نداء الإسلام في يوم العمل

25 ذو القعدة 1417هـ
نداء الإسلام في يوم العمل
   

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض)، خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع)، في حارة حريك، بحضور حشدٍ من الشخصيَّات العلمائيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، وجمعٍ غفيرٍ من المؤمنين. وجاء في خطبته الدّينيّة:

 
 

يقول الله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[1]. ويقول سبحانه أيضاً: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[2].

العمل عبادة

مرَّ علينا بالأمس يوم العمل الّذي يحتفل به العالم جميعاً، وعلينا كمسلمين مؤمنين، أن نتفهَّم موقف الإسلام من العمل الدّنيويّ، سواء كان عملاً في مصنع أو في متجر أو في أرض، أو في أيّ موقعٍ من مواقع العمل.. وما هي نظرة الإسلام إلى العمل؟ هل هو أمرٌ يحبّه الله ويثيب الإنسان عليه، أم أنّه كما يُخيَّل إلى البعض، شأنٌ من شؤون الدّنيا يشغل الإنسان عن الآخرة؟

في المفهوم الإسلاميّ: اعمل ما شئت من الأعمال صغيرها وكبيرها، لكن ليكن عملك في طلب الحلال، وعندما تطلب الحلال من خلال العمل في أرضٍ أو مصنعٍ أو متجر، فأنت في عبادة من الصَّباح إلى المساء، وذلك قول رسول الله(ص) فيما رواه الأئمَّة من أهل البيت(ع): "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها جزءاً طلب الحلال"[3]، فأنت عندما تطلب الحلال، وتبذل جهدك، وتستنزف عرقك، وتحافظ على حدود الله في عملك وتجارتك، فلا تغشّ ولا تخون ولا تأكل بالباطل، تكون كما لو أنّك تصلّي من الصَّباح إلى المساء.

بشارة للعالمين

وقال رسول الله(ص) ـ وهذه بشارة لكلِّ العمَّال الكادحين في صناعتهم وزراعتهم وتجارتهم ـ "من بات كالاًّ من طلب الحلال ـ أي كان يعمل، وعاد إلى بيته مُتعَباً مجهَداً من ضغط العمل ـ بات مغفوراً له"[4]، إنَّ معنى ذلك، أنَّك عندما تقضي يومك في طلب الحلال، فإنَّ عملك هذا عبادة يغفر الله لك بسببها ذنوبك.

ويقول أمير المؤمنين عليّ(ع): "إنَّ الله يحبّ المحترف الأمين"[5]، أي أنَّ الله لا يحبّ البطّال الَّذي يسرح هنا وهناك، ويبقى جالساً يشرب القهوة والشَّاي، وليس عنده أيّ عمل، أمّا الإنسان الَّذي يملك حرفة ومهنة، فإنَّ الله يحبّه، بشرط أن يكون أميناً على عمله، وأميناً على ما استودعه النّاس من أعمالهم.

وقد جاء أحد أصحاب الإمام الصّادق(ع) إليه، وهو علاء بن كامل، وقال له: "ادعُ الله أن يرزقني في دعَة".. أي اطلب من الله أن يرزقني وأنا مرتاح ومسترخٍ من دون أيِّ جهد، فأجابه الإمام الصَّادق(ع): "لا أدعو لك، اطلب كما أمرك الله"[6]، اطلب الرّزق من خلال الوسائل التي هيَّأها الله لك، وأدعو لك فيما بعد.

وفي رسالةٍ وجَّهها(ع) إلى أصحابه ـ ونحن من أصحابه ـ فالرّسالة موجَّهة إلينا، لأنَّ الأئمَّة(ع) لا يتكلَّمون في نطاق جماعة معيَّنة، وإنما يتكلَّمون في نطاق الزّمن كلِّه والإنسان كلِّه، وهم(ع) لا يمثّلون حالة شخصيَّة، بل يمثّلون حالة رساليَّة تنفتح الولاية فيها على حركة الإنسان في العمل، وهذا معنى الولاية كما جاء في حديث أمير المؤمنين(ع): "أقرئوا مَن لقيتم من أصحابكم السَّلام، وقولوا لهم إنَّ فلاناً بن فلان ـ يعني نفسه ـ يقرئكم السَّلام، ويقول لكم: عليكم بتقوى الله عزَّ وجلَّ، وما يُنال به ما عند الله، إنِّي والله ما آمركم إلا بما نأمر به أنفسنا، فعليكم بالجدِّ والاجتهاد، وإذا صلَّيتم الصّبح وانصرفتم، فبكّروا في طلب الرّزق، واطلبوا الحلال، فإنَّ الله سيرزقكم ويعينكم عليه"[7]، إذا استيقظت من النَّوم وأدَّيت صلاة الصّبح، فلا تجلس وتأخذ كلَّ وقتك بشرب القهوة والشَّاي، بل انطلق في طلب الحلال، لأنَّ ذلك هو مسؤوليَّتك عن نفسك وعيالك وعن النَّاس من حولك.

قيمة العمل

وفي الرّواية، أنَّ رجلاً من أصحاب الإمام الصَّادق(ع) أصابته الحاجة، فقال(ع): "فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يصلّي ـ اعتزل النّاس بعد افتقاره، وبدأ بالصَّلاة من الصَّباح حتى المساء ـ قال الإمام(ع): فمن أين قوته؟ قيل: من عند بعض أخوانه ـ فقال(ع): والله، للَّذي يقوته أشدّ عبادةً منه"[8]. لاحظوا، لم يقل أفضل منه، بل قال إنَّ عبادته في طلب الحلال أكثر من عبادة هذا الإنسان وهو فارغ بطّال.

وقد سأل(ع) عن شخصٍ من أصحابه، وهو عمرو بن مسلم، وعمَّا يفعل، فقيل له بأنّه ترك التِّجارة وأقبل على العبادة، فقال(ع): "ويحه ـ في مقام تأنيب وتوبيخ ـ أما علم أنَّ تارك الطَّلب لا يُستجاب له"[9]، أي أنَّ الإنسان الّذي يقعد في البيت دون عمل وهو قادر على العمل، لا تُستجاب له دعوته، لأنَّ الله يستجيب دعاء الإنسان الَّذي يتحرّك ويُنتج ويأخذ ويعطي.. وعلى هذا، فما قيمة الإنسان الَّذي لا يستفيد من عمره، ولا يستفيد منه النّاس والحياة؟! فالله يريدنا أن نعمر الحياة ونفجِّر طاقاتنا، كون الإنسان خليفة الله على الأرض: "إنّ الله يبغض العبد البطّال، ويحبّ المؤمن المحترف"[10].

ثم يقول الإمام(ع): "إنَّ قوماً من أصحاب رسول الله(ص)، لما نزلت الآية: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[11]، أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كُفينا، فبلغ ذلك النّبيّ(ص) فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله، تكفَّل الله لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال(ص): إنّه مَن فعل ذلك لم يُستجب له، عليكم بالطّلب"[12].

هؤلاء لم يفهموا: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ}، لأنَّ معنى تقوى الله، أن تعمل بما أمرك الله، فالله لم يأمرك فقط بالصَّلاة والصَّوم، بل أمرك أيضاً بالعمل.. لذلك، من التَّقوى أن تعمل، وذلك بأن تؤدِّي فرائض الله، وتعمل في سبيل إعاشة عائلتك وحفظ ماء وجهك، وتقوم بكلِّ مسؤوليّاتك في الحياة: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، بأن يأتيك شخص وأنت أثناء العمل، يسخِّره الله تعالى لمنفعتك ويزيد في أرباحك.

العمل من تقوى الله

إذاً، العمل من تقوى الله، وطلب الرّزق من تقوى الله، وقد جاء رجل إلى أبي عبد الله(ص) قال له: "إنّا لنطلب الدّنيا ونحبّ أن نؤتاها"، قال له(ع): "تحبّ أن تصنع بها ماذا؟" قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأتصدَّق وأحجّ وأعتمر، فقال(ع) له: "ليس هذا طلب الدّنيا، هذا طلب الآخرة"[13]، هكذا يجيبه الإمام(ع): نحن عندما نقول لا تطلب الدّنيا، فإنّما المقصود الدّنيا الّتي تطغيك، أو الّتي تتكبَّر فيها على النَّاس، أو الّتي تستعملها في سبيل الحرام وظلم النّاس، وما شاكل ذلك.. أمّا الَّذين تنطلق نتائج عملهم في حاجاتهم وحاجات عوائلهم وحاجات مجتمعهم التي تتمثَّل بالصَّدقة، فهؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[14].

وجاء شخصٌ إلى الإمام الصَّادق(ع)، وكان تاجراً يعمل في السّوق، قال: إنّي هممتُ أن أدع السّوق وفي يدي شيء ـ عندي مالٌ ولا أحتاج أحداً، وهذا المال يكفيني ويكفي عائلتي، مهما بلغت من العمر ـ فقال(ع) له: "إذاً يسقط رأيك، ولا يُستعان بك على شيء"[15]، صحيح أنَّ التّجارة تدرّ مالاً، ولكنَّها تفتح العقل، فكلَّما تاجر الإنسان أكثر نما عقله أكثر.. ولذا نلاحظ أنَّ الإنسان الّذي يعمل في التّجارة، يصبح من أهل الخبرة في عقله وفكره، بحيث يرجع النَّاس إليه ليستفيدوا من خبرته وعمله.. صحيح أنَّه قد يكون لديك مال يكفيك، ولكن لماذا تفكِّر في نفسك فقط؟ أنتج مالاً يكفيك وأعطِ غيرك منه، لأنَّك كما أنت مسؤولٌ عن نفسك، كذلك أنت مسؤولٌ عن غيرك..

ولذلك، قال الإمام الصَّادق(ع): "ترك التِّجارة ينقص العقل"[16]، فأنت عندما تبتعد عن جوِّ العمل، تصبح كالتِّلميذ الّذي يترك المدرسة وجوَّ القراءة والكتابة، فإنَّه ينسى ما تعلّمه.. فكثير من النّاس كانوا علماء ومثقَّفين، ولكنَّهم تركوا التّفكير والدّراسة، فنسوا كلّ شيء، وصاروا في خطٍّ تنازليٍّ على مستوى الوعي والفهم، بدل أن يكونوا في خطٍّ تصاعديٍّ على هذا الصَّعيد.

الحثّ على العمل

وفي الحثِّ على العمل، يقول الإمام الباقر(ع): "من طلب الدّنيا استعفافاً عن النّاس، وسعياً على أهله، وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزَّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر"[17].

ويُروى أنَّ رسول الله(ص) كان جالساً بين أصحابه، وإذ بشابٍّ قويّ الجسم، مفتول العضلات، يحمل المنجل وهو ذاهبٌ إلى العمل، فالتفت أصحاب رسول الله(ص) ـ كما تقول الرّواية ـ إلى الرسول(ص) مستنكرين، وقالوا: لو أنَّ هذا الشّابّ ـ الذي خرج لطلب الرّزق ـ يصرف هذه القوَّة في عبادة الله، فيصلّي ويصوم ويحجّ، أما كان ذلك له أفضل من طلب الدّنيا؟ فقال(ص) لهم: "إن كان هذا الشابّ قد خرج لأبوين عنده يعولهما، فقد خرج في سبيل الله، وإن كان قد خرج ليعود بالمال على نفسه وعياله، فقد خرج في سبيل الله، وإن كان قد خرج ليكفَّ ماء وجهه عن النّاس، فقد خرج في سبيل الله، وإن كان قد خرج ليستعلي بالمال على النّاس، فقد خرج في سبيل الشيطان".

إذاً، نفهم من هذا أنَّ كلَّ الأهداف الّتي يستهدفها الإنسان في عمله من أجل القيام بمسؤوليَّاته الأبويَّة أو العائليَّة أو الذّاتيَّة، وما يتفرَّع عنها من مسؤوليَّاتٍ تجاه المجتمع، تجعله مجاهداً في سبيل الله، كما يحمل السَّيف ليقاتل في سبيل الله، وقد ورد في الحديث: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"[18]، فكما تحتاج الأمَّة إلى من يدافع عنها، ويقاتل في سبيل عزّتها، كذلك تحتاج إلى من يدفع الفقر عنها في الدّاخل، ويلغي ضعفها في حاجاتها المعيشيَّة والاقتصاديَّة، ويُبعدها عن الدّيون الخارجيَّة والارتهان لصندوق النّقد الدّولي، أو لهذه الدّولة أو تلك، لتستدين وتقترض، كما نحن في لبنان، حيث أصبحت القروض بالمليارات التي لا ندري كيف سيستطيع اللّبناني أن يسدّدها. "احتج إلى من شئت تكن أسيره"[19]، عندما نحتاج إلى النّاس والدّول، سنكون أسرى لسياستهم واقتصادهم وأمنهم.

لذلك، لا إشكال في أنَّ الجهاد في سبيل عمليّة الإنتاج ورفع مستوى الاقتصاد في الأمَّة من خلال عمل العاملين، يقوّي الأمَّة ويدعم استقلالها وحريّتها، تماماً كما يدعم المجاهدون حريَّة الأمَّة واستقلالها...

ويبقى النّداء الإلهيّ: {وَقُلِ اعْمَلُواْ} في كلِّ ما كلّفكم الله عملكم من عبادةٍ ومن طلب رزقٍ ومن جهادٍ وعلم، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[20].. هذا هو موقف الإسلام في يوم العمل: بشارة من الله لكلِّ العاملين، وغضبٌ من الله على كلّ البطّالين، فاحذروا أن تكونوا من البطّالين لأنّكم لا تجدون عملاً على مزاجكم، واعملوا أيَّ شيء، وفي أيّ موقع، فإنَّ في العمل الشَّرف كلّ الشرف، حتى ولو كان عملاً صغيراً، لأنَّ الإنسان الّذي يكفّ ماء وجهه عن النّاس، هو الَّذي يحافظ على كرامته وعزّته وشرفه...

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، اتّقوا الله، واطلبوا مواقع رضوانه، وتحمَّلوا مسؤوليَّاتكم في كلّ ما كلّفكم به؛ في واجباتكم الّتي فرض الله عليكم أن تقوموا بها، وفي المحرَّمات الّتي فرض الله عليكم أن تتركوها. اتّقوا الله في عباده وبلاده، لتتحمَّلوا مسؤوليَّاتكم في هداية عباده ورعايتهم، وفي قضاء حوائجهم وتعزيز مواقعهم وتثبيت مواقفهم، وفي بلاده، من أجل أن تكون البلاد حرّةً قويّةً في مواجهة كلّ الَّذين يريدون أن ينتهكوا حرمتها بالاحتلال والضَّغط والظّلم.

اتّقوا الله في كلِّ شيء، فإنَّ تقوى الله ترتفع بكم إلى أعلى الدّرجات، وتجعلكم القريبين إلى الله، الأحبَّاء عنده..

وهكذا، من التّقوى أن يعيش الإنسان اهتماماته في قضايا المسلمين جميعاً، ويدرس ما يمسّ المسلمين من كلِّ عوامل الضّعف والقوَّة، ويهتمّ بالأوضاع الدّوليَّة بقدر ما تترك تأثيراً سلبيّاً أو إيجابيّاً في الواقع الإسلاميّ كلِّه، وفي واقع المستضعفين كلّهم.

وقد أراد الله لهذا اليوم، يوم الجمعة، أن يكون يوم عبادة، ويوم اجتماع يجتمع فيه المسلمون من أجل أن يسمعوا ما في واقعهم من القضايا الّتي تمسّ حياتهم في مواقع الحريَّة والعدالة والعزَّة والكرامة، فماذا هناك؟

حرب إعلاميَّة صهيونيَّة

لقد بدأ الصَّهاينة حرباً إعلاميَّةً ضدّ إيران وسوريا، من خلال الحديث عن حصول إيران على صواريخ بعيدة المدى، ثم كان التَّصريح الأميركي بأنَّ إيران شيَّدت برنامجاً ضخماً لإنتاج أسلحة كيميائيَّة، وأنَّها أنتجت كمّيّات ضخمة من العناصر الكيميائيَّة في السنوات الأخيرة، وأُضيف إلى ذلك حديث وزير حرب العدوّ ووزير خارجيَّته في الصّحف الإسرائيليّة، بأنَّ "سوريا تملك أسلحة كيميائيَّة وبيولوجيّة تهدِّد حياة الإسرائيليّين"، ثم كان تقرير وزارة الخارجيّة السنويّ حول "الإرهاب"، واتهام إيران وسوريا برعايته، ولم تتحدَّث أميركا عن الأسلحة النّوويّة والكيميائيَّة الإسرائيليَّة، لأنَّ من حقِّ إسرائيل، في نظر أميركا، أن تكون الأقوى في المنطقة..

ثم كانت زيارة وزير الدّفاع التركيّ إلى الكيان الصّهيونيّ، والإعلان عمّا يشبه التّحالف العسكري بين تركيا وإسرائيل ضدّ سوريا وإيران، في نطاق الإعلان التركي بأنَّ إيران وسوريا تدعمان الأكراد المتمرّدين في تركيا ضدّ النّظام.

إنَّ هذا كلَّه يوحي بأنَّ هناك خطَّة أميركيّة ـ إسرائيليّة لاستخدام تركيا في السياسة العدوانيَّة في المنطقة في مواجهة المواقف المعارضة للخطط الأميركيَّة الّتي تستهدف شعوبها في مصادرة حريّاتها، ونهب ثرواتها، واهتزاز أمنها بطريقةٍ وبأخرى. وربما بدأت أميركا بإيجاد نظامٍ أمنيٍّ إقليميٍّ يؤسِّس لتحويل المنطقة إلى مزرعةٍ أميركيَّةٍ في المجال العسكريّ والسّياسيّ والاقتصاديّ لحماية المصالح الأميركيَّة الاستكباريَّة، ما يفرض على الأمَّة أن تراقب ذلك بوعيٍ وحذرٍ، لتوحِّد جهودها في إسقاط هذه الخطَّة العدوانيَّة الجديدة.

التَّقرير الأميركيّ: وسيلة ضغط

ونتوقَّف ـ في هذا الإطار ـ عند التّقرير السّنوي الأميركيّ حول "الإرهاب"، الذي يتَّهم إيران بأنها الرّاعية للإرهاب في العام 1996، وأنها "تمارس الإرهاب بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر عبر تنظيمات لبنانيّة"، من خلال دعمها للمقاومة الإسلاميَّة في لبنان وفلسطين، لأنَّ أميركا لا ترى الاحتلال الصّهيوني في هذين البلدين مشكلةً سياسيّةً للشّعبين الفلسطيني واللّبناني، بل تراه حقّاً لإسرائيل في تأكيد وجودها السياسيّ في المنطقة وحماية أمنها، ما يجعل من حركة المواجهة الجهاديّة للاحتلال عملاً إرهابيّاً في نظر أميركا.. ويتّهم التقرير المذكور سوريا بأنَّها "لا تزال دولةً راعيةً للإرهاب"، لأنها تدعم حركة المواجهة للاحتلال الصّهيوني في فلسطين ولبنان.

إنَّنا نعتبر أنَّ هذا التَّقرير لا يملك صدقيَّة حقيقيّة واقعيّة، بل هو محاولة إعلاميَّة ذات أهداف سياسيَّة، لتشويه صورة إيران وسوريا وحركة المجاهدين في مواجهة الاحتلال، لتأليب الرّأي العام الدّوليّ ضدّ هذا الواقع الحرّ في المنطقة، كوسيلةٍ من وسائل الضَّغط لتغيير هذه الجهات سياستها من القضيّة الفلسطينيّة والاحتلال الإسرائيلي.

إنَّنا نحذِّر الواقع العربيّ والإسلام السّياسيّ من السّقوط تحت تأثير هذه الحرب الأميركيَّة الإعلاميَّة النفسيَّة، وندعوهما إلى الوقوف مع قضايا التحرّر من الاحتلال، لأنَّ ذلك هو الّذي يعزِّز موقع الأمَّة في صراعها ضدّ الاستكبار العالميّ والصّهيونيّ الّذي يهدِّد مصالحها في الصَّميم.

ونأتي إلى التّقرير في حديثه عن لبنان، وأنّه "لا يزال مصدر خطر على الأميركيّين"، ما يفرض إبقاء الحظر الأميركيّ على سفر الأميركيّين إلى لبنان، بحجَّة أنَّ "هناك أجزاء من لبنان لا تملك الدَّولة السَّيطرة عليها، لأنَّها خاضعة لجماعات تمارس الإرهاب فيها"، في الوقت الَّذي نرى أنَّ الأميركيّين الّذين يزورون لبنان لا يتعرَّض لهم أحد بسوء، ما يوحي بأنَّ التَّقرير الأميركيّ قد يؤسِّس لبعض الأجواء الأمنيَّة التي تشجِّع العدوّ الصهيوني على القيام بمغامرةٍ عسكريّةٍ تستهدف إزالة الجمود السّياسيّ الّذي تعيش فيه قضيّة التسوية، لأنّ السياسة الأميركية لا تزال تعمل على حماية الاحتلال الصّهيوني للبنان، بالوقوف ضد المجاهدين الّذين يتحركون في خطِّ المقاومة لتحرير أرضهم والدِّفاع عن بلادهم.

إنَّ أميركا تكذب عندما تتحدَّث عن حقوق الإنسان، وعن قضايا حرية الشّعوب في العالم، وعن مواجهتها للإرهاب، لأنَّها الدَّولة الأكثر حرباً على الحريَّة، والأكثر دعماً للإرهاب ضدّ حريَّة الشّعوب. وعلى الشّعوب، ولا سيّما في المنطقة ـ ولبنان بالذّات ـ أن تواجه هذا الواقع الجديد بوعيٍ وقوّة.

وبالعودة إلى العلاقات التركيَّة ـ الصهيونيَّة الّتي تتطوَّر تحت رعايةٍ أميركيَّةٍ في تحالفٍ عسكريٍّ يهدِّد المنطقة وأمنها، في ظلِّ التَّصريحات الإسرائيليَّة من جهة، وتصاريح الجنرالات الأتراك من جهةٍ أخرى، وفي خطَّةٍ تركيّةٍ عسكريّةٍ لإقصاء الإسلاميّين عن الحكم، والضَّغط على النَّشاط الإسلاميّ الشَّعبيّ الذي ينطلق فيه الشّعب التركيّ في صحوة إسلاميّة كبيرة من أجل إعادة تركيا إلى الدائرة الإسلاميّة، بعيداً عن النّظام العلمانيّ الّذي يعمل ضدّ الإسلام والمسلمين، فإنَّ علينا مراقبة هذا الوضع الجديد في خطوطه العدوانيَّة ضدّ شعوب المنطقة.

العلاقات الإيرانيَّة الأوروبيّة

أمّا على مستوى العلاقات الأوروبيّة ـ الإيرانيّة، فإنّنا نقدّر تراجع دول الاتحاد الأوروبيّ عن موقفها السّلبيّ ضدّ إيران، وذلك بالإعلان عن قرار إعادة سفرائها إلى طهران وإبقاء العلاقات الاقتصادية، لأنّه تراجعٌ عن الخطأ الّذي قد يؤدِّي إلى تعقيد العلاقة الإسلاميّة ـ الأوربيَّة، مما يُعتبر ربحاً لأميركا الّتي لا تريد لأوروبّا أن تعيش في حالة انفتاح على العالم الإسلاميّ.

ولكنّنا ـ في الوقت نفسه ـ نرى في القرارات السلبيَّة الأخرى، مثل إيقاف الحوار النّقديّ ونحوه، إجراءً سيّئاً في غير مصلحة العلاقات الإيجابيَّة، ونرى في موقف القيادة الإسلاميَّة في إيران من رفض عودة بعض السّفراء إلى طهران، قوَّةً للعنفوان الإسلاميّ الّذي يرفض أيّ نوعٍ من أنواع محاولة إذلال المسلمين في الموقف السياسيّ المضادّ.

المقاومة: الردّ الوحيد على إسرائيل

وفي الإطلالة على ما يجري في الجنوب والبقاع الغربي من الاعتداءات الصّهيونيّة المتتابعة، في ظلّ التَّهديد الإسرائيلي بتزويد جيش العملاء بأسلحة متطوّرة من صواريخ ومدفعيَّة، للاعتداء على المدنيّين كوسيلة للضَّغط على المقاومة، فإنّنا نرى في هذه الخطوة سعياً لإيجاد وضعٍ أمنيٍّ جديدٍ لمصلحة الخطّة الإسرائيليّة في تعديل تفاهم نيسان، من أجل أن تستعيد إسرائيل حريّتها في قصف المدنيّين.

إنّنا نحذِّر من خطط العدوّ في المرحلة الجديدة، وندعو إلى دعم المقاومة الّتي هي الردّ الوحيد على ذلك، لأنَّها القوَّة الجهاديّة الّتي تملك إسقاط عنفوان العدوّ وعملائه، حتى لو حشدوا كلّ الأسلحة، لأنَّ هناك فرقاً بين من يدافع عن حريّة شعبه وأمّته، ومن يعتدي على قضيَّة الحريَّة والإنسان.

قضايا العمّال في مهبِّ الرّياح

وأخيراً، لقد مرَّ يوم العمّال في ظلّ الأجواء القلقة الّتي يعيشها البلد في الجانب السياسيّ الّذي ينتج في كلّ يوم مشكلةً جديدة، ليدخل البلد في اهتزازٍ جديدٍ يترك تأثيره في ثقة المواطن بدولته وفي ثقة العالم بلبنان. وربما نجد في هذه الأوضاع الصَّعبة، أنَّ العيد كان عيد أرباب العمل وأرباب السياسة الرّسميّة، بدلاً من أن يكون عيد العمّال، لأنَّ وحدة العمال قد اهتزَّت، ما يجعل من قضيَّة الوصول إلى حقوقهم قضيّة تعيش في قبضة الرّياح السّياسيّة العاتية..

إنَّ البلد بحاجةٍ إلى المزيد من الوحدة والوعي والتحرّك، من أجل التحرّر من الاحتلال وتحقيق العدالة للجميع، هذا هو التحدّي الكبير الّذي لا بدَّ من أن نرتفع إلى مستواه.

 

[1]  [الملك: 15].

[2]  [القصص:77].

[3]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 7.

[4]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 12، ص 14.

[5]  المصدر نفسه، ج 12، ص 13.

[6]  الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 78.

[7]   وسائل الشّيعة، ج 12، ص 12.

[8]  المصدر نفسه، ج 17، ص 26.

[9]  المصدر نفسه، ج 17، ص 28.

[10]  في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنيّة، ج4، ص129.

[11]  [الطلاق: 2، 3].

[12]  بحار الأنوار، ج 22، ص 132.

[13]  الكافي، ج 5، ص 72.

[14]  [الأعراف: 32].

[15]  الكافي، ج 5، ص 149.

[16]  وسائل الشّيعة، ج 17، ص 14.

[17]  المصدر نفسه، ج 17، ص 21.

[18]  الكافي، ج 5، ص 89.

[19]  ميزان الحكمة، ج 1، ص 641.

[20]  [التوبة: 105].

   

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض)، خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع)، في حارة حريك، بحضور حشدٍ من الشخصيَّات العلمائيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، وجمعٍ غفيرٍ من المؤمنين. وجاء في خطبته الدّينيّة:

 
 

يقول الله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[1]. ويقول سبحانه أيضاً: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[2].

العمل عبادة

مرَّ علينا بالأمس يوم العمل الّذي يحتفل به العالم جميعاً، وعلينا كمسلمين مؤمنين، أن نتفهَّم موقف الإسلام من العمل الدّنيويّ، سواء كان عملاً في مصنع أو في متجر أو في أرض، أو في أيّ موقعٍ من مواقع العمل.. وما هي نظرة الإسلام إلى العمل؟ هل هو أمرٌ يحبّه الله ويثيب الإنسان عليه، أم أنّه كما يُخيَّل إلى البعض، شأنٌ من شؤون الدّنيا يشغل الإنسان عن الآخرة؟

في المفهوم الإسلاميّ: اعمل ما شئت من الأعمال صغيرها وكبيرها، لكن ليكن عملك في طلب الحلال، وعندما تطلب الحلال من خلال العمل في أرضٍ أو مصنعٍ أو متجر، فأنت في عبادة من الصَّباح إلى المساء، وذلك قول رسول الله(ص) فيما رواه الأئمَّة من أهل البيت(ع): "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها جزءاً طلب الحلال"[3]، فأنت عندما تطلب الحلال، وتبذل جهدك، وتستنزف عرقك، وتحافظ على حدود الله في عملك وتجارتك، فلا تغشّ ولا تخون ولا تأكل بالباطل، تكون كما لو أنّك تصلّي من الصَّباح إلى المساء.

بشارة للعالمين

وقال رسول الله(ص) ـ وهذه بشارة لكلِّ العمَّال الكادحين في صناعتهم وزراعتهم وتجارتهم ـ "من بات كالاًّ من طلب الحلال ـ أي كان يعمل، وعاد إلى بيته مُتعَباً مجهَداً من ضغط العمل ـ بات مغفوراً له"[4]، إنَّ معنى ذلك، أنَّك عندما تقضي يومك في طلب الحلال، فإنَّ عملك هذا عبادة يغفر الله لك بسببها ذنوبك.

ويقول أمير المؤمنين عليّ(ع): "إنَّ الله يحبّ المحترف الأمين"[5]، أي أنَّ الله لا يحبّ البطّال الَّذي يسرح هنا وهناك، ويبقى جالساً يشرب القهوة والشَّاي، وليس عنده أيّ عمل، أمّا الإنسان الَّذي يملك حرفة ومهنة، فإنَّ الله يحبّه، بشرط أن يكون أميناً على عمله، وأميناً على ما استودعه النّاس من أعمالهم.

وقد جاء أحد أصحاب الإمام الصّادق(ع) إليه، وهو علاء بن كامل، وقال له: "ادعُ الله أن يرزقني في دعَة".. أي اطلب من الله أن يرزقني وأنا مرتاح ومسترخٍ من دون أيِّ جهد، فأجابه الإمام الصَّادق(ع): "لا أدعو لك، اطلب كما أمرك الله"[6]، اطلب الرّزق من خلال الوسائل التي هيَّأها الله لك، وأدعو لك فيما بعد.

وفي رسالةٍ وجَّهها(ع) إلى أصحابه ـ ونحن من أصحابه ـ فالرّسالة موجَّهة إلينا، لأنَّ الأئمَّة(ع) لا يتكلَّمون في نطاق جماعة معيَّنة، وإنما يتكلَّمون في نطاق الزّمن كلِّه والإنسان كلِّه، وهم(ع) لا يمثّلون حالة شخصيَّة، بل يمثّلون حالة رساليَّة تنفتح الولاية فيها على حركة الإنسان في العمل، وهذا معنى الولاية كما جاء في حديث أمير المؤمنين(ع): "أقرئوا مَن لقيتم من أصحابكم السَّلام، وقولوا لهم إنَّ فلاناً بن فلان ـ يعني نفسه ـ يقرئكم السَّلام، ويقول لكم: عليكم بتقوى الله عزَّ وجلَّ، وما يُنال به ما عند الله، إنِّي والله ما آمركم إلا بما نأمر به أنفسنا، فعليكم بالجدِّ والاجتهاد، وإذا صلَّيتم الصّبح وانصرفتم، فبكّروا في طلب الرّزق، واطلبوا الحلال، فإنَّ الله سيرزقكم ويعينكم عليه"[7]، إذا استيقظت من النَّوم وأدَّيت صلاة الصّبح، فلا تجلس وتأخذ كلَّ وقتك بشرب القهوة والشَّاي، بل انطلق في طلب الحلال، لأنَّ ذلك هو مسؤوليَّتك عن نفسك وعيالك وعن النَّاس من حولك.

قيمة العمل

وفي الرّواية، أنَّ رجلاً من أصحاب الإمام الصَّادق(ع) أصابته الحاجة، فقال(ع): "فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يصلّي ـ اعتزل النّاس بعد افتقاره، وبدأ بالصَّلاة من الصَّباح حتى المساء ـ قال الإمام(ع): فمن أين قوته؟ قيل: من عند بعض أخوانه ـ فقال(ع): والله، للَّذي يقوته أشدّ عبادةً منه"[8]. لاحظوا، لم يقل أفضل منه، بل قال إنَّ عبادته في طلب الحلال أكثر من عبادة هذا الإنسان وهو فارغ بطّال.

وقد سأل(ع) عن شخصٍ من أصحابه، وهو عمرو بن مسلم، وعمَّا يفعل، فقيل له بأنّه ترك التِّجارة وأقبل على العبادة، فقال(ع): "ويحه ـ في مقام تأنيب وتوبيخ ـ أما علم أنَّ تارك الطَّلب لا يُستجاب له"[9]، أي أنَّ الإنسان الّذي يقعد في البيت دون عمل وهو قادر على العمل، لا تُستجاب له دعوته، لأنَّ الله يستجيب دعاء الإنسان الَّذي يتحرّك ويُنتج ويأخذ ويعطي.. وعلى هذا، فما قيمة الإنسان الَّذي لا يستفيد من عمره، ولا يستفيد منه النّاس والحياة؟! فالله يريدنا أن نعمر الحياة ونفجِّر طاقاتنا، كون الإنسان خليفة الله على الأرض: "إنّ الله يبغض العبد البطّال، ويحبّ المؤمن المحترف"[10].

ثم يقول الإمام(ع): "إنَّ قوماً من أصحاب رسول الله(ص)، لما نزلت الآية: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[11]، أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كُفينا، فبلغ ذلك النّبيّ(ص) فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله، تكفَّل الله لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال(ص): إنّه مَن فعل ذلك لم يُستجب له، عليكم بالطّلب"[12].

هؤلاء لم يفهموا: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ}، لأنَّ معنى تقوى الله، أن تعمل بما أمرك الله، فالله لم يأمرك فقط بالصَّلاة والصَّوم، بل أمرك أيضاً بالعمل.. لذلك، من التَّقوى أن تعمل، وذلك بأن تؤدِّي فرائض الله، وتعمل في سبيل إعاشة عائلتك وحفظ ماء وجهك، وتقوم بكلِّ مسؤوليّاتك في الحياة: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، بأن يأتيك شخص وأنت أثناء العمل، يسخِّره الله تعالى لمنفعتك ويزيد في أرباحك.

العمل من تقوى الله

إذاً، العمل من تقوى الله، وطلب الرّزق من تقوى الله، وقد جاء رجل إلى أبي عبد الله(ص) قال له: "إنّا لنطلب الدّنيا ونحبّ أن نؤتاها"، قال له(ع): "تحبّ أن تصنع بها ماذا؟" قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأتصدَّق وأحجّ وأعتمر، فقال(ع) له: "ليس هذا طلب الدّنيا، هذا طلب الآخرة"[13]، هكذا يجيبه الإمام(ع): نحن عندما نقول لا تطلب الدّنيا، فإنّما المقصود الدّنيا الّتي تطغيك، أو الّتي تتكبَّر فيها على النَّاس، أو الّتي تستعملها في سبيل الحرام وظلم النّاس، وما شاكل ذلك.. أمّا الَّذين تنطلق نتائج عملهم في حاجاتهم وحاجات عوائلهم وحاجات مجتمعهم التي تتمثَّل بالصَّدقة، فهؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[14].

وجاء شخصٌ إلى الإمام الصَّادق(ع)، وكان تاجراً يعمل في السّوق، قال: إنّي هممتُ أن أدع السّوق وفي يدي شيء ـ عندي مالٌ ولا أحتاج أحداً، وهذا المال يكفيني ويكفي عائلتي، مهما بلغت من العمر ـ فقال(ع) له: "إذاً يسقط رأيك، ولا يُستعان بك على شيء"[15]، صحيح أنَّ التّجارة تدرّ مالاً، ولكنَّها تفتح العقل، فكلَّما تاجر الإنسان أكثر نما عقله أكثر.. ولذا نلاحظ أنَّ الإنسان الّذي يعمل في التّجارة، يصبح من أهل الخبرة في عقله وفكره، بحيث يرجع النَّاس إليه ليستفيدوا من خبرته وعمله.. صحيح أنَّه قد يكون لديك مال يكفيك، ولكن لماذا تفكِّر في نفسك فقط؟ أنتج مالاً يكفيك وأعطِ غيرك منه، لأنَّك كما أنت مسؤولٌ عن نفسك، كذلك أنت مسؤولٌ عن غيرك..

ولذلك، قال الإمام الصَّادق(ع): "ترك التِّجارة ينقص العقل"[16]، فأنت عندما تبتعد عن جوِّ العمل، تصبح كالتِّلميذ الّذي يترك المدرسة وجوَّ القراءة والكتابة، فإنَّه ينسى ما تعلّمه.. فكثير من النّاس كانوا علماء ومثقَّفين، ولكنَّهم تركوا التّفكير والدّراسة، فنسوا كلّ شيء، وصاروا في خطٍّ تنازليٍّ على مستوى الوعي والفهم، بدل أن يكونوا في خطٍّ تصاعديٍّ على هذا الصَّعيد.

الحثّ على العمل

وفي الحثِّ على العمل، يقول الإمام الباقر(ع): "من طلب الدّنيا استعفافاً عن النّاس، وسعياً على أهله، وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزَّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر"[17].

ويُروى أنَّ رسول الله(ص) كان جالساً بين أصحابه، وإذ بشابٍّ قويّ الجسم، مفتول العضلات، يحمل المنجل وهو ذاهبٌ إلى العمل، فالتفت أصحاب رسول الله(ص) ـ كما تقول الرّواية ـ إلى الرسول(ص) مستنكرين، وقالوا: لو أنَّ هذا الشّابّ ـ الذي خرج لطلب الرّزق ـ يصرف هذه القوَّة في عبادة الله، فيصلّي ويصوم ويحجّ، أما كان ذلك له أفضل من طلب الدّنيا؟ فقال(ص) لهم: "إن كان هذا الشابّ قد خرج لأبوين عنده يعولهما، فقد خرج في سبيل الله، وإن كان قد خرج ليعود بالمال على نفسه وعياله، فقد خرج في سبيل الله، وإن كان قد خرج ليكفَّ ماء وجهه عن النّاس، فقد خرج في سبيل الله، وإن كان قد خرج ليستعلي بالمال على النّاس، فقد خرج في سبيل الشيطان".

إذاً، نفهم من هذا أنَّ كلَّ الأهداف الّتي يستهدفها الإنسان في عمله من أجل القيام بمسؤوليَّاته الأبويَّة أو العائليَّة أو الذّاتيَّة، وما يتفرَّع عنها من مسؤوليَّاتٍ تجاه المجتمع، تجعله مجاهداً في سبيل الله، كما يحمل السَّيف ليقاتل في سبيل الله، وقد ورد في الحديث: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"[18]، فكما تحتاج الأمَّة إلى من يدافع عنها، ويقاتل في سبيل عزّتها، كذلك تحتاج إلى من يدفع الفقر عنها في الدّاخل، ويلغي ضعفها في حاجاتها المعيشيَّة والاقتصاديَّة، ويُبعدها عن الدّيون الخارجيَّة والارتهان لصندوق النّقد الدّولي، أو لهذه الدّولة أو تلك، لتستدين وتقترض، كما نحن في لبنان، حيث أصبحت القروض بالمليارات التي لا ندري كيف سيستطيع اللّبناني أن يسدّدها. "احتج إلى من شئت تكن أسيره"[19]، عندما نحتاج إلى النّاس والدّول، سنكون أسرى لسياستهم واقتصادهم وأمنهم.

لذلك، لا إشكال في أنَّ الجهاد في سبيل عمليّة الإنتاج ورفع مستوى الاقتصاد في الأمَّة من خلال عمل العاملين، يقوّي الأمَّة ويدعم استقلالها وحريّتها، تماماً كما يدعم المجاهدون حريَّة الأمَّة واستقلالها...

ويبقى النّداء الإلهيّ: {وَقُلِ اعْمَلُواْ} في كلِّ ما كلّفكم الله عملكم من عبادةٍ ومن طلب رزقٍ ومن جهادٍ وعلم، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[20].. هذا هو موقف الإسلام في يوم العمل: بشارة من الله لكلِّ العاملين، وغضبٌ من الله على كلّ البطّالين، فاحذروا أن تكونوا من البطّالين لأنّكم لا تجدون عملاً على مزاجكم، واعملوا أيَّ شيء، وفي أيّ موقع، فإنَّ في العمل الشَّرف كلّ الشرف، حتى ولو كان عملاً صغيراً، لأنَّ الإنسان الّذي يكفّ ماء وجهه عن النّاس، هو الَّذي يحافظ على كرامته وعزّته وشرفه...

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، اتّقوا الله، واطلبوا مواقع رضوانه، وتحمَّلوا مسؤوليَّاتكم في كلّ ما كلّفكم به؛ في واجباتكم الّتي فرض الله عليكم أن تقوموا بها، وفي المحرَّمات الّتي فرض الله عليكم أن تتركوها. اتّقوا الله في عباده وبلاده، لتتحمَّلوا مسؤوليَّاتكم في هداية عباده ورعايتهم، وفي قضاء حوائجهم وتعزيز مواقعهم وتثبيت مواقفهم، وفي بلاده، من أجل أن تكون البلاد حرّةً قويّةً في مواجهة كلّ الَّذين يريدون أن ينتهكوا حرمتها بالاحتلال والضَّغط والظّلم.

اتّقوا الله في كلِّ شيء، فإنَّ تقوى الله ترتفع بكم إلى أعلى الدّرجات، وتجعلكم القريبين إلى الله، الأحبَّاء عنده..

وهكذا، من التّقوى أن يعيش الإنسان اهتماماته في قضايا المسلمين جميعاً، ويدرس ما يمسّ المسلمين من كلِّ عوامل الضّعف والقوَّة، ويهتمّ بالأوضاع الدّوليَّة بقدر ما تترك تأثيراً سلبيّاً أو إيجابيّاً في الواقع الإسلاميّ كلِّه، وفي واقع المستضعفين كلّهم.

وقد أراد الله لهذا اليوم، يوم الجمعة، أن يكون يوم عبادة، ويوم اجتماع يجتمع فيه المسلمون من أجل أن يسمعوا ما في واقعهم من القضايا الّتي تمسّ حياتهم في مواقع الحريَّة والعدالة والعزَّة والكرامة، فماذا هناك؟

حرب إعلاميَّة صهيونيَّة

لقد بدأ الصَّهاينة حرباً إعلاميَّةً ضدّ إيران وسوريا، من خلال الحديث عن حصول إيران على صواريخ بعيدة المدى، ثم كان التَّصريح الأميركي بأنَّ إيران شيَّدت برنامجاً ضخماً لإنتاج أسلحة كيميائيَّة، وأنَّها أنتجت كمّيّات ضخمة من العناصر الكيميائيَّة في السنوات الأخيرة، وأُضيف إلى ذلك حديث وزير حرب العدوّ ووزير خارجيَّته في الصّحف الإسرائيليّة، بأنَّ "سوريا تملك أسلحة كيميائيَّة وبيولوجيّة تهدِّد حياة الإسرائيليّين"، ثم كان تقرير وزارة الخارجيّة السنويّ حول "الإرهاب"، واتهام إيران وسوريا برعايته، ولم تتحدَّث أميركا عن الأسلحة النّوويّة والكيميائيَّة الإسرائيليَّة، لأنَّ من حقِّ إسرائيل، في نظر أميركا، أن تكون الأقوى في المنطقة..

ثم كانت زيارة وزير الدّفاع التركيّ إلى الكيان الصّهيونيّ، والإعلان عمّا يشبه التّحالف العسكري بين تركيا وإسرائيل ضدّ سوريا وإيران، في نطاق الإعلان التركي بأنَّ إيران وسوريا تدعمان الأكراد المتمرّدين في تركيا ضدّ النّظام.

إنَّ هذا كلَّه يوحي بأنَّ هناك خطَّة أميركيّة ـ إسرائيليّة لاستخدام تركيا في السياسة العدوانيَّة في المنطقة في مواجهة المواقف المعارضة للخطط الأميركيَّة الّتي تستهدف شعوبها في مصادرة حريّاتها، ونهب ثرواتها، واهتزاز أمنها بطريقةٍ وبأخرى. وربما بدأت أميركا بإيجاد نظامٍ أمنيٍّ إقليميٍّ يؤسِّس لتحويل المنطقة إلى مزرعةٍ أميركيَّةٍ في المجال العسكريّ والسّياسيّ والاقتصاديّ لحماية المصالح الأميركيَّة الاستكباريَّة، ما يفرض على الأمَّة أن تراقب ذلك بوعيٍ وحذرٍ، لتوحِّد جهودها في إسقاط هذه الخطَّة العدوانيَّة الجديدة.

التَّقرير الأميركيّ: وسيلة ضغط

ونتوقَّف ـ في هذا الإطار ـ عند التّقرير السّنوي الأميركيّ حول "الإرهاب"، الذي يتَّهم إيران بأنها الرّاعية للإرهاب في العام 1996، وأنها "تمارس الإرهاب بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر عبر تنظيمات لبنانيّة"، من خلال دعمها للمقاومة الإسلاميَّة في لبنان وفلسطين، لأنَّ أميركا لا ترى الاحتلال الصّهيوني في هذين البلدين مشكلةً سياسيّةً للشّعبين الفلسطيني واللّبناني، بل تراه حقّاً لإسرائيل في تأكيد وجودها السياسيّ في المنطقة وحماية أمنها، ما يجعل من حركة المواجهة الجهاديّة للاحتلال عملاً إرهابيّاً في نظر أميركا.. ويتّهم التقرير المذكور سوريا بأنَّها "لا تزال دولةً راعيةً للإرهاب"، لأنها تدعم حركة المواجهة للاحتلال الصّهيوني في فلسطين ولبنان.

إنَّنا نعتبر أنَّ هذا التَّقرير لا يملك صدقيَّة حقيقيّة واقعيّة، بل هو محاولة إعلاميَّة ذات أهداف سياسيَّة، لتشويه صورة إيران وسوريا وحركة المجاهدين في مواجهة الاحتلال، لتأليب الرّأي العام الدّوليّ ضدّ هذا الواقع الحرّ في المنطقة، كوسيلةٍ من وسائل الضَّغط لتغيير هذه الجهات سياستها من القضيّة الفلسطينيّة والاحتلال الإسرائيلي.

إنَّنا نحذِّر الواقع العربيّ والإسلام السّياسيّ من السّقوط تحت تأثير هذه الحرب الأميركيَّة الإعلاميَّة النفسيَّة، وندعوهما إلى الوقوف مع قضايا التحرّر من الاحتلال، لأنَّ ذلك هو الّذي يعزِّز موقع الأمَّة في صراعها ضدّ الاستكبار العالميّ والصّهيونيّ الّذي يهدِّد مصالحها في الصَّميم.

ونأتي إلى التّقرير في حديثه عن لبنان، وأنّه "لا يزال مصدر خطر على الأميركيّين"، ما يفرض إبقاء الحظر الأميركيّ على سفر الأميركيّين إلى لبنان، بحجَّة أنَّ "هناك أجزاء من لبنان لا تملك الدَّولة السَّيطرة عليها، لأنَّها خاضعة لجماعات تمارس الإرهاب فيها"، في الوقت الَّذي نرى أنَّ الأميركيّين الّذين يزورون لبنان لا يتعرَّض لهم أحد بسوء، ما يوحي بأنَّ التَّقرير الأميركيّ قد يؤسِّس لبعض الأجواء الأمنيَّة التي تشجِّع العدوّ الصهيوني على القيام بمغامرةٍ عسكريّةٍ تستهدف إزالة الجمود السّياسيّ الّذي تعيش فيه قضيّة التسوية، لأنّ السياسة الأميركية لا تزال تعمل على حماية الاحتلال الصّهيوني للبنان، بالوقوف ضد المجاهدين الّذين يتحركون في خطِّ المقاومة لتحرير أرضهم والدِّفاع عن بلادهم.

إنَّ أميركا تكذب عندما تتحدَّث عن حقوق الإنسان، وعن قضايا حرية الشّعوب في العالم، وعن مواجهتها للإرهاب، لأنَّها الدَّولة الأكثر حرباً على الحريَّة، والأكثر دعماً للإرهاب ضدّ حريَّة الشّعوب. وعلى الشّعوب، ولا سيّما في المنطقة ـ ولبنان بالذّات ـ أن تواجه هذا الواقع الجديد بوعيٍ وقوّة.

وبالعودة إلى العلاقات التركيَّة ـ الصهيونيَّة الّتي تتطوَّر تحت رعايةٍ أميركيَّةٍ في تحالفٍ عسكريٍّ يهدِّد المنطقة وأمنها، في ظلِّ التَّصريحات الإسرائيليَّة من جهة، وتصاريح الجنرالات الأتراك من جهةٍ أخرى، وفي خطَّةٍ تركيّةٍ عسكريّةٍ لإقصاء الإسلاميّين عن الحكم، والضَّغط على النَّشاط الإسلاميّ الشَّعبيّ الذي ينطلق فيه الشّعب التركيّ في صحوة إسلاميّة كبيرة من أجل إعادة تركيا إلى الدائرة الإسلاميّة، بعيداً عن النّظام العلمانيّ الّذي يعمل ضدّ الإسلام والمسلمين، فإنَّ علينا مراقبة هذا الوضع الجديد في خطوطه العدوانيَّة ضدّ شعوب المنطقة.

العلاقات الإيرانيَّة الأوروبيّة

أمّا على مستوى العلاقات الأوروبيّة ـ الإيرانيّة، فإنّنا نقدّر تراجع دول الاتحاد الأوروبيّ عن موقفها السّلبيّ ضدّ إيران، وذلك بالإعلان عن قرار إعادة سفرائها إلى طهران وإبقاء العلاقات الاقتصادية، لأنّه تراجعٌ عن الخطأ الّذي قد يؤدِّي إلى تعقيد العلاقة الإسلاميّة ـ الأوربيَّة، مما يُعتبر ربحاً لأميركا الّتي لا تريد لأوروبّا أن تعيش في حالة انفتاح على العالم الإسلاميّ.

ولكنّنا ـ في الوقت نفسه ـ نرى في القرارات السلبيَّة الأخرى، مثل إيقاف الحوار النّقديّ ونحوه، إجراءً سيّئاً في غير مصلحة العلاقات الإيجابيَّة، ونرى في موقف القيادة الإسلاميَّة في إيران من رفض عودة بعض السّفراء إلى طهران، قوَّةً للعنفوان الإسلاميّ الّذي يرفض أيّ نوعٍ من أنواع محاولة إذلال المسلمين في الموقف السياسيّ المضادّ.

المقاومة: الردّ الوحيد على إسرائيل

وفي الإطلالة على ما يجري في الجنوب والبقاع الغربي من الاعتداءات الصّهيونيّة المتتابعة، في ظلّ التَّهديد الإسرائيلي بتزويد جيش العملاء بأسلحة متطوّرة من صواريخ ومدفعيَّة، للاعتداء على المدنيّين كوسيلة للضَّغط على المقاومة، فإنّنا نرى في هذه الخطوة سعياً لإيجاد وضعٍ أمنيٍّ جديدٍ لمصلحة الخطّة الإسرائيليّة في تعديل تفاهم نيسان، من أجل أن تستعيد إسرائيل حريّتها في قصف المدنيّين.

إنّنا نحذِّر من خطط العدوّ في المرحلة الجديدة، وندعو إلى دعم المقاومة الّتي هي الردّ الوحيد على ذلك، لأنَّها القوَّة الجهاديّة الّتي تملك إسقاط عنفوان العدوّ وعملائه، حتى لو حشدوا كلّ الأسلحة، لأنَّ هناك فرقاً بين من يدافع عن حريّة شعبه وأمّته، ومن يعتدي على قضيَّة الحريَّة والإنسان.

قضايا العمّال في مهبِّ الرّياح

وأخيراً، لقد مرَّ يوم العمّال في ظلّ الأجواء القلقة الّتي يعيشها البلد في الجانب السياسيّ الّذي ينتج في كلّ يوم مشكلةً جديدة، ليدخل البلد في اهتزازٍ جديدٍ يترك تأثيره في ثقة المواطن بدولته وفي ثقة العالم بلبنان. وربما نجد في هذه الأوضاع الصَّعبة، أنَّ العيد كان عيد أرباب العمل وأرباب السياسة الرّسميّة، بدلاً من أن يكون عيد العمّال، لأنَّ وحدة العمال قد اهتزَّت، ما يجعل من قضيَّة الوصول إلى حقوقهم قضيّة تعيش في قبضة الرّياح السّياسيّة العاتية..

إنَّ البلد بحاجةٍ إلى المزيد من الوحدة والوعي والتحرّك، من أجل التحرّر من الاحتلال وتحقيق العدالة للجميع، هذا هو التحدّي الكبير الّذي لا بدَّ من أن نرتفع إلى مستواه.

 

[1]  [الملك: 15].

[2]  [القصص:77].

[3]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 7.

[4]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 12، ص 14.

[5]  المصدر نفسه، ج 12، ص 13.

[6]  الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 78.

[7]   وسائل الشّيعة، ج 12، ص 12.

[8]  المصدر نفسه، ج 17، ص 26.

[9]  المصدر نفسه، ج 17، ص 28.

[10]  في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنيّة، ج4، ص129.

[11]  [الطلاق: 2، 3].

[12]  بحار الأنوار، ج 22، ص 132.

[13]  الكافي، ج 5، ص 72.

[14]  [الأعراف: 32].

[15]  الكافي، ج 5، ص 149.

[16]  وسائل الشّيعة، ج 17، ص 14.

[17]  المصدر نفسه، ج 17، ص 21.

[18]  الكافي، ج 5، ص 89.

[19]  ميزان الحكمة، ج 1، ص 641.

[20]  [التوبة: 105].

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير