رمضان والفضائيات والأغاني والخيم المسماة رمضانية!

رمضان والفضائيات والأغاني والخيم المسماة رمضانية!
 

في شهر رمضان، لا بد من الوقوف لحظة تأمل، لنرى أين يسير بنا هذا العالم، ولنتبين أن الدين لدينا ذخيرة للانطلاق في هذه الحياة. ولا بدَّ أيضاً من العودة إلى أصحاب الخبرة والشأن الذين يعملون العقل دوماً وأبداً في فهم الدين والحياة. هذا اللقاء مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، كان للوقوف على بعض التساؤلات والشؤون.

* بداية سماحة السيد، ما هو الصوم؟

_ «إن الصوم يمثِّل حالة إرادة في ترك بعض الأشياء التي يختارها الإنسان بنفسه، نتيجة بعض الخلفيات النفسية والأوضاع التربوية، وقد كان هناك في الماضي صيامٌ عن الكلام، وهو ما أوحى به الله إلى زكريا ومريم عليهما السلام، بقوله تعالى: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً}(آل عمران/41)، وفي قوله تعالى لمريم: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً}(مريم/26). فكان هناك صوم الصمت. وقد يختار الإنسان الصوم للعلاج نتيجة وضع صحي، وقد يصوم بعض الناس من أجل تخفيف أوزانهم، أو من أجل معالجة أوضاعهم الصحية في ترك بعض الأمور التي تضر بالصحة وما إلى ذلك...

وقد أرادت الأديان، ومنها الإسلام، أن تفرض الصوم على الناس، وهو صوم عن أشياء معينة، من أجل أن يكون وسيلةً من وسائل تربية إرادة الإنسان على مواجهة الكثير مما حرَّمه الله عليه، فالله تعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة/183)، والتقوى، أن يترك الإنسان ما حرَّمه الله عليه، ويفعل ما أوجبه عليه، ومن الطبيعي أن هذا يحتاج إلى دورة تدريبية تجعل الإنسان قادراً على أن يترك الأمور التي يحبها والتي اعتاد عليها، لكي يكون الصوم وسيلةً لترك الأمور الأخرى المحرَّمة، وقد قلنا إنَّ الصوم الصغير هو مقدّمة للصوم الكبير».

* نجد اليوم أن الصيام لا يترافق مع الآداب المطلوبة؟

_ هذا يحتاج إلى وعي، فقد يتحوّل الصوم عند الإنسان إلى حالةٍ تقليدية، تتمثَّل في أن يترك أشياء معينة، تماماً كما يستعمل الإنسان الصوم عن بعض الأشياء نتيجة وضع صحي مثلاً، لكن الصوم لا بد من أن يكون منطلقاً من وعي الإنسان للأسس التي ارتكز إليها للوصول إلى التقوى، وإلاّ يكون كما جاء في الحديث النبوي: «ربَّ صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش». فالصيام الصيام يمثل جسماً وروحاً، أما الجسم فهو تركٌ لما أراد الله له أن يتركه، والروح هو عمق القيمة الروحية والعملانية التي يمكن أن تحصل من خلال الصوم.

* هل اختلفت معاني شهر رمضان في العصر الحديث، عصر التكنولوجيا والإنترنت، عمّا كانت عليه؟

هناك الكثير من النّاس يتعاملون مع شهر رمضان بطريقة جيّدة، كما نلاحظ ذلك في إقبالهم على الدعاء والابتهال إلى الله، وكذلك في إقبالهم على الصلاة وقراءة القرآن، ما يؤكِّد المعنى الروحي والتربوي لهذا الواجب الإسلامي.

ولكنّنا نلاحظ أيضاً: أنّ هناك انحرافات من قبل البعض في شهر رمضان، حيث يتحوّل اللّيل عندهم إلى ليل لهوٍ ورقص في ما يسمى بالخيم الرمضانية، كما يحدث في بعض المناطق، مما يستغلّه الذين يريدون أن يتاجروا وأن يحصلوا على المال بأي وسيلة، وكأنهم يرون أن الصائم الذي يتعبه الصيام، يحتاج إلى أن يعيش بعض أجواء اللهو حتى يحصل على الراحة، ليكون شهر رمضان موسماً من مواسم اللهو.

هناك انحرافات من قبل البعض في شهر رمضان، حيث يتحوّل اللّيل عندهم إلى ليل لهوٍ ورقص في ما يسمى بالخيم الرمضانية

* هل الخيم الرمضانية محرَّمة؟

_ من الطبيعي أنَّ كل ما حرّمه الإسلام من اللهو هو محرَّم في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، وتزداد هذه الحرمة في شهر رمضان، لأنَّه يترك تأثيره السلبي على الالتزام الديني وعلى الروحية الدينية، ويفرِّغ الإنسان المؤمن الذي يمارس هذا اللهو من كل المعاني والقيم الروحية التي تجعل رمضان موسماً من مواسم التقرب إلى الله، بدلاً من أن يكون موسماً من مواسم القرب من الشيطان.

* ماذا عن توحيد رؤية الهلال في عصر التكنولوجيا؟

_ هناك اجتهادٌ يفرض نفسه على كثيرٍ من علماء الدين، وهو اعتبار الرؤية البصرية أساساً لإثبات الهلال في بداية الشهر ونهايته، لذلك قد يختلف الفقهاء في إصدار الحكم حول بداية الشهر أو نهايته، انطلاقاً من مسألة الرؤية. ولكنّنا بحسب اجتهادنا الفقهي، نجد أنَّ الشهر هو ظاهرة كونية خلقها الله قبل أن يخلق الإنسان، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ}(التوبة/36).

فالشَّهر ينطلق من داخل النظام الكوني في تحديد الزَّمن، لذلك فإنّ ثبوت الشهر لا علاقة له برؤية الإنسان للهلال أو بعدم رؤيته له، بل إنّ المسألة تنطلق من خلال القوانين الفلكية التي أودعها الله في الكون في تمييز شهر عن شهر، لذلك نرى أنه إذا خرج القمر من المحاق، في ما يسمى ولادة الهلال، ومضى عليه وقت يسمح بإمكانيّة الرؤية، حتى لو لم يره أحد، فإنّنا نحكم بثبوت الهلال في بداية الشهر ونهايته، اعتماداً على الدقة في النظام الفلكي الذي ينطلق من حسابات الفلكيين من أهل الخبرة، ولأنّ الشهود قد يخطئون، ولا سيّما عندما يتلوَّن الجو. إذاً نحن نفتي بالهلال عندما يثبت عندنا من خلال تقارير الفلكيين الموثوقين.

* ما رأي سماحتكم في وضع الآيات القرآنية كرنّات للخليوي، وقد تقطع الآية في نصفها؟

_ لا أجد أنّ مثل هذا قد يترك تأثيراً سلبياً على هذه المسألة، بل قد يكون تسجيل الآيات في بعض الهواتف الخلوية أفضل من إطلاق بعض النوتات الموسيقية التي لا تكون منسجمة مع الشرع.

* نسمع الكثير حول حرمة وضع القرآن في أمكنة معيّنة؟

_ ليست هناك أيّ مشكلة في المكان الذي يوضع فيه القرآن، كتاباً كان أو تسجيلاً، أو ما شابه ذلك، إلاّ إذا وضع في مكان يؤدِّي إلى الإساءة إليه.

* نجد أن الفضائيات طوال العام تتحضَّر لشهر رمضان من خلال برامج الربح والأغنيات وسواها، فما رأيكم في ذلك؟

_ نحن نجدُ أنَّ الذهنية التي تحكم مثل هذا الجوِّ اللاهي العابث، تنطلق من أنّ الصائم إنسان متعب يعيش المأساة النفسية من خلال تركه للطعام والشراب، ولذلك يريدون تعويضه عن ذلك كلّه، لإدخاله في جوِّ المرح والأنس والفرح واللهو والعبث، ولكن هذه فكرة خاطئة، لأنّ الله عندما أراد للصائم أن يعيش تجربة الصوم في النهار، أراد له أن يرتفع بروحه إليه، وأن يعيش معه ويتقرّب منه في الليل. لذلك، فإن هذا المناخ الذي يراد الاستعداد لإيجاده في شهر رمضان، في لياليه أو نهاراته، يبتعد عن مناخ الصوم الذي يراد منه تقريب الإنسان إلى الله، وإبعاده عن كلّ أجواء اللهو والعبث. نحن لسنا ضد الفرح، لكنّنا لا نريد للفرح أن يثكل الروح.

نحن لسنا ضد الفرح في شهر رمضان وغيره، لكنّنا لا نريد للفرح أن يثكل الروح

* ما طبيعة البرامج الدينية التي تراها مفيدة؟

_  لا بدَّ من أن تكون هناك برامج دينية فنية، نحن لا نؤمن بالبرامج الدينية التي لا فنَّ فيها. ودائماً نقول إنه لا بد من أن ينطلق الذين يملكون الخبرة الفنية إلى جانب الخبرة الدينية، ليزاوجوا بين الخط الديني والخبرة الفنية.

* وما رأيكم بالإنشاد الديني؟

_ نحن مع الإنشاد الديني الذي يختار فيه الشعر الذي يتميَّز بالفن، والذي يتميز أيضاً بالإيحاء والإبداع.

* مجلة «الفضائية» دعت إلى اليوم العالمي للقرآن، ما رأيك بهذه الفكرة؟

_ نحن نشجِّع كل تجربة إسلامية تأخذ بأسباب الفن والإبداع، بالطريقة التي تنقل فيها إلى مشاعر الإنسان المسلم وإحساسه وتفكيره.

* ما رأيكم بمسألة الإعجاز العلمي في القرآن؟

_ نحن لا نعتبر أنَّ القرآن جاء من خلال إثارة النظريات العلمية في هذا المجال، كما أننا لا نشجع تفسير القرآن بالنظريات العلمية، لأنّ القرآن ثابت يمثل الحقيقة، والنظريات العلمية متغيرة، فإذا فرضنا أننا فسَّرنا آيةً من الآيات بنظرية علمية معينة، فكيف يمكن أن نوازن في هذا الأمر؟! ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك لمحات علمية، لكن الإعجاز في القرآن هو الإعجاز البلاغي، وإعجازٌ من ناحية أن النبي(ص) الأمي الذي لم يدخل إلى أي جامعة، جاء بالتشريع والمفاهيم والجوانب الروحية والاجتماعية، وحتى السياسية، بما أعجز الآخرين.

نحن لا نفسر القرآن بما أنتجته الأبحاث العلمية، ولكن قد تكون بعض المفردات في القرآن توحي ببعض هذا

* تقصد بأن القرآن ثابت، والنظريات متغيرة؟

_ قد تتغير النظريات في الكثير من الحالات، هناك فرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية، الحقيقة العلمية = معادلة 1+1=2، أما النظرية العلمية فهي ظن، لأنها ناتجة عن التجربة، والتجربة عادةً لا تكون شاملة، كما في نظرية داروين الذي تحدث فيها عن تطوّر الأنواع، وجاء من بعده علماء اكتشفوا أن الإنسان في صورته هذه كان إنساناً سوياً.

القرآن فيه لمحات، لكنه يتحدث عن القوانين الكونية، كونها وسيلة من وسائل بيان عظمة الله سبحانه وتعالى، وبيان أسرار نعمة الله في الكون.

* أحياناً قد يفهم المسلم القرآن بشكل منقوص، وأحياناً تؤخذ التفسيرات بشكل ضيِّق؟

_ التفسير غالباً ما يمثِّل ثقافة المُفسِّر، لذلك فإنَّ المفسِّر بحاجة لأن يتميز بثقافة إسلامية وثقافة أدبية عالية، لأنّ القرآن الذي جاء في أعلى مواقع الإعجاز البلاغي، يحتاج إلى شخصٍ يملك القدرة الفنية الأدبية التي يستطيع فيها أن يميّز بين الإعجاز والحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية... ثم هناك بعض المفسرين يعتمدون على الروايات المنسوبة إلى النبي(ص) أو إلى الصحابة، وقد تكون هذه الروايات مكتوبة وموضوعة، لذلك لا بد من التدقيق في أخذ هذه الروايات، وإذا ورد فيها ما خالف كتاب الله فهو زخرف.

بعض الروايات قد تكون مكتوبة وموضوعة، لذلك لا بد من التدقيق في أخذ هذه الروايات، وإذا ورد فيها ما
خالف كتاب الله فهو زخرف

* رفع أصوات المآذن بشكل أكثر من المعتاد، كيف تراه؟

_ نحن أفتينا أنّ هذا لا يجوز. فلا بد من الاقتصار في الأذان على الأذان وبعض الآيات الخفيفة جداً.

أجرى الحوار هلا الخطيب
مجلة الفضائية/العدد 169 – تشرين الأول- أوكتوبر 2005

 

في شهر رمضان، لا بد من الوقوف لحظة تأمل، لنرى أين يسير بنا هذا العالم، ولنتبين أن الدين لدينا ذخيرة للانطلاق في هذه الحياة. ولا بدَّ أيضاً من العودة إلى أصحاب الخبرة والشأن الذين يعملون العقل دوماً وأبداً في فهم الدين والحياة. هذا اللقاء مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، كان للوقوف على بعض التساؤلات والشؤون.

* بداية سماحة السيد، ما هو الصوم؟

_ «إن الصوم يمثِّل حالة إرادة في ترك بعض الأشياء التي يختارها الإنسان بنفسه، نتيجة بعض الخلفيات النفسية والأوضاع التربوية، وقد كان هناك في الماضي صيامٌ عن الكلام، وهو ما أوحى به الله إلى زكريا ومريم عليهما السلام، بقوله تعالى: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً}(آل عمران/41)، وفي قوله تعالى لمريم: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً}(مريم/26). فكان هناك صوم الصمت. وقد يختار الإنسان الصوم للعلاج نتيجة وضع صحي، وقد يصوم بعض الناس من أجل تخفيف أوزانهم، أو من أجل معالجة أوضاعهم الصحية في ترك بعض الأمور التي تضر بالصحة وما إلى ذلك...

وقد أرادت الأديان، ومنها الإسلام، أن تفرض الصوم على الناس، وهو صوم عن أشياء معينة، من أجل أن يكون وسيلةً من وسائل تربية إرادة الإنسان على مواجهة الكثير مما حرَّمه الله عليه، فالله تعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة/183)، والتقوى، أن يترك الإنسان ما حرَّمه الله عليه، ويفعل ما أوجبه عليه، ومن الطبيعي أن هذا يحتاج إلى دورة تدريبية تجعل الإنسان قادراً على أن يترك الأمور التي يحبها والتي اعتاد عليها، لكي يكون الصوم وسيلةً لترك الأمور الأخرى المحرَّمة، وقد قلنا إنَّ الصوم الصغير هو مقدّمة للصوم الكبير».

* نجد اليوم أن الصيام لا يترافق مع الآداب المطلوبة؟

_ هذا يحتاج إلى وعي، فقد يتحوّل الصوم عند الإنسان إلى حالةٍ تقليدية، تتمثَّل في أن يترك أشياء معينة، تماماً كما يستعمل الإنسان الصوم عن بعض الأشياء نتيجة وضع صحي مثلاً، لكن الصوم لا بد من أن يكون منطلقاً من وعي الإنسان للأسس التي ارتكز إليها للوصول إلى التقوى، وإلاّ يكون كما جاء في الحديث النبوي: «ربَّ صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش». فالصيام الصيام يمثل جسماً وروحاً، أما الجسم فهو تركٌ لما أراد الله له أن يتركه، والروح هو عمق القيمة الروحية والعملانية التي يمكن أن تحصل من خلال الصوم.

* هل اختلفت معاني شهر رمضان في العصر الحديث، عصر التكنولوجيا والإنترنت، عمّا كانت عليه؟

هناك الكثير من النّاس يتعاملون مع شهر رمضان بطريقة جيّدة، كما نلاحظ ذلك في إقبالهم على الدعاء والابتهال إلى الله، وكذلك في إقبالهم على الصلاة وقراءة القرآن، ما يؤكِّد المعنى الروحي والتربوي لهذا الواجب الإسلامي.

ولكنّنا نلاحظ أيضاً: أنّ هناك انحرافات من قبل البعض في شهر رمضان، حيث يتحوّل اللّيل عندهم إلى ليل لهوٍ ورقص في ما يسمى بالخيم الرمضانية، كما يحدث في بعض المناطق، مما يستغلّه الذين يريدون أن يتاجروا وأن يحصلوا على المال بأي وسيلة، وكأنهم يرون أن الصائم الذي يتعبه الصيام، يحتاج إلى أن يعيش بعض أجواء اللهو حتى يحصل على الراحة، ليكون شهر رمضان موسماً من مواسم اللهو.

هناك انحرافات من قبل البعض في شهر رمضان، حيث يتحوّل اللّيل عندهم إلى ليل لهوٍ ورقص في ما يسمى بالخيم الرمضانية

* هل الخيم الرمضانية محرَّمة؟

_ من الطبيعي أنَّ كل ما حرّمه الإسلام من اللهو هو محرَّم في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، وتزداد هذه الحرمة في شهر رمضان، لأنَّه يترك تأثيره السلبي على الالتزام الديني وعلى الروحية الدينية، ويفرِّغ الإنسان المؤمن الذي يمارس هذا اللهو من كل المعاني والقيم الروحية التي تجعل رمضان موسماً من مواسم التقرب إلى الله، بدلاً من أن يكون موسماً من مواسم القرب من الشيطان.

* ماذا عن توحيد رؤية الهلال في عصر التكنولوجيا؟

_ هناك اجتهادٌ يفرض نفسه على كثيرٍ من علماء الدين، وهو اعتبار الرؤية البصرية أساساً لإثبات الهلال في بداية الشهر ونهايته، لذلك قد يختلف الفقهاء في إصدار الحكم حول بداية الشهر أو نهايته، انطلاقاً من مسألة الرؤية. ولكنّنا بحسب اجتهادنا الفقهي، نجد أنَّ الشهر هو ظاهرة كونية خلقها الله قبل أن يخلق الإنسان، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ}(التوبة/36).

فالشَّهر ينطلق من داخل النظام الكوني في تحديد الزَّمن، لذلك فإنّ ثبوت الشهر لا علاقة له برؤية الإنسان للهلال أو بعدم رؤيته له، بل إنّ المسألة تنطلق من خلال القوانين الفلكية التي أودعها الله في الكون في تمييز شهر عن شهر، لذلك نرى أنه إذا خرج القمر من المحاق، في ما يسمى ولادة الهلال، ومضى عليه وقت يسمح بإمكانيّة الرؤية، حتى لو لم يره أحد، فإنّنا نحكم بثبوت الهلال في بداية الشهر ونهايته، اعتماداً على الدقة في النظام الفلكي الذي ينطلق من حسابات الفلكيين من أهل الخبرة، ولأنّ الشهود قد يخطئون، ولا سيّما عندما يتلوَّن الجو. إذاً نحن نفتي بالهلال عندما يثبت عندنا من خلال تقارير الفلكيين الموثوقين.

* ما رأي سماحتكم في وضع الآيات القرآنية كرنّات للخليوي، وقد تقطع الآية في نصفها؟

_ لا أجد أنّ مثل هذا قد يترك تأثيراً سلبياً على هذه المسألة، بل قد يكون تسجيل الآيات في بعض الهواتف الخلوية أفضل من إطلاق بعض النوتات الموسيقية التي لا تكون منسجمة مع الشرع.

* نسمع الكثير حول حرمة وضع القرآن في أمكنة معيّنة؟

_ ليست هناك أيّ مشكلة في المكان الذي يوضع فيه القرآن، كتاباً كان أو تسجيلاً، أو ما شابه ذلك، إلاّ إذا وضع في مكان يؤدِّي إلى الإساءة إليه.

* نجد أن الفضائيات طوال العام تتحضَّر لشهر رمضان من خلال برامج الربح والأغنيات وسواها، فما رأيكم في ذلك؟

_ نحن نجدُ أنَّ الذهنية التي تحكم مثل هذا الجوِّ اللاهي العابث، تنطلق من أنّ الصائم إنسان متعب يعيش المأساة النفسية من خلال تركه للطعام والشراب، ولذلك يريدون تعويضه عن ذلك كلّه، لإدخاله في جوِّ المرح والأنس والفرح واللهو والعبث، ولكن هذه فكرة خاطئة، لأنّ الله عندما أراد للصائم أن يعيش تجربة الصوم في النهار، أراد له أن يرتفع بروحه إليه، وأن يعيش معه ويتقرّب منه في الليل. لذلك، فإن هذا المناخ الذي يراد الاستعداد لإيجاده في شهر رمضان، في لياليه أو نهاراته، يبتعد عن مناخ الصوم الذي يراد منه تقريب الإنسان إلى الله، وإبعاده عن كلّ أجواء اللهو والعبث. نحن لسنا ضد الفرح، لكنّنا لا نريد للفرح أن يثكل الروح.

نحن لسنا ضد الفرح في شهر رمضان وغيره، لكنّنا لا نريد للفرح أن يثكل الروح

* ما طبيعة البرامج الدينية التي تراها مفيدة؟

_  لا بدَّ من أن تكون هناك برامج دينية فنية، نحن لا نؤمن بالبرامج الدينية التي لا فنَّ فيها. ودائماً نقول إنه لا بد من أن ينطلق الذين يملكون الخبرة الفنية إلى جانب الخبرة الدينية، ليزاوجوا بين الخط الديني والخبرة الفنية.

* وما رأيكم بالإنشاد الديني؟

_ نحن مع الإنشاد الديني الذي يختار فيه الشعر الذي يتميَّز بالفن، والذي يتميز أيضاً بالإيحاء والإبداع.

* مجلة «الفضائية» دعت إلى اليوم العالمي للقرآن، ما رأيك بهذه الفكرة؟

_ نحن نشجِّع كل تجربة إسلامية تأخذ بأسباب الفن والإبداع، بالطريقة التي تنقل فيها إلى مشاعر الإنسان المسلم وإحساسه وتفكيره.

* ما رأيكم بمسألة الإعجاز العلمي في القرآن؟

_ نحن لا نعتبر أنَّ القرآن جاء من خلال إثارة النظريات العلمية في هذا المجال، كما أننا لا نشجع تفسير القرآن بالنظريات العلمية، لأنّ القرآن ثابت يمثل الحقيقة، والنظريات العلمية متغيرة، فإذا فرضنا أننا فسَّرنا آيةً من الآيات بنظرية علمية معينة، فكيف يمكن أن نوازن في هذا الأمر؟! ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك لمحات علمية، لكن الإعجاز في القرآن هو الإعجاز البلاغي، وإعجازٌ من ناحية أن النبي(ص) الأمي الذي لم يدخل إلى أي جامعة، جاء بالتشريع والمفاهيم والجوانب الروحية والاجتماعية، وحتى السياسية، بما أعجز الآخرين.

نحن لا نفسر القرآن بما أنتجته الأبحاث العلمية، ولكن قد تكون بعض المفردات في القرآن توحي ببعض هذا

* تقصد بأن القرآن ثابت، والنظريات متغيرة؟

_ قد تتغير النظريات في الكثير من الحالات، هناك فرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية، الحقيقة العلمية = معادلة 1+1=2، أما النظرية العلمية فهي ظن، لأنها ناتجة عن التجربة، والتجربة عادةً لا تكون شاملة، كما في نظرية داروين الذي تحدث فيها عن تطوّر الأنواع، وجاء من بعده علماء اكتشفوا أن الإنسان في صورته هذه كان إنساناً سوياً.

القرآن فيه لمحات، لكنه يتحدث عن القوانين الكونية، كونها وسيلة من وسائل بيان عظمة الله سبحانه وتعالى، وبيان أسرار نعمة الله في الكون.

* أحياناً قد يفهم المسلم القرآن بشكل منقوص، وأحياناً تؤخذ التفسيرات بشكل ضيِّق؟

_ التفسير غالباً ما يمثِّل ثقافة المُفسِّر، لذلك فإنَّ المفسِّر بحاجة لأن يتميز بثقافة إسلامية وثقافة أدبية عالية، لأنّ القرآن الذي جاء في أعلى مواقع الإعجاز البلاغي، يحتاج إلى شخصٍ يملك القدرة الفنية الأدبية التي يستطيع فيها أن يميّز بين الإعجاز والحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية... ثم هناك بعض المفسرين يعتمدون على الروايات المنسوبة إلى النبي(ص) أو إلى الصحابة، وقد تكون هذه الروايات مكتوبة وموضوعة، لذلك لا بد من التدقيق في أخذ هذه الروايات، وإذا ورد فيها ما خالف كتاب الله فهو زخرف.

بعض الروايات قد تكون مكتوبة وموضوعة، لذلك لا بد من التدقيق في أخذ هذه الروايات، وإذا ورد فيها ما
خالف كتاب الله فهو زخرف

* رفع أصوات المآذن بشكل أكثر من المعتاد، كيف تراه؟

_ نحن أفتينا أنّ هذا لا يجوز. فلا بد من الاقتصار في الأذان على الأذان وبعض الآيات الخفيفة جداً.

أجرى الحوار هلا الخطيب
مجلة الفضائية/العدد 169 – تشرين الأول- أوكتوبر 2005

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية