أحكام التسليم

أحكام التسليم

وفيه مسائل:
م -345:  إذا وقع العقد مستكملاً  لشروطه ملك المستأجر المنفعة على المالك،  وملك المالك الأجرة على المستأجر،  ويترتّب عليه - بحسب مقتضى العقد وطبيعته - وجوب تسليم كل واحد منهما ما بيده للآخر،  وهذا يعني أنه يجب على المستأجر دفع الأجرة فوراً وسلفاً، فمتى سلمه المالك الدار، لزم المستأجرَ تسليمُ الأجرة، إلا أن يشترط خلاف ذلك على المالك.

وتسليم المنفعة يكون بتسليم العين،  وتختلف كيفية التسليم باختلاف الأعيان،  فتسليم الدار بتسليم مفتاحها،  وتسليم الأرض بإفساح المجال للمستأجر ليضع يده عليها،  وهي التي يصطلح عليها بـ(التخلية)،  أي رفع اليد وإزالة الموانع،  وتسليم الكتاب بدفعه إليه وإعطائه إياه،  وهكذا؛ وكذلك يكون تسليم الأجرة لو كانت عيناً  أو منفعة. أما تسليم (الحق)  إذا كان مستأجراً  أو أجرة فإنه يختلف باختلاف ما يتعلق به الحق،  ففي مثل حقّ الطبع يكون التسليم بتسليم الكتاب،  وفي مثل حق الحضانة يكون بتسليم الأولاد،  وفي مثل  حق المرور يكون بإزالة الموانع والتخلية وهكذا.

م -346: إذا بذل المالك العين المستأجرة للمستأجر وهيأ كل مقدمات التسليم،  فلم يتسلم المستأجر العين اختياراً  حتى انقضت مدة الإجارة،  استقرت الأجرة المسمّاة على المستأجر،  وذلك كما لو أرسل الكتاب أو الدابة إلى منزل المستأجر مثلاً،  فربط الدابة في زريبة صاحب البيت،  أو وضع الكتاب على طاولته،  بأمر منه،  أو قال له: "إن مفتاح السيارة أو  الدار موجود في المكان الفلاني فأرسل  من يأخذه"،  ونحو ذلك من مقدمات التسليم المناسبة للعين المستأجرة.

وكذلك يستحق المالك الأجرة المسمّاة إذا تسلّم المستأجر العين وأخذها وصارت تحت يده ولكنه لم يستوف المنفعة المرغوبة له اختياراً، كمن استأجر سيارة ليسافر بها فعدل عن السفر; ولا فرق في ذلك بين ما لو كان للإجارة وقت محدد أو لم يكن وانقضت المدة التي يمكن استيفاء المنفعة فيها،  كما لا فرق بين ما لو كانت العين المستأجرة محددة في فرد أو كانت كلية ودفع إليه فرداً  بعينه لينتفع به.

وكذلك الحكم في ما لو كان عدم استلام المستأجر للعين،  أو كان عدم الاستيفاء بعد الاستلام،  ناشئاً  عن العذر المانع من ذلك،  وكانت الإجارة مقيّدةً بزمان خاص - أو كانت المنفعة،  بطبيعتها،  من النوع الذي ينبغي استيفاؤه في وقت متعارف - وكان العذر المانع خاصاً، كالمرض والنوم والنسيان ونحوها؛ فإذا مضت المدة ولم يقدر على استيفاء المنفعة صحت الإجارة ولزمته الأجرة المسماة بتمامها،  وذلك بدون فرق بين ما لو كانت العين المؤجرة مقيدة باستيفاء منفعة خاصة منها وبين ما لو لم تكن كذلك،  وبدون فرق - أيضاً  - بين ما لو كان الانتفاع مقيداً  - أو مشروطاً  - بمباشرة المستأجر له بنفسه وبين ما لو لم يكن كذلك. وأما إذا لم تكن الإجارة مقيدة بزمان خاص،  ولا كانت المنفعة مما ينبغي استيفاؤه في وقت متعارف،  وبخاصة إذا كان المستأجر قد اشترط استيفاء المنفعة ساعة يشاء،  فإنه لا يسقط حق المستأجر بالاستيفاء بعد زوال المانع كما هو واضح.
هذا كله إذا كان العذر المانع خاصاً،  أما إذا كان عاماً،  كسوء الأحوال الجوية أو اضطراب الوضع الأمني أو نحو ذلك،  فإنّ الإجارة تبطل ولا يستحق المالك على المستأجر شيئاً.

م -347 : إذا كان المانع من استيفاء المنفعة فقدان العين بمثل الغصب،  فإن كان قد حدث قبل القبض،  وكان الغاصب متوجهاً  في عمله هذا إلى المستأجر رغبةً منه في ظلمه والانتقام منه،  فإن الإجارة صحيحة،  وعلى المستأجر الرجوع بما يفوت عليه من الانتفاع بالعين إلى الغاصب نفسه؛ وأما إذا كان الغاصب غير متجه في ظلمه إلى المستأجر خاصة،  بل إلى الأعم منه فضلاً  عما لو كان متجهاً  به إلى المالك خاصة،  فإن للمستأجر حق الفسخ والرجوع بالأجرة على المالك إذا كان قد دفعها إليه،  أو إبقاء العقد والرجوع على الغاصب بأجرة ما يفوته من المنفعة.
وأما إذا كان الغصب للعين،  أو المنع من الانتفاع بها من قبل الظالم،  قد وقع بعد قبض المستأجر للعين، فإن الإجارة صحيحة وليس للمستأجر الفسخ،  وعليه الرجوع بمظلمته على الغاصب نفسه،  دون فرق في ذلك بين ما لو كان في ابتداء المدة أو في أثنائها،  ودون فرق بين ما لو كان متجهاً  في ظلمه للمستأجر أو للأعم منه ومن غيره.

نعم،  لو فرض - في صورة ثبوت الخيار للمستأجر بين الفسخ والإمضاء - أن الظالم أعاد العين المغصوبة في أثناء المدة إلى المستأجر قبل أن يفسخ المستأجر عقد الإجارة، يبقى حقه في الفسخ قائما  إذا كان تركه للفسخ خلال ما مضى من المدة غير ناشىء من التزامه بالعقد رغم غصبية العين،  بل كان غافلاً  عن ذلك تماماً،  وأما إذا كان ملتفتاً  لذلك ولم يفسخ عد ذلك منه التزاماً  بالعقد خلال مدة غصبية العين، فلا يحق له الفسخ بعد عودتها وزوال الغصب عنها.

وحيث يصح له الفسخ فإنه إذا اختار الاستمرار في العقد بعد عودة العين يحق له مطالبة الغاصب بمقدار أجرة ما فاته من المنفعة خلال مدة الغصب من الأجرة المسماة.

م -348:  إذا  انعدمت جميع منافع العين المستأجرة بطروء التلف الكلي عليها،  فمرة يكون التلف بفعل آفة طبيعية أو ما يشبهها، كالصاعقة والغرق والبهيمة الصائلة ونحوها، ومرةً يكون بفعل فاعل عاقل،  فهنا حالتان.

الأولى: ما كان التلف فيها بمثل الآفة الطبيعية أو البهيمة الصائلة،كأن تنهدم الدار بصاعقة،  أو تموت الدابة،  أو نحو ذلك؛ وحكمها على نحوين:
1 ـ أن يكون  التلف قد وقع قبل تسلم العين أو بعده مباشرةً وقبل الانتفاع بشيء منها،  فتبطل الإجارة وينفك العقد.
2 ـ أن يكون التلف بعدما كان المستأجر قد انتفع بالعين مدةً من الزمان،  فتبطل الإجارة وينفسخ العقد من حين التلف ويستحق المالك على المستأجر من الأجرة المسمَّاة بنسبتها إلى المدة.

الثانية: ما كان التلف فيها قد حدث من فاعل عاقل؛ وحكمها على أنحاء:
1 ـ أن يكون المتلف فيها هو المستأجر نفسه،  فتبطل الإجارة بالنحو الذي سبق تفصيله في الحالة الأولى،  سواء مع التعدي أو التفريط أو بدونهما،  نعم يثبت عليه - زيادةً على ذلك - ضمان العين في حالة التعدي أو التفريط.
2 ـ أن يكون المتلف هو المالك،  فلا تبطل الإجارة مطلقاً ،  بلا فرق بين ما لو كان قد سلّمه العين أو لم يسلِّمه،  ولا  بين ما لو كان قبل أن ينتفع بشيء منها أو بعده،  ولكن يثبت للمستأجر الخيار بين المضي في العقد مع المطالبة ببدل العين التالفة، وبين فسخ العقد واسترجاع الأجرة المسماة تامة أو بنسبة ما استفاد من العين خلال المدة.
3 ـ أن يكون المتلف أجنبياً، فإن كان التلف قد حدث قبل قبض العين ثبت للمستأجر نفس الخيار المذكور في النحو الثاني من الحالة الثانية، ويرجع المالك على الأجنبي مع تعديه، وإن كان التلف قد حدث بعد قبض المستأجر للعين لم يبطل العقد به، وكانت المسؤولية في ذلك على المتلف مع تعديه، فيرجع عليه المستأجر بضمان ما فات من المنفعة، ويرجع عليه المالك ببدل العين أو بقيمتها مسلوبة المنفعة، وذلك بالنحو الوارد في أحكام الضمان.

م ـ349: يجوز لمن له مصلحة في بقاء عقد الإجارة واستمراره بعد تلف العين المستأجرة كلياً، وهو المستأجر غالباً، أن يشترط على الآخر بقاء العقد في الحالات التي تبطل فيها الإجارة بسبب ذلك التلف، سواء مع اشتراط إصلاح العين أو استبدالها بغيرها بكيفية معينة، أو من دون هذا الاشتراط اتكالاً على رجاء إصلاحها أو استبدالها تلقائياً فيما بعد، فلا يحتاج ـ حينئذ ـ إلى إنشاء عقد إجارة جديد قد يضطر فيه إلى دفع أجرة أكثر.

م ـ350: إذا لم يمنع تلف العين المستأجَرة كلياً من الانتفاع بها في وجوه أخرى غير تلك التي كانت ملحوظة ابتداءً، كمن استأجر داراً ليسكنها فخربت كلياً، ولكن أمكنه جعلها موقف سيارات أو زريبة لماشيته، أو نحو ذلك، فإذا لم يكن المالك قد اشترط عليه استعمال العين في خصوص المنفعة التي فاتت بالتلف، وهو السكن في المثال المتقدِّم، فإن الإجارة لا تبطل حينئذ، بل يتخير المستأجر بين الإبقاء على العقد والانتفاع بالعين بالوجوه الممكنة مع مطالبته بفارق الأجرة إن كانت أقل، وبين الفسخ والرجوع عليه بما دفع من الأجرة المسماة إن كان يستحقه.

م ـ351: إذا كان التلف الواقع على العين جزئياً، كما لو تهدمت بعض غرف الدار، أو تمزقت بعض فصول الكتاب، أو نحو ذلك من حالات التلف التي يفوت بها بعض المنفعة على المستأجر، فإنه يثبت بذلك للمستأجر خيار تبعض الصفقة، فإن شاء أمضى العقد مع تعويض ما نقص عليه من المنفعة بنسبته إلى الأجرة، وإن شاء فسخ العقد ودفع للمالك من الأجرة بنسبة ما استوفى من العين؛ وذلك بدون فرق بين ما لو كان المتلف بشرياً أو غير بشري، نعم إذا كان المتلف المتعدي هو المستأجر لم يثبت له الخيار، بل يكون ما تلف مضموناً عليه ومعدوداً بمنـزلة ما لو استوفاه، فتبقى الأجرة قائمة في الجزء الموجود بتمام الأجرة المسمّاة إلى نهاية المدة، إضافة إلى ضمانه الجزء الذي أتلفه من العين ملحوظاً بما هو مسلوب المنفعة.

م ـ352: إذا قدر المالك على إصلاح التلف وبناء المتهدم في وقت قصير نسبياً، بحيث لا يعتد به عند العرف ولا يضر ما يفوت فيه من المنفعة بالمستأجر، لم يثبت الخيار للمستأجر على المالك عند تلف العين المستأجرة كلياً أو جزئياً، بل إنه يجب على المالك ـ مع قدرته ـ المبادرة إلى إصلاح التلف لتمكين المستأجر من الانتفاع بها في أقرب فرصة متعارفة، وكلفة الإصلاح والترميم على المالك؛ فإذا لم يتدارك المالك ما وقع من التلف، عصياناً أو عجزاً، ثبت الخيار ـ حينئذ ـ للمستأجر بالنحو المتقدم. وفي جميع الحالات يصح للمالك أن يشترط كون إصلاح التالف على المستأجر بالنحو الذي يتراضيان عليه لجهة التنفيذ والإشراف والتكاليف.

م ـ353: العين المستأجرة أمانة بيد المستأجر، فإذا تلفت لم يضمنها إذا لم يكن متعدياً أو مفرطاً، والتعدي هو: (تجاوز الحد المأذون به في الانتفاع بالعين)، وأما التفريط فهو: (تعريضها لم يوجب التلف)، فإذا تعدى أو فرّط ضمن ما أتلف؛ وكذلك يضمن إذا اشترط المالك عليه الضمان ولو لم يكن متعدياً أو مفرطاً. ولا فرق في عدم الضمان بدون تعد أو تفريط بين ما لو كان التلف أثناء المدة أو بعدها، كما لا فرق فيه بين ما لو كانت الإجارة صحيحة أو باطلة. هذا وقد تقدم في إجارة النفس ذكر كيفية الضمان، وأنه بالمثل أو بالقيمة، وذكر حكم اختلاف القيم، فراجع. (أنظر المسألة:286).

م ـ354: إذا أذن المالك بنوع من التصرفات العنيفة المتعارفة في موردها، كالدابة يضربها، أو السيارة يقودها بنحو خاص، فإذا أدى هذا التصرف العنيف إلى الإضرار بالعين المستأجرة لم يضمن المستأجر تلفها أو عيبها ما دام قد اقتصر في عنفه على المقدار المأذون به.

م ـ355: إذا حمّل السيارة مثلاً أكثر من المقدار المتعارف، أو أكثر من المقدار المشترط عليه، فتلفت به أو تعيبت، ضمن تلفها وعيبها، وضمن ـ أيضاً ـ أجرة المثل للمقدار الزائد زيادة على الأجرة المسماة للمقدار المتفق عليه، سواء كان تحديد المقدار على نحو الشرط الإضافي أو على نحو القيد الداخل في أصل التعاقد. هذا ويثبت نفس الحكم في حال سار بالسيارة أو الدابة مثلاً أكثر من المقدار المتّفق عليه.

م ـ356: مواقف السيارات أو المسابح أو الحمامات العامة وأمثالها لا يضمن أصحابها ثياب وأغراض وسيارات المستأجر الذي استأجر موقفهم أو مسبحهم في حال كانت الإجارة قد وقعت على نفس المنفعة لا على حفظ الثياب ونحوها؛ وكذلك لا يضمن صاحب الموقف مثلاً في صورة ما لو تعهّد بحفظ السيارة أو الأغراض التي فيها إذا لم يكن متعدياً ولا مفرطاً، إلا أن يشترط عليه المستأجر الضمان فإنه يضمن حينئذ، ومثل صورة التعهّد في الحكم صورة ما لو كان قد أخذ أجرة على حفظ نفس السيارة أو الأغراض زيادة عن أجرة وقوفها فإنه لا يضمن مع عدم التعدي أو التفريط إلا مع الاشتراط.


وفيه مسائل:
م -345:  إذا وقع العقد مستكملاً  لشروطه ملك المستأجر المنفعة على المالك،  وملك المالك الأجرة على المستأجر،  ويترتّب عليه - بحسب مقتضى العقد وطبيعته - وجوب تسليم كل واحد منهما ما بيده للآخر،  وهذا يعني أنه يجب على المستأجر دفع الأجرة فوراً وسلفاً، فمتى سلمه المالك الدار، لزم المستأجرَ تسليمُ الأجرة، إلا أن يشترط خلاف ذلك على المالك.

وتسليم المنفعة يكون بتسليم العين،  وتختلف كيفية التسليم باختلاف الأعيان،  فتسليم الدار بتسليم مفتاحها،  وتسليم الأرض بإفساح المجال للمستأجر ليضع يده عليها،  وهي التي يصطلح عليها بـ(التخلية)،  أي رفع اليد وإزالة الموانع،  وتسليم الكتاب بدفعه إليه وإعطائه إياه،  وهكذا؛ وكذلك يكون تسليم الأجرة لو كانت عيناً  أو منفعة. أما تسليم (الحق)  إذا كان مستأجراً  أو أجرة فإنه يختلف باختلاف ما يتعلق به الحق،  ففي مثل حقّ الطبع يكون التسليم بتسليم الكتاب،  وفي مثل حق الحضانة يكون بتسليم الأولاد،  وفي مثل  حق المرور يكون بإزالة الموانع والتخلية وهكذا.

م -346: إذا بذل المالك العين المستأجرة للمستأجر وهيأ كل مقدمات التسليم،  فلم يتسلم المستأجر العين اختياراً  حتى انقضت مدة الإجارة،  استقرت الأجرة المسمّاة على المستأجر،  وذلك كما لو أرسل الكتاب أو الدابة إلى منزل المستأجر مثلاً،  فربط الدابة في زريبة صاحب البيت،  أو وضع الكتاب على طاولته،  بأمر منه،  أو قال له: "إن مفتاح السيارة أو  الدار موجود في المكان الفلاني فأرسل  من يأخذه"،  ونحو ذلك من مقدمات التسليم المناسبة للعين المستأجرة.

وكذلك يستحق المالك الأجرة المسمّاة إذا تسلّم المستأجر العين وأخذها وصارت تحت يده ولكنه لم يستوف المنفعة المرغوبة له اختياراً، كمن استأجر سيارة ليسافر بها فعدل عن السفر; ولا فرق في ذلك بين ما لو كان للإجارة وقت محدد أو لم يكن وانقضت المدة التي يمكن استيفاء المنفعة فيها،  كما لا فرق بين ما لو كانت العين المستأجرة محددة في فرد أو كانت كلية ودفع إليه فرداً  بعينه لينتفع به.

وكذلك الحكم في ما لو كان عدم استلام المستأجر للعين،  أو كان عدم الاستيفاء بعد الاستلام،  ناشئاً  عن العذر المانع من ذلك،  وكانت الإجارة مقيّدةً بزمان خاص - أو كانت المنفعة،  بطبيعتها،  من النوع الذي ينبغي استيفاؤه في وقت متعارف - وكان العذر المانع خاصاً، كالمرض والنوم والنسيان ونحوها؛ فإذا مضت المدة ولم يقدر على استيفاء المنفعة صحت الإجارة ولزمته الأجرة المسماة بتمامها،  وذلك بدون فرق بين ما لو كانت العين المؤجرة مقيدة باستيفاء منفعة خاصة منها وبين ما لو لم تكن كذلك،  وبدون فرق - أيضاً  - بين ما لو كان الانتفاع مقيداً  - أو مشروطاً  - بمباشرة المستأجر له بنفسه وبين ما لو لم يكن كذلك. وأما إذا لم تكن الإجارة مقيدة بزمان خاص،  ولا كانت المنفعة مما ينبغي استيفاؤه في وقت متعارف،  وبخاصة إذا كان المستأجر قد اشترط استيفاء المنفعة ساعة يشاء،  فإنه لا يسقط حق المستأجر بالاستيفاء بعد زوال المانع كما هو واضح.
هذا كله إذا كان العذر المانع خاصاً،  أما إذا كان عاماً،  كسوء الأحوال الجوية أو اضطراب الوضع الأمني أو نحو ذلك،  فإنّ الإجارة تبطل ولا يستحق المالك على المستأجر شيئاً.

م -347 : إذا كان المانع من استيفاء المنفعة فقدان العين بمثل الغصب،  فإن كان قد حدث قبل القبض،  وكان الغاصب متوجهاً  في عمله هذا إلى المستأجر رغبةً منه في ظلمه والانتقام منه،  فإن الإجارة صحيحة،  وعلى المستأجر الرجوع بما يفوت عليه من الانتفاع بالعين إلى الغاصب نفسه؛ وأما إذا كان الغاصب غير متجه في ظلمه إلى المستأجر خاصة،  بل إلى الأعم منه فضلاً  عما لو كان متجهاً  به إلى المالك خاصة،  فإن للمستأجر حق الفسخ والرجوع بالأجرة على المالك إذا كان قد دفعها إليه،  أو إبقاء العقد والرجوع على الغاصب بأجرة ما يفوته من المنفعة.
وأما إذا كان الغصب للعين،  أو المنع من الانتفاع بها من قبل الظالم،  قد وقع بعد قبض المستأجر للعين، فإن الإجارة صحيحة وليس للمستأجر الفسخ،  وعليه الرجوع بمظلمته على الغاصب نفسه،  دون فرق في ذلك بين ما لو كان في ابتداء المدة أو في أثنائها،  ودون فرق بين ما لو كان متجهاً  في ظلمه للمستأجر أو للأعم منه ومن غيره.

نعم،  لو فرض - في صورة ثبوت الخيار للمستأجر بين الفسخ والإمضاء - أن الظالم أعاد العين المغصوبة في أثناء المدة إلى المستأجر قبل أن يفسخ المستأجر عقد الإجارة، يبقى حقه في الفسخ قائما  إذا كان تركه للفسخ خلال ما مضى من المدة غير ناشىء من التزامه بالعقد رغم غصبية العين،  بل كان غافلاً  عن ذلك تماماً،  وأما إذا كان ملتفتاً  لذلك ولم يفسخ عد ذلك منه التزاماً  بالعقد خلال مدة غصبية العين، فلا يحق له الفسخ بعد عودتها وزوال الغصب عنها.

وحيث يصح له الفسخ فإنه إذا اختار الاستمرار في العقد بعد عودة العين يحق له مطالبة الغاصب بمقدار أجرة ما فاته من المنفعة خلال مدة الغصب من الأجرة المسماة.

م -348:  إذا  انعدمت جميع منافع العين المستأجرة بطروء التلف الكلي عليها،  فمرة يكون التلف بفعل آفة طبيعية أو ما يشبهها، كالصاعقة والغرق والبهيمة الصائلة ونحوها، ومرةً يكون بفعل فاعل عاقل،  فهنا حالتان.

الأولى: ما كان التلف فيها بمثل الآفة الطبيعية أو البهيمة الصائلة،كأن تنهدم الدار بصاعقة،  أو تموت الدابة،  أو نحو ذلك؛ وحكمها على نحوين:
1 ـ أن يكون  التلف قد وقع قبل تسلم العين أو بعده مباشرةً وقبل الانتفاع بشيء منها،  فتبطل الإجارة وينفك العقد.
2 ـ أن يكون التلف بعدما كان المستأجر قد انتفع بالعين مدةً من الزمان،  فتبطل الإجارة وينفسخ العقد من حين التلف ويستحق المالك على المستأجر من الأجرة المسمَّاة بنسبتها إلى المدة.

الثانية: ما كان التلف فيها قد حدث من فاعل عاقل؛ وحكمها على أنحاء:
1 ـ أن يكون المتلف فيها هو المستأجر نفسه،  فتبطل الإجارة بالنحو الذي سبق تفصيله في الحالة الأولى،  سواء مع التعدي أو التفريط أو بدونهما،  نعم يثبت عليه - زيادةً على ذلك - ضمان العين في حالة التعدي أو التفريط.
2 ـ أن يكون المتلف هو المالك،  فلا تبطل الإجارة مطلقاً ،  بلا فرق بين ما لو كان قد سلّمه العين أو لم يسلِّمه،  ولا  بين ما لو كان قبل أن ينتفع بشيء منها أو بعده،  ولكن يثبت للمستأجر الخيار بين المضي في العقد مع المطالبة ببدل العين التالفة، وبين فسخ العقد واسترجاع الأجرة المسماة تامة أو بنسبة ما استفاد من العين خلال المدة.
3 ـ أن يكون المتلف أجنبياً، فإن كان التلف قد حدث قبل قبض العين ثبت للمستأجر نفس الخيار المذكور في النحو الثاني من الحالة الثانية، ويرجع المالك على الأجنبي مع تعديه، وإن كان التلف قد حدث بعد قبض المستأجر للعين لم يبطل العقد به، وكانت المسؤولية في ذلك على المتلف مع تعديه، فيرجع عليه المستأجر بضمان ما فات من المنفعة، ويرجع عليه المالك ببدل العين أو بقيمتها مسلوبة المنفعة، وذلك بالنحو الوارد في أحكام الضمان.

م ـ349: يجوز لمن له مصلحة في بقاء عقد الإجارة واستمراره بعد تلف العين المستأجرة كلياً، وهو المستأجر غالباً، أن يشترط على الآخر بقاء العقد في الحالات التي تبطل فيها الإجارة بسبب ذلك التلف، سواء مع اشتراط إصلاح العين أو استبدالها بغيرها بكيفية معينة، أو من دون هذا الاشتراط اتكالاً على رجاء إصلاحها أو استبدالها تلقائياً فيما بعد، فلا يحتاج ـ حينئذ ـ إلى إنشاء عقد إجارة جديد قد يضطر فيه إلى دفع أجرة أكثر.

م ـ350: إذا لم يمنع تلف العين المستأجَرة كلياً من الانتفاع بها في وجوه أخرى غير تلك التي كانت ملحوظة ابتداءً، كمن استأجر داراً ليسكنها فخربت كلياً، ولكن أمكنه جعلها موقف سيارات أو زريبة لماشيته، أو نحو ذلك، فإذا لم يكن المالك قد اشترط عليه استعمال العين في خصوص المنفعة التي فاتت بالتلف، وهو السكن في المثال المتقدِّم، فإن الإجارة لا تبطل حينئذ، بل يتخير المستأجر بين الإبقاء على العقد والانتفاع بالعين بالوجوه الممكنة مع مطالبته بفارق الأجرة إن كانت أقل، وبين الفسخ والرجوع عليه بما دفع من الأجرة المسماة إن كان يستحقه.

م ـ351: إذا كان التلف الواقع على العين جزئياً، كما لو تهدمت بعض غرف الدار، أو تمزقت بعض فصول الكتاب، أو نحو ذلك من حالات التلف التي يفوت بها بعض المنفعة على المستأجر، فإنه يثبت بذلك للمستأجر خيار تبعض الصفقة، فإن شاء أمضى العقد مع تعويض ما نقص عليه من المنفعة بنسبته إلى الأجرة، وإن شاء فسخ العقد ودفع للمالك من الأجرة بنسبة ما استوفى من العين؛ وذلك بدون فرق بين ما لو كان المتلف بشرياً أو غير بشري، نعم إذا كان المتلف المتعدي هو المستأجر لم يثبت له الخيار، بل يكون ما تلف مضموناً عليه ومعدوداً بمنـزلة ما لو استوفاه، فتبقى الأجرة قائمة في الجزء الموجود بتمام الأجرة المسمّاة إلى نهاية المدة، إضافة إلى ضمانه الجزء الذي أتلفه من العين ملحوظاً بما هو مسلوب المنفعة.

م ـ352: إذا قدر المالك على إصلاح التلف وبناء المتهدم في وقت قصير نسبياً، بحيث لا يعتد به عند العرف ولا يضر ما يفوت فيه من المنفعة بالمستأجر، لم يثبت الخيار للمستأجر على المالك عند تلف العين المستأجرة كلياً أو جزئياً، بل إنه يجب على المالك ـ مع قدرته ـ المبادرة إلى إصلاح التلف لتمكين المستأجر من الانتفاع بها في أقرب فرصة متعارفة، وكلفة الإصلاح والترميم على المالك؛ فإذا لم يتدارك المالك ما وقع من التلف، عصياناً أو عجزاً، ثبت الخيار ـ حينئذ ـ للمستأجر بالنحو المتقدم. وفي جميع الحالات يصح للمالك أن يشترط كون إصلاح التالف على المستأجر بالنحو الذي يتراضيان عليه لجهة التنفيذ والإشراف والتكاليف.

م ـ353: العين المستأجرة أمانة بيد المستأجر، فإذا تلفت لم يضمنها إذا لم يكن متعدياً أو مفرطاً، والتعدي هو: (تجاوز الحد المأذون به في الانتفاع بالعين)، وأما التفريط فهو: (تعريضها لم يوجب التلف)، فإذا تعدى أو فرّط ضمن ما أتلف؛ وكذلك يضمن إذا اشترط المالك عليه الضمان ولو لم يكن متعدياً أو مفرطاً. ولا فرق في عدم الضمان بدون تعد أو تفريط بين ما لو كان التلف أثناء المدة أو بعدها، كما لا فرق فيه بين ما لو كانت الإجارة صحيحة أو باطلة. هذا وقد تقدم في إجارة النفس ذكر كيفية الضمان، وأنه بالمثل أو بالقيمة، وذكر حكم اختلاف القيم، فراجع. (أنظر المسألة:286).

م ـ354: إذا أذن المالك بنوع من التصرفات العنيفة المتعارفة في موردها، كالدابة يضربها، أو السيارة يقودها بنحو خاص، فإذا أدى هذا التصرف العنيف إلى الإضرار بالعين المستأجرة لم يضمن المستأجر تلفها أو عيبها ما دام قد اقتصر في عنفه على المقدار المأذون به.

م ـ355: إذا حمّل السيارة مثلاً أكثر من المقدار المتعارف، أو أكثر من المقدار المشترط عليه، فتلفت به أو تعيبت، ضمن تلفها وعيبها، وضمن ـ أيضاً ـ أجرة المثل للمقدار الزائد زيادة على الأجرة المسماة للمقدار المتفق عليه، سواء كان تحديد المقدار على نحو الشرط الإضافي أو على نحو القيد الداخل في أصل التعاقد. هذا ويثبت نفس الحكم في حال سار بالسيارة أو الدابة مثلاً أكثر من المقدار المتّفق عليه.

م ـ356: مواقف السيارات أو المسابح أو الحمامات العامة وأمثالها لا يضمن أصحابها ثياب وأغراض وسيارات المستأجر الذي استأجر موقفهم أو مسبحهم في حال كانت الإجارة قد وقعت على نفس المنفعة لا على حفظ الثياب ونحوها؛ وكذلك لا يضمن صاحب الموقف مثلاً في صورة ما لو تعهّد بحفظ السيارة أو الأغراض التي فيها إذا لم يكن متعدياً ولا مفرطاً، إلا أن يشترط عليه المستأجر الضمان فإنه يضمن حينئذ، ومثل صورة التعهّد في الحكم صورة ما لو كان قد أخذ أجرة على حفظ نفس السيارة أو الأغراض زيادة عن أجرة وقوفها فإنه لا يضمن مع عدم التعدي أو التفريط إلا مع الاشتراط.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير