قصة سبأ في القرآن الكريم

قصة سبأ في القرآن الكريم

 

تتميَّز القصص القرآنيَّة بجليل معانيها وشرف غاياتها وقيمتها وعِبَرِها. ومن هذه القصص، قصة قوم "سبأ" الذين سُمّيت السورة باسمهم، لما في قصتهم من العِظَة والعبرة للناس.

وسبأ هو الأب الَّذي تناسلت منه "سبأ"، وبحسب علماء النسب، فاسمه سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وأوَّل من سبى من العرب، فسمي "سبأ" لذلك، ويقال له "الرائش"، لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه. وذكر بعض علماء الأنساب أنَّه كان مسلماً، وكان له شعر بشّر فيه برسول الله(ص).

وقوم سبأ بطروا وكفروا بنعم الله تعالى، ولم يحافظوا عليها، ولم يؤدوا حق هذه النعم التي كانوا يتمتعون بها، وكفروا برسل الله تعالى، وتغافلوا عن ذكره، واطمأنوا إلى الحياة الدنيا ونعمها، وظنّوا أنهم مخلَّدون فيها، وسيأمنون من عذاب الله وقدرته، فبدل أن يعمدوا إلى شكر النعم، التي يجب أن تزيدهم إيماناً بالله وتسليماً له، وينطلقوا من مواقع القوة تلك نحو مزيد من التقدم والتطور الروحي والأخلاقي، ويقدموا نموذج الأمة الواعية المسؤولة، ذات الرسالة الإنسانية والحضارية الفاعلة والمؤثرة في تاريخ الوجود ومسيرته، أعرضوا وتغافلوا واستكبروا على الله تعالى، وتجاهلوا ما عليهم من مسؤوليات وواجبات تجاه أنفسهم وواقعهم وخلافتهم للأرض، فعطّلوا دورهم الإنساني الإيماني الطبيعي الذي يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة، وكان عاقبتهم أن استحقوا العذاب والدمار.

والقصَّة ذكرها علماء التَّفسير، ومنهم سماحة المفسِّر المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض) بقوله: {لقد كان لسبأٍ} وهي قبيلة من العرب سميت باسم الأب الذي تناسلت منه، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ـ كما قيل ـ وكانت تسكن اليمن، {في مساكنهم} أي بلدهم، {آية} أي علامة تهديهم إلى الله وتدلهم عليه وعلى رعايته لعباده وعنايته بهم في ما يفيض عليهم من نعمه لوافرة، ما يمكن أن يجعلوه أساساً للتأمل والتفكير الذي يقودهم إلى المزيد من معرفتهم بالله وارتباطهم به، مما تفرضه حاجاتهم العامة والخاصة له، فالله أعدّ للناس كل ما يتصل بوجودهم واستمرار حياتهم..

{جنّتان عن يمين وشمال}، والجنّة هي البستان المشتمل على الخضرة والفاكهة والورود المتنوعة بأشكالها وألوانها وخصائصها وعناصرها الذاتية، في طعمها وريحها ومنظرها، بما يملأ العين والقلب والحياة.. وهكذا كان على اليمين بستان ممتد يشمل المنطقة كلها، وبستان ممتد على الشمال بالمستوى نفسه..

وقد تنوعت كلمات المفسرين وخيالاتهم أو استيحاءاتهم في تصوير الروعة الناضرة والنعم الوافرة.. وكانت هذه النعم الوافرة تقول لهم بلسان ربهم الذي أودع في قلوبهم سر الوحي بالإيمان والمعرفة بالله والشكر له: {كلوا من رزق ربكم واشكروا له} بالكلمة المنفتحة على نعمه، المعترفة بفضله، وبالعمل الصالح الذي يجسد فيه رضاه ويلتقي بالمعنى الإيماني العميق المتصل به في كل مواقع نعمه المعترفة بفضله، وبالعمل الصالح الذي يجسّد فيه رضاه، ويلتقي بالمعنى الإيماني العميق المتصل به في كل مواقع نعمه.

{بلدة طيبة} في مائها وهوائها وثمارها وروائحها، {ورب غفور} في ما يوحي به معنى الغفران من الرحمة والعطف والحنان الإلهي الذي لا ينتظر فيه الرب عبادة ليخطئوا حتى يعاقبهم، بل إنه ينتظرهم ليرجعوا إليه ـ بعد الخطأ ـ ليغفر لهم.

ومن خلال ذلك، فإن الآية توحي للناس بأن بإمكانهم الاطمئنان للاستمرار في حياتهم بالانفتاح على النعم الوافرة الطيبة التي يغدقها الله عليهم، من خلال رحمته وعفوه ومغفرته ورعايته لهم في كل أمورهم العامة والخاصة، فليسوا مهملين، وليسوا ضائعين، لأن الربّ الذي خلقهم لن يتركهم للضياع ولن يقسو عليهم العقاب ما دام هناك شكر واعٍ للنعمة وحركة منطلقة في خط الإيمان، وهذا هو النداء المتحرك الدائم في كل عصر من خلال حاجاتهم إليه، ويفتح حياتهم على وحيه وشريعته من خلال إيمانهم الواعي العميق بربوبيته..

{فأعرضوا} وتمردوا واستعانوا بنعم الله على معصيته، وابتعدوا عن خطّه المستقيم، وأهملوا حسابات الله في حساباتهم، وأغلقوا أسماعهم عن سماع مواعظه.

{فأرسلنا عليهم سيل العِرَم}، وكان القوم في حالة استرخاء لذيذ غافل عن كل شيء.. وكان الماء يأتي أرض سبأ من أودية اليمن، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما، فسدّوا ما بين الجبلين، فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السدّ بقدر الحاجة ليسقوا زروعهم وبساتينهم، فلما كذّبوا رسلهم وتركوا أمر الله، بعث الله جرذاً نقّبت ذلك الردم، وفاض عليهم الماء سيلاً جارفاً لكل شيء.

{وبدّلناهم بجنتيْهم} الزاهيتين المثمرتيْن الرائعتين {جنتيْن ذواتى أُكُل خمْطٍ وأثلٍ}، وبذلك تحوّلت الجنائن الغنّاء الخضراء إلى أشجار لا تغني شيئاً، فليس هناك إلا الشوك {وشيء من سدرٍ قليل}، وهو النبق الذي لا يأكله إلا حيوان جائع أو إنسان أضناه الفقر والعوز.

{ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نُجزي إلا الكفور}، لأنهم لم يكفروا من موقع حجة مضادة، بل من موقع تمرد طاغٍ وعنادٍ مكابر... [تفسير من وحي القرآن، ج19، ص:31 وما بعدها].

والدروس من هذه القصة كثيرة ودقيقة، فالأمة إذا سارت فيما يرضي الله، وأدّت ما عليها من حقوق ومسؤوليات تجاه ما وهبها الله تعالى من نِعَم، فهي أمة ناجحة ورائدة تعبِّر عن أصالة وفهم ووعي لدورها في الحياة. أما الأمة التي تنغمس في ملذاتها وأهوائها لدرجة نسيان حقوق الله، وتأدية واجباتها تجاه نفسها ودورها ووجودها، فهي أمة ساقطة في كل واقعها لا محالة، وهي أمة منهارة تنخرها العصبيات والأهواء والجهل بالدور المنوط بها على كل المستويات، وهو ما يفقدها توازنها ويحرمها من تحقيق هويتها وفعلها المطلوب.

فالاطمئنان كلّ الاطمئنان في دوام ذكر الله والارتباط به ارتباطاً حياً وفاعلاً ينعكس خيراً وتقدماً على الناس والأرض. فهل نحن اليوم في مقام من يعتبر ويتّعظ؟ وهل نعيش اليوم فعلاً شكر الله وذكره أو بتنا في عالم الانغماس في المظاهر المادية لدرجة نسيان كل ما يترتب علينا؟!

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


  تتميَّز القصص القرآنيَّة بجليل معانيها وشرف غاياتها وقيمتها وعِبَرِها. ومن هذه القصص، قصة قوم "سبأ" الذين سُمّيت السورة باسمهم، لما في قصتهم من العِظَة والعبرة للناس.

وسبأ هو الأب الَّذي تناسلت منه "سبأ"، وبحسب علماء النسب، فاسمه سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وأوَّل من سبى من العرب، فسمي "سبأ" لذلك، ويقال له "الرائش"، لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه. وذكر بعض علماء الأنساب أنَّه كان مسلماً، وكان له شعر بشّر فيه برسول الله(ص).

وقوم سبأ بطروا وكفروا بنعم الله تعالى، ولم يحافظوا عليها، ولم يؤدوا حق هذه النعم التي كانوا يتمتعون بها، وكفروا برسل الله تعالى، وتغافلوا عن ذكره، واطمأنوا إلى الحياة الدنيا ونعمها، وظنّوا أنهم مخلَّدون فيها، وسيأمنون من عذاب الله وقدرته، فبدل أن يعمدوا إلى شكر النعم، التي يجب أن تزيدهم إيماناً بالله وتسليماً له، وينطلقوا من مواقع القوة تلك نحو مزيد من التقدم والتطور الروحي والأخلاقي، ويقدموا نموذج الأمة الواعية المسؤولة، ذات الرسالة الإنسانية والحضارية الفاعلة والمؤثرة في تاريخ الوجود ومسيرته، أعرضوا وتغافلوا واستكبروا على الله تعالى، وتجاهلوا ما عليهم من مسؤوليات وواجبات تجاه أنفسهم وواقعهم وخلافتهم للأرض، فعطّلوا دورهم الإنساني الإيماني الطبيعي الذي يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة، وكان عاقبتهم أن استحقوا العذاب والدمار.

والقصَّة ذكرها علماء التَّفسير، ومنهم سماحة المفسِّر المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض) بقوله: {لقد كان لسبأٍ} وهي قبيلة من العرب سميت باسم الأب الذي تناسلت منه، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ـ كما قيل ـ وكانت تسكن اليمن، {في مساكنهم} أي بلدهم، {آية} أي علامة تهديهم إلى الله وتدلهم عليه وعلى رعايته لعباده وعنايته بهم في ما يفيض عليهم من نعمه لوافرة، ما يمكن أن يجعلوه أساساً للتأمل والتفكير الذي يقودهم إلى المزيد من معرفتهم بالله وارتباطهم به، مما تفرضه حاجاتهم العامة والخاصة له، فالله أعدّ للناس كل ما يتصل بوجودهم واستمرار حياتهم..

{جنّتان عن يمين وشمال}، والجنّة هي البستان المشتمل على الخضرة والفاكهة والورود المتنوعة بأشكالها وألوانها وخصائصها وعناصرها الذاتية، في طعمها وريحها ومنظرها، بما يملأ العين والقلب والحياة.. وهكذا كان على اليمين بستان ممتد يشمل المنطقة كلها، وبستان ممتد على الشمال بالمستوى نفسه..

وقد تنوعت كلمات المفسرين وخيالاتهم أو استيحاءاتهم في تصوير الروعة الناضرة والنعم الوافرة.. وكانت هذه النعم الوافرة تقول لهم بلسان ربهم الذي أودع في قلوبهم سر الوحي بالإيمان والمعرفة بالله والشكر له: {كلوا من رزق ربكم واشكروا له} بالكلمة المنفتحة على نعمه، المعترفة بفضله، وبالعمل الصالح الذي يجسد فيه رضاه ويلتقي بالمعنى الإيماني العميق المتصل به في كل مواقع نعمه المعترفة بفضله، وبالعمل الصالح الذي يجسّد فيه رضاه، ويلتقي بالمعنى الإيماني العميق المتصل به في كل مواقع نعمه.

{بلدة طيبة} في مائها وهوائها وثمارها وروائحها، {ورب غفور} في ما يوحي به معنى الغفران من الرحمة والعطف والحنان الإلهي الذي لا ينتظر فيه الرب عبادة ليخطئوا حتى يعاقبهم، بل إنه ينتظرهم ليرجعوا إليه ـ بعد الخطأ ـ ليغفر لهم.

ومن خلال ذلك، فإن الآية توحي للناس بأن بإمكانهم الاطمئنان للاستمرار في حياتهم بالانفتاح على النعم الوافرة الطيبة التي يغدقها الله عليهم، من خلال رحمته وعفوه ومغفرته ورعايته لهم في كل أمورهم العامة والخاصة، فليسوا مهملين، وليسوا ضائعين، لأن الربّ الذي خلقهم لن يتركهم للضياع ولن يقسو عليهم العقاب ما دام هناك شكر واعٍ للنعمة وحركة منطلقة في خط الإيمان، وهذا هو النداء المتحرك الدائم في كل عصر من خلال حاجاتهم إليه، ويفتح حياتهم على وحيه وشريعته من خلال إيمانهم الواعي العميق بربوبيته..

{فأعرضوا} وتمردوا واستعانوا بنعم الله على معصيته، وابتعدوا عن خطّه المستقيم، وأهملوا حسابات الله في حساباتهم، وأغلقوا أسماعهم عن سماع مواعظه.

{فأرسلنا عليهم سيل العِرَم}، وكان القوم في حالة استرخاء لذيذ غافل عن كل شيء.. وكان الماء يأتي أرض سبأ من أودية اليمن، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما، فسدّوا ما بين الجبلين، فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السدّ بقدر الحاجة ليسقوا زروعهم وبساتينهم، فلما كذّبوا رسلهم وتركوا أمر الله، بعث الله جرذاً نقّبت ذلك الردم، وفاض عليهم الماء سيلاً جارفاً لكل شيء.

{وبدّلناهم بجنتيْهم} الزاهيتين المثمرتيْن الرائعتين {جنتيْن ذواتى أُكُل خمْطٍ وأثلٍ}، وبذلك تحوّلت الجنائن الغنّاء الخضراء إلى أشجار لا تغني شيئاً، فليس هناك إلا الشوك {وشيء من سدرٍ قليل}، وهو النبق الذي لا يأكله إلا حيوان جائع أو إنسان أضناه الفقر والعوز.

{ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نُجزي إلا الكفور}، لأنهم لم يكفروا من موقع حجة مضادة، بل من موقع تمرد طاغٍ وعنادٍ مكابر... [تفسير من وحي القرآن، ج19، ص:31 وما بعدها].

والدروس من هذه القصة كثيرة ودقيقة، فالأمة إذا سارت فيما يرضي الله، وأدّت ما عليها من حقوق ومسؤوليات تجاه ما وهبها الله تعالى من نِعَم، فهي أمة ناجحة ورائدة تعبِّر عن أصالة وفهم ووعي لدورها في الحياة. أما الأمة التي تنغمس في ملذاتها وأهوائها لدرجة نسيان حقوق الله، وتأدية واجباتها تجاه نفسها ودورها ووجودها، فهي أمة ساقطة في كل واقعها لا محالة، وهي أمة منهارة تنخرها العصبيات والأهواء والجهل بالدور المنوط بها على كل المستويات، وهو ما يفقدها توازنها ويحرمها من تحقيق هويتها وفعلها المطلوب.

فالاطمئنان كلّ الاطمئنان في دوام ذكر الله والارتباط به ارتباطاً حياً وفاعلاً ينعكس خيراً وتقدماً على الناس والأرض. فهل نحن اليوم في مقام من يعتبر ويتّعظ؟ وهل نعيش اليوم فعلاً شكر الله وذكره أو بتنا في عالم الانغماس في المظاهر المادية لدرجة نسيان كل ما يترتب علينا؟!

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير