العرب قبل الغرب بحاجة إلى ثورة تغيّر المفاهيم التي تضطهد المرأة

العرب قبل الغرب بحاجة إلى ثورة تغيّر المفاهيم التي تضطهد المرأة

طالب أحد أكبر فقهاء المسلمين الشيعة شيخ الأزهر بتقديم الاعتذار للمسلمين بسبب دعمه لقرار فرنسا بحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية. وقال السيد محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي في لبنان في خطبة الجمعة (في الثالث من الشهر الحالي): "لقد أساء شيخ الأزهر إلى الإسلام والمسلمين عندما أعطى الدولة الفرنسية الحجة الشرعية الإسلامية في إصدار القرار باعتبار مبدأ الحق". وأضاف: "المطلوب منه الاعتذار للمسلمين والوقوف إسلامياً من أجل حماية الإسلام من كلِّ ضغط في الداخل والخارج".

وكان شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي قد أكَّد قبل ذلك بثلاثة أيام، أن من حق فرنسا إصدار قانون يحظر ارتداء الحجاب في المدارس، ودعا المسلمات في هذا البلد إلى الامتثال للقانون إذا صدر.

وقبل ذلك، وفي 20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انتقد فضل الله الذي يُعدُّ أحد أبلغ العلماء المسلمين المتحررين في الفقه وفي التقريب بين المذاهب وبين الثقافات والأديان، في رسالة مفتوحة إلى شيراك، قرار فرنسا حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس، معتبراً أن منع الحجاب يمثل اضطهاداً لحرية الإنسان المسلم.

وممّا جاء في رسالته: "هل بلغت العلمانية مستوى من الضعف بحيث يخاف القائمون عليها من قطعة قماش أو قلنسوة توضع على الرأس أو صليب يوضع على الصدر؟ إنه منطق لا معنى له" . كما دعا فضل الله اللبنانيين إلى طرد كل الذين يصلبون الوطن على خشبة أطماعهم، ويقتلون المواطن في مجازر الفساد والهدر، ويشوّهون هذا الجمال الطبيعي النادر للبنان بالقبح الأناني الموغل في بحيرات الوحول وعواصف الغبار، ويدفعون بالشعب إلى المتاهات السياسية والاقتصادية والتربوية: "وإذا التقوا بالمأساة في ما قد يوحي بالوحدة، فإنّ الناس تتحدث عن سر المأساة ومن صنعها، وكيف يمكن أن نتفاداها". وقال في هذا الصدد: "لقد عشنا في أجواء الدموع، ولكن السؤال: أي دموع؟ هي دموع التماسيح في بعض الناس".

والسيد فضل الله الذي خصَّ "المشاهد السياسي" بحوار صحفي، يتبوأ أعلى مرتبة دينية في قائمة فقهاء علماء الشيعة، حيث اشتهر بجرأته في فتاواه، وعدم تقيّده بمن سبقه، وبفصاحته اللغوية وغزارة علمه واجتهاده في تناول مسائل ذات طابع سياسي تردد ويتردد كبار علماء الإسلام في الخوض فيها، فضلاً عن تميزه بمداخلاته في القضايا الصحية والاجتماعية التي تحتاج إلى إفتاء واضح، في ما لم يرد ذكره من قبل في أمور الحياة والموت.

قضية الحجاب والمؤامرة على الغرب

* نتحدث عن قضية الحجاب وكأن العالم خال من الهموم والمشاكل والتحديات، ليثير العالم المتقدم قضية الحجاب وكأنه مؤامرة على الغرب أو محاولة تغيير للهوية الأوروبية؟

ـ لعلّ المشكلة في فرنسا في خلفياتها السلبية هي مشكلة تاريخية ضد الإسلام، بحيث تحوّلت إلى رواسب عميقة تتمثّل بين وقتٍ وآخر في بعض النقاط التي تتصل بالجانب الديني، وإن كانت تنفتح على الجانب السياسي انطلاقاً من مصالحها. والواقع هو أننا حاولنا في رسالتنا إلى الرئيس جاك شيراك أن نؤكّد على النظرة الإسلامية لهذا الأمر الهامشي للقضايا الكبرى للإسلام والمسلمين والمستضعفين في العالم كله. لكننا أردنا أن نؤكد المفهوم، وهو أن قضية الحجاب تتصل بالالتزام الديني وبحرية المرأة المسلمة في ارتدائه كمسلمة، وليس كمجرد رمز لا يمثل إلا حالة تقليدية.

* كيف؟ هل يمكن بيان ذلك؟

ـ كنا نحاول أن ننبه الرئيس جاك شيراك إلى أن إثارة هذه المسألة ليست في مصلحة الامتداد السياسي الفرنسي في الواقع العربي والإسلامي من خلال العلاقات السياسية، وكنا نتحدث مع فرنسا الدولة بأن العلمانية لا تمنع الحجاب لا في المدارس ولا في غيرها، لأنها تلتزم الحريات الشخصية، وهذا جزء من الحريات. لذلك فإننا نلزم فرنسا حوارياً بما التزمت به، ولا نريد أن نتدخل، كما أثير، في الشؤون الفرنسية، ولا نريد أن نضغط عليها، ففرنسا دولة كبرى مستقلة لا يستطيع أحد من الخارج أن يفرض عليها شيئاً، لكن كنا نلاحظ أنه ليس من السلبية أن نناقش فرنسا حتى في قوانينها الداخلية، كما تناقشنا فرنسا وكل أوروبا في قوانينا في الواقع العربي والإسلامي أو في التشريعات الإسلامية، لأن المسألة الثقافية هي مسألة حرة في العالم كله، وبإمكان أي إنسان أن يناقش القضية، وهذه هي وجهة نظرنا. وكنا نقول إن فرنسا الحرية التي أطلقت حقوق الإنسان، لا يجوز لها أن تضطهد الفتيات الصغيرات اللاتي يلتزمن بالحجاب كفريضة دينية، ولا يجوز لها أن تمنعهن من الدراسة لو أردن الالتزام في هذا المجال.

ولهذا نحن كنا في الواقع نتحفّظ على ما تحدثوا به من أن هذا يمثل حالة عدوانية أو حالة من الطوائفية وهكذا، لأن الحجاب، لا سيما بالنسبة إلى طالبات المدرسة الابتدائية والثانوية، لا يمثل أي استفزاز للآخرين، تماماً كما أن الحجاب في الشارع الفرنسي لا يمثل استفزازاً لبقية الفرنسيين، وهكذا كان. ونحن لا نريد أن نخلق من هذا الأمر معركة كبرى تبعد العالم الإسلامي وعالم المستضعفين عمّا يدبر له من الخطط المضادّة لحريته واستقلاله وأمنه وثقافته وما إلى ذلك. إن المسألة هي مسألة حوار يوضح الحقيقة ولا يحاول أن يثير معركة.

الإسلام يكرّم المرأة

* لماذا نلوم الغرب على رفضهم تحجب المرأة المسلمة لديهم، بينما ينظر إلى المرأة في العالمين العربي والإسلامي بكثير من مواضع عدم الأهلية؟ فهل هناك نقص في تكريم المرأة في الدين الإسلامي عن سواه من بقية الأديان؟

ـ عندما ندرس الإسلام، فإننا نراه قد كرّم المرأة، فجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، وإذا كانت هناك بعض الاختلافات في بعض التشريعات، فإنما هو اختلاف من حيث طبيعة الدور وليس اختلافاً في الميزان الإنساني، فإنسانية المرأة كإنسانية الرجل، وهي تمثِّل القيمة الإيجابية في نتائجها كما تمثل القيمة السلبية، كما هو الرجل تماماً. وهكذا رأينا أنه حتى في الحياة الزوجية، فأن الإسلام لم يكلِّف المرأة حتى في شؤون البيت المنـزلي، بل جعل لها الحرية في ذلك، ولم يجعل للرجل حقاً عليها أن تقوم بشؤون البيت حتى في تربية الأولاد، لأن الله يريد لها أن تقوم بذلك من خلال عطائها الإنساني، ومن خلال إحساسها الروحي بالأمومة وبالمشاركة على أساس المودة والرحمة. وإذا كان الإسلام يطلب منها بعض الالتزامات للزوج، كما يطلب بعض التزامات الزوج للمرأة، فإنما هو من جهة الالتزام العقدي، باعتبار أن الإسلام لم يكره المرأة على أن تتزوج، لكنه قال لها إنها إن تزوجت فعليها أن تلتزم بما التزمت به بنتائج هذا الزواج من خلال حريتها في الالتزام، وقال لها أن تفرض الشروط التي تلائم تطلّعاتها في المستقبل على الزوج، كما يجوز للزوج أن يطلب شروطاً خارج نطاق مقتضيات العقد الزوجي. وهكذا أراد الله للمرأة أن تتعلم وأراد لها أن تتثقف.

مشاركة المرأة في الميادين كافّة

* هناك من يستخدم النص القرآني في مصادرة الحقوق، خاصة المتعلقة بالمرأة، فما حكم ذلك؟

ـ نحن نرى أن للمرأة الحق في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية، ونرى أن النظرة السلبية للمرأة في عقلها أو في شخصيتها أو إنسانيتها هي نظرة غير صحيحة ولا علاقة لها بالإسلام. بل إن المرأة كما هو الرجل، لها الحق في دخول الحياة العامة والمشاركة فيها ضمن الضوابط الأخلاقية التي ليست هي قضاءً وقدراً على المرأة دون الرجل، بل هي مشتركة بين الرجل والمرأة.

حقوق المرأة في الإسلام

* هل يمثّل فرض الحجاب انتقاصاً لحقّ أصيل من حقوق المرأة؟

ـ أبداً، الجانب القيمي جانب مشترك. وإذا كان الإسلام قد فرض الحجاب على المرأة، فهذا لا يلغي أنوثتها، فهي يمكن أن تعيش الأنوثة الكاملة في بيتها الزوجي وفي المجتمعات النسائية. أما في المجتمعات المختلطة، فقد أراد لها الإسلام أن تخرج كإنسانة توحي بالعقل والإرادة والمشاركة والثقافة، ولا تتحرك في المجتمع كأنثى تثير الاشتهاء والرغبة لتتحول في نظر الناس إلى مجرد جسد في هذا المجال.

* لكن التفكير السلبي في أمور المرأة وأوضاعها ومكانتها، لم ينقطع حتى داخل المجتمع العربي والإسلامي، وهو أمر لا شأن للغرب فيه، فما هو موقف الإسلام من ذلك؟

ـ إننا نقول لكل الذين يفكرون بشكل سلبي بإنسانية المرأة، ادرسوا واقع المرأة في العالم لتروا أن المرأة قد تتفوق على الرجل، وقد تساويه في هذا المجال. فليس هناك نقص في إمكانات المرأة العقلية والثقافية، ونحن نستشهد دائماً بما تحدث به القرآن عن ملكة سبأ التي أظهرها القرآن أنها تفوق الرجال عقلاً وتفكيراً وتخطيطاً في المجالات الصعبة وفي غيرها.

* فما هو الحكم الصحيح لوضع المرأة في الإسلام؟

ـ نحن نقول إن الرجل ليس رأس المرأة في الإسلام، وإنما هو شريك المرأة في الإنسانية وفي كل مواقع الحياة، والحياة الزوجية هي حياة الحقوق المتبادلة {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} [البقرة:228] وليست هي درجة القيمة، وإنما هي درجة المسؤوليات في عملية توزيع الأدوار، باعتبار أن الرجل كلِّف بمسؤولية الحياة الزوجية وما إلى ذلك. ولهذا فإننا نعتقد أننا إذا فهمنا الإسلام فهماً منفتحاً واعياً، فسنجد أن القرآن قد ساوى بين الرجل والمرأة في جميع الجوانب السلبية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة} [النور:2]، وقوله تعالى أيضاً: {السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38]، كما أنه قد ساوى في الجوانب الإيجابية عندما تحدث عن المسلمين والمسلمات والصالحين والصالحات إلى آخر الآية في سورة الأحزاب على أساس المساواة بينهما.

* خلافاً للفهم الصحيح للقرآن الكريم وموقف الشرع من المرأة، فإن الكثير من الدول العربية حكوماتٍ أو أنظمةً ـ إن صح القول ـ أو كتلاً وتيارات إسلامية أو شعبية، تنكر على المرأة حقوقها السياسية، وتعاملها بقليل من العدالة، ماذا تقولون في ذلك؟

ـ نحن أصدرنا أكثر من فتوى أمام هذا الجدل الذي دار في بعض الدول، والذي ما زال يدور فيها، أو في دول أخرى عربية وإسلامية أو سواها، وقلنا في الفتوى إن من حق المرأة أن تترشَّح للانتخابات، ومن حقها أن تنتخِب وتُنتخَب، وأن تشارك في كل القضايا السياسية، باعتبار أن لها دوراً في كلِّ تطورات المجتمع، وحماية المجتمع من كلِّ التحديات التي تواجهه. لذلك فإننا لا نتصوّر أن هناك أية تحفظات على مسألة المشاركة السياسية، لا سيما في عملية الانتخاب من وجهة نظر إسلامية، لأن المسألة السياسية هي مسألة وكالة وإعطاء الوكالة.

* ما المقصود بالوكالة هنا؟

ـ المقصود بالوكالة هنا هو أن المُنتَخَب يأخذ وكالة من الشعب الذي انتخبهُ. وعملية الوكالة، سواء في الأمور التجارية أو الاقتصادية العامة أو الشخصانية، هي أمرٌ ثابتٌ في التشريع الإسلامي للرجل والمرأة، وإذا كان البعض يتحفّظ من جهة الجانب التشريعي الفقهي، فهذا مشترك بين الرجل والمرأة.

القيــادة

* لكن هناك تحفظات فقهية في مجالات أخرى أعلى ربما من التفويض أو التوكيل أو الانتخاب، ما حكم ذلك وفي أي مجال؟

ـ نعم، هناك تحفظات فقهية حول قضية القيادة العليا، وهناك بعض المناقشات من بعض العلماء المسلمين أخيراً في هذه المسألة التي بدأ الجدل يدور حولها، بحيث إنها لا تعتبر من المسلّمات الدينية الإسلامية في إبعاد المرأة عن المراكز القيادية. إن المسألة تدور على أساس اجتهادي، ولكن اجتهادنا هو أن للمرأة الحق في المشاركة السياسية ضمن الضوابط الإسلامية، كما أن للرجل الحق في المشاركة السياسية على أساس الضوابط الإسلامية.

الكفــاءة

* إذاً {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله} [البقرة:177]، أي أن وضع المرأة وثقافتها وفكرها وأهليتها وصوابها هو الذي يمنحها أو لا يمنحها حق أن تحصل على هذا الوضع أو ذاك، هل هذا صحيح؟

ـ هو كذلك، كما هو الأمر بالنسبة، لأن المسؤوليات العامة كالمسؤوليات الخاصة، تخضع لمسألة الكفاءة ومسألة الأمانة ومسألة الصدق ومسألة القيم التي تجعل الإنسان أميناً على المجتمع وأميناً على دوره فيه فإذا كانت المرأة من خلال تربيتها ومن خلال القيم التي تحملها، أمينة على بيتها وعلى مجتمعها، أو على الإنسانية كلها، فلها أن تتحرك وأن تعطي رأيها وتعمل على أساس التغيير للواقع الفاسد بمختلف الوسائل المشروعة، كما هو الرجل. إننا نقرأ آية في القرآن الكريم يقول فيها عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة:71]. والمعروف هو كل ما يرفع من مستوى الإنسان في حقوقه وواجباته وتطلّعاته وحاجاته مما يحبه الله ويرضاه، والمنكر هو كل ما ينحطّ بمستوى الإنسان في ذلك كله مما لا يرضي الله، وهذا أمر مشترك بين المرأة والرجل، ويشمل الجوانب السياسية، فهناك معروف سياسي ومنكر سياسي، ويشمل أيضاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك.

النظرة المعاصرة لواقع المرأة

* سماحة الإمام، هل أنت راض عن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي؟

ـ أنا لا أرى أن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي يمثل المستوى الحضاري الذي أراده الإسلام لهذا العالم، وأراده للمرأة بالخصوص. إن بعض الناس يقولون ويتحدثون عن ضعف المرأة، ولكننا عندما نقرأ القرآن الكريم، نجد أنه تحدث عن ضعف الإنسان ولم يتحدث عن ضعف المرأة، وكما أراد الله للإنسان الرجل أن ينمي إنسانيته بتقوية نقاط الضعف، كذلك أراد للمرأة هذا الأمر. المرأة إنسان كامل الإنسانية، كما أن الرجل كامل الإنسانية. لكن طبيعة هذا التكامل بين المرأة والرجل هو الذي يجعل للإنسان، ويجعل للمجتمع أساس السلامة.

* مثل ماذا؟

ـ نحن نقرأ في بداية الخليقة، أن اللّه لم يحمِّل المرأة مسؤولية إغواء آدم إذا صحّ التعبير، كما أنه لم يحمِّل الرجل مسؤولية إغواء المرأة، وإنما كانا ضحيتين للشيطان. وهكذا نجد أن المشكلة الآن في عملية الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والسياسي، ليست مسألة المرأة في نقاط ضعفها والرجل في نقاط ضعفه، ولكن المشكلة هي في شياطين الإنس والجن الذين يدمنون عملية الشيطنة، فيهيئون كل الوسائل للإغراءات السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك. لهذا فإننا بحاجة إلى ثورة ثقافية فكرية تغيّر هذه المفاهيم التي تضطهد المرأة في إنسانيتها، كما تغيّر المفاهيم التي تضطهد الرجل في إنسانيته، ولا سيما الرجل المسلم من خلال المستكبرين، ومن خلال الذين يريدون أن يفرضوا أنفسهم وثقافتهم على الناس بطريقة القوة.

المشاهد السياسي، العدد:410 ـ 18 كانون الثاني 2004م

طالب أحد أكبر فقهاء المسلمين الشيعة شيخ الأزهر بتقديم الاعتذار للمسلمين بسبب دعمه لقرار فرنسا بحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية. وقال السيد محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي في لبنان في خطبة الجمعة (في الثالث من الشهر الحالي): "لقد أساء شيخ الأزهر إلى الإسلام والمسلمين عندما أعطى الدولة الفرنسية الحجة الشرعية الإسلامية في إصدار القرار باعتبار مبدأ الحق". وأضاف: "المطلوب منه الاعتذار للمسلمين والوقوف إسلامياً من أجل حماية الإسلام من كلِّ ضغط في الداخل والخارج".

وكان شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي قد أكَّد قبل ذلك بثلاثة أيام، أن من حق فرنسا إصدار قانون يحظر ارتداء الحجاب في المدارس، ودعا المسلمات في هذا البلد إلى الامتثال للقانون إذا صدر.

وقبل ذلك، وفي 20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انتقد فضل الله الذي يُعدُّ أحد أبلغ العلماء المسلمين المتحررين في الفقه وفي التقريب بين المذاهب وبين الثقافات والأديان، في رسالة مفتوحة إلى شيراك، قرار فرنسا حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس، معتبراً أن منع الحجاب يمثل اضطهاداً لحرية الإنسان المسلم.

وممّا جاء في رسالته: "هل بلغت العلمانية مستوى من الضعف بحيث يخاف القائمون عليها من قطعة قماش أو قلنسوة توضع على الرأس أو صليب يوضع على الصدر؟ إنه منطق لا معنى له" . كما دعا فضل الله اللبنانيين إلى طرد كل الذين يصلبون الوطن على خشبة أطماعهم، ويقتلون المواطن في مجازر الفساد والهدر، ويشوّهون هذا الجمال الطبيعي النادر للبنان بالقبح الأناني الموغل في بحيرات الوحول وعواصف الغبار، ويدفعون بالشعب إلى المتاهات السياسية والاقتصادية والتربوية: "وإذا التقوا بالمأساة في ما قد يوحي بالوحدة، فإنّ الناس تتحدث عن سر المأساة ومن صنعها، وكيف يمكن أن نتفاداها". وقال في هذا الصدد: "لقد عشنا في أجواء الدموع، ولكن السؤال: أي دموع؟ هي دموع التماسيح في بعض الناس".

والسيد فضل الله الذي خصَّ "المشاهد السياسي" بحوار صحفي، يتبوأ أعلى مرتبة دينية في قائمة فقهاء علماء الشيعة، حيث اشتهر بجرأته في فتاواه، وعدم تقيّده بمن سبقه، وبفصاحته اللغوية وغزارة علمه واجتهاده في تناول مسائل ذات طابع سياسي تردد ويتردد كبار علماء الإسلام في الخوض فيها، فضلاً عن تميزه بمداخلاته في القضايا الصحية والاجتماعية التي تحتاج إلى إفتاء واضح، في ما لم يرد ذكره من قبل في أمور الحياة والموت.

قضية الحجاب والمؤامرة على الغرب

* نتحدث عن قضية الحجاب وكأن العالم خال من الهموم والمشاكل والتحديات، ليثير العالم المتقدم قضية الحجاب وكأنه مؤامرة على الغرب أو محاولة تغيير للهوية الأوروبية؟

ـ لعلّ المشكلة في فرنسا في خلفياتها السلبية هي مشكلة تاريخية ضد الإسلام، بحيث تحوّلت إلى رواسب عميقة تتمثّل بين وقتٍ وآخر في بعض النقاط التي تتصل بالجانب الديني، وإن كانت تنفتح على الجانب السياسي انطلاقاً من مصالحها. والواقع هو أننا حاولنا في رسالتنا إلى الرئيس جاك شيراك أن نؤكّد على النظرة الإسلامية لهذا الأمر الهامشي للقضايا الكبرى للإسلام والمسلمين والمستضعفين في العالم كله. لكننا أردنا أن نؤكد المفهوم، وهو أن قضية الحجاب تتصل بالالتزام الديني وبحرية المرأة المسلمة في ارتدائه كمسلمة، وليس كمجرد رمز لا يمثل إلا حالة تقليدية.

* كيف؟ هل يمكن بيان ذلك؟

ـ كنا نحاول أن ننبه الرئيس جاك شيراك إلى أن إثارة هذه المسألة ليست في مصلحة الامتداد السياسي الفرنسي في الواقع العربي والإسلامي من خلال العلاقات السياسية، وكنا نتحدث مع فرنسا الدولة بأن العلمانية لا تمنع الحجاب لا في المدارس ولا في غيرها، لأنها تلتزم الحريات الشخصية، وهذا جزء من الحريات. لذلك فإننا نلزم فرنسا حوارياً بما التزمت به، ولا نريد أن نتدخل، كما أثير، في الشؤون الفرنسية، ولا نريد أن نضغط عليها، ففرنسا دولة كبرى مستقلة لا يستطيع أحد من الخارج أن يفرض عليها شيئاً، لكن كنا نلاحظ أنه ليس من السلبية أن نناقش فرنسا حتى في قوانينها الداخلية، كما تناقشنا فرنسا وكل أوروبا في قوانينا في الواقع العربي والإسلامي أو في التشريعات الإسلامية، لأن المسألة الثقافية هي مسألة حرة في العالم كله، وبإمكان أي إنسان أن يناقش القضية، وهذه هي وجهة نظرنا. وكنا نقول إن فرنسا الحرية التي أطلقت حقوق الإنسان، لا يجوز لها أن تضطهد الفتيات الصغيرات اللاتي يلتزمن بالحجاب كفريضة دينية، ولا يجوز لها أن تمنعهن من الدراسة لو أردن الالتزام في هذا المجال.

ولهذا نحن كنا في الواقع نتحفّظ على ما تحدثوا به من أن هذا يمثل حالة عدوانية أو حالة من الطوائفية وهكذا، لأن الحجاب، لا سيما بالنسبة إلى طالبات المدرسة الابتدائية والثانوية، لا يمثل أي استفزاز للآخرين، تماماً كما أن الحجاب في الشارع الفرنسي لا يمثل استفزازاً لبقية الفرنسيين، وهكذا كان. ونحن لا نريد أن نخلق من هذا الأمر معركة كبرى تبعد العالم الإسلامي وعالم المستضعفين عمّا يدبر له من الخطط المضادّة لحريته واستقلاله وأمنه وثقافته وما إلى ذلك. إن المسألة هي مسألة حوار يوضح الحقيقة ولا يحاول أن يثير معركة.

الإسلام يكرّم المرأة

* لماذا نلوم الغرب على رفضهم تحجب المرأة المسلمة لديهم، بينما ينظر إلى المرأة في العالمين العربي والإسلامي بكثير من مواضع عدم الأهلية؟ فهل هناك نقص في تكريم المرأة في الدين الإسلامي عن سواه من بقية الأديان؟

ـ عندما ندرس الإسلام، فإننا نراه قد كرّم المرأة، فجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، وإذا كانت هناك بعض الاختلافات في بعض التشريعات، فإنما هو اختلاف من حيث طبيعة الدور وليس اختلافاً في الميزان الإنساني، فإنسانية المرأة كإنسانية الرجل، وهي تمثِّل القيمة الإيجابية في نتائجها كما تمثل القيمة السلبية، كما هو الرجل تماماً. وهكذا رأينا أنه حتى في الحياة الزوجية، فأن الإسلام لم يكلِّف المرأة حتى في شؤون البيت المنـزلي، بل جعل لها الحرية في ذلك، ولم يجعل للرجل حقاً عليها أن تقوم بشؤون البيت حتى في تربية الأولاد، لأن الله يريد لها أن تقوم بذلك من خلال عطائها الإنساني، ومن خلال إحساسها الروحي بالأمومة وبالمشاركة على أساس المودة والرحمة. وإذا كان الإسلام يطلب منها بعض الالتزامات للزوج، كما يطلب بعض التزامات الزوج للمرأة، فإنما هو من جهة الالتزام العقدي، باعتبار أن الإسلام لم يكره المرأة على أن تتزوج، لكنه قال لها إنها إن تزوجت فعليها أن تلتزم بما التزمت به بنتائج هذا الزواج من خلال حريتها في الالتزام، وقال لها أن تفرض الشروط التي تلائم تطلّعاتها في المستقبل على الزوج، كما يجوز للزوج أن يطلب شروطاً خارج نطاق مقتضيات العقد الزوجي. وهكذا أراد الله للمرأة أن تتعلم وأراد لها أن تتثقف.

مشاركة المرأة في الميادين كافّة

* هناك من يستخدم النص القرآني في مصادرة الحقوق، خاصة المتعلقة بالمرأة، فما حكم ذلك؟

ـ نحن نرى أن للمرأة الحق في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية، ونرى أن النظرة السلبية للمرأة في عقلها أو في شخصيتها أو إنسانيتها هي نظرة غير صحيحة ولا علاقة لها بالإسلام. بل إن المرأة كما هو الرجل، لها الحق في دخول الحياة العامة والمشاركة فيها ضمن الضوابط الأخلاقية التي ليست هي قضاءً وقدراً على المرأة دون الرجل، بل هي مشتركة بين الرجل والمرأة.

حقوق المرأة في الإسلام

* هل يمثّل فرض الحجاب انتقاصاً لحقّ أصيل من حقوق المرأة؟

ـ أبداً، الجانب القيمي جانب مشترك. وإذا كان الإسلام قد فرض الحجاب على المرأة، فهذا لا يلغي أنوثتها، فهي يمكن أن تعيش الأنوثة الكاملة في بيتها الزوجي وفي المجتمعات النسائية. أما في المجتمعات المختلطة، فقد أراد لها الإسلام أن تخرج كإنسانة توحي بالعقل والإرادة والمشاركة والثقافة، ولا تتحرك في المجتمع كأنثى تثير الاشتهاء والرغبة لتتحول في نظر الناس إلى مجرد جسد في هذا المجال.

* لكن التفكير السلبي في أمور المرأة وأوضاعها ومكانتها، لم ينقطع حتى داخل المجتمع العربي والإسلامي، وهو أمر لا شأن للغرب فيه، فما هو موقف الإسلام من ذلك؟

ـ إننا نقول لكل الذين يفكرون بشكل سلبي بإنسانية المرأة، ادرسوا واقع المرأة في العالم لتروا أن المرأة قد تتفوق على الرجل، وقد تساويه في هذا المجال. فليس هناك نقص في إمكانات المرأة العقلية والثقافية، ونحن نستشهد دائماً بما تحدث به القرآن عن ملكة سبأ التي أظهرها القرآن أنها تفوق الرجال عقلاً وتفكيراً وتخطيطاً في المجالات الصعبة وفي غيرها.

* فما هو الحكم الصحيح لوضع المرأة في الإسلام؟

ـ نحن نقول إن الرجل ليس رأس المرأة في الإسلام، وإنما هو شريك المرأة في الإنسانية وفي كل مواقع الحياة، والحياة الزوجية هي حياة الحقوق المتبادلة {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} [البقرة:228] وليست هي درجة القيمة، وإنما هي درجة المسؤوليات في عملية توزيع الأدوار، باعتبار أن الرجل كلِّف بمسؤولية الحياة الزوجية وما إلى ذلك. ولهذا فإننا نعتقد أننا إذا فهمنا الإسلام فهماً منفتحاً واعياً، فسنجد أن القرآن قد ساوى بين الرجل والمرأة في جميع الجوانب السلبية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة} [النور:2]، وقوله تعالى أيضاً: {السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38]، كما أنه قد ساوى في الجوانب الإيجابية عندما تحدث عن المسلمين والمسلمات والصالحين والصالحات إلى آخر الآية في سورة الأحزاب على أساس المساواة بينهما.

* خلافاً للفهم الصحيح للقرآن الكريم وموقف الشرع من المرأة، فإن الكثير من الدول العربية حكوماتٍ أو أنظمةً ـ إن صح القول ـ أو كتلاً وتيارات إسلامية أو شعبية، تنكر على المرأة حقوقها السياسية، وتعاملها بقليل من العدالة، ماذا تقولون في ذلك؟

ـ نحن أصدرنا أكثر من فتوى أمام هذا الجدل الذي دار في بعض الدول، والذي ما زال يدور فيها، أو في دول أخرى عربية وإسلامية أو سواها، وقلنا في الفتوى إن من حق المرأة أن تترشَّح للانتخابات، ومن حقها أن تنتخِب وتُنتخَب، وأن تشارك في كل القضايا السياسية، باعتبار أن لها دوراً في كلِّ تطورات المجتمع، وحماية المجتمع من كلِّ التحديات التي تواجهه. لذلك فإننا لا نتصوّر أن هناك أية تحفظات على مسألة المشاركة السياسية، لا سيما في عملية الانتخاب من وجهة نظر إسلامية، لأن المسألة السياسية هي مسألة وكالة وإعطاء الوكالة.

* ما المقصود بالوكالة هنا؟

ـ المقصود بالوكالة هنا هو أن المُنتَخَب يأخذ وكالة من الشعب الذي انتخبهُ. وعملية الوكالة، سواء في الأمور التجارية أو الاقتصادية العامة أو الشخصانية، هي أمرٌ ثابتٌ في التشريع الإسلامي للرجل والمرأة، وإذا كان البعض يتحفّظ من جهة الجانب التشريعي الفقهي، فهذا مشترك بين الرجل والمرأة.

القيــادة

* لكن هناك تحفظات فقهية في مجالات أخرى أعلى ربما من التفويض أو التوكيل أو الانتخاب، ما حكم ذلك وفي أي مجال؟

ـ نعم، هناك تحفظات فقهية حول قضية القيادة العليا، وهناك بعض المناقشات من بعض العلماء المسلمين أخيراً في هذه المسألة التي بدأ الجدل يدور حولها، بحيث إنها لا تعتبر من المسلّمات الدينية الإسلامية في إبعاد المرأة عن المراكز القيادية. إن المسألة تدور على أساس اجتهادي، ولكن اجتهادنا هو أن للمرأة الحق في المشاركة السياسية ضمن الضوابط الإسلامية، كما أن للرجل الحق في المشاركة السياسية على أساس الضوابط الإسلامية.

الكفــاءة

* إذاً {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله} [البقرة:177]، أي أن وضع المرأة وثقافتها وفكرها وأهليتها وصوابها هو الذي يمنحها أو لا يمنحها حق أن تحصل على هذا الوضع أو ذاك، هل هذا صحيح؟

ـ هو كذلك، كما هو الأمر بالنسبة، لأن المسؤوليات العامة كالمسؤوليات الخاصة، تخضع لمسألة الكفاءة ومسألة الأمانة ومسألة الصدق ومسألة القيم التي تجعل الإنسان أميناً على المجتمع وأميناً على دوره فيه فإذا كانت المرأة من خلال تربيتها ومن خلال القيم التي تحملها، أمينة على بيتها وعلى مجتمعها، أو على الإنسانية كلها، فلها أن تتحرك وأن تعطي رأيها وتعمل على أساس التغيير للواقع الفاسد بمختلف الوسائل المشروعة، كما هو الرجل. إننا نقرأ آية في القرآن الكريم يقول فيها عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة:71]. والمعروف هو كل ما يرفع من مستوى الإنسان في حقوقه وواجباته وتطلّعاته وحاجاته مما يحبه الله ويرضاه، والمنكر هو كل ما ينحطّ بمستوى الإنسان في ذلك كله مما لا يرضي الله، وهذا أمر مشترك بين المرأة والرجل، ويشمل الجوانب السياسية، فهناك معروف سياسي ومنكر سياسي، ويشمل أيضاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك.

النظرة المعاصرة لواقع المرأة

* سماحة الإمام، هل أنت راض عن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي؟

ـ أنا لا أرى أن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي يمثل المستوى الحضاري الذي أراده الإسلام لهذا العالم، وأراده للمرأة بالخصوص. إن بعض الناس يقولون ويتحدثون عن ضعف المرأة، ولكننا عندما نقرأ القرآن الكريم، نجد أنه تحدث عن ضعف الإنسان ولم يتحدث عن ضعف المرأة، وكما أراد الله للإنسان الرجل أن ينمي إنسانيته بتقوية نقاط الضعف، كذلك أراد للمرأة هذا الأمر. المرأة إنسان كامل الإنسانية، كما أن الرجل كامل الإنسانية. لكن طبيعة هذا التكامل بين المرأة والرجل هو الذي يجعل للإنسان، ويجعل للمجتمع أساس السلامة.

* مثل ماذا؟

ـ نحن نقرأ في بداية الخليقة، أن اللّه لم يحمِّل المرأة مسؤولية إغواء آدم إذا صحّ التعبير، كما أنه لم يحمِّل الرجل مسؤولية إغواء المرأة، وإنما كانا ضحيتين للشيطان. وهكذا نجد أن المشكلة الآن في عملية الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والسياسي، ليست مسألة المرأة في نقاط ضعفها والرجل في نقاط ضعفه، ولكن المشكلة هي في شياطين الإنس والجن الذين يدمنون عملية الشيطنة، فيهيئون كل الوسائل للإغراءات السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك. لهذا فإننا بحاجة إلى ثورة ثقافية فكرية تغيّر هذه المفاهيم التي تضطهد المرأة في إنسانيتها، كما تغيّر المفاهيم التي تضطهد الرجل في إنسانيته، ولا سيما الرجل المسلم من خلال المستكبرين، ومن خلال الذين يريدون أن يفرضوا أنفسهم وثقافتهم على الناس بطريقة القوة.

المشاهد السياسي، العدد:410 ـ 18 كانون الثاني 2004م

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير