الصوم
01/06/2023

الكفارة

الكفارة

في ثنايا ما سبق ذكره من مسائل كلّ مبحث حكمنا بوجوب الكفارة مع القضاء في بعض الحالات التي يرتكب فيها الصائم الإفطار خلال صومه، وفي هذا المبحث سوف نضع القاعدة العامة لذلك مع ذكر الأحكام الخاصة بالكفارة، وذلك في مسائل:

م ـ 985: قد ظهر مما سبق أنَّ الصوم غير صحيح من المريض والمسافر والحائض والنفساء وممن يضره الصوم ممن رخص لهم بالإفطار، كما سبق القول أنَّ الصائم يُفسد صومَه إذا تناول شيئاً من المفطرات، وفي معظم هذه الحالات أوجبنا القضاء على المكلّف العالم المتعمّد والجاهل المقصر دون القاصر، وعلى المختار والمضطر إجمالاً، والقاعدة في ذلك هي: إنه في كلّ مورد حكم فيه ببطلان الصوم من المكلّف فإنه يحكم فيه حتماً بلزوم القضاء عليه، ما عدا استثناء ضئيل سوف يرد ذكره في مبحث القضاء.
غير أنه مضافاً إلى وجوب القضاء وتشديداً للعقوبة على ترك الصوم فإنَّ اللّه تعالى قد أوجب الكفارة على الصائم القادر على الاستمرار بالصوم إذا تعمّد تناول المفطر خلال صيامه مع علمه بوجوب الصوم عليه وبأنَّ ما تناوله أو فعله من المفطرات، أو علمه بأنه من الأمور المحرّمة على المكلّف ولو لم يعلم أنه من المفطرات، وكان مختاراً في ذلك غير مضطر.

 فلا تجب الكفارة:
أولاً: على الجاهل بوجوب الصوم عليه، وأكثر ما يكون ذلك في صغار المكلّفين من الذكور والإناث، بحيث إنهم قد لا يعلمون بوجوب الصوم عليهم، فيمرّ عليهم شهر رمضان في عدّة سنين من دون أن يعرفوا أنَّ الصوم واجب عليهم، فمثل هؤلاء يجب عليهم القضاء من دون كفارة.

ثانياً: على الجاهل بكون ما فعله أو تناوله من المفطرات، رغم علمه بوجوب الصوم عليه، وذلك كأن يعتقد الصائم أنَّ تعمّد القيء أو البقاء على الحدث الأكبر حتى يطلع الفجر، أو الجماع من دون إنزال المني، لا يفطر به الصائم، ففي مثل هذه الحالات لا يبطل الصيام ولا تجب الكفارة.

ويستثنى من ذلك حالة واحدة هي: ما إذا كان المفطِّر محرَّماً على الصائم وغيره، كالاستمناء، وكان المكلّف يعلم بحرمته عليه، ولكنَّه يجهل كونه مفطراً للصائم، فإذا فعله أثناء الصوم بطل ولزمته الكفارة رغم اعتقاده بأنه غير مفطر.

هذا ولا فرق في الجهل الموجب لعدم الكفارة بين الجهل عن قصور أو عن تقصير.
ثالثاً: على من أكره على الإفطار بداعي الخوف من الظالم، فتناول المفطر دفعاً لأذاه وتوقياً لظلمه.
وفيما عدا هذه الحالات، مما يكون مشمولاً تحت القاعدة المذكورة، تجب فيها الكفارة على المكلّف، مضافاً للقضاء، بالنحو الذي فصلناه في محله من البحوث السابقة.  كذلك فإنه يظهر من هذه القاعدة وكأنَّ الكفارة قد شرّعت عقوبة للمكلّف بما أذنب وفرط في هذه العبادة المهمة وفوت على نفسه من فوائدها، الأمر الذي يجعل "الفدية" التي سنبينها لاحقاً، والتي تبدو وكأنها قد جعلت تعويضاً من المعذور في ترك الصوم عمّا فاته من فائدة الصوم، مختلفة عن الكفارة في هدفها وفي مقدارها.

م ـ 986: إذا تكرر الفعل الذي أفطر به الصائم أكثر من مرة في النهار لم يجب عليه إلاَّ كفارة واحدة، كمن أكل أو شرب أكثر من مرة في النهار الواحد، نعم إذا كان ما فعله هو الجماع أو الاستمناء وتكرر أكثر من مرة، فالأحوط استحباباً تكرر التكفير منه بعدد المرات التي فعلها، وكذلك لو أكل ثُمَّ جامع أو استمنى كرر الكفارة على الأحوط استحباباً.

م ـ 987: إذا حصل الجماع بين الزوجين الصائمين في نهار شهر رمضان بإرادتيهما ورغبتيهما كفّر كلّ منهما عن نفسه؛ وإذا أجبر الزوج الصائم زوجته الصائمة على الجماع في شهر رمضان وجبت عليه كفارة عن نفسه، وكفارة أخرى عن زوجته على الأحوط وجوباً، حتى لو صارت منسجمة معه ومطاوعة له بعد الإكراه من باب الخضوع للأمر الواقع المفروض عليها.  وأمّا إذا كان الزوج مفطراً لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع، فإنه يأثـم بذلك ولكن لا تجب الكفارة على زوجته، ولا يتحملها هو عنها.

م ـ 988: من أفطر في نهار شهر رمضان على محرَّم، كالزنا وشرب الخمر ونحوهما، كفاه التكفير بإطعام ستين مسكيناً أو بصيام شهرين متتابعين كغيره ممن أفطر على غير المحرَّم كما سيأتي، وإن كان الإتيان بكفارة الجمع هو الأحوط استحباباً، وهي صيام شهرين متتابعين مع إطعام ستين مسكيناً.

م ـ 989: إذا أفطر عمداً ثُمَّ سافر قبل الزوال لم تسقط الكفارة عنه بذلك.

م ـ 990: لا يجب دفع الكفارة على الفور، فبإمكانه تأخيره مدّة من الزمان بنحو لا يعتبر ـ عرفاً ـ متهاوناً ومهملاً لدفعها.

م ـ 991: يجوز التبرع بأداء الكفارة عن الميت، صياماً وإطعاماً، وكذا عن الحي بالنسبة إلى الإطعام، دون الصوم.

م ـ 992: إذا علم أنه أفسد صومه، ولكنَّه شك بأنَّ ذلك الإفطار هل يوجب القضاء فقط أو يوجب معه الكفارة، وجب عليه القضاء فحسب دون الكفارة.  وإذا علم بأن عليه كفارة وشك في أنه أداها أم لا وجب عليه أداؤها.

م ـ 993: إذا لم يعرف عدد الأيام التي أفطرها عمداً، قدَّر عدداً مقطوعاً به وكفّر عنه، ولم يجب عليه التكفير عن الزائد المشكوك فيه.

م ـ 994: إذا أفطر يوماً بعد الظهر لكنَّه شك هل هو من شهر رمضان أو من قضائه، كفاه إطعام ستين مسكيناً، وله الاقتصار على إطعام عشرة مساكين.
أمّا إذا كان إفطاره قبل الظهر وشك كما في الحالة السالفة، لم تجب عليه الكفارة.

م ـ 995: يختص وجوب الكفارة بالإفطار في صوم شهر رمضان وقضائه والصوم الواجب بالنذر أو اليمين أو العهد في وقت محدّد، فلو أفطر عمداً في غير هذه الأنواع من الصوم، مثل صوم الكفارة، أو بدل الهدي، أو الواجب غير المعين بوقت لم تجب الكفارة رغم كونه آثماً في بعض الموارد.

م ـ 996: مقدار الكفارة الواجب دفعها يختلف باختلاف أنواع الصوم على النحو التالي:
أ ـ من أفطر يوماً عمداً في شهر رمضان، فكفارته في هذا الزمان صيام شهرين هلاليين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، مخيراً بينهما.  وهي نفس كفارة إفطار اليوم الذي يجب صيامه بالعهد.
ب ـ من أفطر يوماً عمداً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال فكفارته إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وهو بالخيار في صيامها متتابعة أو غير متتابعة، وإن كان الاحتياط بالتتابع لا بأس به.
ج ـ كفارة اليوم المنذور أو المحلوف على صومه في وقت محدّد هي نفس كفارة مخالفة النذر أو اليمين، وهي في هذا الزمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
ولا بُدَّ من الالتفات إلى أنه في مثل اليمين والنذر والعهد إذا كان قد نذر صيام ثلاثة أيام محدّدة، كالجمعة والسبت والأحد مثلاً، فخالف نذره ولم يصمها، فإنه لا تجب عليه إلاَّ كفارة واحدة هي كفارة مخالفة النذر التي حدثت مرة واحدة لا ثلاث كفارات عن كلّ يوم من الأيام المنذورة، وكذا لو صام بعضها وأفطر البعض الآخر.

م ـ 997: مصرف الكفارة هو الفقير أو المسكين، والفقير هو من لا يملك قوت سنته، بحيث لا يوجد عنده مؤونة السنة لا دفعة واحدة، ولا بالتدريج، أمّا المسكين فهو الفقير الأسوأ حالاً.

م ـ 998: لا يختص قوت السنة بالطعام، بل يشمل الأثاث الضروري، والمسكن والدواء والثياب، وغير ذلك مما يعدّ عرفاً من ضروريات الحياة العادية المناسبة لوضعه العائلي والاجتماعي.

م ـ 999: يعطى كلّ فقير من الستين مقدار ثلاثة أرباع الكيلو، والأحوط استحباباً جعلُه كيلواً ونصفاً، من كلّ ما يصدق عليه أنه قوت، مثل القمح والحنطة والتمر والأرز والعدس والفول ونحوها.

م ـ 1000: لا يعطى الفقير أكثر من المقدار السابق من كفارة واحدة، وذلك بأن يعطي عشرة فقراء ـ مثلاً ـ كلّ واحد ستة كيلوات ويعتبر أنه قد دفع ستين كيلواً، بل لا بُدَّ من توزيع الكفارة على ستين مسكيناً، لأنَّ الواجب هو إطعام ستين مسكيناً، وليس مجرّد دفع ستين كيلواً ولو لفقير واحد.

م ـ 1001: يمكن دعوة الفقير إلى مائدة طعام وتقديم ما يشبعه، والأحوط وجوباً أن يجعل الطعام من أوسط ما يأكل منه هو وأهل بيته، كما يمكن تسليمه نفس القمح أو الطحين مثلاً، ولا يجزي دفع القيمة عن العين، إلاَّ أن يُجعل الفقير وكيلاً في شراء الطحين مثلاً وقبضه بعنوان الكفارة، ثُمَّ إذا شاء باعه وأخذ المال مقابله، أو يوكِّل الفقيرُ شخصاً عنه ليقبض الكفارة ويبيعها ويأتيه بثمنها.

م ـ 1002: يمكن أن يعطى لربّ العائلة الفقير حصصاً من الكفارة بعدد أفراد عائلته، سواء الصغار أو الكبار، أمّا الزوجة، فإنه لا يجوز إعطاؤها من الكفارة ما دام زوجها يؤمن لها نفقتها المتعارفة لأمثالها، نعم إذا كان على الزوجة مصارف شخصية ضرورية لا تدخل في النفقة الواجبة على زوجها، مثل قضاء الدين، أو نحو ذلك مما هو مبين في أحكام النفقة، فإنه في هذه الحالة يجوز إعطاؤها من الكفارة.

م ـ 1003: يشترط في الفقير أن يكون مؤمناً، وأن يكون ممن لا تجب نفقته على دافع الكفارة، أي أن لا يكون ولداً له ولا أباً ولا أماً ولا نحوهم من واجبي النفقة، وأن لا يكون تاركاً للصلاة ولا شارباً لخمر ولا متجاهراً بالمعصية، ولا يصرف ما يأخذه في الحرام.  كذلك فإنَّ دفع الكفارة من نوع العبادة، فتجب فيه نية التقرّب إلى اللّه تعالى، ويجب ـ مضافاً إلى ذلك ـ تعيين السبب الذي يكفر من أجله، بأن ينوي أنها كفارة إفطارٍ عمداً في شهر رمضان، أو في قضائه، ونحو ذلك.

م ـ 1004: إذا اختار من أفطر عمداً صيام شهرين متتابعين من خصال الكفارة بدل إطعام ستين مسكيناً، أو وجب عليه التكفير بصيام شهرين متتابعين بسبب آخر غير الإفطار عمداً، وذلك كما في كفارة الظهار أو القتل أو غيرهما، فإنَّ الواجب عليه مواصلة الصيام ومتابعته في تمام الشهر الأول، يوماً بعد يوم حتى يصله بالشهر الثاني، حيث يكفيه صيام اليوم الأول منه ويتحقّق به التتابع، ويتخيّر فيما بقي من الشهر الثاني بين التتابع والتقطع.

م ـ 1005: من نذر صوم شهرين متتابعين، فإنَّ معنى التتابع هو ما تقدّم، إلاَّ أن يقصد التتابع بين الستين يوماً جميعها، فحينئذ لا بُدَّ من الاستمرار في الصوم على مدى الستين يوماً.

م ـ 1006: من نذر أن يصوم شهراً أو أسبوعاً فلا يجب عليه المتابعة بين الأيام، إلاَّ إذا شرط التتابع أو كان التتابع هو المعنى الذي يفهم من اللفظ بنحو يكون قيداً له.

م ـ 1007: لا يجوز قطع التتابع بالإفطار خلاله لغير عذر ولو بمثل السفر، فإن أفطر كذلك انتقض ما قد صامه والتغى ولزمه الإستئناف من جديد، أمّا إذا اضطر لقطع صومه لسفر اضطراري أو مرض أو غيرهما من الأعذار، لم يضر ذلك بالتتابع، ويستمر في صومه من حيث قطع بعد زوال العذر.

م ـ 1008: لا يجوز في صيام التتابع أن يبدأ في وقت يكون فيه ملتفتاً إلى طروء ما سوف يستوجب الإفطار، كيوم العيد مثلاً، نعم إذا لم يلتفت إلى ذلك لم يضر بالتتابع.

م ـ 1009: من نذر صيام أسبوع متتابعاً في وقت محدّد، ففاته الإتيان بالنذر في وقته، وجب عليه القضاء، والأحوط استحباباً التتابع فيه.

م ـ 1010: إذا عجز عن كفارة إفطار شهر رمضان تخيّر بين صيام ثمانية عشر يوماً والتصدّق بما يطيق، فإن لم يقدر على شيء منهما استغفر اللّه تعالى بدلاً عن الكفارة، ولا يجب عليه الإتيان بها بعد ذلك لو تمكن منها، ولا بأس بالاحتياط.

في ثنايا ما سبق ذكره من مسائل كلّ مبحث حكمنا بوجوب الكفارة مع القضاء في بعض الحالات التي يرتكب فيها الصائم الإفطار خلال صومه، وفي هذا المبحث سوف نضع القاعدة العامة لذلك مع ذكر الأحكام الخاصة بالكفارة، وذلك في مسائل:

م ـ 985: قد ظهر مما سبق أنَّ الصوم غير صحيح من المريض والمسافر والحائض والنفساء وممن يضره الصوم ممن رخص لهم بالإفطار، كما سبق القول أنَّ الصائم يُفسد صومَه إذا تناول شيئاً من المفطرات، وفي معظم هذه الحالات أوجبنا القضاء على المكلّف العالم المتعمّد والجاهل المقصر دون القاصر، وعلى المختار والمضطر إجمالاً، والقاعدة في ذلك هي: إنه في كلّ مورد حكم فيه ببطلان الصوم من المكلّف فإنه يحكم فيه حتماً بلزوم القضاء عليه، ما عدا استثناء ضئيل سوف يرد ذكره في مبحث القضاء.
غير أنه مضافاً إلى وجوب القضاء وتشديداً للعقوبة على ترك الصوم فإنَّ اللّه تعالى قد أوجب الكفارة على الصائم القادر على الاستمرار بالصوم إذا تعمّد تناول المفطر خلال صيامه مع علمه بوجوب الصوم عليه وبأنَّ ما تناوله أو فعله من المفطرات، أو علمه بأنه من الأمور المحرّمة على المكلّف ولو لم يعلم أنه من المفطرات، وكان مختاراً في ذلك غير مضطر.

 فلا تجب الكفارة:
أولاً: على الجاهل بوجوب الصوم عليه، وأكثر ما يكون ذلك في صغار المكلّفين من الذكور والإناث، بحيث إنهم قد لا يعلمون بوجوب الصوم عليهم، فيمرّ عليهم شهر رمضان في عدّة سنين من دون أن يعرفوا أنَّ الصوم واجب عليهم، فمثل هؤلاء يجب عليهم القضاء من دون كفارة.

ثانياً: على الجاهل بكون ما فعله أو تناوله من المفطرات، رغم علمه بوجوب الصوم عليه، وذلك كأن يعتقد الصائم أنَّ تعمّد القيء أو البقاء على الحدث الأكبر حتى يطلع الفجر، أو الجماع من دون إنزال المني، لا يفطر به الصائم، ففي مثل هذه الحالات لا يبطل الصيام ولا تجب الكفارة.

ويستثنى من ذلك حالة واحدة هي: ما إذا كان المفطِّر محرَّماً على الصائم وغيره، كالاستمناء، وكان المكلّف يعلم بحرمته عليه، ولكنَّه يجهل كونه مفطراً للصائم، فإذا فعله أثناء الصوم بطل ولزمته الكفارة رغم اعتقاده بأنه غير مفطر.

هذا ولا فرق في الجهل الموجب لعدم الكفارة بين الجهل عن قصور أو عن تقصير.
ثالثاً: على من أكره على الإفطار بداعي الخوف من الظالم، فتناول المفطر دفعاً لأذاه وتوقياً لظلمه.
وفيما عدا هذه الحالات، مما يكون مشمولاً تحت القاعدة المذكورة، تجب فيها الكفارة على المكلّف، مضافاً للقضاء، بالنحو الذي فصلناه في محله من البحوث السابقة.  كذلك فإنه يظهر من هذه القاعدة وكأنَّ الكفارة قد شرّعت عقوبة للمكلّف بما أذنب وفرط في هذه العبادة المهمة وفوت على نفسه من فوائدها، الأمر الذي يجعل "الفدية" التي سنبينها لاحقاً، والتي تبدو وكأنها قد جعلت تعويضاً من المعذور في ترك الصوم عمّا فاته من فائدة الصوم، مختلفة عن الكفارة في هدفها وفي مقدارها.

م ـ 986: إذا تكرر الفعل الذي أفطر به الصائم أكثر من مرة في النهار لم يجب عليه إلاَّ كفارة واحدة، كمن أكل أو شرب أكثر من مرة في النهار الواحد، نعم إذا كان ما فعله هو الجماع أو الاستمناء وتكرر أكثر من مرة، فالأحوط استحباباً تكرر التكفير منه بعدد المرات التي فعلها، وكذلك لو أكل ثُمَّ جامع أو استمنى كرر الكفارة على الأحوط استحباباً.

م ـ 987: إذا حصل الجماع بين الزوجين الصائمين في نهار شهر رمضان بإرادتيهما ورغبتيهما كفّر كلّ منهما عن نفسه؛ وإذا أجبر الزوج الصائم زوجته الصائمة على الجماع في شهر رمضان وجبت عليه كفارة عن نفسه، وكفارة أخرى عن زوجته على الأحوط وجوباً، حتى لو صارت منسجمة معه ومطاوعة له بعد الإكراه من باب الخضوع للأمر الواقع المفروض عليها.  وأمّا إذا كان الزوج مفطراً لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع، فإنه يأثـم بذلك ولكن لا تجب الكفارة على زوجته، ولا يتحملها هو عنها.

م ـ 988: من أفطر في نهار شهر رمضان على محرَّم، كالزنا وشرب الخمر ونحوهما، كفاه التكفير بإطعام ستين مسكيناً أو بصيام شهرين متتابعين كغيره ممن أفطر على غير المحرَّم كما سيأتي، وإن كان الإتيان بكفارة الجمع هو الأحوط استحباباً، وهي صيام شهرين متتابعين مع إطعام ستين مسكيناً.

م ـ 989: إذا أفطر عمداً ثُمَّ سافر قبل الزوال لم تسقط الكفارة عنه بذلك.

م ـ 990: لا يجب دفع الكفارة على الفور، فبإمكانه تأخيره مدّة من الزمان بنحو لا يعتبر ـ عرفاً ـ متهاوناً ومهملاً لدفعها.

م ـ 991: يجوز التبرع بأداء الكفارة عن الميت، صياماً وإطعاماً، وكذا عن الحي بالنسبة إلى الإطعام، دون الصوم.

م ـ 992: إذا علم أنه أفسد صومه، ولكنَّه شك بأنَّ ذلك الإفطار هل يوجب القضاء فقط أو يوجب معه الكفارة، وجب عليه القضاء فحسب دون الكفارة.  وإذا علم بأن عليه كفارة وشك في أنه أداها أم لا وجب عليه أداؤها.

م ـ 993: إذا لم يعرف عدد الأيام التي أفطرها عمداً، قدَّر عدداً مقطوعاً به وكفّر عنه، ولم يجب عليه التكفير عن الزائد المشكوك فيه.

م ـ 994: إذا أفطر يوماً بعد الظهر لكنَّه شك هل هو من شهر رمضان أو من قضائه، كفاه إطعام ستين مسكيناً، وله الاقتصار على إطعام عشرة مساكين.
أمّا إذا كان إفطاره قبل الظهر وشك كما في الحالة السالفة، لم تجب عليه الكفارة.

م ـ 995: يختص وجوب الكفارة بالإفطار في صوم شهر رمضان وقضائه والصوم الواجب بالنذر أو اليمين أو العهد في وقت محدّد، فلو أفطر عمداً في غير هذه الأنواع من الصوم، مثل صوم الكفارة، أو بدل الهدي، أو الواجب غير المعين بوقت لم تجب الكفارة رغم كونه آثماً في بعض الموارد.

م ـ 996: مقدار الكفارة الواجب دفعها يختلف باختلاف أنواع الصوم على النحو التالي:
أ ـ من أفطر يوماً عمداً في شهر رمضان، فكفارته في هذا الزمان صيام شهرين هلاليين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، مخيراً بينهما.  وهي نفس كفارة إفطار اليوم الذي يجب صيامه بالعهد.
ب ـ من أفطر يوماً عمداً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال فكفارته إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وهو بالخيار في صيامها متتابعة أو غير متتابعة، وإن كان الاحتياط بالتتابع لا بأس به.
ج ـ كفارة اليوم المنذور أو المحلوف على صومه في وقت محدّد هي نفس كفارة مخالفة النذر أو اليمين، وهي في هذا الزمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
ولا بُدَّ من الالتفات إلى أنه في مثل اليمين والنذر والعهد إذا كان قد نذر صيام ثلاثة أيام محدّدة، كالجمعة والسبت والأحد مثلاً، فخالف نذره ولم يصمها، فإنه لا تجب عليه إلاَّ كفارة واحدة هي كفارة مخالفة النذر التي حدثت مرة واحدة لا ثلاث كفارات عن كلّ يوم من الأيام المنذورة، وكذا لو صام بعضها وأفطر البعض الآخر.

م ـ 997: مصرف الكفارة هو الفقير أو المسكين، والفقير هو من لا يملك قوت سنته، بحيث لا يوجد عنده مؤونة السنة لا دفعة واحدة، ولا بالتدريج، أمّا المسكين فهو الفقير الأسوأ حالاً.

م ـ 998: لا يختص قوت السنة بالطعام، بل يشمل الأثاث الضروري، والمسكن والدواء والثياب، وغير ذلك مما يعدّ عرفاً من ضروريات الحياة العادية المناسبة لوضعه العائلي والاجتماعي.

م ـ 999: يعطى كلّ فقير من الستين مقدار ثلاثة أرباع الكيلو، والأحوط استحباباً جعلُه كيلواً ونصفاً، من كلّ ما يصدق عليه أنه قوت، مثل القمح والحنطة والتمر والأرز والعدس والفول ونحوها.

م ـ 1000: لا يعطى الفقير أكثر من المقدار السابق من كفارة واحدة، وذلك بأن يعطي عشرة فقراء ـ مثلاً ـ كلّ واحد ستة كيلوات ويعتبر أنه قد دفع ستين كيلواً، بل لا بُدَّ من توزيع الكفارة على ستين مسكيناً، لأنَّ الواجب هو إطعام ستين مسكيناً، وليس مجرّد دفع ستين كيلواً ولو لفقير واحد.

م ـ 1001: يمكن دعوة الفقير إلى مائدة طعام وتقديم ما يشبعه، والأحوط وجوباً أن يجعل الطعام من أوسط ما يأكل منه هو وأهل بيته، كما يمكن تسليمه نفس القمح أو الطحين مثلاً، ولا يجزي دفع القيمة عن العين، إلاَّ أن يُجعل الفقير وكيلاً في شراء الطحين مثلاً وقبضه بعنوان الكفارة، ثُمَّ إذا شاء باعه وأخذ المال مقابله، أو يوكِّل الفقيرُ شخصاً عنه ليقبض الكفارة ويبيعها ويأتيه بثمنها.

م ـ 1002: يمكن أن يعطى لربّ العائلة الفقير حصصاً من الكفارة بعدد أفراد عائلته، سواء الصغار أو الكبار، أمّا الزوجة، فإنه لا يجوز إعطاؤها من الكفارة ما دام زوجها يؤمن لها نفقتها المتعارفة لأمثالها، نعم إذا كان على الزوجة مصارف شخصية ضرورية لا تدخل في النفقة الواجبة على زوجها، مثل قضاء الدين، أو نحو ذلك مما هو مبين في أحكام النفقة، فإنه في هذه الحالة يجوز إعطاؤها من الكفارة.

م ـ 1003: يشترط في الفقير أن يكون مؤمناً، وأن يكون ممن لا تجب نفقته على دافع الكفارة، أي أن لا يكون ولداً له ولا أباً ولا أماً ولا نحوهم من واجبي النفقة، وأن لا يكون تاركاً للصلاة ولا شارباً لخمر ولا متجاهراً بالمعصية، ولا يصرف ما يأخذه في الحرام.  كذلك فإنَّ دفع الكفارة من نوع العبادة، فتجب فيه نية التقرّب إلى اللّه تعالى، ويجب ـ مضافاً إلى ذلك ـ تعيين السبب الذي يكفر من أجله، بأن ينوي أنها كفارة إفطارٍ عمداً في شهر رمضان، أو في قضائه، ونحو ذلك.

م ـ 1004: إذا اختار من أفطر عمداً صيام شهرين متتابعين من خصال الكفارة بدل إطعام ستين مسكيناً، أو وجب عليه التكفير بصيام شهرين متتابعين بسبب آخر غير الإفطار عمداً، وذلك كما في كفارة الظهار أو القتل أو غيرهما، فإنَّ الواجب عليه مواصلة الصيام ومتابعته في تمام الشهر الأول، يوماً بعد يوم حتى يصله بالشهر الثاني، حيث يكفيه صيام اليوم الأول منه ويتحقّق به التتابع، ويتخيّر فيما بقي من الشهر الثاني بين التتابع والتقطع.

م ـ 1005: من نذر صوم شهرين متتابعين، فإنَّ معنى التتابع هو ما تقدّم، إلاَّ أن يقصد التتابع بين الستين يوماً جميعها، فحينئذ لا بُدَّ من الاستمرار في الصوم على مدى الستين يوماً.

م ـ 1006: من نذر أن يصوم شهراً أو أسبوعاً فلا يجب عليه المتابعة بين الأيام، إلاَّ إذا شرط التتابع أو كان التتابع هو المعنى الذي يفهم من اللفظ بنحو يكون قيداً له.

م ـ 1007: لا يجوز قطع التتابع بالإفطار خلاله لغير عذر ولو بمثل السفر، فإن أفطر كذلك انتقض ما قد صامه والتغى ولزمه الإستئناف من جديد، أمّا إذا اضطر لقطع صومه لسفر اضطراري أو مرض أو غيرهما من الأعذار، لم يضر ذلك بالتتابع، ويستمر في صومه من حيث قطع بعد زوال العذر.

م ـ 1008: لا يجوز في صيام التتابع أن يبدأ في وقت يكون فيه ملتفتاً إلى طروء ما سوف يستوجب الإفطار، كيوم العيد مثلاً، نعم إذا لم يلتفت إلى ذلك لم يضر بالتتابع.

م ـ 1009: من نذر صيام أسبوع متتابعاً في وقت محدّد، ففاته الإتيان بالنذر في وقته، وجب عليه القضاء، والأحوط استحباباً التتابع فيه.

م ـ 1010: إذا عجز عن كفارة إفطار شهر رمضان تخيّر بين صيام ثمانية عشر يوماً والتصدّق بما يطيق، فإن لم يقدر على شيء منهما استغفر اللّه تعالى بدلاً عن الكفارة، ولا يجب عليه الإتيان بها بعد ذلك لو تمكن منها، ولا بأس بالاحتياط.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير