكه الاعلام الاميركي والكثير من الاعلام الاوروبي باعتبار انه المسؤول عن الارهاب، وذلك كي تهيئ الرأي العام العالمي للضربة المرتقبة التي تعمل لتوجيهها الى افغانستان عندما تريد ان تستعرض عضلاتها .
وبخصوص شرعية العملية التي استهدفت مبنيي التجارة العالمي في نيويورك قال فضل الله: من الناحية الشرعية فإننا لا نجد مبررا شرعيا لهذا العمل الذي حدث في نيويورك بقدر ما يتعلق الامر بالمدنيين الذين قتلوا في الطائرات الاربع او في مركز التجارة العالمي لأنه لا علاقة لهم بالسياسة الاميركية وجرائمها ولذلك نرى ان هذا العمل انتحاري وليس استشهاديا خلافا لما يحصل في فلسطين او كما حصل سابقا في لبنان .
وقال فضل الله: ان توقيت العملية ليس ملائما والاسلوب ليس ملائما وان النتائج كانت سلبية على المستوى السياسي وعلى مستوى المنطقة، فكما اعطت اميركا تأييد العالم بما فيه الدول العربية والاسلامية وحتى المؤسسات الدينية والثقافية، جعلت اسرائيل المستفيدة من الكثير من العناوين التي طرحت ولا سيما عنوان الارهاب، فقدمت نفسها كدولة ضحية للارهاب، ونعتقد ان الاسلام يرفض الارهاب، بمعنى الاساءة الى الابرياء والمدنيين والى اي جهة انتموا، من خلال دوافع ذاتية خاصة وعنصرية، فالاسلام يفرق بين الارهاب وبين حركة التحرر .
علينا ان لا نسكت امام هذه الحملة الارهابية التي تقودها اميركا وبعض دول اوروبا واسرائيل ضد الاسلام والمسلمين وضد العرب والعروبة . وأضاف ان ما حصل من اعتداءات طالت بعض العرب والمسلمين في اميركا وبينهم طالبات مدارس، يدل على عنصرية تربى عليها الكثير من الناس في هذه البلاد، انهم عاشوا العنصرية ضد الاسلام كله . وتساءل فضل الله هل يبررون للمسلمين ردات فعل مضادة على اعمال اميركا ضد رعايا اميركا او كندا او استراليا. فوقتها سيلصقون تهم الوحشية والارهاب بالمسلمين. فالاعتداء على الفتيات المحجبات يدل على عنصرية وليس على حالة حضارية، ورد الفعل هذا من بعض الاميركيين او الكنديين او الاستراليين ضد العرب والمسلمين هناك، ربما يخلق رد فعل ضد الاميركيين او الكنديين او الاستراليين في البلاد العربية والاسلامية .
واضاف فضل الله اميركا الآن تريد ان تعيد هيبتها وعنفوانها ونريد ان نقول للعالم الذي بدأ يتحدث اشفاقا عن العجز الاميركي في حماية أقوى المواقع في نيويورك وواشنطن، فالعالم رأى ان هذا الكيان الكبير تحول خلال ثمان ساعات الى دولة تعاني من انعدام الوزن .
وأشار الى ان الحلف الاطلسي سوف يبحث عن تصفية اكثر من حساب مع اكثر من دولة عندما تنتهي الظروف الحالية.. عندما يتحرك الغرب والحلف الاطلسي بأسلحته الصاروخية لضرب افغانستان، فإن هذا البلد لا يملك ذات الاسلحة للمواجهة، ولكن ذلك سيخلق جرحا جديدا في كل الشارع الاسلامي .
الحوار مع السيد فيه الكثير من المواقف الواضحة والجريئة التي تؤكد على الثوابت القومية والاسلامية.
وجاءت وقائع الحوار على الشكل التالي:

س: سماحة السيد محمد حسين فضل الله كيف تقرأ ما حدث في الولايات المتحدة الاميركية يوم الثلاثاء الماضي؟


ج: عندما نقرأ حدثا ما كهذا الحدث الكبير، فإن عليك ان تدرس وفي دولة كبرى تتصل مفاصلها السياسية والاقتصادية والامنية بكل مواقع العالم، وأن تقرأ سياسة هذه الدولة من خلال ما تنتجه من حالات القهر والاحباط وحركية الظلم الذي تفرضه على واقع الدول في العالم الثالث سواء على الصعد الاقتصادية او السياسية او الامنية، مما ولد حالة من الكراهية لدى الكثير من المستضعفين في العالم سواء من المسلمين او غير المسلمين، واذا كان البعض يطرح اسم المسلمين في الواجهة الآن فلا نريد ان نستبعد التظاهرات والاجتماعات التي قام بها الكثيرون في اميركا واوروبا وكندا ضد الدول الكبرى وفي مقدمتها اميركا، في اجتماعات العولمة، خصوصا لجهة العنف الذي يقترب او قد لم نشاهد مثله في الاندفاعات الموجودة في الشرق الاوسط، مما يعني ان هناك حالة من العنف الرافض لسياسات الدول الكبرى والتي تتزعمها اميركا على انها من الناحية شبه الرسمية وفي الاعلام قائدة العالم - كما تتحدث هي عن نفسها.
 

الشعوب المقهورة

ومن الطبيعي ان شعوب العالم الثالث هي كالشعوب المقهورة في داخل اميركا وفي اوروبا، بدأت تأخذ الكثير من خبرات التكنولوجيا والخبرات الامنية، مما يمكن فئة قليلة هنا او هناك من القيام بمثل هذه الاعمال مع دقة في التخطيط والتنفيذ ولذلك فإنني اتصور ان ما حدث في اميركا تكمن في خلفياته طبيعة السياسات الاميركية في العالم ولا سيما في الشرق الاوسط، ونلاحظ اولا ان اميركا عملت على محاصرة اكثر من بلد عربي واسلامي بما لم تقم به ضد اي بلد آخر حتى لو كانت الاتهامات هي نفس الاتهامات، فهي لا تزال تحاصر ليبيا لمجرد وجود شخص واحد متهم (بعد تبرئة المتهم الثاني) بتفجير طائرة فوق لوكربي، والنتيجة الآن عقاب شعب كامل بسبب شخص واحد، كما انها تحاصر العراق بنفس الطريقة حولت فيها شعب العراق الى شعب جائع في الداخل ومشرد في الخارج يبحث عن مكان هنا وهناك، كما انها تحاصر الجمهورية الاسلامية في ايران سياسيا واقتصاديا واعلاميا.
من الطبيعي ان مثل هذه السياسة الاميركية لا بد ان تخلق حالة من الرفض واحساسا بالقهر، مما قد يدفع بعض الجهات حتى ولو لم تكن من داخل هذا البلد الى القيام بمثل هذه الاعمال التي حصلت.
ثم ان هذا التأييد الأميركي المطلق لاسرائيل بهذا الشكل الوقح، وهذا ما نتمثله في الادارة الاميركية الحاضرة التي اعطت شارون كل الحرية بأن يقوم بما يشبه عملية الابادة للفلسطينيين بحيث انها منحته وما زالت تمنحه الغطاء السياسي لكل اعماله بالمستوى الذي جعلت منه الضحية وجعلت من الشعب الفلسطيني مجرما. حتى ان بعض اعضاء الكونغرس الاميركي اعترض على طريقة استخدام الاسلحة الاميركية الممنوحة لاسرائيل لأنها تبتعد في استعمالها عن القانون الموضوع لجهة استعمالها، وكان الجواب من وزير الخارجية الاميركية تبريرا لاستعمال هذه الاسلحة بالقول اننا لا نجد اي خرق من اسرائيل لقانون استعمال الاسلحة الاميركية علما ان اسرائيل تقوم بعملية تدمير كل البنية التحتية الفلسطينية بشكل غير متكافئ مع ما يقوم به الفلسطينيون من عمليات خفيفة هنا او كمين مسلح هناك او عملية استشهادية هنالك.
لذلك فإن هذا التأييد المطلق لاسرائيل لا بد ان يخلق في نفوس كل العالم العربي والاسلامي وحتى العام الثالث الذي ليس هو عربيا ولا اسلاميا ممن يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني الكثير من الحالات الرافضة.


بلد الارهاب

وهناك نقطة اخرى هي اننا نعرف ان اميركا هي بلد الارهاب، انا لا اتحدث عن ارهاب الدولة المنظم لأنه يدخل في الحديث الاستهلاكي الذي اعتادته اللغة السياسية، بل اتحدث عن حجم الجريمة في المجتمع الاميركي على مستوى الاغتصاب والقتل حتى اصبحت جرائم قتل التلاميذ الاطفال لزملائهم الاطفال في المدرسة ظاهرة من ظواهر المجتمع الاميركي، وباتت هذه الظاهرة مشكلة في اميركا بسبب حرية استخدام الاسلحة وبيعها.
كما ان اميركا تعيش واقع تفشي ظاهرة المنظمات غير المعقولة التي يمكن ان تقوم بأعمال خطيرة وكبيرة ومعقدة، وهو ما عرفناه في تفجير اوكلاهوما حيث اتهم به العرب والمسلمون في البداية، ثم تبين ان الذي قام بهذا التفجير هم جماعة اميركية متطرفة في ذهنيتها الدينية.


توزيع الاتهامات

س:
كيف تفسر توجيه الاتهام للعرب والمسلمين فور شيوع نبأ التفجير في اطار حملة اعلامية منظمة.
ج:
هناك نقطتان: الاولى هي ان الاعلام الاميركي سواء المكتوب او المسموع او المرئي، يخضع للسياسة الصهيونيةبشكل كبير جدا سواء من خلال اللوبي اليهودي الذي يمسك بمفاصل الاعلام الاميركي او من خلال الشخصيات الاميركية المتأثرة باليهود اكثر من اليهود انفسهم كما هو الحال في شخص نائب الرئيس الاميركي تشيني.
فهذا الاعلام الموجه اراد ان يطرح اسما مستهلكا في الاعلام العالمي هو اسامة بن لادن، كما طرح بشكل خافت لم يثبت امام النقد اسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مما جعل الانسان الاميركي وكل المتابعين للاعلام الاميركي يتوجهون الى بن لادن او الى الجهات العربية والاسلامية، لا سيما ان مثل هذه العمليات التي تسمى استشهادية في العمل الجهادي و تسمى انتحارية في غير العمل الجهادي باتت تعرف بأنها من اعمال العرب والمسلمين كما يحصل الآن في فلسطين، وكما حصل قبلها في لبنان مع الاشارة الى ان الذي اطلق هذه الاشارة هو شارون الذي تحدث عن الارهاب الاسلامي الذي تعاني منه اسرائيل واميركا في هذا المجال.
اما النقطة الثانية: فإنها تكمن في ان المسؤولين الاميركيين ولا سيما الامنيين، الذين كانوا يشعرون بأن الانسان الاميركي ومعه الرأي العام العالمي كان يطلب الكشف عن هوية منفذي العمليات خصوصا وأن المخابرات المركزية الاميركية تعرف عن نفسها بأنها اقوى المخابرات في العالم كونها تمثل الاخطبوط الذي يمد كل اذرعه الى كل مكان في العالم.
من هنا اراد هؤلاء الامنيون ان يشغلوا العالم باسم وبعنوان عربي واسلامي المستهلك اميركيا واوروبيا واسرائيليا ولعل ذلك جعل الاعلام يسير في هذا الاتجاه علما ان الادارة الاميركية حفظت خط الرجعة فحاولت ان تتحدث عن اتهامات اخرى للتخفيف من قوة التأثيرات التي قد تحاصرها في المستقبل الذي قد يكشف حقائق دامغة مغايرة كليا للاتهامات المستهلكة كما حصل في تفجير اوكلاهوما، وهي بذلك تهيئ الرأي العام العالمي للضربة المرتقبة التي تنوي توجيهها الى افغانستان عندما تريد ان تعرض عضلاتها العسكرية لضربة قوية هنا او هناك ولتأخذ حريتها في التحقيق والتفتيش.


المسألة الشرعية

س: أين تضعون الاعمال التي تعرضت لها اميركا مؤخرا من يتين الشرعية والسياسية؟

ج: من الناحية الشرعية لا نجد مبررا شرعيا لهذا العمل بقدر ما يتعلق الامر بالمدنيين الذين قتلوا خلال الهجمات على مركز التجارة العالمي لأنهم لا علاقة لهم بالسياسة الاميركية من قريب او بعيد.

س: يبدو انك استثنيت قتلى البنتاغون؟
ج:
(يضحك) دع الامر الآن.. وحتى لو كان بعض الموظفين في هده الدائرة الاقتصادية او تلك فليس من الضروري ان يكون مسؤولا عن جرائم الادارة الاميركية وخصوصا ان هؤلاء الضحايا كانوا من جنسيات واديان مختلفة مما لا يجد اي مبرر شرعي للقيام بعمل يقضي عليهم جميعا، لأن الفكرة التي تقول ان بإمكاننا ان نسقط مدنيين اذا كانت الاهداف كبيرة انما تتحرك عندما تكون هناك حرب حامية تفرض آلياتها وظروفها القيام بعمل قد يطال الابرياء دون ان تقصدهم.
اما ان تقصد الابرياء بالاستهداف لمجرد وجود معارضة سياسية لدولة ما قد لا يكون كل ابنائها معنيين بما تقوم به دولتهم، فإن ذلك ليس له مبرر شرعي، ولذلك قلنا ان ما حصل هو عمليات انتحارية وليست استشهادية لأن العمليات الاستشهادية هي التي تنطلق من اجل قضايا كبرى على مستوى قضايا الشعوب كما يحدث الآن في فلسطين وكما حدث سابقا في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي للبنان.
اما في الجانب السياسي فإننا لا نتصور ان هناك اية فائدة سياسية من هذا العمل بقدر ما يتعلق الامر بالواقع العربي والاسلامي باعتبار ان هذه المسألة اعطت اميركا في ادارتها الحالية دعم العالم بما فيه الدول العربية والاسلامية حتى المؤسسات الدينية والسياسية والثقافية، لأن كل هذا الضجيج الذي اثارته هذه العملية في العالم حجب السياسات الاميركية المعادية للشعوب عن وجدان الناس في العالم، حيث استغرق الناس في هذه المأساة الاميركية وشغلوا عن المآسي التي تقوم بها اميركا في العالم.
ورغم الهزائم القاسية التي لحقت بأميركا جراء هذه العمليات، الا انها استفادت من دعم العالم لها، وهي قادرة على تجاوز الضربة في المستقبل لما تملكه من مواقع القوة والنفوذ، خصوصا عندما ينضم اليها الاتحاد الاوروبي والصين والدول العربية والاسلامية، وها هي اليوم تطرح التحالف الدولي على مكافحة الارهاب.

الثور الجريح

ربما يفكر البعض بأن الصدمة الكبرى التي تحدت اميركا في موقعها الامني والسياسي والتجاري، وعندما تغير اميركا سياستها تجاه الشعوب جراء ذلك، فإن هذه الصدمة قد تكون لها نتائج ايجابية، لأن اميركا التي تعيش طغيان القوة وتتحول فجأة الى ما يشبه الثور الجريح، فسوف تزداد عنفا وطغيانا في ردة فعلها لاستعادة هيبتها كما فعلت في قصف مصنع الدواء في السودان بعد تفجير سفارتيها، والمسألة في ذلك تهدف الى ضرب الضعيف بقوة ينخلع لها قلب القوي.

مجتمع الحرب

س: ما هو الفارق بين استهداف مدنيين في اسرائيل وبين استهداف المدنيين مؤخرا في اميركا؟

ج: الفرق كبير.. ففي فلسطين فإن كل العمليات التي ينفذها المجاهدون هي مسألة دفاع عن النفس لأن اسرائيل تملك اقوى الاسلحة وتستعملها في تدمير الشعب الفلسطيني في انسانه المدني والعسكري وفي المؤسسات الرسمية والشعبية، بما يمثل حجم الحرب التي تستهدف ابادة الشعب الفلسطيني بشكل تدريجي ليقبل بأي شيء تفرضه اسرائيل عليه في دولة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة وتكون الدولة الفلسطينية مجرد محمية اسرائيلية، والفلسطينيون لا يملكون في مواجهة هذه الحرب المدمرة، السلاح المقاوم للسلاح الاسرائيلي، ولذلك فإن الوسيلة الوحيدة لادخال الاسرائيليين في المأزق الامني هي العمليات الاستشهادية، حيث لا يبقى اي امن لأي اسرائيلي في كل مكان، وهذه العمليات تمثل الضرورات العسكرية التي لا مجال للتماسك بين الشعب الفلسطيني الا بها، تماما كما في قول الله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) فالفلسطينيون شعب لا يحب الدماء ويريد العيش بسلام ومن جهة ثانية فإن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع عسكري ومجتمع حرب ولا نعتبر ان في اسرائيل في المنطقة المحتلة يوجد مدنيون لأن المستوطنين احتلوا ارضا فلسطينية وكل انسان يحتل ارضا فلسطينية او يسكن في بيت فلسطيني هو انسان محارب، وبالتالي فإن المستوطنين محاربون وتراهم كيف يحاربون الفلسطينيين بشكل علني.

س: لماذا برأيك حمل الاعلام الغربي المسؤولية للعرب والمسلمين؟

ج: ان العرب والمسلمين لا يحملون عقدة بالمعنى الانساني ضد الغرب، واننا نرى هجرة المسلمين الى الغرب بالملايين ويحصلون على العمل والحرية والعلم وكل شيء انساني، وقد ساهم المسلمون في عملية التقدم الغربي على صعد الاكتشافات العلمية والطبية والعملية وهم كثر، كما ان كثيرا، من المسلمين دخلوا الى النسيج الاجتماعي الغربي مما يعني ان المسلمين لا يتعقدون من الانسان الغربي، ولكن المسلمين يحملون كغيرهم من الشعوب عقدة من السياسات الغربية على الصعد السياسية والاقتصادية والامنية، وهم من يحملون مثل هذه العقد تجاه روسيا في حربها ضد المسلمين الشيشانيين، ولذلك اتصور ان الغرب هو الذي يحمل العقدة تجاه العرب والمسلمين سواء على صعيد الادارات الرسمية او على صعيد الكثير من الشعوب والجماعات التي تختزن الحقد والعنصرية الفكرية والدينية والانسانية ضد المسلمين، بهدف تحويل المجتمع الاسلامي والعربي الى سوق استهلاكي، ولذلك فإن اي حركة اسلامية او قومية تعمل على تكريس الاكتفاء الذاتي تعتبر بنظر الغرب بمثابة الحرب على اقتصاده، وهكذا هو الغرب في صراعاته الغربية الغربية أما في صراعاته مع الدول العربية او الدول الشرقية، يعيش العقدة ضد الاسلام الحركي والسياسي حتى لو لم يكن اصوليا اي الاسلام الذي يقول للمسلم كن حرا كن منتجا، وهذا ينسحب على كل شعوب العالم الثالث.

التعرض للعرب والمسلمين

فالعنصرية الغربية ضد العرب والمسلمين قائمة، وهذا ما كان واضحا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، حين سألت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر التي قالت ان الاسلام هو العدو الجديد في حين ان الاعتداءات التي طاولت العرب والمسلمين في معظم دول الغرب هي نتيجة التربية العنصرية التي تربى عليها بعض المجتمع الغربي الذي عاش العنصرية ضد الاسلام ككل، وفقدوا بذلك كل معنى للحضارة وانكفأوا الى كهوف التخلف والعقم الفكري المتحجر.

اسامة بن لادن

فلو سلمنا جدلا ان اسامة بن لادن وراء التفجيرات فما هو دخل المسلمين في اميركا وكندا واوستراليا لكي تمارس ضد المسلمين كل هذا الحقد العنصري، ولو كان الامر معهم هل سيبررون هجوم المسلمين على مواطنيهم، طبعا لا بل سيتحدثون عن المسلمين بأنهم وحوش وارهابيون وما شابه.. وهذا ما نشاهده في مجتمعاتنا عندما اشار الامين العام للحلف الاطلسي آنذاك الى ان الاسلام هو العدو المحتمل للغرب، ولذلك فإن كل اجهزة الغرب الامنية والتربوية والاقتصادية تهدف الى تدمير الاسلام في نفوس المسلمين.
نحن نعتقد بأن الاسلام يرفض الارهاب بمعنى الاساءة الى المدنيين والابرياء، وهو يفرق بين الارهاب وبين حركة التحرر والدفاع عن النفس، وعلينا ان لا نسقط امام هذه الحملة الارهابية الاعلامية التي تقودها اميركا واسرائيل وبعض اوروبا ضد الاسلام والعرب. علينا ان نتماسك ونقول لسنا ارهابيين بل نحن مجاهدون ندافع عن حقنا.
تحذر اميركا مواطنيها في العالم ان يأخذوا الحيطة والحذر من اي مهاجمة ضدهم انتقاما من السياسة الاميركية، ومنع ذلك لم نر اي اعتداء ضد الاميركيين في اي دولة من دول العالم العربي او الاسلامي. بينما شاهدنا بعض الغرب يضطهد المسلمين والعرب لمجرد اتهام شخص واحد باتهامات غير ثابتة، ولقد جاء في الكثير من الاخبار عن اعتداءات طاولت النساء المتحجبات في الغرب لمجرد انهن من المسلمات، وكذلك فإن بعض المسلمين خشوا من اداء صلاة الجمعة في دول غربية تحسبا لاعتداءات قد تطالهم.
ونحن ندعو ابناءنا المسلمين في الغرب الى توخي الحذر من هجمات واعتداءات ضدهم، وعليهم ان يتوجهوا الى العقلاء من الغربيين واعلامهم بخطر هذه الاعتداءات على الجميع لأن الفعل يستدعي ردة الفعل، ونحن نرفض الفعل كما نرفض ردة الفعل.

مؤتمر دوربان والعنصرية

لقد بادر الرئيس بوش وبعض الدوائر الغربية الى الطلب بعدم التعرض للمسلمين لأن ذلك يعطي وجها وحشيا همجيا للانسان الاميركي والاوروبي ويزيل عن وجدان العالم الصورة الحضارية وقضية حركة الحريات، ويعيد فكرة العنصرية الدينية ضد الدين الآخر، ولا يزال مؤتمر دوربان الذي تحدث عن العنصرية ماثلا للعيان.
وهذا الطلب ليس لسواد عيون المسلمين بل ليكون الغربيون منسجمين مع انفسهم في تبجحهم في الدفاع عن الحريات.

الخطاب العربي

س: الا ترون ان الخطاب العربي والاسلامي غائب عن التعامل مع الغرب؟

ج: ان مشكلة الخطاب العربي على المستوى الرسمي هو انه يعيش الخوف والقلق والعجز المطلق امام الغرب لأن اغلب هذه الانظمة خاضعة بشكل مطلق للغرب بل ان الكثيرين من القائمين عليها موظفون لدى المخابرات المركزية الاميركية التي تستطيع ان توظف شخصا في موقع رئاسي او غير رئاسي.
اما بالنسبة الى الواقع العربي والاسلامي، فإن فيه اقلاما واصواتا صادقة تعرف كيف تخاطب الغرب، انما مشكلة الاعلام العربي والاسلامي تبقى داخل المجتمع الاسلامي والعربي ومعظم الفضائيات العربية والاسلامية لا تتحدث بلغة الغرب بما لا يجتذب المشاهد الغربي.

ساحة المعركة المحتملة

س: اين تتوقع ان تكون ساحة المعركة التي تنوي اميركا خوضها لاستعادة هيبتها في العالم؟


ج:
انني اتصور ان اميركا تعرف انها لا تستطيع ان تفضي على ما تسميه الارهاب مهما فعلت لأن قضية الارهاب ليست لافتة او بيت هنا او مجموعة صغيرة هناك، بل ان هذه القضية تتحرك في عملية انتاج وتوالد مكثف متكاثر تبعا لكل الضغوط التي تمارسها الدول الكبرى ضد الشعوب المستضعفة، هذا اضافة الى الارهاب الفردي الذي لا تزال تعاني منه كل الدول من خلال احصائيات الجريمة الداخلية.
المهم ان اميركا الآن تريد ان تعيد هيبتها وأن تعيد عنفوانها وان تقول للعالم الذي بدأ يتحدث بإشفاق عن العجز الاميركي في حماية اقوى المواقع التي تمثل مكامن القوة في اميركا في مركز التجارة العالمي والبنتاغون والبيت الابيض الذي كان مهددا بالتفجير ايضا، وتتحول خلال 8 ساعات الى دولة تعاني من انعدام الوزن وكان كبار المسؤولين حتى على مستوى الرئاسة يختبئون في الملاجئ خشية ان يلاحقهم التفجير.
لذلك ستبحث اميركا عن عدو وتضربه كيفما كان ولا سيما العدو الضعيف الذي تضربه بشكل ينخلع له قلب الكبير والقوي.

الاطلسي وتصفية الحسابات

من هنا انا لا اتصور ان يحصل شيء لباكستان ولكن افغانستان - حتى الآن - هي الضحية المحتملة، وربما تتحرك التحقيقات الى توجيه التهمة الى بعض الدول التي ترى اميركا في ذلك فرصة لاحتوائها او ضربها او لتصفية حسابات معها.
واعتقد ان الحلف الاطلسي يبحث الآن عن طريقة لتصفية اكثر من حساب لاكثر من دولة، ونحن لا نريد ان ندخل في النبوءات او الرجم في الغيب بل يجب ان نكون حذرين وأن لا نسقط امام كل تهاويل الاعلام الاميركي.

سوبرمان الارهاب

وعندما يتحرك الغرب بأسلحته الصاروخية فإن افغانستان غير قادرة على المقاومة، ولكن ذلك سوف يخلق جرحا عميقا في كل الشارع الاسلامي رغم تعقيد هذا الشارع من حركة طالبان، وسوف تكون هناك ردة فعل قوية تماما كما حصل في حرب الخليج رغم التعاطف مع الكويت ضد النظام العراقي قد لا تنزل اميركا جيشها على الارض، وربما يكون الهجوم هجوما جويا صاعقا، وقد وضعت افغانستان في الواجهة واعتبرت اميركا ان بن لادن هو سوبرمان الارهاب العالمي.

س: ما هي برأيك العقيدة التي اقنعت الطيارين المحترفين بالانتحار هل هي عقيدة دينية ام سياسية؟

ج: لا استطيع ان احكم لأنني لا اعرفهم، ولكن حتى الانسان الذي لا يلتزم بدين، يحمل رواسب دينية في اعماق نفسه، وسألني سابقا البعض عن تفسير العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الماركسيون، فقلت انهم لا يؤمنون بالله في السطح، ولكن الايمان بالله يعيش في اعماق قلوبهم.

س: ما هو المطلوب عربيا واسلاميا في هذه المرحلة؟

ج: على مستوى الانظمة فإن المطلوب تحركها بما يشبه حالة الطوارئ لمواجهة هذه الهجمة الاعلامية والسياسية وربما الامنية، وان لا تعيش في ذهنية عقدة الذنب كمن يشعر في نفسه بالجريمة ويريد ان يقدم اعتذاره للطرف الآخر، بل ان يشعروا بأنهم مظلومون في هذه الهجمة اذا حصلت اي هجمة ضد اي بلد عربي او اسلامي فستكون الظلامة اكبر، لأنه لا يجوز ان يعاقب بلد بكامله اذا قام بعض افراده بجريمة معينة، وعلى الدول العربية والاسلامية ان تجتمع وتتدارس المرحلة الصعبة التي سوف تقبل عليها المنطقة وتخطط للتحرك المستقبلي الذي لا يجوز ان يكون تحركا من موقع الضعف بل من موقع العقل الذي يختزن معاني القوة.
كما على الشعوب العربية والاسلامية ان لا تشعر انها في موقع الاتهام، بل عليها ان تقف وقفة فاعلة وتقول للغرب لسنا ارهابيين بل طلاب حرية وعدالة وسلام.
اما اذا استمر اتجاه اتهام العرب والمسلمين بهذه الجرائم، فمن الطبيعي ان يتحرك رد الفعل في المواقع العربية والاسلامية بشكل قد لا يكون مبررا من الناحية الامنية ولا السياسية.

حشد العالم

س: هل تستطيع اميركا أن تحشد معها العالم ضد افغانستان او اي دولة قد تثبت ادانتها، كما فعلت عندما حشدت العالم ابان غزو العراق للكويت؟

ج: عندما انطلقت الحادثة اجتمع العالم بأجمعه للتعاطف مع اميركا والاستعداد لمساعدتها، ولكن عندما بدأ العالم يستعيد طبيعة الامور، سمعنا بريطانيا تقول لا يمكن ان نساعد اميركا بشكل مطلق وسمعنا الدانمارك تقول لا يمكن ان نساعد اميركا..، فالذين تحمسوا لاميركا يقولون الآن اذا كان الغرب هو المستهدف فإننا نقف مع اميركا مائة بالمائة، ولكن اذا كانت اميركا هي المستهدفة فلدينا تحفظات لأن الدول ليست جمعيات خيرية ولأن الصداقات الدولية هي مصالح متبادلة، وكل دولة تعيش مصالحها وخصوصا في الصراع الخفي بين اوروبا واميركا وبين الصين واميركا وبين روسيا واميركا.. ان القوي قد يكون قويا في ما يملكه من اسلحة وتكنولوجيا، ولكنه عندما يدخل في السياسة والاقتصاد مع الآخرين تضعف كثيرا مواقع قوته.
وسابقا قلت في القوي نقاط ضعف وفي الضعيف نقاط قوة وعلينا ان نقابل القوي في نقاط ضعفه بنقاط قوتنا.
عندما تهدأ الضجة ويدفع الناس الى عقولهم لأن العالم لا عقل له، وعندما يبدأ العقل تبدأ الحسابات الدقيقة ويعرف الناس لماذا كان ما حصل، وسيعرف الناس ان الذين فجروا انفسهم انما فجروها نتيجة قهر جعلهم يفجرون انفسهم في من قهرهم لأن هذا التفجير هو تفجير لعنفوان اميركا في العالم.

أجرت صحيفة اللواء اللبنانية حديثاً صحفياً مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله تناول آخر المستجدات ،
 ونشرته بتاريخ
29 /جمادى الثاني 1421هـ الموافق في 17/9/2001م، وهذا نص المقابلة:

في اول حديث بعد الهجمات في نيويورك وواشنطن ميز فيه بين العمليات الانتحارية والاستشهادية
السيد فضل الله لـ اللواء : طرح اسم بن لادن لاشغال العالم
الادارة الاميركية تعيش حالة انعدام الوزن.. ولا مبرر لاستهداف مبنى التجارة الدولي


افغانستان لا تستطيع ان تواجه ولكن سيخلق جرحا جديدا في الشارع الاسلامي
النتائج كانت سلبية وجعلت اسرائيل المستفيد الاكبر
الاسلام يرفض الارهاب وعلينا الا نسكت امام هذه الحملة الارهابية ضد المسلمين والعرب


الاعتداء على المحجبات في اميركا وكندا يدل على عنصرية وليس على حضارة
اميركا ستضرب الضعفاء لاخافة الاقوياء
الحلف الاطلسي سيصفي اكثر من حساب في اكثر من دولة


اثر الضجيج الكبير الناتج عن حادث الهجوم على برجي مبنى التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، خص المرجع الاسلامي الكبير السيد محمد حسين فضل الله جريدة اللواء بأول حوار صحفي ينشر له بعد هذا الحادث الحدث ، الذي مس هيبة وكيان ودور اقوى دولة في العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا، و السيد عندما يتحدث وهو العالم المرجع يقدم رؤية اسلامية لما يجري من زاوية الدفاع عن مصالح العرب والمسلمين وحقهم في الحياة بعيدا عن العنصرية والانتقاص من شأنهم ودورهم في المجتمع المعاصر.
ان ما حدث في اميركا من هجوم على برجي مبنى التجارة العالمي ومبنى الكونغرس الاميركي تكمن وراءه طبيعة السياسات الاميركية في العالم ولا سيما في الشرق الاوسط، فهي عمدت الى محاصرة اكثر من بلد عربي واسلامي بما لم تقم به ضد اي بلد آخر حتى ولو كانت الاتهامات هي نفس الاتهامات، ثم هذا التأييد المطلق لاسرائيل بالشكل الوقح وهذا ما نتمثله في الادارة الاميركية الحاضرة التي أعطت شارون كل الحرية بأن يقوم بما يشبه عملية الابادة للشعب الفلسطيني، بحيث منحته الغطاء السياسي لكل اعماله لمستوى جعلت منه الضحية ومن الفلسطينيين المجرم.. .
وحول قضية اتهام اسامة بن لادن بالحادث قال السيد فضل الله: ارادوا ان يشغلوا العالم بالعنوان العربي والاسلامي الذي استهلكه الاعلام الاميركي والكثير من الاعلام الاوروبي باعتبار انه المسؤول عن الارهاب، وذلك كي تهيئ الرأي العام العالمي للضربة المرتقبة التي تعمل لتوجيهها الى افغانستان عندما تريد ان تستعرض عضلاتها .
وبخصوص شرعية العملية التي استهدفت مبنيي التجارة العالمي في نيويورك قال فضل الله: من الناحية الشرعية فإننا لا نجد مبررا شرعيا لهذا العمل الذي حدث في نيويورك بقدر ما يتعلق الامر بالمدنيين الذين قتلوا في الطائرات الاربع او في مركز التجارة العالمي لأنه لا علاقة لهم بالسياسة الاميركية وجرائمها ولذلك نرى ان هذا العمل انتحاري وليس استشهاديا خلافا لما يحصل في فلسطين او كما حصل سابقا في لبنان .
وقال فضل الله: ان توقيت العملية ليس ملائما والاسلوب ليس ملائما وان النتائج كانت سلبية على المستوى السياسي وعلى مستوى المنطقة، فكما اعطت اميركا تأييد العالم بما فيه الدول العربية والاسلامية وحتى المؤسسات الدينية والثقافية، جعلت اسرائيل المستفيدة من الكثير من العناوين التي طرحت ولا سيما عنوان الارهاب، فقدمت نفسها كدولة ضحية للارهاب، ونعتقد ان الاسلام يرفض الارهاب، بمعنى الاساءة الى الابرياء والمدنيين والى اي جهة انتموا، من خلال دوافع ذاتية خاصة وعنصرية، فالاسلام يفرق بين الارهاب وبين حركة التحرر .
علينا ان لا نسكت امام هذه الحملة الارهابية التي تقودها اميركا وبعض دول اوروبا واسرائيل ضد الاسلام والمسلمين وضد العرب والعروبة . وأضاف ان ما حصل من اعتداءات طالت بعض العرب والمسلمين في اميركا وبينهم طالبات مدارس، يدل على عنصرية تربى عليها الكثير من الناس في هذه البلاد، انهم عاشوا العنصرية ضد الاسلام كله . وتساءل فضل الله هل يبررون للمسلمين ردات فعل مضادة على اعمال اميركا ضد رعايا اميركا او كندا او استراليا. فوقتها سيلصقون تهم الوحشية والارهاب بالمسلمين. فالاعتداء على الفتيات المحجبات يدل على عنصرية وليس على حالة حضارية، ورد الفعل هذا من بعض الاميركيين او الكنديين او الاستراليين ضد العرب والمسلمين هناك، ربما يخلق رد فعل ضد الاميركيين او الكنديين او الاستراليين في البلاد العربية والاسلامية .
واضاف فضل الله اميركا الآن تريد ان تعيد هيبتها وعنفوانها ونريد ان نقول للعالم الذي بدأ يتحدث اشفاقا عن العجز الاميركي في حماية أقوى المواقع في نيويورك وواشنطن، فالعالم رأى ان هذا الكيان الكبير تحول خلال ثمان ساعات الى دولة تعاني من انعدام الوزن .
وأشار الى ان الحلف الاطلسي سوف يبحث عن تصفية اكثر من حساب مع اكثر من دولة عندما تنتهي الظروف الحالية.. عندما يتحرك الغرب والحلف الاطلسي بأسلحته الصاروخية لضرب افغانستان، فإن هذا البلد لا يملك ذات الاسلحة للمواجهة، ولكن ذلك سيخلق جرحا جديدا في كل الشارع الاسلامي .
الحوار مع السيد فيه الكثير من المواقف الواضحة والجريئة التي تؤكد على الثوابت القومية والاسلامية.
وجاءت وقائع الحوار على الشكل التالي:

س: سماحة السيد محمد حسين فضل الله كيف تقرأ ما حدث في الولايات المتحدة الاميركية يوم الثلاثاء الماضي؟


ج: عندما نقرأ حدثا ما كهذا الحدث الكبير، فإن عليك ان تدرس وفي دولة كبرى تتصل مفاصلها السياسية والاقتصادية والامنية بكل مواقع العالم، وأن تقرأ سياسة هذه الدولة من خلال ما تنتجه من حالات القهر والاحباط وحركية الظلم الذي تفرضه على واقع الدول في العالم الثالث سواء على الصعد الاقتصادية او السياسية او الامنية، مما ولد حالة من الكراهية لدى الكثير من المستضعفين في العالم سواء من المسلمين او غير المسلمين، واذا كان البعض يطرح اسم المسلمين في الواجهة الآن فلا نريد ان نستبعد التظاهرات والاجتماعات التي قام بها الكثيرون في اميركا واوروبا وكندا ضد الدول الكبرى وفي مقدمتها اميركا، في اجتماعات العولمة، خصوصا لجهة العنف الذي يقترب او قد لم نشاهد مثله في الاندفاعات الموجودة في الشرق الاوسط، مما يعني ان هناك حالة من العنف الرافض لسياسات الدول الكبرى والتي تتزعمها اميركا على انها من الناحية شبه الرسمية وفي الاعلام قائدة العالم - كما تتحدث هي عن نفسها.
 

الشعوب المقهورة

ومن الطبيعي ان شعوب العالم الثالث هي كالشعوب المقهورة في داخل اميركا وفي اوروبا، بدأت تأخذ الكثير من خبرات التكنولوجيا والخبرات الامنية، مما يمكن فئة قليلة هنا او هناك من القيام بمثل هذه الاعمال مع دقة في التخطيط والتنفيذ ولذلك فإنني اتصور ان ما حدث في اميركا تكمن في خلفياته طبيعة السياسات الاميركية في العالم ولا سيما في الشرق الاوسط، ونلاحظ اولا ان اميركا عملت على محاصرة اكثر من بلد عربي واسلامي بما لم تقم به ضد اي بلد آخر حتى لو كانت الاتهامات هي نفس الاتهامات، فهي لا تزال تحاصر ليبيا لمجرد وجود شخص واحد متهم (بعد تبرئة المتهم الثاني) بتفجير طائرة فوق لوكربي، والنتيجة الآن عقاب شعب كامل بسبب شخص واحد، كما انها تحاصر العراق بنفس الطريقة حولت فيها شعب العراق الى شعب جائع في الداخل ومشرد في الخارج يبحث عن مكان هنا وهناك، كما انها تحاصر الجمهورية الاسلامية في ايران سياسيا واقتصاديا واعلاميا.
من الطبيعي ان مثل هذه السياسة الاميركية لا بد ان تخلق حالة من الرفض واحساسا بالقهر، مما قد يدفع بعض الجهات حتى ولو لم تكن من داخل هذا البلد الى القيام بمثل هذه الاعمال التي حصلت.
ثم ان هذا التأييد الأميركي المطلق لاسرائيل بهذا الشكل الوقح، وهذا ما نتمثله في الادارة الاميركية الحاضرة التي اعطت شارون كل الحرية بأن يقوم بما يشبه عملية الابادة للفلسطينيين بحيث انها منحته وما زالت تمنحه الغطاء السياسي لكل اعماله بالمستوى الذي جعلت منه الضحية وجعلت من الشعب الفلسطيني مجرما. حتى ان بعض اعضاء الكونغرس الاميركي اعترض على طريقة استخدام الاسلحة الاميركية الممنوحة لاسرائيل لأنها تبتعد في استعمالها عن القانون الموضوع لجهة استعمالها، وكان الجواب من وزير الخارجية الاميركية تبريرا لاستعمال هذه الاسلحة بالقول اننا لا نجد اي خرق من اسرائيل لقانون استعمال الاسلحة الاميركية علما ان اسرائيل تقوم بعملية تدمير كل البنية التحتية الفلسطينية بشكل غير متكافئ مع ما يقوم به الفلسطينيون من عمليات خفيفة هنا او كمين مسلح هناك او عملية استشهادية هنالك.
لذلك فإن هذا التأييد المطلق لاسرائيل لا بد ان يخلق في نفوس كل العالم العربي والاسلامي وحتى العام الثالث الذي ليس هو عربيا ولا اسلاميا ممن يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني الكثير من الحالات الرافضة.


بلد الارهاب

وهناك نقطة اخرى هي اننا نعرف ان اميركا هي بلد الارهاب، انا لا اتحدث عن ارهاب الدولة المنظم لأنه يدخل في الحديث الاستهلاكي الذي اعتادته اللغة السياسية، بل اتحدث عن حجم الجريمة في المجتمع الاميركي على مستوى الاغتصاب والقتل حتى اصبحت جرائم قتل التلاميذ الاطفال لزملائهم الاطفال في المدرسة ظاهرة من ظواهر المجتمع الاميركي، وباتت هذه الظاهرة مشكلة في اميركا بسبب حرية استخدام الاسلحة وبيعها.
كما ان اميركا تعيش واقع تفشي ظاهرة المنظمات غير المعقولة التي يمكن ان تقوم بأعمال خطيرة وكبيرة ومعقدة، وهو ما عرفناه في تفجير اوكلاهوما حيث اتهم به العرب والمسلمون في البداية، ثم تبين ان الذي قام بهذا التفجير هم جماعة اميركية متطرفة في ذهنيتها الدينية.


توزيع الاتهامات

س:
كيف تفسر توجيه الاتهام للعرب والمسلمين فور شيوع نبأ التفجير في اطار حملة اعلامية منظمة.
ج:
هناك نقطتان: الاولى هي ان الاعلام الاميركي سواء المكتوب او المسموع او المرئي، يخضع للسياسة الصهيونيةبشكل كبير جدا سواء من خلال اللوبي اليهودي الذي يمسك بمفاصل الاعلام الاميركي او من خلال الشخصيات الاميركية المتأثرة باليهود اكثر من اليهود انفسهم كما هو الحال في شخص نائب الرئيس الاميركي تشيني.
فهذا الاعلام الموجه اراد ان يطرح اسما مستهلكا في الاعلام العالمي هو اسامة بن لادن، كما طرح بشكل خافت لم يثبت امام النقد اسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مما جعل الانسان الاميركي وكل المتابعين للاعلام الاميركي يتوجهون الى بن لادن او الى الجهات العربية والاسلامية، لا سيما ان مثل هذه العمليات التي تسمى استشهادية في العمل الجهادي و تسمى انتحارية في غير العمل الجهادي باتت تعرف بأنها من اعمال العرب والمسلمين كما يحصل الآن في فلسطين، وكما حصل قبلها في لبنان مع الاشارة الى ان الذي اطلق هذه الاشارة هو شارون الذي تحدث عن الارهاب الاسلامي الذي تعاني منه اسرائيل واميركا في هذا المجال.
اما النقطة الثانية: فإنها تكمن في ان المسؤولين الاميركيين ولا سيما الامنيين، الذين كانوا يشعرون بأن الانسان الاميركي ومعه الرأي العام العالمي كان يطلب الكشف عن هوية منفذي العمليات خصوصا وأن المخابرات المركزية الاميركية تعرف عن نفسها بأنها اقوى المخابرات في العالم كونها تمثل الاخطبوط الذي يمد كل اذرعه الى كل مكان في العالم.
من هنا اراد هؤلاء الامنيون ان يشغلوا العالم باسم وبعنوان عربي واسلامي المستهلك اميركيا واوروبيا واسرائيليا ولعل ذلك جعل الاعلام يسير في هذا الاتجاه علما ان الادارة الاميركية حفظت خط الرجعة فحاولت ان تتحدث عن اتهامات اخرى للتخفيف من قوة التأثيرات التي قد تحاصرها في المستقبل الذي قد يكشف حقائق دامغة مغايرة كليا للاتهامات المستهلكة كما حصل في تفجير اوكلاهوما، وهي بذلك تهيئ الرأي العام العالمي للضربة المرتقبة التي تنوي توجيهها الى افغانستان عندما تريد ان تعرض عضلاتها العسكرية لضربة قوية هنا او هناك ولتأخذ حريتها في التحقيق والتفتيش.


المسألة الشرعية

س: أين تضعون الاعمال التي تعرضت لها اميركا مؤخرا من يتين الشرعية والسياسية؟

ج: من الناحية الشرعية لا نجد مبررا شرعيا لهذا العمل بقدر ما يتعلق الامر بالمدنيين الذين قتلوا خلال الهجمات على مركز التجارة العالمي لأنهم لا علاقة لهم بالسياسة الاميركية من قريب او بعيد.

س: يبدو انك استثنيت قتلى البنتاغون؟
ج:
(يضحك) دع الامر الآن.. وحتى لو كان بعض الموظفين في هده الدائرة الاقتصادية او تلك فليس من الضروري ان يكون مسؤولا عن جرائم الادارة الاميركية وخصوصا ان هؤلاء الضحايا كانوا من جنسيات واديان مختلفة مما لا يجد اي مبرر شرعي للقيام بعمل يقضي عليهم جميعا، لأن الفكرة التي تقول ان بإمكاننا ان نسقط مدنيين اذا كانت الاهداف كبيرة انما تتحرك عندما تكون هناك حرب حامية تفرض آلياتها وظروفها القيام بعمل قد يطال الابرياء دون ان تقصدهم.
اما ان تقصد الابرياء بالاستهداف لمجرد وجود معارضة سياسية لدولة ما قد لا يكون كل ابنائها معنيين بما تقوم به دولتهم، فإن ذلك ليس له مبرر شرعي، ولذلك قلنا ان ما حصل هو عمليات انتحارية وليست استشهادية لأن العمليات الاستشهادية هي التي تنطلق من اجل قضايا كبرى على مستوى قضايا الشعوب كما يحدث الآن في فلسطين وكما حدث سابقا في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي للبنان.
اما في الجانب السياسي فإننا لا نتصور ان هناك اية فائدة سياسية من هذا العمل بقدر ما يتعلق الامر بالواقع العربي والاسلامي باعتبار ان هذه المسألة اعطت اميركا في ادارتها الحالية دعم العالم بما فيه الدول العربية والاسلامية حتى المؤسسات الدينية والسياسية والثقافية، لأن كل هذا الضجيج الذي اثارته هذه العملية في العالم حجب السياسات الاميركية المعادية للشعوب عن وجدان الناس في العالم، حيث استغرق الناس في هذه المأساة الاميركية وشغلوا عن المآسي التي تقوم بها اميركا في العالم.
ورغم الهزائم القاسية التي لحقت بأميركا جراء هذه العمليات، الا انها استفادت من دعم العالم لها، وهي قادرة على تجاوز الضربة في المستقبل لما تملكه من مواقع القوة والنفوذ، خصوصا عندما ينضم اليها الاتحاد الاوروبي والصين والدول العربية والاسلامية، وها هي اليوم تطرح التحالف الدولي على مكافحة الارهاب.

الثور الجريح

ربما يفكر البعض بأن الصدمة الكبرى التي تحدت اميركا في موقعها الامني والسياسي والتجاري، وعندما تغير اميركا سياستها تجاه الشعوب جراء ذلك، فإن هذه الصدمة قد تكون لها نتائج ايجابية، لأن اميركا التي تعيش طغيان القوة وتتحول فجأة الى ما يشبه الثور الجريح، فسوف تزداد عنفا وطغيانا في ردة فعلها لاستعادة هيبتها كما فعلت في قصف مصنع الدواء في السودان بعد تفجير سفارتيها، والمسألة في ذلك تهدف الى ضرب الضعيف بقوة ينخلع لها قلب القوي.

مجتمع الحرب

س: ما هو الفارق بين استهداف مدنيين في اسرائيل وبين استهداف المدنيين مؤخرا في اميركا؟

ج: الفرق كبير.. ففي فلسطين فإن كل العمليات التي ينفذها المجاهدون هي مسألة دفاع عن النفس لأن اسرائيل تملك اقوى الاسلحة وتستعملها في تدمير الشعب الفلسطيني في انسانه المدني والعسكري وفي المؤسسات الرسمية والشعبية، بما يمثل حجم الحرب التي تستهدف ابادة الشعب الفلسطيني بشكل تدريجي ليقبل بأي شيء تفرضه اسرائيل عليه في دولة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة وتكون الدولة الفلسطينية مجرد محمية اسرائيلية، والفلسطينيون لا يملكون في مواجهة هذه الحرب المدمرة، السلاح المقاوم للسلاح الاسرائيلي، ولذلك فإن الوسيلة الوحيدة لادخال الاسرائيليين في المأزق الامني هي العمليات الاستشهادية، حيث لا يبقى اي امن لأي اسرائيلي في كل مكان، وهذه العمليات تمثل الضرورات العسكرية التي لا مجال للتماسك بين الشعب الفلسطيني الا بها، تماما كما في قول الله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) فالفلسطينيون شعب لا يحب الدماء ويريد العيش بسلام ومن جهة ثانية فإن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع عسكري ومجتمع حرب ولا نعتبر ان في اسرائيل في المنطقة المحتلة يوجد مدنيون لأن المستوطنين احتلوا ارضا فلسطينية وكل انسان يحتل ارضا فلسطينية او يسكن في بيت فلسطيني هو انسان محارب، وبالتالي فإن المستوطنين محاربون وتراهم كيف يحاربون الفلسطينيين بشكل علني.

س: لماذا برأيك حمل الاعلام الغربي المسؤولية للعرب والمسلمين؟

ج: ان العرب والمسلمين لا يحملون عقدة بالمعنى الانساني ضد الغرب، واننا نرى هجرة المسلمين الى الغرب بالملايين ويحصلون على العمل والحرية والعلم وكل شيء انساني، وقد ساهم المسلمون في عملية التقدم الغربي على صعد الاكتشافات العلمية والطبية والعملية وهم كثر، كما ان كثيرا، من المسلمين دخلوا الى النسيج الاجتماعي الغربي مما يعني ان المسلمين لا يتعقدون من الانسان الغربي، ولكن المسلمين يحملون كغيرهم من الشعوب عقدة من السياسات الغربية على الصعد السياسية والاقتصادية والامنية، وهم من يحملون مثل هذه العقد تجاه روسيا في حربها ضد المسلمين الشيشانيين، ولذلك اتصور ان الغرب هو الذي يحمل العقدة تجاه العرب والمسلمين سواء على صعيد الادارات الرسمية او على صعيد الكثير من الشعوب والجماعات التي تختزن الحقد والعنصرية الفكرية والدينية والانسانية ضد المسلمين، بهدف تحويل المجتمع الاسلامي والعربي الى سوق استهلاكي، ولذلك فإن اي حركة اسلامية او قومية تعمل على تكريس الاكتفاء الذاتي تعتبر بنظر الغرب بمثابة الحرب على اقتصاده، وهكذا هو الغرب في صراعاته الغربية الغربية أما في صراعاته مع الدول العربية او الدول الشرقية، يعيش العقدة ضد الاسلام الحركي والسياسي حتى لو لم يكن اصوليا اي الاسلام الذي يقول للمسلم كن حرا كن منتجا، وهذا ينسحب على كل شعوب العالم الثالث.

التعرض للعرب والمسلمين

فالعنصرية الغربية ضد العرب والمسلمين قائمة، وهذا ما كان واضحا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، حين سألت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر التي قالت ان الاسلام هو العدو الجديد في حين ان الاعتداءات التي طاولت العرب والمسلمين في معظم دول الغرب هي نتيجة التربية العنصرية التي تربى عليها بعض المجتمع الغربي الذي عاش العنصرية ضد الاسلام ككل، وفقدوا بذلك كل معنى للحضارة وانكفأوا الى كهوف التخلف والعقم الفكري المتحجر.

اسامة بن لادن

فلو سلمنا جدلا ان اسامة بن لادن وراء التفجيرات فما هو دخل المسلمين في اميركا وكندا واوستراليا لكي تمارس ضد المسلمين كل هذا الحقد العنصري، ولو كان الامر معهم هل سيبررون هجوم المسلمين على مواطنيهم، طبعا لا بل سيتحدثون عن المسلمين بأنهم وحوش وارهابيون وما شابه.. وهذا ما نشاهده في مجتمعاتنا عندما اشار الامين العام للحلف الاطلسي آنذاك الى ان الاسلام هو العدو المحتمل للغرب، ولذلك فإن كل اجهزة الغرب الامنية والتربوية والاقتصادية تهدف الى تدمير الاسلام في نفوس المسلمين.
نحن نعتقد بأن الاسلام يرفض الارهاب بمعنى الاساءة الى المدنيين والابرياء، وهو يفرق بين الارهاب وبين حركة التحرر والدفاع عن النفس، وعلينا ان لا نسقط امام هذه الحملة الارهابية الاعلامية التي تقودها اميركا واسرائيل وبعض اوروبا ضد الاسلام والعرب. علينا ان نتماسك ونقول لسنا ارهابيين بل نحن مجاهدون ندافع عن حقنا.
تحذر اميركا مواطنيها في العالم ان يأخذوا الحيطة والحذر من اي مهاجمة ضدهم انتقاما من السياسة الاميركية، ومنع ذلك لم نر اي اعتداء ضد الاميركيين في اي دولة من دول العالم العربي او الاسلامي. بينما شاهدنا بعض الغرب يضطهد المسلمين والعرب لمجرد اتهام شخص واحد باتهامات غير ثابتة، ولقد جاء في الكثير من الاخبار عن اعتداءات طاولت النساء المتحجبات في الغرب لمجرد انهن من المسلمات، وكذلك فإن بعض المسلمين خشوا من اداء صلاة الجمعة في دول غربية تحسبا لاعتداءات قد تطالهم.
ونحن ندعو ابناءنا المسلمين في الغرب الى توخي الحذر من هجمات واعتداءات ضدهم، وعليهم ان يتوجهوا الى العقلاء من الغربيين واعلامهم بخطر هذه الاعتداءات على الجميع لأن الفعل يستدعي ردة الفعل، ونحن نرفض الفعل كما نرفض ردة الفعل.

مؤتمر دوربان والعنصرية

لقد بادر الرئيس بوش وبعض الدوائر الغربية الى الطلب بعدم التعرض للمسلمين لأن ذلك يعطي وجها وحشيا همجيا للانسان الاميركي والاوروبي ويزيل عن وجدان العالم الصورة الحضارية وقضية حركة الحريات، ويعيد فكرة العنصرية الدينية ضد الدين الآخر، ولا يزال مؤتمر دوربان الذي تحدث عن العنصرية ماثلا للعيان.
وهذا الطلب ليس لسواد عيون المسلمين بل ليكون الغربيون منسجمين مع انفسهم في تبجحهم في الدفاع عن الحريات.

الخطاب العربي

س: الا ترون ان الخطاب العربي والاسلامي غائب عن التعامل مع الغرب؟

ج: ان مشكلة الخطاب العربي على المستوى الرسمي هو انه يعيش الخوف والقلق والعجز المطلق امام الغرب لأن اغلب هذه الانظمة خاضعة بشكل مطلق للغرب بل ان الكثيرين من القائمين عليها موظفون لدى المخابرات المركزية الاميركية التي تستطيع ان توظف شخصا في موقع رئاسي او غير رئاسي.
اما بالنسبة الى الواقع العربي والاسلامي، فإن فيه اقلاما واصواتا صادقة تعرف كيف تخاطب الغرب، انما مشكلة الاعلام العربي والاسلامي تبقى داخل المجتمع الاسلامي والعربي ومعظم الفضائيات العربية والاسلامية لا تتحدث بلغة الغرب بما لا يجتذب المشاهد الغربي.

ساحة المعركة المحتملة

س: اين تتوقع ان تكون ساحة المعركة التي تنوي اميركا خوضها لاستعادة هيبتها في العالم؟


ج:
انني اتصور ان اميركا تعرف انها لا تستطيع ان تفضي على ما تسميه الارهاب مهما فعلت لأن قضية الارهاب ليست لافتة او بيت هنا او مجموعة صغيرة هناك، بل ان هذه القضية تتحرك في عملية انتاج وتوالد مكثف متكاثر تبعا لكل الضغوط التي تمارسها الدول الكبرى ضد الشعوب المستضعفة، هذا اضافة الى الارهاب الفردي الذي لا تزال تعاني منه كل الدول من خلال احصائيات الجريمة الداخلية.
المهم ان اميركا الآن تريد ان تعيد هيبتها وأن تعيد عنفوانها وان تقول للعالم الذي بدأ يتحدث بإشفاق عن العجز الاميركي في حماية اقوى المواقع التي تمثل مكامن القوة في اميركا في مركز التجارة العالمي والبنتاغون والبيت الابيض الذي كان مهددا بالتفجير ايضا، وتتحول خلال 8 ساعات الى دولة تعاني من انعدام الوزن وكان كبار المسؤولين حتى على مستوى الرئاسة يختبئون في الملاجئ خشية ان يلاحقهم التفجير.
لذلك ستبحث اميركا عن عدو وتضربه كيفما كان ولا سيما العدو الضعيف الذي تضربه بشكل ينخلع له قلب الكبير والقوي.

الاطلسي وتصفية الحسابات

من هنا انا لا اتصور ان يحصل شيء لباكستان ولكن افغانستان - حتى الآن - هي الضحية المحتملة، وربما تتحرك التحقيقات الى توجيه التهمة الى بعض الدول التي ترى اميركا في ذلك فرصة لاحتوائها او ضربها او لتصفية حسابات معها.
واعتقد ان الحلف الاطلسي يبحث الآن عن طريقة لتصفية اكثر من حساب لاكثر من دولة، ونحن لا نريد ان ندخل في النبوءات او الرجم في الغيب بل يجب ان نكون حذرين وأن لا نسقط امام كل تهاويل الاعلام الاميركي.

سوبرمان الارهاب

وعندما يتحرك الغرب بأسلحته الصاروخية فإن افغانستان غير قادرة على المقاومة، ولكن ذلك سوف يخلق جرحا عميقا في كل الشارع الاسلامي رغم تعقيد هذا الشارع من حركة طالبان، وسوف تكون هناك ردة فعل قوية تماما كما حصل في حرب الخليج رغم التعاطف مع الكويت ضد النظام العراقي قد لا تنزل اميركا جيشها على الارض، وربما يكون الهجوم هجوما جويا صاعقا، وقد وضعت افغانستان في الواجهة واعتبرت اميركا ان بن لادن هو سوبرمان الارهاب العالمي.

س: ما هي برأيك العقيدة التي اقنعت الطيارين المحترفين بالانتحار هل هي عقيدة دينية ام سياسية؟

ج: لا استطيع ان احكم لأنني لا اعرفهم، ولكن حتى الانسان الذي لا يلتزم بدين، يحمل رواسب دينية في اعماق نفسه، وسألني سابقا البعض عن تفسير العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الماركسيون، فقلت انهم لا يؤمنون بالله في السطح، ولكن الايمان بالله يعيش في اعماق قلوبهم.

س: ما هو المطلوب عربيا واسلاميا في هذه المرحلة؟

ج: على مستوى الانظمة فإن المطلوب تحركها بما يشبه حالة الطوارئ لمواجهة هذه الهجمة الاعلامية والسياسية وربما الامنية، وان لا تعيش في ذهنية عقدة الذنب كمن يشعر في نفسه بالجريمة ويريد ان يقدم اعتذاره للطرف الآخر، بل ان يشعروا بأنهم مظلومون في هذه الهجمة اذا حصلت اي هجمة ضد اي بلد عربي او اسلامي فستكون الظلامة اكبر، لأنه لا يجوز ان يعاقب بلد بكامله اذا قام بعض افراده بجريمة معينة، وعلى الدول العربية والاسلامية ان تجتمع وتتدارس المرحلة الصعبة التي سوف تقبل عليها المنطقة وتخطط للتحرك المستقبلي الذي لا يجوز ان يكون تحركا من موقع الضعف بل من موقع العقل الذي يختزن معاني القوة.
كما على الشعوب العربية والاسلامية ان لا تشعر انها في موقع الاتهام، بل عليها ان تقف وقفة فاعلة وتقول للغرب لسنا ارهابيين بل طلاب حرية وعدالة وسلام.
اما اذا استمر اتجاه اتهام العرب والمسلمين بهذه الجرائم، فمن الطبيعي ان يتحرك رد الفعل في المواقع العربية والاسلامية بشكل قد لا يكون مبررا من الناحية الامنية ولا السياسية.

حشد العالم

س: هل تستطيع اميركا أن تحشد معها العالم ضد افغانستان او اي دولة قد تثبت ادانتها، كما فعلت عندما حشدت العالم ابان غزو العراق للكويت؟

ج: عندما انطلقت الحادثة اجتمع العالم بأجمعه للتعاطف مع اميركا والاستعداد لمساعدتها، ولكن عندما بدأ العالم يستعيد طبيعة الامور، سمعنا بريطانيا تقول لا يمكن ان نساعد اميركا بشكل مطلق وسمعنا الدانمارك تقول لا يمكن ان نساعد اميركا..، فالذين تحمسوا لاميركا يقولون الآن اذا كان الغرب هو المستهدف فإننا نقف مع اميركا مائة بالمائة، ولكن اذا كانت اميركا هي المستهدفة فلدينا تحفظات لأن الدول ليست جمعيات خيرية ولأن الصداقات الدولية هي مصالح متبادلة، وكل دولة تعيش مصالحها وخصوصا في الصراع الخفي بين اوروبا واميركا وبين الصين واميركا وبين روسيا واميركا.. ان القوي قد يكون قويا في ما يملكه من اسلحة وتكنولوجيا، ولكنه عندما يدخل في السياسة والاقتصاد مع الآخرين تضعف كثيرا مواقع قوته.
وسابقا قلت في القوي نقاط ضعف وفي الضعيف نقاط قوة وعلينا ان نقابل القوي في نقاط ضعفه بنقاط قوتنا.
عندما تهدأ الضجة ويدفع الناس الى عقولهم لأن العالم لا عقل له، وعندما يبدأ العقل تبدأ الحسابات الدقيقة ويعرف الناس لماذا كان ما حصل، وسيعرف الناس ان الذين فجروا انفسهم انما فجروها نتيجة قهر جعلهم يفجرون انفسهم في من قهرهم لأن هذا التفجير هو تفجير لعنفوان اميركا في العالم.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير