آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في حوارٍ شامل للشّروق يؤكّد: الصّراع بين السنّة والشّيعة لا يخدم سوى أمريكا وإسرائيل

آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في حوارٍ شامل للشّروق يؤكّد: الصّراع بين السنّة والشّيعة لا يخدم سوى أمريكا وإسرائيل

آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في حوارٍ شامل للشّروق يؤكّد:

الصّراع بين السنّة والشّيعة لا يخدم سوى أمريكا وإسرائيل


يتحدّث آية الله العظمى ، السيّد محمّد حسين فضل الله، في هذا الحوار الّذي خصّ به صحيفة "الشّروق"، عن رأيه في قضيّة الصّراع بين السنّة والشّيعة، وما يرتبط بالقضيّة الفلسطينيّة والمشهد السياسيّ اللّبنانيّ، ومأساة العراقيّين مع الاحتلال والطّائفيّة.

 

التّقريب بين المذاهب

س: سماحة السيّد، هل لا تزال محاولات التّقريب بين المذهبين السنّي والشّيعي مُجديةً في رأيكم؟

السّيّد فضل الله: هناك محاولاتٌ للتّقريب تحرّكت في أكثر من مجال، وبعضها كان له دورٌ جيّد في التّاريخ غير البعيد، كما في مجمع التّقريب في القاهرة، وهناك اليوم مجمعٌ للتّقريب في إيران، وهناك بعض الأطر التّقريبيّة التي تتحرّك هنا وهناك. ولكنّ المشكلة أنّ التّقريب يكاد يكون سياسيّاً أكثر منه فكريّاً، بمعنى أنّ هناك مصالح مشتركة لدى هذا الفريق أو ذاك يتمّ العمل لتقريب وجهات النّظر أو العمل لأجلها، من دون أن يتحوّل التّقريب إلى قواعد يتمّ تأصيلها على ضوء الكتاب والسنّة، ويتمّ استحضارها لتقييم الواقع الّذي يفرض كثيراً من التّحدّيات تجاه الإسلام والمسلمين.

فإذا كان السنّة والشّيعة يعتبرون أنّ المصدر الأساس لفكرهم وشريعتهم هو القرآن والسنّة، فإنَّ من الممكن أن يتمّ اعتبار التّسنّن والتّشيّع، في ما هي نتاجات العلماء اليوم، منهجيْن في فهم الكتاب والسنّة، علماً أنّ الحديث عن منهجين فيه شيءٌ من المجازفة؛ لأنّنا نجد كثيراً من القضايا المشتركة في هذا المجال أيضاً. وهنا نجد أنّ العنوان الإسلاميّ سيكون هو الحاضر الأوّل، بعدما غيّب التّاريخ وتعقيداته هذا العنوان لصالح التسنّن أو التشيّع كعنوانين مذهبيّين يتحرّك الكثير من أتباعهما من خلال التّعصّب الذي أكّد الإسلام ذمّه ورفضه.

(التّبشير) بالتشيّع!

 س: هناك أيضاً مسألة الدّعوة إلى التشيّع داخل البلدان السنّية، ولا سيّما في المغرب العربيّ. ألا ترون أنها ستصعّد من حدّة المواجهات المذهبيّة والصّراع السنيّ الشيعيّ؟

السّيّد فضل الله: المسألة التي يشير إليها السّؤال هي من المسائل التي تحرّكت بها وسائل الإعلام بالكثير من التّضخيم لأجل تحقيق مصالح لأطراف سياسيّة هنا وهناك، ولا سيّما في ظلّ حال الاحتقان المذهبي الذي يجوب عالمنا الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، بحيث يُراد أن يُشغَل المسلمون عن القضايا الكُبرى بسنّيٍّ تشيّعَ هنا، أو بشيعيٍّ تسنّنَ هناك.

وإنّنا نطرح المسألة أيضاً برسم كلّ المسؤولين، أن يبيّنوا إحصائيّاتٍ واقعيّةً حقيقيّةً في ما يُسمّى تشييع السنّة، وكذلك في ما يسمّى تسنين الشّيعة، ليُصار بعد ذلك إلى الحكم على القضايا بواقعيّة، ومن دون إثارات إعلاميّة.

ثمّ، من حقّ أي مسلم أن يتناول القضيَّة من الزّاوية الفكريّة، فليس من الطّبيعيّ عندما نتحرّك في الفضاء الفكريّ الإسلاميّ، أن يتمّ وضع حواجز أمام حركة الفكر أو حركة الحوار؛ لأنَّ مسألة الفكر خاضعة لاقتناع الإنسان الذي قد تتبدّل قناعاته أمام ما يطرحه له الآخر مباشرةً، أو عبر كتابٍ، أو عبر وسائل الإعلام، وما إلى ذلك ممّا بات مفتوحاً على مصراعيه اليوم بما لا يكاد يستطيع أحدٌ ضبطه، علماً أنّه ما الّذي يضير أن يقتنع من ينتمي إلى هذا المذهب بما يطرحه أتباع مذهبٍ آخر، طالما أنّ هناك اعترافاً بأنّ المذاهب تتحرّك في إطار الإسلام؟! هذا من حيث المبدأ.

وإنّنا نؤكّد على المسلمين، من السنّة والشيعة، أن يُراعوا المصلحة الإسلاميّة في حركتهم، لتكون الدّعوة إلى الإسلام هي الأساس، وأن ينتبهوا إلى الظّروف السياسيّة المعقّدة التي يحاول أعداء الأمّة استغلالها لتعقيد علاقات المسلمين ببعضهم البعض في هذا المجال.

الاعتراف بالمذهب السني

س: لكن من النّاحية العمليّة، نجد أنّ الأزهر أجاز للسنّي التعبّد وفق المذهب الجعفريّ، فلماذا لم يتقدّم الشيعة بمثل هذه المبادرات؟

السّيّد فضل الله: اللافت أنّ هذا السّؤال يُطرَح في الوقت الذي يمثّل الشّيعة الحاجة الفعليّة للاعتراف بهم من قبل الغالبيّة الإسلاميّة، التي هي سنّية بطبيعة الحال، وليس العكس.

وعلى كلّ حال، ففي طبيعة حركة الفكر الاجتهاديّ الشيعيّ، فإنّ مسألة التعبّد تخضع للمباني الاجتهاديّة لدى هذا الفقيه أو ذاك داخل المذهب الواحد، ولا يُمكن أن تتحرّك المسألة لتُعطى شرعيّة شموليّة لمذاهب معيّنة أو لعلماء معيّنين. وبتعبير آخر: المسألة في إطار الفقه الإسلاميّ الشيعيّ تخضع لهذا الأمر، بحيث قد يجيز العلماء الرجوع إلى هذا العالم ولا يجيزون الرجوع إلى ذاك، وقد يستقرّ الأمر على جواز الرجوع إلى أتباع المدرسة الأصوليّة مثلاً، ولا يجاز الرّجوع إلى أتباع المدرسة الأخباريّة. فالمسألة خاضعة للمباني المختلفة التي تفرض نفسها في طبيعة التّقييم، مما قد يختلف بين عالمٍ وآخر، لا بين مذهب بشموليّته وآخر بشموليّته كذلك.

ولذلك، فليُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه؛ لأنَّ مسألة الفكر هي مسألة قد تتطوّر عبر الزّمن، لينشأ لدينا فقهاء في الفضاء الإسلاميّ الاجتهاديّ، وعندئذٍ يُمكن أن نتحدّث عن إمكانيّة الرّجوع إلى فقه هذا المجتهد، عبر دراسة عناصر اجتهاده، أو ذاك؛ لأنّ الحديث عن شموليّة في إجازة التعبّد ليس موضوعيّاً.

س: هناك أيضاً موضوع نظرة الشّيعة إلى أهل السنّة؛ هل هم مسلمون ناقصون لا يكتمل إيمانهم إلا بالتشيّع؟ وفي نظركم، لماذا عجزت الحركات الإسلاميّة السنيّة والشيعيّة، حتى المتفهّم والنّهضويّ منها، عن أن تكون الحركة لجميع المذاهب، وأصبحت الأحزاب الإسلاميّة مجالاً جديداً لتفرقة المسلمين في البلد الواحد، كما هو حاصلٌ في لبنان والعراق؟

السّيّد فضل الله: من الطّبيعيّ أنَّ أصحاب أيّ فكرٍ يعتقدون أنّ فكرهم هو الأكمل، في الوقت الذي نؤكّد أنّ الإسلام هو النّطق بالشّهادتين، وحركة الإمامة عندنا، نحن الشّيعة الإماميّة، ليست شيئاً في عرْضِ السنّة، وإنّما على طريقة ما نرويه عن إمامنا جعفر الصّادق(ع): «حديثي حديثُ أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله (ص) قول الله عزّ وجلّ».[وسائل الشّيعة/ج27، ص83]، بمعنى أنّهم غير مشرّعين، وإنّما هم ناقلون للعلم عن رسول الله. وهنا نقول إنّه ليس من الطّبيعيّ أن تفترق الأمّة على أهل البيت(ع) بهذا المعنى؛ لأنّهم كانوا ـ على الأقلّ ـ أعلم أهل زمانهم، ونحن نعرف أنّ المذاهب الإسلاميّة في المدرسة السنّيّة تتلمذت بشكلٍ وبآخر على يد الإمام جعفر الصّادق(ع).

محاولات التّقريب بين الشّيعة والسنّة سياسيّة أكثر منها فكريّة


القضيَّة الفلسطينيَّة

س: نتحدَّث الآن عن الشقّ السياسيّ، ما هو تقييمكم للعمليّة السياسيّة التي تحيط بالملفّ الفلسطينيّ من مختلف الأطراف؟

السّيّد فضل الله: الواقع أنَّ هناك حالة استقالة عربيّة رسميّة من قضيّة فلسطين بأكملها، بحيث بات الكثيرون يشعرون بأنّهم أمام عبءٍ وليس أمام قضيَّة، ويتحيَّنون الفرص لتقديم التَّنازلات تلو التّنازلات تجاهها، حتى يكاد كلّ شيء يذهب. والمشكلة أنّ جزءاً من المشاكل التي يعانيها العالم العربيّ عنوانه انقسام العرب إلى قسمٍ ممانع أو مقاوم، وقسمٍ يرى ضرورة التخلّي عن كلّ أوارق القوّة في خطّ الممانعة أو المقاومة، وهذا ما يمثّل حالةً من حالات انعدام الوزن السياسيّ، فضلاً عمّا يتّصل بقيم العروبة أو الإسلام.

كما أنّ هناك الواقع الدّوليّ الّذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والّذي يتحرّك وفق أجندةٍ إسرائيليّةٍ تقف في مواجهة مصالح الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وتتحرّك في سبيل الضّغط على الواقع من أجل أن يخضع للإرادة الصّهيونيّة في كلّ أوضاعه وسياساته.

س: وهل ترون في الحركة الإسلاميّة الفلسطينيّة بديلاً من منظّمة التحرير الفلسطينيّة أم شريكاً؟

السّيّد فضل الله: ليس أمام الفلسطينيّين إلا أن يتحرّكوا في خطّ الوحدة الوطنيّة والإسلاميّة، وأن يرجعوا إلى قيم الإسلام والعروبة، في سبيل تفعيل السّير على طريق التّحرير المسلّح، والّذي كان هو مبرّر وجود كلّ الحركات الفلسطينيّة، ولا سيّما أنّ خطّة المفاوضات أثبتت فشلها الذّريع، ومنعت من حصول أيّ مكاسب للفلسطينيّين في مدى المستقبل، فضلاً عن التّاريخ؛ كيف، والمفاوضات تكاد تطيح بكلّ فلسطين وكلّ الفلسطينيّين!

مشكلة اللاجئين

س: الوضع في المخيّمات الفلسطينيّة الموجودة في لبنان مزرٍ جداً، ويبدو أنّه مادّة سجالٍ بين القوى اللّبنانية المختلفة. إلى أيّ مدى ترون مسألة التّوطين مطروحةً؟ ولماذا لا نرى مبادراتٍ لرفع الحيف عن المخيّمات الفلسطينيّة من قبل حركات المقاومة اللّبنانيّة؟

السّيّد فضل الله: إنّنا نرى أنّه لا ينبغي للمسألة الإنسانيّة أن تخضع للمسألة السياسيّة، وهذا من مسؤوليّات الدّولة في هذا الاتّجاه. ولكنْ، ربّما تكون  المشكلة في لبنان، أنّ الواقع السياسيّ اللّبناني لا يعيش الثّقة تجاه مسألة التّوطين وتجاه تبنّي حقّ العودة؛ لأنَّ هناك من سعى ويسعى إلى التَّوطين، ولا يرى مشكلةً في ذلك، خصوصاً عندما تدخل المسألة في بازار اللّعبة الإقليميّة والدّوليّة التي يقبض ثمنها هذا الفريق أو ذاك، على المستوى السياسيّ أو الاقتصاديّ أو ما إلى ذلك. والمشكلة أنّ هذا الواقع السياسيّ لا يُمكن أن يشكّل ضمانةً لعدم التّوطين إذا ما أدخلت قضيّة المخيّمات في طرق حلّ كالتي يطرحها البعض في النادي السياسي اللّبناني.

 س: وإلى أيّ مدى ترون علاقة الوضع الإقليميّ بالحالة الفلسطينيّة وبالحلّ السياسيّ للقضيّة الفلسطينيّة؟

السّيّد فضل الله: إنَّ نقطة الارتكاز لكلِّ الواقع السياسيّ في المنطقة هي القضيّة الفلسطينيّة، ولا سيّما عندما نعرف أنّ عمق السّياسة الأمريكيّة، الّتي هي السياسة المؤثّرة في الواقع الدولي اليوم، هي سياسة إسرائيليّة في ما يتعلّق بالعالم العربيّ والإٍسلاميّ.

س: وكيف تصفون تفاعل الأمّة مع مجزرة غزّة في الشتاء الماضي؟

السّيّد فضل الله: أمّا التّفاعل العاطفيّ فحاضر. ولكنّنا نخشى أنّ المسألة باتت تقتصر على هذا اللّون من التّعاطف، حتى اختنقت الأصوات وحركة التّظاهرات، فلم يعد أحد يجرؤ على مخالفة الأنظمة في أشدّ القضايا خطورةً وحساسيّةً وإنسانيّةً، حتّى الاعتراض الحضاري، والتّعبير السلميّ، باتا من الممنوعات في العالم العربيّ والإسلاميّ، للأسف.

فلسطين تحوّلت لدى الأنظمة العربيّة من قضيّة إلى عبء


مشكلة النّظام السياسيّ اللّبناني

س: وفيما يخصّ الشّأن اللّبنانيّ، هل ترون في النّظام السياسيّ حلاً لا بديل منه في معالجة التنوّع المذهبيّ والثّقافيّ الذي يميّز السّاحة اللّبنانيّة؟

السّيّد فضل الله: حركة السياسة اللّبنانيّة مرتبطة بالأوضاع الإقليميّة في تشابكها مع الأوضاع الدوليّة، ولا نجد حركةً سياسيّةً لبنانيّةً بمعنى الكلمة. أمّا النّظام السياسيّ اللّبنانيّ، فهو نظامٌ يقوم على العصبيّة التي تشبه العصبيّات العشائريّة، والإصلاح فيه مرهون بالإرادة القويّة التي تنطلق من خلال مصلحة الإنسان في لبنان، لا مصلحة هذه الطّائفة أو تلك.

خيار الحكومة الإسلاميّة

س: وهل يُعتبر خيار الحكومة الإسلاميّة ناجحاً في لبنان؟ وكيف يمكن حلّ إشكاليّة الاستقطاب المذهبيّ والطّائفيّ في لبنان؟

السّيّد فضل الله: إنّ خيار الحكومة الإسلاميّة لا يملك أيّ واقعيّة في لبنان. وأمّا مشكلة الطائفيّة، فهي أنّ طبيعة هذا النظام أريد له أن يتحرّك ليكون منفذاً من خلال تناقضات الطّوائف لكلّ حركة اللّعبة السياسيّة المتعدّدة الأوجه والاتجاهات، وما لم يُنتج اللّبنانيّون قيماً مشتركةً تحرّك السياسة وفق مصلحة الإنسان في لبنان، فلن يكون هناك وطنٌ بما للوطن من معنى.

الحركات الإسلامية

س: وهل أنتم راضون عن الممارسة السياسيّة للقوى الإسلاميّة اللّبنانية، أم أنّكم ترون أنّها تساهم بشكلٍ أو بآخر بتكريس الطائفيّة السياسيّة؟

السّيّد فضل الله: مشكلة كثيرٍ من الحركات الإسلاميّة، أنّها في الوقت الّذي حقّقت بعض النّجاحات في الخطّ السياسي، وكثيراً من النّجاحات في الميدان العسكريّ الجهاديّ، لا تزال بحاجةٍ إلى التّعبير عن نفسها كحركاتٍ إسلاميّةٍ تتميّز بأصالتها الإسلاميّة، في الوقت الّذي تنفتح على كلّ الواقع الإنسانيّ المتنوّع في دائرة الوطن والأمّة والعالم.

حركة السياسة اللّبنانيّة مرتبطة بالأوضاع الإقليميّة في تشابكها مع الأوضاع الدّوليّة


التّجربة الإسلاميّة الإيرانيّة

س: ماذا مثّلت الثّورة الإيرانيّة للعرب والمسلمين؟ وما حجم استفادة المسلمين والعرب بشكلٍ خاصّ منها؟ وهل ترون في التوتّرات الدّاخليّة في إيران خطراً على التّجربة الإسلاميّة؟

السّيّد فضل الله: إنّ الثّورة الإسلاميّة في إيران الّتي انطلق بها الإمام الخمينيّ، رحمه الله، مثّلت إعادة الإسلام إلى حيويّته في قلب الحياة السياسيّة، وفي حركة الصّراع الدوليّ الّذي يتحرّك اليوم بين القيم الإنسانيّة ونقيضها، حيث أراد الإمام الخمينيّ لهذه الدّولة أن تكون نموذجاً إسلاميّاً لإدارة الحكم، استناداً إلى القانون الإسلاميّ من جهة، وإلى المعاصرة من جهة أخرى، كما مثّلت قاعدةً معنويّةً لحركة التحرّر الإسلاميّ من الاحتلال، كما شهدنا ذلك في دعم الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة للمقاومة اللّبنانية والفلسطينية، وقد مدّت إيران يدها للتّعاون المشترك مع العالم العربي والإسلامي. وربَّما تكون هناك بعض التّعقيدات في هذا المجال؛ ولكنّ الخطّ الذي أراد له الإمام الخمينيّ أن يتحرّك هو خطّ الوحدة الإسلاميّة ولا سيّما في خطّ تحريك اهتمام المسلمين بقضاياهم الكُبرى، بدلاً من التلهّي بالهوامش الصّغيرة هنا وهناك.

وإنّ أيّ تجربةٍ جديدةٍ للحكم، لا بدّ من أن تمرّ ببعض المراحل التي تتكامل فيها التّجربة، بشرط أن يتحرّك كلّ المخلصين للتّعاون فيما بينهم، وأن يتحرّك الفكر الاجتهاديّ ليرفد مسيرة الدولة بالتّنظير وبالنّقد البنّاء؛ وبذلك تتكامل التجربة الواقعيّة مع التّجربة النظريّة في هذا المجال.

مآسي الاحتلال

س: كانت مأساة العراق بعد أن احتلّها الأمريكيّون كبيرةً جدّاً، وقد أضيف إليها التّناحر الطائفيّ الداخليّ، فهل تعتبرون أنّ هناك مخرجاً من هذا الاقتتال الداخليّ بين السنّة والشّيعة؟

السّيّد فضل الله: لقد ذكرنا في أحاديث كثيرة، أنّ السياسة الاستكباريّة التي تتحرّك بها الولايات المتّحدة الأمريكيّة تجاه المنطقة العربيّة والإسلاميّة، تتحرّك لتأكيد حال الفتن والانقسامات في الأمّة، وذلك بهدف المحافظة على مصالحها الاستكباريّة الّتي هي ضدّ مصالح شعوب المنطقة، في حاضرها ومستقبلها، إضافةً إلى كونها سياسةً إسرائيليّةً فيما يخصّ مصالح الكيان الصهيونيّ في المنطقة. وأعتقد أنّ المسلمين ـ من خلال التّجارب الصّعبة التي عاشوها ـ أصبحوا على درايةٍ تامّةٍ بأنّ الاحتلال الأجنبيّ، سواء أكان أمريكيّاً أم إسرائيليّاً أم غير ذلك، لا يتطلّع إلى مصلحة هذا الفريق من المسلمين أو ذاك، بل يعمل لمصلحته وهيمنته على حساب المذاهب كلّها والأمّة كلّها.

الاحتلال الأمريكيّ يعمل لمصلحته وهيمنته على حساب الأمّة كلّها


حاوره: صالح عوض

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 6 ذو القعدة 1430 هـ  الموافق: 24/10/2009 م

آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في حوارٍ شامل للشّروق يؤكّد:

الصّراع بين السنّة والشّيعة لا يخدم سوى أمريكا وإسرائيل


يتحدّث آية الله العظمى ، السيّد محمّد حسين فضل الله، في هذا الحوار الّذي خصّ به صحيفة "الشّروق"، عن رأيه في قضيّة الصّراع بين السنّة والشّيعة، وما يرتبط بالقضيّة الفلسطينيّة والمشهد السياسيّ اللّبنانيّ، ومأساة العراقيّين مع الاحتلال والطّائفيّة.

 

التّقريب بين المذاهب

س: سماحة السيّد، هل لا تزال محاولات التّقريب بين المذهبين السنّي والشّيعي مُجديةً في رأيكم؟

السّيّد فضل الله: هناك محاولاتٌ للتّقريب تحرّكت في أكثر من مجال، وبعضها كان له دورٌ جيّد في التّاريخ غير البعيد، كما في مجمع التّقريب في القاهرة، وهناك اليوم مجمعٌ للتّقريب في إيران، وهناك بعض الأطر التّقريبيّة التي تتحرّك هنا وهناك. ولكنّ المشكلة أنّ التّقريب يكاد يكون سياسيّاً أكثر منه فكريّاً، بمعنى أنّ هناك مصالح مشتركة لدى هذا الفريق أو ذاك يتمّ العمل لتقريب وجهات النّظر أو العمل لأجلها، من دون أن يتحوّل التّقريب إلى قواعد يتمّ تأصيلها على ضوء الكتاب والسنّة، ويتمّ استحضارها لتقييم الواقع الّذي يفرض كثيراً من التّحدّيات تجاه الإسلام والمسلمين.

فإذا كان السنّة والشّيعة يعتبرون أنّ المصدر الأساس لفكرهم وشريعتهم هو القرآن والسنّة، فإنَّ من الممكن أن يتمّ اعتبار التّسنّن والتّشيّع، في ما هي نتاجات العلماء اليوم، منهجيْن في فهم الكتاب والسنّة، علماً أنّ الحديث عن منهجين فيه شيءٌ من المجازفة؛ لأنّنا نجد كثيراً من القضايا المشتركة في هذا المجال أيضاً. وهنا نجد أنّ العنوان الإسلاميّ سيكون هو الحاضر الأوّل، بعدما غيّب التّاريخ وتعقيداته هذا العنوان لصالح التسنّن أو التشيّع كعنوانين مذهبيّين يتحرّك الكثير من أتباعهما من خلال التّعصّب الذي أكّد الإسلام ذمّه ورفضه.

(التّبشير) بالتشيّع!

 س: هناك أيضاً مسألة الدّعوة إلى التشيّع داخل البلدان السنّية، ولا سيّما في المغرب العربيّ. ألا ترون أنها ستصعّد من حدّة المواجهات المذهبيّة والصّراع السنيّ الشيعيّ؟

السّيّد فضل الله: المسألة التي يشير إليها السّؤال هي من المسائل التي تحرّكت بها وسائل الإعلام بالكثير من التّضخيم لأجل تحقيق مصالح لأطراف سياسيّة هنا وهناك، ولا سيّما في ظلّ حال الاحتقان المذهبي الذي يجوب عالمنا الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، بحيث يُراد أن يُشغَل المسلمون عن القضايا الكُبرى بسنّيٍّ تشيّعَ هنا، أو بشيعيٍّ تسنّنَ هناك.

وإنّنا نطرح المسألة أيضاً برسم كلّ المسؤولين، أن يبيّنوا إحصائيّاتٍ واقعيّةً حقيقيّةً في ما يُسمّى تشييع السنّة، وكذلك في ما يسمّى تسنين الشّيعة، ليُصار بعد ذلك إلى الحكم على القضايا بواقعيّة، ومن دون إثارات إعلاميّة.

ثمّ، من حقّ أي مسلم أن يتناول القضيَّة من الزّاوية الفكريّة، فليس من الطّبيعيّ عندما نتحرّك في الفضاء الفكريّ الإسلاميّ، أن يتمّ وضع حواجز أمام حركة الفكر أو حركة الحوار؛ لأنَّ مسألة الفكر خاضعة لاقتناع الإنسان الذي قد تتبدّل قناعاته أمام ما يطرحه له الآخر مباشرةً، أو عبر كتابٍ، أو عبر وسائل الإعلام، وما إلى ذلك ممّا بات مفتوحاً على مصراعيه اليوم بما لا يكاد يستطيع أحدٌ ضبطه، علماً أنّه ما الّذي يضير أن يقتنع من ينتمي إلى هذا المذهب بما يطرحه أتباع مذهبٍ آخر، طالما أنّ هناك اعترافاً بأنّ المذاهب تتحرّك في إطار الإسلام؟! هذا من حيث المبدأ.

وإنّنا نؤكّد على المسلمين، من السنّة والشيعة، أن يُراعوا المصلحة الإسلاميّة في حركتهم، لتكون الدّعوة إلى الإسلام هي الأساس، وأن ينتبهوا إلى الظّروف السياسيّة المعقّدة التي يحاول أعداء الأمّة استغلالها لتعقيد علاقات المسلمين ببعضهم البعض في هذا المجال.

الاعتراف بالمذهب السني

س: لكن من النّاحية العمليّة، نجد أنّ الأزهر أجاز للسنّي التعبّد وفق المذهب الجعفريّ، فلماذا لم يتقدّم الشيعة بمثل هذه المبادرات؟

السّيّد فضل الله: اللافت أنّ هذا السّؤال يُطرَح في الوقت الذي يمثّل الشّيعة الحاجة الفعليّة للاعتراف بهم من قبل الغالبيّة الإسلاميّة، التي هي سنّية بطبيعة الحال، وليس العكس.

وعلى كلّ حال، ففي طبيعة حركة الفكر الاجتهاديّ الشيعيّ، فإنّ مسألة التعبّد تخضع للمباني الاجتهاديّة لدى هذا الفقيه أو ذاك داخل المذهب الواحد، ولا يُمكن أن تتحرّك المسألة لتُعطى شرعيّة شموليّة لمذاهب معيّنة أو لعلماء معيّنين. وبتعبير آخر: المسألة في إطار الفقه الإسلاميّ الشيعيّ تخضع لهذا الأمر، بحيث قد يجيز العلماء الرجوع إلى هذا العالم ولا يجيزون الرجوع إلى ذاك، وقد يستقرّ الأمر على جواز الرجوع إلى أتباع المدرسة الأصوليّة مثلاً، ولا يجاز الرّجوع إلى أتباع المدرسة الأخباريّة. فالمسألة خاضعة للمباني المختلفة التي تفرض نفسها في طبيعة التّقييم، مما قد يختلف بين عالمٍ وآخر، لا بين مذهب بشموليّته وآخر بشموليّته كذلك.

ولذلك، فليُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه؛ لأنَّ مسألة الفكر هي مسألة قد تتطوّر عبر الزّمن، لينشأ لدينا فقهاء في الفضاء الإسلاميّ الاجتهاديّ، وعندئذٍ يُمكن أن نتحدّث عن إمكانيّة الرّجوع إلى فقه هذا المجتهد، عبر دراسة عناصر اجتهاده، أو ذاك؛ لأنّ الحديث عن شموليّة في إجازة التعبّد ليس موضوعيّاً.

س: هناك أيضاً موضوع نظرة الشّيعة إلى أهل السنّة؛ هل هم مسلمون ناقصون لا يكتمل إيمانهم إلا بالتشيّع؟ وفي نظركم، لماذا عجزت الحركات الإسلاميّة السنيّة والشيعيّة، حتى المتفهّم والنّهضويّ منها، عن أن تكون الحركة لجميع المذاهب، وأصبحت الأحزاب الإسلاميّة مجالاً جديداً لتفرقة المسلمين في البلد الواحد، كما هو حاصلٌ في لبنان والعراق؟

السّيّد فضل الله: من الطّبيعيّ أنَّ أصحاب أيّ فكرٍ يعتقدون أنّ فكرهم هو الأكمل، في الوقت الذي نؤكّد أنّ الإسلام هو النّطق بالشّهادتين، وحركة الإمامة عندنا، نحن الشّيعة الإماميّة، ليست شيئاً في عرْضِ السنّة، وإنّما على طريقة ما نرويه عن إمامنا جعفر الصّادق(ع): «حديثي حديثُ أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله (ص) قول الله عزّ وجلّ».[وسائل الشّيعة/ج27، ص83]، بمعنى أنّهم غير مشرّعين، وإنّما هم ناقلون للعلم عن رسول الله. وهنا نقول إنّه ليس من الطّبيعيّ أن تفترق الأمّة على أهل البيت(ع) بهذا المعنى؛ لأنّهم كانوا ـ على الأقلّ ـ أعلم أهل زمانهم، ونحن نعرف أنّ المذاهب الإسلاميّة في المدرسة السنّيّة تتلمذت بشكلٍ وبآخر على يد الإمام جعفر الصّادق(ع).

محاولات التّقريب بين الشّيعة والسنّة سياسيّة أكثر منها فكريّة


القضيَّة الفلسطينيَّة

س: نتحدَّث الآن عن الشقّ السياسيّ، ما هو تقييمكم للعمليّة السياسيّة التي تحيط بالملفّ الفلسطينيّ من مختلف الأطراف؟

السّيّد فضل الله: الواقع أنَّ هناك حالة استقالة عربيّة رسميّة من قضيّة فلسطين بأكملها، بحيث بات الكثيرون يشعرون بأنّهم أمام عبءٍ وليس أمام قضيَّة، ويتحيَّنون الفرص لتقديم التَّنازلات تلو التّنازلات تجاهها، حتى يكاد كلّ شيء يذهب. والمشكلة أنّ جزءاً من المشاكل التي يعانيها العالم العربيّ عنوانه انقسام العرب إلى قسمٍ ممانع أو مقاوم، وقسمٍ يرى ضرورة التخلّي عن كلّ أوارق القوّة في خطّ الممانعة أو المقاومة، وهذا ما يمثّل حالةً من حالات انعدام الوزن السياسيّ، فضلاً عمّا يتّصل بقيم العروبة أو الإسلام.

كما أنّ هناك الواقع الدّوليّ الّذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والّذي يتحرّك وفق أجندةٍ إسرائيليّةٍ تقف في مواجهة مصالح الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وتتحرّك في سبيل الضّغط على الواقع من أجل أن يخضع للإرادة الصّهيونيّة في كلّ أوضاعه وسياساته.

س: وهل ترون في الحركة الإسلاميّة الفلسطينيّة بديلاً من منظّمة التحرير الفلسطينيّة أم شريكاً؟

السّيّد فضل الله: ليس أمام الفلسطينيّين إلا أن يتحرّكوا في خطّ الوحدة الوطنيّة والإسلاميّة، وأن يرجعوا إلى قيم الإسلام والعروبة، في سبيل تفعيل السّير على طريق التّحرير المسلّح، والّذي كان هو مبرّر وجود كلّ الحركات الفلسطينيّة، ولا سيّما أنّ خطّة المفاوضات أثبتت فشلها الذّريع، ومنعت من حصول أيّ مكاسب للفلسطينيّين في مدى المستقبل، فضلاً عن التّاريخ؛ كيف، والمفاوضات تكاد تطيح بكلّ فلسطين وكلّ الفلسطينيّين!

مشكلة اللاجئين

س: الوضع في المخيّمات الفلسطينيّة الموجودة في لبنان مزرٍ جداً، ويبدو أنّه مادّة سجالٍ بين القوى اللّبنانية المختلفة. إلى أيّ مدى ترون مسألة التّوطين مطروحةً؟ ولماذا لا نرى مبادراتٍ لرفع الحيف عن المخيّمات الفلسطينيّة من قبل حركات المقاومة اللّبنانيّة؟

السّيّد فضل الله: إنّنا نرى أنّه لا ينبغي للمسألة الإنسانيّة أن تخضع للمسألة السياسيّة، وهذا من مسؤوليّات الدّولة في هذا الاتّجاه. ولكنْ، ربّما تكون  المشكلة في لبنان، أنّ الواقع السياسيّ اللّبناني لا يعيش الثّقة تجاه مسألة التّوطين وتجاه تبنّي حقّ العودة؛ لأنَّ هناك من سعى ويسعى إلى التَّوطين، ولا يرى مشكلةً في ذلك، خصوصاً عندما تدخل المسألة في بازار اللّعبة الإقليميّة والدّوليّة التي يقبض ثمنها هذا الفريق أو ذاك، على المستوى السياسيّ أو الاقتصاديّ أو ما إلى ذلك. والمشكلة أنّ هذا الواقع السياسيّ لا يُمكن أن يشكّل ضمانةً لعدم التّوطين إذا ما أدخلت قضيّة المخيّمات في طرق حلّ كالتي يطرحها البعض في النادي السياسي اللّبناني.

 س: وإلى أيّ مدى ترون علاقة الوضع الإقليميّ بالحالة الفلسطينيّة وبالحلّ السياسيّ للقضيّة الفلسطينيّة؟

السّيّد فضل الله: إنَّ نقطة الارتكاز لكلِّ الواقع السياسيّ في المنطقة هي القضيّة الفلسطينيّة، ولا سيّما عندما نعرف أنّ عمق السّياسة الأمريكيّة، الّتي هي السياسة المؤثّرة في الواقع الدولي اليوم، هي سياسة إسرائيليّة في ما يتعلّق بالعالم العربيّ والإٍسلاميّ.

س: وكيف تصفون تفاعل الأمّة مع مجزرة غزّة في الشتاء الماضي؟

السّيّد فضل الله: أمّا التّفاعل العاطفيّ فحاضر. ولكنّنا نخشى أنّ المسألة باتت تقتصر على هذا اللّون من التّعاطف، حتى اختنقت الأصوات وحركة التّظاهرات، فلم يعد أحد يجرؤ على مخالفة الأنظمة في أشدّ القضايا خطورةً وحساسيّةً وإنسانيّةً، حتّى الاعتراض الحضاري، والتّعبير السلميّ، باتا من الممنوعات في العالم العربيّ والإسلاميّ، للأسف.

فلسطين تحوّلت لدى الأنظمة العربيّة من قضيّة إلى عبء


مشكلة النّظام السياسيّ اللّبناني

س: وفيما يخصّ الشّأن اللّبنانيّ، هل ترون في النّظام السياسيّ حلاً لا بديل منه في معالجة التنوّع المذهبيّ والثّقافيّ الذي يميّز السّاحة اللّبنانيّة؟

السّيّد فضل الله: حركة السياسة اللّبنانيّة مرتبطة بالأوضاع الإقليميّة في تشابكها مع الأوضاع الدوليّة، ولا نجد حركةً سياسيّةً لبنانيّةً بمعنى الكلمة. أمّا النّظام السياسيّ اللّبنانيّ، فهو نظامٌ يقوم على العصبيّة التي تشبه العصبيّات العشائريّة، والإصلاح فيه مرهون بالإرادة القويّة التي تنطلق من خلال مصلحة الإنسان في لبنان، لا مصلحة هذه الطّائفة أو تلك.

خيار الحكومة الإسلاميّة

س: وهل يُعتبر خيار الحكومة الإسلاميّة ناجحاً في لبنان؟ وكيف يمكن حلّ إشكاليّة الاستقطاب المذهبيّ والطّائفيّ في لبنان؟

السّيّد فضل الله: إنّ خيار الحكومة الإسلاميّة لا يملك أيّ واقعيّة في لبنان. وأمّا مشكلة الطائفيّة، فهي أنّ طبيعة هذا النظام أريد له أن يتحرّك ليكون منفذاً من خلال تناقضات الطّوائف لكلّ حركة اللّعبة السياسيّة المتعدّدة الأوجه والاتجاهات، وما لم يُنتج اللّبنانيّون قيماً مشتركةً تحرّك السياسة وفق مصلحة الإنسان في لبنان، فلن يكون هناك وطنٌ بما للوطن من معنى.

الحركات الإسلامية

س: وهل أنتم راضون عن الممارسة السياسيّة للقوى الإسلاميّة اللّبنانية، أم أنّكم ترون أنّها تساهم بشكلٍ أو بآخر بتكريس الطائفيّة السياسيّة؟

السّيّد فضل الله: مشكلة كثيرٍ من الحركات الإسلاميّة، أنّها في الوقت الّذي حقّقت بعض النّجاحات في الخطّ السياسي، وكثيراً من النّجاحات في الميدان العسكريّ الجهاديّ، لا تزال بحاجةٍ إلى التّعبير عن نفسها كحركاتٍ إسلاميّةٍ تتميّز بأصالتها الإسلاميّة، في الوقت الّذي تنفتح على كلّ الواقع الإنسانيّ المتنوّع في دائرة الوطن والأمّة والعالم.

حركة السياسة اللّبنانيّة مرتبطة بالأوضاع الإقليميّة في تشابكها مع الأوضاع الدّوليّة


التّجربة الإسلاميّة الإيرانيّة

س: ماذا مثّلت الثّورة الإيرانيّة للعرب والمسلمين؟ وما حجم استفادة المسلمين والعرب بشكلٍ خاصّ منها؟ وهل ترون في التوتّرات الدّاخليّة في إيران خطراً على التّجربة الإسلاميّة؟

السّيّد فضل الله: إنّ الثّورة الإسلاميّة في إيران الّتي انطلق بها الإمام الخمينيّ، رحمه الله، مثّلت إعادة الإسلام إلى حيويّته في قلب الحياة السياسيّة، وفي حركة الصّراع الدوليّ الّذي يتحرّك اليوم بين القيم الإنسانيّة ونقيضها، حيث أراد الإمام الخمينيّ لهذه الدّولة أن تكون نموذجاً إسلاميّاً لإدارة الحكم، استناداً إلى القانون الإسلاميّ من جهة، وإلى المعاصرة من جهة أخرى، كما مثّلت قاعدةً معنويّةً لحركة التحرّر الإسلاميّ من الاحتلال، كما شهدنا ذلك في دعم الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة للمقاومة اللّبنانية والفلسطينية، وقد مدّت إيران يدها للتّعاون المشترك مع العالم العربي والإسلامي. وربَّما تكون هناك بعض التّعقيدات في هذا المجال؛ ولكنّ الخطّ الذي أراد له الإمام الخمينيّ أن يتحرّك هو خطّ الوحدة الإسلاميّة ولا سيّما في خطّ تحريك اهتمام المسلمين بقضاياهم الكُبرى، بدلاً من التلهّي بالهوامش الصّغيرة هنا وهناك.

وإنّ أيّ تجربةٍ جديدةٍ للحكم، لا بدّ من أن تمرّ ببعض المراحل التي تتكامل فيها التّجربة، بشرط أن يتحرّك كلّ المخلصين للتّعاون فيما بينهم، وأن يتحرّك الفكر الاجتهاديّ ليرفد مسيرة الدولة بالتّنظير وبالنّقد البنّاء؛ وبذلك تتكامل التجربة الواقعيّة مع التّجربة النظريّة في هذا المجال.

مآسي الاحتلال

س: كانت مأساة العراق بعد أن احتلّها الأمريكيّون كبيرةً جدّاً، وقد أضيف إليها التّناحر الطائفيّ الداخليّ، فهل تعتبرون أنّ هناك مخرجاً من هذا الاقتتال الداخليّ بين السنّة والشّيعة؟

السّيّد فضل الله: لقد ذكرنا في أحاديث كثيرة، أنّ السياسة الاستكباريّة التي تتحرّك بها الولايات المتّحدة الأمريكيّة تجاه المنطقة العربيّة والإسلاميّة، تتحرّك لتأكيد حال الفتن والانقسامات في الأمّة، وذلك بهدف المحافظة على مصالحها الاستكباريّة الّتي هي ضدّ مصالح شعوب المنطقة، في حاضرها ومستقبلها، إضافةً إلى كونها سياسةً إسرائيليّةً فيما يخصّ مصالح الكيان الصهيونيّ في المنطقة. وأعتقد أنّ المسلمين ـ من خلال التّجارب الصّعبة التي عاشوها ـ أصبحوا على درايةٍ تامّةٍ بأنّ الاحتلال الأجنبيّ، سواء أكان أمريكيّاً أم إسرائيليّاً أم غير ذلك، لا يتطلّع إلى مصلحة هذا الفريق من المسلمين أو ذاك، بل يعمل لمصلحته وهيمنته على حساب المذاهب كلّها والأمّة كلّها.

الاحتلال الأمريكيّ يعمل لمصلحته وهيمنته على حساب الأمّة كلّها


حاوره: صالح عوض

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 6 ذو القعدة 1430 هـ  الموافق: 24/10/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير