تسامح في موقع ومحاسبة في آخر : فن العشرة ومسؤولية

تسامح في موقع ومحاسبة في آخر : فن العشرة ومسؤولية
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والإجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

يؤكد الإسلام على ضرورة أن نخطط لحياتنا إبتداء من إعادة صياغة أنفسنا إلى حسن إدارة العلاقة مع الناس ومع الأهل، حتى يعرف الإنسان كيف تكون حركته في الحياة لأنه مسؤول عن حركته، سواء كانت تتصل بنفسه أو أهله أو بالناس من حوله، لأن الإنسان المسلم ليس حراً في أن يتبع هواه بل لا بدّ أن يتبع ربه من خلال عبوديته لربه. ونريد في هذا الموقف أن نقتبس من القرآن الكريم ومن سنّة رسول الله (ص) ومن أحاديث أئمة أهل البيت (ع) ما ينير دروبنا ويصلح أمورنا في الحياة .

العقل قرين برّ وولد واصل

ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) في العشرة مع النفس يقول: "اجعل قلبك قريناً برّاً أو ولداً واصلاً – والقلب في الكلمات القرآنية يراد به العقل، والمعنى أن تنظر إلى عقلك نظرتك إلى صاحبك الذي يسير معك لتستشيره كيف ترتب حياتك وتميز بين الحسن والقبيح، وان تعتبره كما لو كان ولداً لك تحضنه كما تحضن ولدك، لأن الإنسان عندما يخاطب عقله ويستشيره ويجلس معه فإن أخطاءه تقلّ سيما وأنّ أكثر الأخطاء التي نرتكبها تصدر عن هوى النفس، أي عندما نقع أسرى غرائزنا ونتحرك على أساس الانفعال والغضب من دون تفكير في العواقب، ولهذا فان وصية الإمام الصادق (ع) أن يعيش الإنسان مع عقله ليعتبره ولداً واصلاً وقريناً برّاً يصاحبه فلا يفارقه في أيّ موقف من المواقف، بل يكون عمله وقوله وموقفه من خلال العقل بحيث يشرف العقل عليك لا هواك – واجعل عملك والداً تتبعه - لأن عملك يمشي أمامك، فالإنسان يوم القيامة يتحرك عمله أمامه ليحدد له الطريق إما إلى الجنة أو إلى النار، لذا على الإنسان أن لا يستهين بعمله باعتبار انه هو الذي يحدد له مصيره، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"، فنوعية عملك هي التي تحدد لك نوعية مصيرك – واجعل نفسك عدواً تجاهدها – عندما تنطلق مع نفسك، والمقصود بالنفس هنا هو هذا الكيان الذي يتضمن مجموعة الغرائز التي تدعوك إلى أن تشبعها وتلبيها على أساس أهوائها، فإن الله تعالى لم يرد لنا أن نكبت غرائزنا ولكنه سبحانه أراد لنا أن ننظمها، فنحن نعرف أن الغرائز قد أودعها الله في الإنسان من اجل أن تحفظ للإنسان حياته، فلولا غريزة الجوع والعطش والشهوة لما اندفع الإنسان إلى أن يأكل أو يشرب لتستقيم حياته أو إلى إن يتبع بعض مشتهياتها من اجل أن تستمر حياة الإنسانية وما إلى ذلك من الغرائز التي تدفع الإنسان إلى العمل والحركة، فالله تعالى أراد للإنسان أن ينظم غرائزه وان لا يجعلها هي التي تحكم عليه، بل يعطي العقل القيادة لهذه الغرائز ليجلس مع كل غريزة ليخاطبها بأن هذا الاتجاه يمكن أن يسيء إليها والى الإنسان الذي يحملها، أو أن ذلك الإتجاه يؤدي بها إلى الصلاح ، تقول الآية الكريمة : "وما ابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي"، فعلى الإنسان أن لا يستسلم لهوى نفسه بل أن يعمل على أن يجاهدها - واجعل مالك عارية تردها"، لأن الله تعالى أعطاك المال ليكون وديعة عندك، فهو مال الله وعليك أن ترد هذه العارية إلى من تنتقل إليه من بعدك أو تردها إلى الله من خلال ما تمثله من الأوامر التي كلفك الله أن تطيعه فيها فيما يتصل بمالك..

" نفسك رهينة بعملك "

وفي حديث للإمام الصادق (ع) يقول: "اقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك – حاول ان تجنّب نفسك ما يضرها في الدنيا والاخرة – واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك فان نفسك رهينة بعملك"، فانت مرتهن "كل نفس بما كسبت رهينة"، ألا تسعى في الدنيا لفك الرهينة على الدَّين، فعليك أن تفك نفسك من الرهن الذي يحررك ويجعلك تنطلق في يوم القيامة حراً. وفي حديث آخر عنه (ع) قال:"خذ لنفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوة قبل الضعف وفي الحياة قبل الممات"، لأن الفرصة ربما تذهب منك، ما دمت صحيحاً اعمل واغتنم فرصة الصحة لأنك اذا مرضت فانك لن تستطيع ان تقوم بعمل الأصحاء، وما دمت قوياً فاستفد من قوتك وما دمت حياً فاستفد من حياتك.

حفظ إنسانية الناس

أما على مستوى العشرة مع الناس، فيقول الله تعالى: "وقولوا للناس حسناً"، اذا اردت ان تتكلم مع الناس ليكن كلامك طيباً يحفظ كرامات الناس ويحترم مشاعرهم وأحاسيسهم، وقد فُسرت هذه الآية بأن عليكم ان تقولوا للناس ما تحبون ان يقوله الناس لكم، فكيف تحب ان يخاطبك الناس ويتكلمون معك؟ هل تحب ان يسبوك ويتهموك ويؤذوك او يعملوا ايّ عمل يمكن ان يسقط؟ فاذا كنت تكره لنفسك ذلك فاكره لغيرك. ويقول تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ان الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً"، أحسن الى كل هؤلاء في قولك وفعلك ولا تتكبر عليهم فتنظر اليهم من فوق نظرة تخويف وإرهاب وعنف، فالله لا يحب من يعيش الخيلاء من خلال انتفاخ شخصيته.

وفي كلام لعليّ (ع) يقول:"خالطوا الناس مخالطة ان متم معها بكوا عليكم وان عشتم حنّوا اليكم"، يعني خالطوا الناس مخالطة تدخلكم في قلوبهم بحيث يعيشون الحب لكم والعاطفة معكم، ومن الطبيعي ان كل واحد منا اذا كان يحب شخصاً ومات فانه يبكي عليه، أما اذا كان غائباً عنه فانه يحنّ اليه. وتلك الكلمة هي ما اوصى بها عليّ (ع) لبنيه في حال احتضاره، ففي الرواية انه لما احتضر امير المؤمنين (ع) جمع بنيه ووصاهم وكان في آخر وصيته: "يا بني، عاشروا الناس عشرة ان غبتم حنوا اليكم وان فقدتم بكوا عليكم"، هذا الخط الذي يريد منا ان ننفتح بانسانيتنا التي تمتلئ بالحب والعاطفة، ان ننطلق من انسانيتنا لحفظ انسانية الناس لأنك تعيش انسانيتك وتحب للناس ان يحترموها ويحفظوها، والناس يعيشون انسانيتهم ويحبون ان يحفظها الآخرون ويحترموها، وهذا هو الذي يصنع لأيّ مجتمع الاستقرار والطمأنينة لأن المجتمع القائم على المحبة والإنسانية والإحترام المتبادل هو مجتمع ينفتح على كل خير لأن الناس معه لا يفكرون إلا بالخير لبعضهم البعض.

بين الإفتقار إلى الناس والاستغناء عنهم

وفي كلام للإمام الباقر (ع) يقول: "صلاح شأن الناس التعايش والتعاشر ملء مكيال، ثلثاه فطن وثلث تغافل"، يعني عندما تعيش مع الناس وتعاشرهم فعليك ان تكون واعياً وحذراً وفطناً حتى لا يأخذك الناس على حين غرّة من دون ان تنتبه لذلك، لأن لكل واحد هدف وغرض وفهم معين للأشياء، فعليك ان تكون دقيقاً في ملاحظاتك، كما ان عليك ان تسامح وتنسى بعض الأعمال والكلمات السيئة التي يواجهك الناس بها لأن الإنسان لا يستطيع ان يحاسب الآخرين مئة بالمئة، لأن الناس ليسوا معصومين.. وكان امير المؤمنين (ع) يقول: "ليجتمع في قلبك الافتقار الى الناس والاستغناء عنهم – لأن الانسان ليس بحاجة الى الناس مئة بالمئة ولا يستطيع ايضاً ان يستغني عن الناس مئة بالمئة، فحاول ان تجمع حالة الإحساس بالافتقار الى الناس لتكون معاشرتك لهم معاشرة حسنة، وحالة الإستغناء عنهم لتحتفظ بعزتك وكرامتك - يكون افتقارك اليهم في لين كلامك وحُسْن بِشْرك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك"..ان هذه الكلمات تحاول ان تقول للإنسان ان عليك عندما تعيش في المجتمع ان تتحسس المجتمع في كل انسانيته واحاسيسه، كن الإنسان الذي ينفتح على المجتمع بإنسانيته وطيبته واخلاقه وإحسانه حتى نستطيع إذا تحلّىكل إنسان بهذه الأخلاق ان نحصل على مجتمع متكامل.

"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"

أما على مستوى العشرة مع الأهل، فان الله تعالى يقول: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً"، عاشر اهلك بكل الكلمات الطيبة والسلوك الطيب لأن ذلك هو مسؤوليتك في بيتك، وقد حدد الله تعالى للعلاقة الزوجية خطين: "فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان"، ليكن المعروف هو الخط الذي يحكم هذه العلاقة بينك وبين زوجتك بان يكون سلوكك معها سلوك المعروف الذي تحفظ من خلاله انسانيتها، أما اذا لم تشأ ان تعيش مع زوجتك فلا تضطهدها وتحاول ان تقهرها من اجل ان تتنازل عن حقها لك، ولا تحاول ان تنفّس عقدتك فتجعلها كالمعلقة – لا متزوجة ولا مطلقة – لأن الله لا يريد للإنسان ان يعيش مع إنسان آخر ليفرض عليه مزاجه وانانيته ووحشيته وليتركه معلقاً بين السماء والأرض..

إجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك

وعندما تعيش مع اهلك، فإن الله يقول لك: "يا ايها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله" اعط اهلك حبك وقيامك بمسؤولياتك، ولكن لا تنس الله عندما تعيش مع اهلك وولدك. وفي حديث عن الإمام الصادق (ع) يقول: "سمعت ابا جعفر (ع) – وهي كنية الإمام الباقر (ع) – يقول: إني لأصبر من غلامي هذا، ومن اهلي، على ما هو أمرّ من الحنظل، إنه من صَبَرَ – لأن بعض الناس قد يُبتلى بأهله وولده - نال بصبره درجة الصائم القائم ودرجة الشهيد الذي قد ضرب بسيفه قدّام محمد (ص)".. ومن وصايا امير المؤمنين (ع) لولده الحسن (ع) يقول: "لا يكن اهلك اشقى الخلق بك"، بان لا يشعروا عندما تعيش معهم بانك كالمصيبة المتحركة التي تنـزل بهم نتيجة سوء الخلق.. وفي توجيه للناس الذين يسهرون طوال الليل ويتركون زوجاتهم واولادهم في البيت، يقول رسول الله (ص): "جلوس المرء عند عياله أحبّ الى الله من اعتكاف في مسجدي هذا"، فعلى الانسان ان يجلس مع عياله ويسهر معهم ويحدثهم، ولا بأس ان يخص وقتاً معيناً لأصحابه.. واما المنهج في كل المعاشرات مع الأهل والناس كلهم فيحدده أمير المؤمنين بقوله : "اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك وأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب ان تُظلم وأحسن كما تحب ان يُحسن اليك واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك وارض من الناس ما ترضى لهم منك".

هذا كلام عليّ (ع)، وكلامه هو الضوء الذي ينير لنا طرق الحياة لنلتقي بالخير والمحبة، ونلتقي بالله في نهاية المطاف.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وراقبوه في كل اموركم وانطلقوا في حساب مع انفسكم عندما تعيشون مع انفسكم، لأن الانسان اذا راقب نفسه استطاع ان يجنبها كل ما يبعده عن الله، واستطاع ان يقربها الى كل ما يقربها لله، وحاولوا ان تكونوا الأتقياء الذين يحاسبون انفسهم في معاشرتهم لأهلهم وللناس ليدركوا ما هي حقوق الناس واهلهم عليهم. وعلينا ان نكون الواعين لأنفسنا، المنفتحين على ربنا، الذين يفكرون كيف يقفون غداً بين يدي الله تعالى ليسألهم عما عملوه ويحاسبهم عما ارتكبوه. وعلينا ان نتحمل مسؤولياتنا في كل ما نواجهه من قضايا في الحياة، ولا سيما القضايا العامة التي تمس المسلمين والمستضعفين جميعاً، وهناك عدة قضايا لا بدّ ان نطل عليها باختصار:

حرب كوسوفو لمصلحة الإستكبار

لا تزال قضية "كوسوفو" تتفاعل بين تهجير المسلمين هناك وقصف "صربيا" و بين حركة اللعبة السياسية الأمريكية – الأوروبية باسم البحث عن حل سياسي، وما نريد توعية المسلمين اليه هو أن لا يتصوروا أن كل هذه الحرب كانت من أجل المسلمين الكوسوفيين، بل هي من أجل مصالح الإستكبار العالمي ولا سيما الأمريكي، فان هذا التصوّر يمثل نوعاً من السذاجة السياسية التي أوقعت العالم العربي والإسلامي في كثير من المشاكل والتعقيدات في مواقعهم الأمنية والسياسية والإقتصادية.

العلمانية التركية لا تحترم إرادة الناس

وفي جانب آخر، لا تزال قضية حجاب عضوة البرلمان التركي الإسلامية "قاووقجي" تثير أكثر من جدل سياسي في تركيا، فقد بدأت الحكومة هناك تفكر في إلغاء نيابتها وربما يمتد ذلك الى إلغاء حزب الفضيلة وإسقاط نيابة نوابه.. ان دولة لا تحترم حريات شعبها في الإلتزام الإسلامي وإرادة الناس فيها في تأييد الإسلاميين، باسم العلمانية، هي دولة تعيش الضعف والخوف من سقوط علمانيتها تحت تأثير المدّ الشعبي الإسلامي، وبالتالي فانها تتنكر للعلمانية الديمقراطية القائمة على أساس الحريات الشعبية في الاختيارات السياسية.

ان الانتخابات الأخيرة في تركيا دللت على ان الشعب بدأ يعزل الفئة العسكرية المسيطرة على البلاد والعباد بالقوة، ومهما عملت هذه الفئة فلن تستطيع ان تبلغ اهدافها في عزل الإسلام، إن عاجلاً او آجلاً.. وعلى المسلمين ان يرفعوا اصواتهم بالرفض لهذه الأعمال، انطلاقاً من مسؤولياتهم في الوقوف مع الحالة الإسلامية الحركية الصامدة في كل مكان.

دخول العرب على خط الإنتخابات الصهيونية مدعاة للسخرية

وعلى خط آخر، فان من السخرية ان يدخل بعض العرب ناخباً في الإنتخابات الإسرائيلية، ليدعموا حزب العمّال ضد "الليكود"، طمعاً في إتمام حركة التسوية، وعلينا ان نعرف انهم يمثلون وجهين لعملة واحدة وانهم يتفقون في الإستراتيجية ويختلفون في التكتيك، وأن قوة الموقف العربي هو في تأكيد التضامن والتكامل والإنفتاح على كل قوى الشعب في حركة الوحدة في القضايا المصيرية وفي حرية التعبير عن الرأي السياسي، فقد تكون مشكلتنا ان الشعب في الواقع العربي - في الأغلب – لا صوت له، فكيف يُراد ان يكون له صوت يحسم المعركة عند عدوّه؟! ان الأنظمة التي تعمل على ان تهزم شعوبها كيف يمكن ان تهزم عدوّها؟!

لتكن مناسبتا 15و17 أيار حافزاً لمواجهة إسرائيل

وعلى العالم العربي ان يتذكر تاريخ 15 أيار الذي سقطت فيه فلسطين، وعلى اللبنانيين ان يستذكروا تاريخ 17 أيار الذي كاد فيه لبنان ان يسقط في الاتفاق المشؤوم تحت سيطرة إسرائيل، ليكون ذلك حافزاً لتوحيد المواقف وتأصيل الاستراتيجية في واقعية التكتيك، لأن قضية إسرائيل ليست قضية دولة نختلف معها في مواقع الإحتلال، ولكنها قضية غدة سرطانية تحاول ان تدمّر كل الواقع لدى العرب، مستغلة الروح الإنهزامية او التراجعية التي يبشّر بها الكثيرون من حكامهم، باسم الواقعية السياسية.

الحرب ضد المدنيين تعمّق مأزق العدو

وفي لبنان، لا يزال العدو الإسرائيلي يقصف المدنيين، فيقتل من يقتل ويجرح من يجرح ويدمّر ما يدمّر ويُبعد من يُبعد، ويذهب الجميع الى لجنة تفاهم نيسان التي أصبحت مجرد حائط مبكى ينصح اليهود بأن لا يعاودوا الكرّة في الوقت الذي يستمرون فيه بعدوانهم.. ان العدو يعمل على الهروب من مأزقه الذي وضعته فيه المقاومة، حيث استطاعت ان تخترق حواجزه الأمنية، فتقتل جنوده وعملاءه وتعتقل بعض ضباط العملاء، مما قد يؤدي الى تفكيك جيش لحد بفعل الضربات والعمليات الموفقة. ولذلك، فانه يعمد تارة الى الثأر من المدنيين بالغارات والقصف، وطوراً بزرع العبوات في محاولة لإثارة المشاكل والتعقيدات من حول عمليات المقاومة..

ان المرحلة تنفتح على هزيمة العدو وفرض الإنسحاب عليه من قِبَل المجاهدين ان عاجلاً او آجلاً، أياً كانت نتيجة الإنتخابات هناك.. وفي هذا الاتجاه، إننا نعتبر أن نجاح الأجهزة الأمنية الرسمية الى جانب المقاومة في تفكيك المزيد من شبكات العدو الإستخبارية يمثل خطوة متقدمة في حماية البلد وتسهيل عمل المقاومة في استنـزاف العدو في خط التحرير، ونريد للشعب كله ان يتحرك من اجل رصد هؤلاء في كل مكان، لأنهم هم الذين يساعدون العدو على عدوانه.

المطلوب تخطيط للإصلاح ومحاكمة السارقين

وأخيراً، إننا نريد تأكيد المصداقية في الواقع العملي للكلام عن عودة أموال الدولة، وعن انتهاء التطاول على أموال الشعب، باستكمال كل الخطوات في هذا السبيل وذلك في خطين، الأول: محاكمة السارقين ومحاسبتهم أياً كانت مواقعهم السياسية والإجتماعية، ليكون الجميع سواسية امام القانون ولتكون اموال الشعب محترمة في جميع العهود. والخط الثاني هو التخطيط الجدّي للإصلاح الإداري والإقتصادي، لنصل الى شاطئ الأمان بما يمهّد لاستقرار سياسي في العمق لا على السطح.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والإجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

يؤكد الإسلام على ضرورة أن نخطط لحياتنا إبتداء من إعادة صياغة أنفسنا إلى حسن إدارة العلاقة مع الناس ومع الأهل، حتى يعرف الإنسان كيف تكون حركته في الحياة لأنه مسؤول عن حركته، سواء كانت تتصل بنفسه أو أهله أو بالناس من حوله، لأن الإنسان المسلم ليس حراً في أن يتبع هواه بل لا بدّ أن يتبع ربه من خلال عبوديته لربه. ونريد في هذا الموقف أن نقتبس من القرآن الكريم ومن سنّة رسول الله (ص) ومن أحاديث أئمة أهل البيت (ع) ما ينير دروبنا ويصلح أمورنا في الحياة .

العقل قرين برّ وولد واصل

ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) في العشرة مع النفس يقول: "اجعل قلبك قريناً برّاً أو ولداً واصلاً – والقلب في الكلمات القرآنية يراد به العقل، والمعنى أن تنظر إلى عقلك نظرتك إلى صاحبك الذي يسير معك لتستشيره كيف ترتب حياتك وتميز بين الحسن والقبيح، وان تعتبره كما لو كان ولداً لك تحضنه كما تحضن ولدك، لأن الإنسان عندما يخاطب عقله ويستشيره ويجلس معه فإن أخطاءه تقلّ سيما وأنّ أكثر الأخطاء التي نرتكبها تصدر عن هوى النفس، أي عندما نقع أسرى غرائزنا ونتحرك على أساس الانفعال والغضب من دون تفكير في العواقب، ولهذا فان وصية الإمام الصادق (ع) أن يعيش الإنسان مع عقله ليعتبره ولداً واصلاً وقريناً برّاً يصاحبه فلا يفارقه في أيّ موقف من المواقف، بل يكون عمله وقوله وموقفه من خلال العقل بحيث يشرف العقل عليك لا هواك – واجعل عملك والداً تتبعه - لأن عملك يمشي أمامك، فالإنسان يوم القيامة يتحرك عمله أمامه ليحدد له الطريق إما إلى الجنة أو إلى النار، لذا على الإنسان أن لا يستهين بعمله باعتبار انه هو الذي يحدد له مصيره، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"، فنوعية عملك هي التي تحدد لك نوعية مصيرك – واجعل نفسك عدواً تجاهدها – عندما تنطلق مع نفسك، والمقصود بالنفس هنا هو هذا الكيان الذي يتضمن مجموعة الغرائز التي تدعوك إلى أن تشبعها وتلبيها على أساس أهوائها، فإن الله تعالى لم يرد لنا أن نكبت غرائزنا ولكنه سبحانه أراد لنا أن ننظمها، فنحن نعرف أن الغرائز قد أودعها الله في الإنسان من اجل أن تحفظ للإنسان حياته، فلولا غريزة الجوع والعطش والشهوة لما اندفع الإنسان إلى أن يأكل أو يشرب لتستقيم حياته أو إلى إن يتبع بعض مشتهياتها من اجل أن تستمر حياة الإنسانية وما إلى ذلك من الغرائز التي تدفع الإنسان إلى العمل والحركة، فالله تعالى أراد للإنسان أن ينظم غرائزه وان لا يجعلها هي التي تحكم عليه، بل يعطي العقل القيادة لهذه الغرائز ليجلس مع كل غريزة ليخاطبها بأن هذا الاتجاه يمكن أن يسيء إليها والى الإنسان الذي يحملها، أو أن ذلك الإتجاه يؤدي بها إلى الصلاح ، تقول الآية الكريمة : "وما ابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي"، فعلى الإنسان أن لا يستسلم لهوى نفسه بل أن يعمل على أن يجاهدها - واجعل مالك عارية تردها"، لأن الله تعالى أعطاك المال ليكون وديعة عندك، فهو مال الله وعليك أن ترد هذه العارية إلى من تنتقل إليه من بعدك أو تردها إلى الله من خلال ما تمثله من الأوامر التي كلفك الله أن تطيعه فيها فيما يتصل بمالك..

" نفسك رهينة بعملك "

وفي حديث للإمام الصادق (ع) يقول: "اقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك – حاول ان تجنّب نفسك ما يضرها في الدنيا والاخرة – واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك فان نفسك رهينة بعملك"، فانت مرتهن "كل نفس بما كسبت رهينة"، ألا تسعى في الدنيا لفك الرهينة على الدَّين، فعليك أن تفك نفسك من الرهن الذي يحررك ويجعلك تنطلق في يوم القيامة حراً. وفي حديث آخر عنه (ع) قال:"خذ لنفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوة قبل الضعف وفي الحياة قبل الممات"، لأن الفرصة ربما تذهب منك، ما دمت صحيحاً اعمل واغتنم فرصة الصحة لأنك اذا مرضت فانك لن تستطيع ان تقوم بعمل الأصحاء، وما دمت قوياً فاستفد من قوتك وما دمت حياً فاستفد من حياتك.

حفظ إنسانية الناس

أما على مستوى العشرة مع الناس، فيقول الله تعالى: "وقولوا للناس حسناً"، اذا اردت ان تتكلم مع الناس ليكن كلامك طيباً يحفظ كرامات الناس ويحترم مشاعرهم وأحاسيسهم، وقد فُسرت هذه الآية بأن عليكم ان تقولوا للناس ما تحبون ان يقوله الناس لكم، فكيف تحب ان يخاطبك الناس ويتكلمون معك؟ هل تحب ان يسبوك ويتهموك ويؤذوك او يعملوا ايّ عمل يمكن ان يسقط؟ فاذا كنت تكره لنفسك ذلك فاكره لغيرك. ويقول تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ان الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً"، أحسن الى كل هؤلاء في قولك وفعلك ولا تتكبر عليهم فتنظر اليهم من فوق نظرة تخويف وإرهاب وعنف، فالله لا يحب من يعيش الخيلاء من خلال انتفاخ شخصيته.

وفي كلام لعليّ (ع) يقول:"خالطوا الناس مخالطة ان متم معها بكوا عليكم وان عشتم حنّوا اليكم"، يعني خالطوا الناس مخالطة تدخلكم في قلوبهم بحيث يعيشون الحب لكم والعاطفة معكم، ومن الطبيعي ان كل واحد منا اذا كان يحب شخصاً ومات فانه يبكي عليه، أما اذا كان غائباً عنه فانه يحنّ اليه. وتلك الكلمة هي ما اوصى بها عليّ (ع) لبنيه في حال احتضاره، ففي الرواية انه لما احتضر امير المؤمنين (ع) جمع بنيه ووصاهم وكان في آخر وصيته: "يا بني، عاشروا الناس عشرة ان غبتم حنوا اليكم وان فقدتم بكوا عليكم"، هذا الخط الذي يريد منا ان ننفتح بانسانيتنا التي تمتلئ بالحب والعاطفة، ان ننطلق من انسانيتنا لحفظ انسانية الناس لأنك تعيش انسانيتك وتحب للناس ان يحترموها ويحفظوها، والناس يعيشون انسانيتهم ويحبون ان يحفظها الآخرون ويحترموها، وهذا هو الذي يصنع لأيّ مجتمع الاستقرار والطمأنينة لأن المجتمع القائم على المحبة والإنسانية والإحترام المتبادل هو مجتمع ينفتح على كل خير لأن الناس معه لا يفكرون إلا بالخير لبعضهم البعض.

بين الإفتقار إلى الناس والاستغناء عنهم

وفي كلام للإمام الباقر (ع) يقول: "صلاح شأن الناس التعايش والتعاشر ملء مكيال، ثلثاه فطن وثلث تغافل"، يعني عندما تعيش مع الناس وتعاشرهم فعليك ان تكون واعياً وحذراً وفطناً حتى لا يأخذك الناس على حين غرّة من دون ان تنتبه لذلك، لأن لكل واحد هدف وغرض وفهم معين للأشياء، فعليك ان تكون دقيقاً في ملاحظاتك، كما ان عليك ان تسامح وتنسى بعض الأعمال والكلمات السيئة التي يواجهك الناس بها لأن الإنسان لا يستطيع ان يحاسب الآخرين مئة بالمئة، لأن الناس ليسوا معصومين.. وكان امير المؤمنين (ع) يقول: "ليجتمع في قلبك الافتقار الى الناس والاستغناء عنهم – لأن الانسان ليس بحاجة الى الناس مئة بالمئة ولا يستطيع ايضاً ان يستغني عن الناس مئة بالمئة، فحاول ان تجمع حالة الإحساس بالافتقار الى الناس لتكون معاشرتك لهم معاشرة حسنة، وحالة الإستغناء عنهم لتحتفظ بعزتك وكرامتك - يكون افتقارك اليهم في لين كلامك وحُسْن بِشْرك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك"..ان هذه الكلمات تحاول ان تقول للإنسان ان عليك عندما تعيش في المجتمع ان تتحسس المجتمع في كل انسانيته واحاسيسه، كن الإنسان الذي ينفتح على المجتمع بإنسانيته وطيبته واخلاقه وإحسانه حتى نستطيع إذا تحلّىكل إنسان بهذه الأخلاق ان نحصل على مجتمع متكامل.

"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"

أما على مستوى العشرة مع الأهل، فان الله تعالى يقول: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً"، عاشر اهلك بكل الكلمات الطيبة والسلوك الطيب لأن ذلك هو مسؤوليتك في بيتك، وقد حدد الله تعالى للعلاقة الزوجية خطين: "فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان"، ليكن المعروف هو الخط الذي يحكم هذه العلاقة بينك وبين زوجتك بان يكون سلوكك معها سلوك المعروف الذي تحفظ من خلاله انسانيتها، أما اذا لم تشأ ان تعيش مع زوجتك فلا تضطهدها وتحاول ان تقهرها من اجل ان تتنازل عن حقها لك، ولا تحاول ان تنفّس عقدتك فتجعلها كالمعلقة – لا متزوجة ولا مطلقة – لأن الله لا يريد للإنسان ان يعيش مع إنسان آخر ليفرض عليه مزاجه وانانيته ووحشيته وليتركه معلقاً بين السماء والأرض..

إجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك

وعندما تعيش مع اهلك، فإن الله يقول لك: "يا ايها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله" اعط اهلك حبك وقيامك بمسؤولياتك، ولكن لا تنس الله عندما تعيش مع اهلك وولدك. وفي حديث عن الإمام الصادق (ع) يقول: "سمعت ابا جعفر (ع) – وهي كنية الإمام الباقر (ع) – يقول: إني لأصبر من غلامي هذا، ومن اهلي، على ما هو أمرّ من الحنظل، إنه من صَبَرَ – لأن بعض الناس قد يُبتلى بأهله وولده - نال بصبره درجة الصائم القائم ودرجة الشهيد الذي قد ضرب بسيفه قدّام محمد (ص)".. ومن وصايا امير المؤمنين (ع) لولده الحسن (ع) يقول: "لا يكن اهلك اشقى الخلق بك"، بان لا يشعروا عندما تعيش معهم بانك كالمصيبة المتحركة التي تنـزل بهم نتيجة سوء الخلق.. وفي توجيه للناس الذين يسهرون طوال الليل ويتركون زوجاتهم واولادهم في البيت، يقول رسول الله (ص): "جلوس المرء عند عياله أحبّ الى الله من اعتكاف في مسجدي هذا"، فعلى الانسان ان يجلس مع عياله ويسهر معهم ويحدثهم، ولا بأس ان يخص وقتاً معيناً لأصحابه.. واما المنهج في كل المعاشرات مع الأهل والناس كلهم فيحدده أمير المؤمنين بقوله : "اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك وأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب ان تُظلم وأحسن كما تحب ان يُحسن اليك واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك وارض من الناس ما ترضى لهم منك".

هذا كلام عليّ (ع)، وكلامه هو الضوء الذي ينير لنا طرق الحياة لنلتقي بالخير والمحبة، ونلتقي بالله في نهاية المطاف.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وراقبوه في كل اموركم وانطلقوا في حساب مع انفسكم عندما تعيشون مع انفسكم، لأن الانسان اذا راقب نفسه استطاع ان يجنبها كل ما يبعده عن الله، واستطاع ان يقربها الى كل ما يقربها لله، وحاولوا ان تكونوا الأتقياء الذين يحاسبون انفسهم في معاشرتهم لأهلهم وللناس ليدركوا ما هي حقوق الناس واهلهم عليهم. وعلينا ان نكون الواعين لأنفسنا، المنفتحين على ربنا، الذين يفكرون كيف يقفون غداً بين يدي الله تعالى ليسألهم عما عملوه ويحاسبهم عما ارتكبوه. وعلينا ان نتحمل مسؤولياتنا في كل ما نواجهه من قضايا في الحياة، ولا سيما القضايا العامة التي تمس المسلمين والمستضعفين جميعاً، وهناك عدة قضايا لا بدّ ان نطل عليها باختصار:

حرب كوسوفو لمصلحة الإستكبار

لا تزال قضية "كوسوفو" تتفاعل بين تهجير المسلمين هناك وقصف "صربيا" و بين حركة اللعبة السياسية الأمريكية – الأوروبية باسم البحث عن حل سياسي، وما نريد توعية المسلمين اليه هو أن لا يتصوروا أن كل هذه الحرب كانت من أجل المسلمين الكوسوفيين، بل هي من أجل مصالح الإستكبار العالمي ولا سيما الأمريكي، فان هذا التصوّر يمثل نوعاً من السذاجة السياسية التي أوقعت العالم العربي والإسلامي في كثير من المشاكل والتعقيدات في مواقعهم الأمنية والسياسية والإقتصادية.

العلمانية التركية لا تحترم إرادة الناس

وفي جانب آخر، لا تزال قضية حجاب عضوة البرلمان التركي الإسلامية "قاووقجي" تثير أكثر من جدل سياسي في تركيا، فقد بدأت الحكومة هناك تفكر في إلغاء نيابتها وربما يمتد ذلك الى إلغاء حزب الفضيلة وإسقاط نيابة نوابه.. ان دولة لا تحترم حريات شعبها في الإلتزام الإسلامي وإرادة الناس فيها في تأييد الإسلاميين، باسم العلمانية، هي دولة تعيش الضعف والخوف من سقوط علمانيتها تحت تأثير المدّ الشعبي الإسلامي، وبالتالي فانها تتنكر للعلمانية الديمقراطية القائمة على أساس الحريات الشعبية في الاختيارات السياسية.

ان الانتخابات الأخيرة في تركيا دللت على ان الشعب بدأ يعزل الفئة العسكرية المسيطرة على البلاد والعباد بالقوة، ومهما عملت هذه الفئة فلن تستطيع ان تبلغ اهدافها في عزل الإسلام، إن عاجلاً او آجلاً.. وعلى المسلمين ان يرفعوا اصواتهم بالرفض لهذه الأعمال، انطلاقاً من مسؤولياتهم في الوقوف مع الحالة الإسلامية الحركية الصامدة في كل مكان.

دخول العرب على خط الإنتخابات الصهيونية مدعاة للسخرية

وعلى خط آخر، فان من السخرية ان يدخل بعض العرب ناخباً في الإنتخابات الإسرائيلية، ليدعموا حزب العمّال ضد "الليكود"، طمعاً في إتمام حركة التسوية، وعلينا ان نعرف انهم يمثلون وجهين لعملة واحدة وانهم يتفقون في الإستراتيجية ويختلفون في التكتيك، وأن قوة الموقف العربي هو في تأكيد التضامن والتكامل والإنفتاح على كل قوى الشعب في حركة الوحدة في القضايا المصيرية وفي حرية التعبير عن الرأي السياسي، فقد تكون مشكلتنا ان الشعب في الواقع العربي - في الأغلب – لا صوت له، فكيف يُراد ان يكون له صوت يحسم المعركة عند عدوّه؟! ان الأنظمة التي تعمل على ان تهزم شعوبها كيف يمكن ان تهزم عدوّها؟!

لتكن مناسبتا 15و17 أيار حافزاً لمواجهة إسرائيل

وعلى العالم العربي ان يتذكر تاريخ 15 أيار الذي سقطت فيه فلسطين، وعلى اللبنانيين ان يستذكروا تاريخ 17 أيار الذي كاد فيه لبنان ان يسقط في الاتفاق المشؤوم تحت سيطرة إسرائيل، ليكون ذلك حافزاً لتوحيد المواقف وتأصيل الاستراتيجية في واقعية التكتيك، لأن قضية إسرائيل ليست قضية دولة نختلف معها في مواقع الإحتلال، ولكنها قضية غدة سرطانية تحاول ان تدمّر كل الواقع لدى العرب، مستغلة الروح الإنهزامية او التراجعية التي يبشّر بها الكثيرون من حكامهم، باسم الواقعية السياسية.

الحرب ضد المدنيين تعمّق مأزق العدو

وفي لبنان، لا يزال العدو الإسرائيلي يقصف المدنيين، فيقتل من يقتل ويجرح من يجرح ويدمّر ما يدمّر ويُبعد من يُبعد، ويذهب الجميع الى لجنة تفاهم نيسان التي أصبحت مجرد حائط مبكى ينصح اليهود بأن لا يعاودوا الكرّة في الوقت الذي يستمرون فيه بعدوانهم.. ان العدو يعمل على الهروب من مأزقه الذي وضعته فيه المقاومة، حيث استطاعت ان تخترق حواجزه الأمنية، فتقتل جنوده وعملاءه وتعتقل بعض ضباط العملاء، مما قد يؤدي الى تفكيك جيش لحد بفعل الضربات والعمليات الموفقة. ولذلك، فانه يعمد تارة الى الثأر من المدنيين بالغارات والقصف، وطوراً بزرع العبوات في محاولة لإثارة المشاكل والتعقيدات من حول عمليات المقاومة..

ان المرحلة تنفتح على هزيمة العدو وفرض الإنسحاب عليه من قِبَل المجاهدين ان عاجلاً او آجلاً، أياً كانت نتيجة الإنتخابات هناك.. وفي هذا الاتجاه، إننا نعتبر أن نجاح الأجهزة الأمنية الرسمية الى جانب المقاومة في تفكيك المزيد من شبكات العدو الإستخبارية يمثل خطوة متقدمة في حماية البلد وتسهيل عمل المقاومة في استنـزاف العدو في خط التحرير، ونريد للشعب كله ان يتحرك من اجل رصد هؤلاء في كل مكان، لأنهم هم الذين يساعدون العدو على عدوانه.

المطلوب تخطيط للإصلاح ومحاكمة السارقين

وأخيراً، إننا نريد تأكيد المصداقية في الواقع العملي للكلام عن عودة أموال الدولة، وعن انتهاء التطاول على أموال الشعب، باستكمال كل الخطوات في هذا السبيل وذلك في خطين، الأول: محاكمة السارقين ومحاسبتهم أياً كانت مواقعهم السياسية والإجتماعية، ليكون الجميع سواسية امام القانون ولتكون اموال الشعب محترمة في جميع العهود. والخط الثاني هو التخطيط الجدّي للإصلاح الإداري والإقتصادي، لنصل الى شاطئ الأمان بما يمهّد لاستقرار سياسي في العمق لا على السطح.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير