أسماء الله التي ملأت أركان كلّ شيء

أسماء الله التي ملأت أركان كلّ شيء

[ورد في دعاء كميل المرويّ عن عليّ (ع):]

"وبأسمائك التي ملأت أركانَ كلّ شيء."

الأسماء: جمع اسم، والاسم مأخوذ من السِّمة، والسِّمة هي العلامة التي يمتاز بها الشّيء فيعرف بها. ولذا يقال، اتّسم الرّجل، إذا جعل لنفسه سمةً يعرف بها.

من هنا، كانت أسماء الله تعالى هي صفاته التي عرَّف بها عن نفسه أو ذاته المقدَّسة تعالى. فمعرفة الله تعالى، إنّما تكون من خلال أسمائه، أي صفاته تعالى. وهذه الصفات ـ الأسماء هي عين ذاته، أي ليست أمراً زائداً على الذّات، مضافاً إليها من الخارج، أو أمراً غير الذّات. فذات الله تعالى وأسماؤه التي هي صفاته، هما شيء واحد لا شيئان. وبالتالي، فإنّ ذات الله المقدَّسة تكشف لنا عن نفسها من خلال الأسماء التي عرَّفنا الله تعالى بها نفسه.

وعدد أسمائه تعالى كبير، ولكنّ الأسماء الحسنى، التي نوَّه بها القرآن الكريم في أكثر من آية، هي مائة وسبعة وعشرون اسماً.

أمّا "ملأت"، فمأخوذة من ملأت الإناء، أي وضعت فيه بقدر ما يأخذه، فهو مملوء، ومنه القول: "نظرت إليه فملأت منه عيني".

و"الأركان" جمع ركن. والرّكن يقال على معان عدّة. فيقال: ركن الإنسان: قوّته وشدّته. وركن الجبل والقصر: جانبه. وركن الرّجل: قومه وعدده، ومادّته.

"وأركان كلّ شيء": جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها.

فأسماء الله تعالى، إذاً، "ملأت أركانَ كلّ شيء": أي ما من شيءٍ إلا وينهض وجوده على هذه الأسماء والصفات، فهي أساس بناء هذا الوجود، وأساس استمراره، فبدونها يفقد الوجود أساس بنيانه، ويفقد أواصر لبناته، ويفقد مقدّمات استمراره، فينقضُّ وينهدم ويتلاشى.

ولأنّ أسماء الله تعالى وصفاته "ملأت أركان كلّ شيء"، فكان كلّ شيء يفصح عن هذه الأسماء والصّفات ويؤشّر عليها، وهي، بدورها، تفصح عن الله تعالى وتدلّ عليه. من هنا، نفهم مغزى الحضّ القرآني على التدبُّر والتفكُّر في خلق السماوات، ليس فقط للتعرّف إلى الله تعالى كعلّة، بل لنغوص في أعماق الوجود، تماماً كما يغوص الغطّاس في أعماق البحار بحثاً عن أصداف اللّؤلؤ والمرجان، بحثاً عمّا هو أعمق وأشرف من كنوز الأرض جميعاً، بحثاً عن صفات الله تعالى، عن أسماء الله تعالى.

كم هي الأشياء الجميلة التي تدهشنا في حياتنا! كم هي الأشياء الجميلة التي تسحر عيوننا، وتضرم في أفئدتنا ناراً من الحنين الدافئ، ومشاعر الوجد العتيق، وتلامس الرّوح شفافيّة النّور، ويتضوّع العقل بعبير المعنى الزُّلال! فكيف بنا، إذا وثبنا من الجمال المائل أمام عيوننا، إلى ربِّ الجمال، فأيّ رعشة ستنساب في مشاعرنا، وأيّ نور سيُسكب في أفئدتنا، وأيّ دهشة ستسكر عقولنا، فنلامس الوجود المطلق ملامسة الظلّ للحقيقة.

وعندما ندرس هذا الجمال، عندما تختلج أرواحنا له، فكيف يمكن عندها أن ندع يد السّوء تعمل فيه إفساداً وخراباً وتشويهاً.

إنّ كلّ ما حوالينا يجسّد مظهراً من مظاهر ذات الله تعالى. والإمام عليّ (ع) يقسم على الله، سبحانه وتعالى، بأسمائه، انسجاماً منه مع قوله تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

وأسماء الله تعالى كثيرة، منها: الغنيّ، القادر، العليم، الحكيم، الرّحيم، الرّحمن، العزيز، الجبّار، الجميل، المتكبّر، المتعال... إلخ.

وهذه الأسماء، إذا تمعنَّا فيها، رأينا أن ليس هناك شيء في الحياة الدّنيا إلّا هو قائم ومكتنف بها. لكن، لا يكفي في حالة الدّعاء أو سواها من الحالات استظهار الأمور، بل لا بدّ من تدبّر معانيها ودلالاتها وأبعادها، وصولاً إلى التفاعل الروحيّ والوجدانيّ والفكريّ معها. والإمام عليّ (ع) يوجّه أنظارنا إلى أنّ هذه الأسماء قد "ملأت أركان كلّ شيء".

وبالتالي، ليست هي أسماء معلّقة في الفضاء، أسماء مجرّدة لا يمكن تحسّس معانيها، وتلمُّس أبعادها، بل هي أسماء  تستغرق وجودنا، في الأشياء والكائنات الحيّة وغير الحيّة، في كلّ ما هو موجود ومخلوق لله تعالى، يجعل منها مفتاح أسرار هذه الأسماء والصّفات.

فكتاب الكون مكتوب ومَصُوغ من أبجدية الأسماء الإلهيّة، من أبجدية الصفات الإلهيّة المقدّسة. فالقراءة بهذا الكتاب تجعلنا نلمس معنى الحياة الحقّة، كما تجعلنا نلمس عظمة الله وقدرته وجماله...

من هنا، وبناءً على ما تقدّم، فالتوسّل بالأسماء الإلهيّة يجب ألا يكون مجرّد لقلقة لسان، أو مجرّد ترداد لفظيّ خال من أيّ تفاعل وجداني أو روحي أو عقلي، بل يجب أن يكون ترداداً واعياً يستحضر معاني هذه الأسماء في انفعال روحيّ عميق، من القلب إلى اللّسان، انفعال يهزّ أركانه، أو يقيم تواصلاً عميقاً بين أسماء الله المتجلّية في وجوده الخاصّ. والإنسان هو أكثر الكائنات وأشدّها قابليّة لتجلّي الأسماء الإلهيّة فيه، ألَم يقل فيه الإمام عليّ (ع): "... وفيك انطوى العالَم الأكبر..."

وبقدر ما تنساب هذه المعاني في أرواحنا، تطهر وتصفو، وتنطلق في بناء حياة إنسانيّة حيّة. أي كما أنّ على الإنسان أن يتفاعل مع الأسماء في فعل بناء متكامل لذاته، عليه أن يعود إلى الحياة، ليجسِّد صفات الله الحسنى في العالم، ومعنى الكمال الإنساني في الأرض...

*من كتاب "في رحاب دعاء كميل".

[ورد في دعاء كميل المرويّ عن عليّ (ع):]

"وبأسمائك التي ملأت أركانَ كلّ شيء."

الأسماء: جمع اسم، والاسم مأخوذ من السِّمة، والسِّمة هي العلامة التي يمتاز بها الشّيء فيعرف بها. ولذا يقال، اتّسم الرّجل، إذا جعل لنفسه سمةً يعرف بها.

من هنا، كانت أسماء الله تعالى هي صفاته التي عرَّف بها عن نفسه أو ذاته المقدَّسة تعالى. فمعرفة الله تعالى، إنّما تكون من خلال أسمائه، أي صفاته تعالى. وهذه الصفات ـ الأسماء هي عين ذاته، أي ليست أمراً زائداً على الذّات، مضافاً إليها من الخارج، أو أمراً غير الذّات. فذات الله تعالى وأسماؤه التي هي صفاته، هما شيء واحد لا شيئان. وبالتالي، فإنّ ذات الله المقدَّسة تكشف لنا عن نفسها من خلال الأسماء التي عرَّفنا الله تعالى بها نفسه.

وعدد أسمائه تعالى كبير، ولكنّ الأسماء الحسنى، التي نوَّه بها القرآن الكريم في أكثر من آية، هي مائة وسبعة وعشرون اسماً.

أمّا "ملأت"، فمأخوذة من ملأت الإناء، أي وضعت فيه بقدر ما يأخذه، فهو مملوء، ومنه القول: "نظرت إليه فملأت منه عيني".

و"الأركان" جمع ركن. والرّكن يقال على معان عدّة. فيقال: ركن الإنسان: قوّته وشدّته. وركن الجبل والقصر: جانبه. وركن الرّجل: قومه وعدده، ومادّته.

"وأركان كلّ شيء": جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها.

فأسماء الله تعالى، إذاً، "ملأت أركانَ كلّ شيء": أي ما من شيءٍ إلا وينهض وجوده على هذه الأسماء والصفات، فهي أساس بناء هذا الوجود، وأساس استمراره، فبدونها يفقد الوجود أساس بنيانه، ويفقد أواصر لبناته، ويفقد مقدّمات استمراره، فينقضُّ وينهدم ويتلاشى.

ولأنّ أسماء الله تعالى وصفاته "ملأت أركان كلّ شيء"، فكان كلّ شيء يفصح عن هذه الأسماء والصّفات ويؤشّر عليها، وهي، بدورها، تفصح عن الله تعالى وتدلّ عليه. من هنا، نفهم مغزى الحضّ القرآني على التدبُّر والتفكُّر في خلق السماوات، ليس فقط للتعرّف إلى الله تعالى كعلّة، بل لنغوص في أعماق الوجود، تماماً كما يغوص الغطّاس في أعماق البحار بحثاً عن أصداف اللّؤلؤ والمرجان، بحثاً عمّا هو أعمق وأشرف من كنوز الأرض جميعاً، بحثاً عن صفات الله تعالى، عن أسماء الله تعالى.

كم هي الأشياء الجميلة التي تدهشنا في حياتنا! كم هي الأشياء الجميلة التي تسحر عيوننا، وتضرم في أفئدتنا ناراً من الحنين الدافئ، ومشاعر الوجد العتيق، وتلامس الرّوح شفافيّة النّور، ويتضوّع العقل بعبير المعنى الزُّلال! فكيف بنا، إذا وثبنا من الجمال المائل أمام عيوننا، إلى ربِّ الجمال، فأيّ رعشة ستنساب في مشاعرنا، وأيّ نور سيُسكب في أفئدتنا، وأيّ دهشة ستسكر عقولنا، فنلامس الوجود المطلق ملامسة الظلّ للحقيقة.

وعندما ندرس هذا الجمال، عندما تختلج أرواحنا له، فكيف يمكن عندها أن ندع يد السّوء تعمل فيه إفساداً وخراباً وتشويهاً.

إنّ كلّ ما حوالينا يجسّد مظهراً من مظاهر ذات الله تعالى. والإمام عليّ (ع) يقسم على الله، سبحانه وتعالى، بأسمائه، انسجاماً منه مع قوله تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

وأسماء الله تعالى كثيرة، منها: الغنيّ، القادر، العليم، الحكيم، الرّحيم، الرّحمن، العزيز، الجبّار، الجميل، المتكبّر، المتعال... إلخ.

وهذه الأسماء، إذا تمعنَّا فيها، رأينا أن ليس هناك شيء في الحياة الدّنيا إلّا هو قائم ومكتنف بها. لكن، لا يكفي في حالة الدّعاء أو سواها من الحالات استظهار الأمور، بل لا بدّ من تدبّر معانيها ودلالاتها وأبعادها، وصولاً إلى التفاعل الروحيّ والوجدانيّ والفكريّ معها. والإمام عليّ (ع) يوجّه أنظارنا إلى أنّ هذه الأسماء قد "ملأت أركان كلّ شيء".

وبالتالي، ليست هي أسماء معلّقة في الفضاء، أسماء مجرّدة لا يمكن تحسّس معانيها، وتلمُّس أبعادها، بل هي أسماء  تستغرق وجودنا، في الأشياء والكائنات الحيّة وغير الحيّة، في كلّ ما هو موجود ومخلوق لله تعالى، يجعل منها مفتاح أسرار هذه الأسماء والصّفات.

فكتاب الكون مكتوب ومَصُوغ من أبجدية الأسماء الإلهيّة، من أبجدية الصفات الإلهيّة المقدّسة. فالقراءة بهذا الكتاب تجعلنا نلمس معنى الحياة الحقّة، كما تجعلنا نلمس عظمة الله وقدرته وجماله...

من هنا، وبناءً على ما تقدّم، فالتوسّل بالأسماء الإلهيّة يجب ألا يكون مجرّد لقلقة لسان، أو مجرّد ترداد لفظيّ خال من أيّ تفاعل وجداني أو روحي أو عقلي، بل يجب أن يكون ترداداً واعياً يستحضر معاني هذه الأسماء في انفعال روحيّ عميق، من القلب إلى اللّسان، انفعال يهزّ أركانه، أو يقيم تواصلاً عميقاً بين أسماء الله المتجلّية في وجوده الخاصّ. والإنسان هو أكثر الكائنات وأشدّها قابليّة لتجلّي الأسماء الإلهيّة فيه، ألَم يقل فيه الإمام عليّ (ع): "... وفيك انطوى العالَم الأكبر..."

وبقدر ما تنساب هذه المعاني في أرواحنا، تطهر وتصفو، وتنطلق في بناء حياة إنسانيّة حيّة. أي كما أنّ على الإنسان أن يتفاعل مع الأسماء في فعل بناء متكامل لذاته، عليه أن يعود إلى الحياة، ليجسِّد صفات الله الحسنى في العالم، ومعنى الكمال الإنساني في الأرض...

*من كتاب "في رحاب دعاء كميل".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية