فضل الله لصحيفة الأفكار اللبنانية: أعيش حال التشاؤم الكبير، لأنّ السيّد موسى الصّدر ليس من الأشخاص الّذين يخطفون ليبقوا!

فضل الله لصحيفة الأفكار اللبنانية: أعيش حال التشاؤم الكبير، لأنّ السيّد موسى الصّدر ليس من الأشخاص الّذين يخطفون ليبقوا!

 فضل الله لصحيفة الأفكار اللبنانية:

أعيش حال التشاؤم الكبير، لأنّ السيّد موسى الصّدر ليس من الأشخاص الّذين يخطفون ليبقوا!


إنّه شهر رمضان المبارك، وهو مناسبةٌ لاستضافة عالمٍ من علمائنا الكبار. ومحطّتنا هذا الأسبوع مع المرجع العلّامة، السيّد محمّد حسين فضل الله، والّذي يردّ عادةً على كلّ سؤالٍ بكلّ صراحة وشفافية، ومن دون إحراج، ويفسّره وفقاً لبابه الشرعيّ، ويبسّطه لتفهمه العامة. وهو العلّامة المجتهد والمنفتح على العصر، لكنّه في مسألة العاصفة الأخيرة التي واجهت كلامه في ردّه غير المباشر على البطريرك صفير حول حكم الأكثرية، آثر عدم التعليق، وقال إنه ليس في وارد الدخول في سجالٍ مع أحد، وما قاله إنما جاء من باب تصويب مسار معيّن عندما دعا البطريرك صفير إلى أن تحكم الأكثرية وتعارض الأقلية، فأراد السيد أن يقول إنّ هذا الطرح من الممكن أن يقابله طرح آخر من دون أن يتبنّى أيّ طرحٍ أو يقصد تغيير المعادلات وتعديل اتفاق الطائف، معتبراً أنّ المطالبة بحكم الأكثرية كما الحال في بلدانٍ أوروبيّة، لا تستقيم في لبنان الذي يعتمد الديمقراطية التوافقيّة، وإلا فإنّ البعض قد يطالب بالديمقراطية العدديّة وبحكم الأكثرية الشعبيّة، تاركاً للآخرين أن يفسّروا ما قاله كيفما شاؤوا، لافتاً إلى أنّ كلّ من يعمل من أجل لبنان واستقلاله يُعطى له المجد ولا يكون محصوراً في فئةٍ دون سواها.

صيامٌ عكس الجميع:

س: غالبيّة البلدان الإسلاميّة أعلنت يوم السبت أوّل أيام شهر رمضان المبارك، وسماحتك أعلنته يوم الجمعة وعاكست الجميع، فما أصل الحكاية؟

ج: منذ البداية وأنا أؤمن بالفهم المنفتح على النصّ، سواء النصّ القرآنيّ أو نصّ السنّة، وعندما كنّا نقرأ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، لاحظت أنّ الرؤية ليس لها موضوعية، بل هي وسيلةٌ من وسائل المعرفة، وأعطيت مثلاً شعبياً: عندما يقول لك الشخص: "إذا رأيت فلاناً فأخبرني"، ولكنّك لم تره، بل اتصل بك تلفونياً، ألا تخبره؟! ومعنى ذلك أنّ الرؤية هي وسيلةٌ من وسائل المعرفة، وإذا وجدنا وسيلةً أخرى من وسائل المعرفة قد تكون أدقّ من الرؤية، نأخذ بها.

وهنا نركّز على المسألة من ناحيةٍ علميّةٍ. فقضيّة الشّهر مربوطة بالنّظام الكوني للزمن، لأنّه ليس هناك فاصلٌ بين شهرٍ وشهرٍ من النّاحية الماديّة، إنما الفاصل هو أنّه إذا كان القمر في المحاق انتهى الشّهر وإذا خرج من المحاق بدأ الشّهر.

ولذلك، نحن نعتبر أنّ مسألة الشّهور لا ترتبط برؤية الإنسان، خصوصاً أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الشّهور قبل أن يخلق الإنسان: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التّوبة:36]. فالرّؤية أو عدم الرّؤية لا دخل لهما في الموضوع، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإنّ التلوّث الذي أصبح يحكم الفضاء، جعل مسألة الرؤية غير دقيقة، لأنّ الإنسان قد يرى أشياء كثيرةً تلمع قد تشبه القمر، ولكن لا قمر في هذا المجال.

 ولذلك نعتبر أنّ الحسابات الفلكيّة الدقيقة التي لم يعثر فيها في مدى أكثر من مائة سنة على خطأ، هي أكثر دقةً من الرّؤية التي قد يخطئ فيها الشّهود في هذا البلد أو ذاك البلد.

ومن هنا، فإنّني أعتبر أنّه بولادة الشّهر بخروجه من المحاق مع وجود إمكانيّة للرّؤية في بلدٍ نلتقي معه في جزءٍ من اللّيل، يثبت الهلال. وعلى هذا الأساس، كان أوّل شهر رمضان هو الجمعة وفقاً لما أصدره أيضاً مجلس الإفتاء والبحوث في أوروبّا في تأكيد الجمعة كأوّل شهر رمضان، إضافةً إلى بعض الدّول الأخرى كتركيا وغيرها.

س: إذا كان شهر رمضان ثلاثين يوماً، فمعنى ذلك أنّكم صمتم يوماً زيادةً، أليس كذلك؟

ج: أعتقد أنّه من الممكن جداً أن نلتقي في العيد، لأنّ العيد عندي هو منذ الآن يوم الأحد، أي بعد ثلاثين يوماً من يوم الجمعة، وأرجو أن نتّفق إن شاء الله.
    مسألة الشّهور لا ترتبط برؤية الإنسان للقمر، بل هي مربوطة بالنّظام الكوني للزمن

الرؤية والتّوافق:

س: يقال إنّ الرؤية لا تتمّ فقط بالعين المجرّدة، بل بوسائل أخرى، فهل هذا صحيح؟

ج: أحسنتم... فلا فرق بين العين المجرّدة وبين ما يسمّى الرؤية المسلّحة، يعني "التسلكوب"، أو غير ذلك في هذا المجال، لأنّ دور "التلسكوب" هو أن يكبّر الصورة ولكنّه لا يصنعها.

س: ألا يمكن التوافق بين علماء المسلمين لتفادي هذه الإشكالية التي تتكرّر كلّ سنة مع بدء الصوم؟

ج: قلت منذ زمن أن لا طريق إلى وحدة المسلمين في أوائل الشّهور، سواء في شهر رمضان أو ذي الحجّة، إلا باعتماد الحسابات الفلكيّة، لأنّنا نلاحظ أنّ بعض الدّول الإسلاميّة صام يوم الجمعة وبعضها الآخر صام السّبت، حتى إنّه في العام الماضي كان لدينا ثلاثة أعياد.

س: الملاحظ أيضاً أنّ الشّيعة في وقفة عرفات يقفون مرّتين بسبب هذا الاختلاف أيضاً، فما هو رأي سماحتك؟

ج: هناك نظريّة اجتهاديّة من خلال بعض النصوص الواردة عن بعض أئمّة أهل البيت(ع)، أنّه إذا كان الموقف لدى المسلمين الآخرين في يومٍ مختلَف فيه، فيجوز لنا أن نتبع موقفهم في هذه الحالة، لكنّ البعض قد يحتاطون بسبب عدم ثبوت اليوم بالطريقة الشرعية وفقاً لاجتهادهم، فهم يعتبرون أنّ ذلك اليوم ليس هو يوم عرفة، ولذلك يقفون هذا الموقف ولكنّهم يحتاطون.

س: لماذا لا يتّفق المسلمون من خلال منظّمة المؤتمر الإسلامي على توحيد الموقف؟ أم أنها السياسة التي تفرّق ولا تجمع؟

ج: لماذا لا يتّفق العلماء فيما بينهم، ولا تتّفق منظمة المؤتمر الإسلامي حتى في القضايا السياسية؟!

س: ولماذا أيضاً لا يتمّ الاتّفاق مع مفتي الجمهورية اللّبنانية في هذا الإطار ويتمّ توحيد المواعيد كلّها؟

ج: نحن الآن نعيش ذكرى كبيرٍ هو الإمام موسى الصدر، وقد التقينا في المجلس الشيعيّ، وكان السيد موسى، والشّيخ محمد مهدي شمس الدين(رحمه الله)، والشيخ عبد الأمير قبلان، وكان هناك علماء آخرون من السنّة، وقلنا لهم إنّ علينا أن نتّفق على أن نلتقي ونستمع إلى الشّهود معاً إذا كانت الرؤية هي الأساس، أو أن نعتمد على الجانب العلمي في هذا الموضوع، ولكنّهم قالوا إنه إذا أفتت السعودية فلا بدّ من أن نتّبعها، في الوقت الذي قلنا لهم إنّ السعودية قد تكون موضع خلافٍ حتى بينها وبين الدول الإسلاميّة في بعض الأحيان، بحيث إنّ السعودية تفتي بيوم ومصر مثلاً تفتي بيومٍ آخر.

 ولذلك، فمع تأكيد جانب الرّؤية في المسألة، أو الجانب السياسيّ، فإنّ ارتباط دائرة إفتاء بدائرة إفتاء أخرى في بلدٍ آخر قد يمنع من توحيد الشّهر.
لا طريق إلى وحدة المسلمين في أوائل الشّهور، سواء في شهر رمضان أو ذي الحجّة، إلا باعتماد الحسابات الفلكيّة

س: كلّ سنةٍ يمرّ شهر رمضان وأحوال المسلمين من سيّئ إلى أسوأ، حيث الانقسام والتّقاتل في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من البلدان الإسلامية، فإلى متى؟

ج: أتصوّر أنّ المسلمين لا يعيشون الإسلام كما جاء عن رسول الله(ص) الذي قال: «إنّ كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». ولذلك، فإنّ هذه المسيرة الدّامية الوحشيّة التي يستحلّ فيها المسلم دم المسلم الآخر وماله، وربما عرضه، على أساس أنّه يختلف معه في مسألة اجتهاديّة أو في مسألة تاريخيّة أو ما إلى ذلك؛ هذا ليس إسلاماً. ولذلك نقول إنّ هؤلاء لا يعيشون إسلامهم، والله سبحانه وتعالى أقرّ  في القرآن الكريم منهج: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران:103]، {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:59]، فهناك منهجٌ للمسلمين بما يختلفون فيه.

ولذلك نعتقد أنّ الذين يكفّرون المسلمين، سواء كانوا من هذا المذهب أو ذاك المذهب، نتيجة اختلافهم في الاجتهاد وفهم آيةٍ قرآنيّةٍ، أو اختلاف في فهم حديثٍ نبويّ أو في توثيق حديثٍ نبويّ؛ هؤلاء لا يفهمون ما هو الفارق بين الكفر والإيمان.

قضيّة الإمام موسى الصدر

س: طالما نحن نعيش ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر الحادية والثلاثين، كيف ترى هذه المسألة من خلال اتّصالاتك الإقليميّة والدوليّة؟

ج: لقد اتّصل بي الكثيرون من المسؤولين في ليبيا، وكأنهم يريدون أن يتحدّثوا معي لإيجاد صلةٍ بيني وبينهم، ولكنّني قلت لهم إنَّ المسألة بيننا وبينكم هي مسألة السيّد موسى الصّدر، واعترضت لديهم بأنّكم لم تقدّموا حتى إخراجاً لما تدّعونه، بحيث يطمئنّ إليه الإنسان من خلال المعلومات التي تقدّمونها، ولكنّكم لم تقدموا شيئاً يوحي بالاطمئنان، ولذلك فإنّه لا يمكن أن تكون بيننا وبينكم أيّ صلةٍ ما دامت القضيّة معلقةً، لأنّ السيد موسى الصدر لا يمثّل مجرد حالةٍ شيعيّةٍ، بل هو حالة إسلاميّة وإنسانيّة، لأنّ الرّجل كان يمثّل الشخصيّة المنفتحة على الإنسان كلّه، حتى إنّه كان يتحرّك مع المسيحيّّين كما يتحرّك مع المسلمين، وربما يتحرّك مع الأشخاص الذين لا يدينون بدينٍ من النّاحية الثّقافيّة أو من النّاحية السياسيّة.

س: هل الّذين اتّصلوا بكم لديهم مسؤوليّة في ليبيا أم هم مواطنون عاديّون؟

ج: ليسوا عاديين، ولكنّهم جاؤوا رسلاً يحاولون أن يحصلوا مني على موقفٍ إيجابيّ بالنّسبة إليهم.

س: وكم كان عددهم؟

ج: لعلّهم يزيدون عن الخمسة، وهم شخصيّات سياسيّة وإعلاميّة مهمّة.

س: من خلال تحرّياتكم الخاصّة وتحقيقاتكم واستشرافكم لهذه المسألة، كيف تصفون هذه الحالة؟

ج: أنا شخصيّاً لا أزال أعيش حال التشاؤم الكبير، لأنّ السيد موسى ليس من الأشخاص الذين يُخطفون ليبقوا، وأتصوّر أنّ هناك جريمةً.

س: منذ حوالي 7 سنوات، قال الزميل المرحوم نبيل خوري على التلفزيون إنه قابل مرّةً نائب الرئيس السوريّ السّابق، عبد الحليم خدّام، وتحدّث معه، إلى أن مرّ ذكر الإمام موسى الصدر، فوصفه خدّام بالمرحوم موسى الصدر. فماذا تقول في هذا؟

ج: وأنا قابلت أحد كبار المسؤولين الإيرانيين وسألته عن الموضوع، فقال لي: ما رأيك أنت؟ أي أنّه أعاد عليّ السؤال، فقلت له إنني أرى القضيّة في دائرة الشكّ وليس في دائرة الإيجاب، فقال لي إنّ هذا هو رأيي أيضاً، فقلت لماذا إذاً لم تعلنوا ذلك أو لم تسعوا إلى إعلان ذلك؟ فقال بأن ليس هناك مصلحة في هذا الإعلان.
اتّصل بي كثيرٌ من المسؤولين في ليبيا، بهدف الحصول مني على موقفٍ إيجابيّ في قضيّة الإمام الصّدر

الصّدر ولعبة الأمم:

س: ألا يفترض استغلال ذهاب الرّئيس معمّر القذافي إلى نيويورك مع خيمته، بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، بأن يقف أحدٌ ما داخل أروقة الأمم المتحدة ويسأله عن مصير الإمام موسى الصدر؟

ج: ربما يكرّر اللّيبيون الكلمات التي أطلقوها في الإعلام بما لا يصدّقه عقل. ثم إنّ القضيّة، حسب تصوّري، دخلت في لعبة الأمم. فأنا أذكر أنه بعد غياب السيّد موسى الصدر بأيّام، كتب المحلّل السياسيّ في مجلة "الأسبوع العربي" جورج أبو عضل، فقال: إنّ هذه القضيّة من القضايا التي لن يقدّر لها أن يُكشف النّقاب عنها. وهكذا، فإنّي أعتقد أنّ الرّجل لدى أكثر من جهةٍ سياسيّةٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ قد تجاوز الخطوط الحمراء.

س: قال المرحوم الرّئيس صائب سلام، بأنّه ذهب يوماً إلى ليبيا للاجتماع بالقذافي، ومعه المرحوم جميل كبي وهشام نشابة، ونزلوا في فندق "الشّاطئ الأبيض" الذي نزل فيه الإمام الصدر ورفيقاه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين، بانتظار تحديد موعد اللّقاء، إلى أن طال الانتظار، فقرّروا العودة إلى لبنان، وتوجّهوا إلى المطار، لكن ما إن وصلوا حتى وجدوا أحد الأمنيين الكبار يسأل عن الرّئيس سلام، فعرّف الأخير عن نفسه، فقال له: تفضّل معي، فأنت ممنوعٌ من السفر، فقال سلام إنّ الامتثال خير الأدب. وذهب معه وانتظر يومين حتى لقاء الرّئيس القذّافي. وتابع الرّئيس سلام بالإيحاء بأنّ ما حصل معه قد يكون حصل مع الإمام الصدر، وقد رفض الإمام حينها أن يمتثل، وهنا كان قرار الخطف. فماذا يقول العلامة فضل الله؟

ج: كما قلت بأنّ المسألة دخلت في إطار لعبة الأمم، ولم تكن جريمة شخصٍ واحدٍ، لكن فتّشْ عن المخابرات الإقليميّة والدوليّة، فالرّجل كان شخصيّةً كبيرةً استطاعت أن تمتدّ في لبنان وفي المنطقة العربية، حتى إنّه استطاع الحصول على ثقة الرّئيس جمال عبد الناصر بعدما كان المصريّون ينظرون إليه نظرةً سلبيّةً، ولكنّه عندما اجتمع بعبد النّاصر تبدّلت نظرته به كليّاً.

س: هل ترى في تغييبه جزءاً من المؤامرة على لبنان؟

ج: نعم...

السيّد موسى الصدر لا يمثّل مجرّد حالةٍ شيعيّةٍ، بل هو حالة إسلاميّة وإنسانيّة


المرأة المفقود زوجها

س: الأحد الماضي، احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالميّ للمفقودين والمخفيين. وإذا تناولنا المسألة بشكلٍ أوسع، وهي حال المرأة التي اختفى زوجها منذ سنوات، مثل بعض زوجات المفقودين والمخطوفين في لبنان. ماذا يقول الشرع هنا بالنسبة إلى المرأة وحالها، وبالنّسبة أيضاً إلى تركة المفقود وإرثه؟

ج: المرأة إذا غاب عنها زوجها غيبةً منقطعةً ولم يكن له وليّ، فالحاكم الشرعي يطلّقها بعد أربع سنوات بعدما يبحث عن المسألة، وإذا كانت النتائج سلبيةً فإنه يطلّقها. وعندنا أيضاً أنّه إذا غاب الإنسان غيبةً منقطعةً ولمدة أربع سنوات، يوزّع إرثه على من يستحقّه.

س: وإذا ظهر المفقود فجأةً؟

ج: عندها يكتشف هؤلاء أنهم أخذوا ما لا يستحقّونه منه، فعليهم أن يرجعوه إليه أو تجري المصالحة.

س: وإذا تزوّجت زوجته رجلاً آخر بعد أربع سنوات ومن ثم ظهر؟

ج: إذا تزوّجت فهي لا تكون مأثومةً في زواجها، لأنها اتّبعت الحكم الشّرعيّ، وتبقى في عصمة زوجها الثّاني، لأنّ طلاقها من الأوّل كان شرعيّاً.

الحرمان في الوصيّة

س: إذا قام الأب بكتابة وصيّته وحرم فيها أحد أولاده أو بعضهم من الإرث، فماذا يقول الشّرع في ذلك؟

ج: شرعاً، الوصيّة لا تنفّذ إلا بالثّلث، ثلث ماله، أي يستطيع حرمان أولاده من الثّلث فقط، ولكنّهم يرثون من الثّلثين الباقيين.

س: حتّى لو كان هناك حرمانٌ لهم في الوصيّة ؟

ج: حتّى مع الحرمان في الوصيّة، فالمال الذي يتركه الأب هو للآخرين، والمحرومون في الوصيّة يشاركونهم في الثّلثين فقط، وتنفّذ الوصيّة فقط في الثّلث، إلا إذا توافق جميع الورثة عليها. ومن ثمّ هناك حالة أخرى، وهي فيما إذا ملّك الأب في حياته عدداً من أولاده ولم يملّك واحداً مثلاً، فليس لهذا الأخير تركة حتى يورَّث منها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 18 رمضان 1430 هـ  الموافق: 07/09/2009 م

 فضل الله لصحيفة الأفكار اللبنانية:

أعيش حال التشاؤم الكبير، لأنّ السيّد موسى الصّدر ليس من الأشخاص الّذين يخطفون ليبقوا!


إنّه شهر رمضان المبارك، وهو مناسبةٌ لاستضافة عالمٍ من علمائنا الكبار. ومحطّتنا هذا الأسبوع مع المرجع العلّامة، السيّد محمّد حسين فضل الله، والّذي يردّ عادةً على كلّ سؤالٍ بكلّ صراحة وشفافية، ومن دون إحراج، ويفسّره وفقاً لبابه الشرعيّ، ويبسّطه لتفهمه العامة. وهو العلّامة المجتهد والمنفتح على العصر، لكنّه في مسألة العاصفة الأخيرة التي واجهت كلامه في ردّه غير المباشر على البطريرك صفير حول حكم الأكثرية، آثر عدم التعليق، وقال إنه ليس في وارد الدخول في سجالٍ مع أحد، وما قاله إنما جاء من باب تصويب مسار معيّن عندما دعا البطريرك صفير إلى أن تحكم الأكثرية وتعارض الأقلية، فأراد السيد أن يقول إنّ هذا الطرح من الممكن أن يقابله طرح آخر من دون أن يتبنّى أيّ طرحٍ أو يقصد تغيير المعادلات وتعديل اتفاق الطائف، معتبراً أنّ المطالبة بحكم الأكثرية كما الحال في بلدانٍ أوروبيّة، لا تستقيم في لبنان الذي يعتمد الديمقراطية التوافقيّة، وإلا فإنّ البعض قد يطالب بالديمقراطية العدديّة وبحكم الأكثرية الشعبيّة، تاركاً للآخرين أن يفسّروا ما قاله كيفما شاؤوا، لافتاً إلى أنّ كلّ من يعمل من أجل لبنان واستقلاله يُعطى له المجد ولا يكون محصوراً في فئةٍ دون سواها.

صيامٌ عكس الجميع:

س: غالبيّة البلدان الإسلاميّة أعلنت يوم السبت أوّل أيام شهر رمضان المبارك، وسماحتك أعلنته يوم الجمعة وعاكست الجميع، فما أصل الحكاية؟

ج: منذ البداية وأنا أؤمن بالفهم المنفتح على النصّ، سواء النصّ القرآنيّ أو نصّ السنّة، وعندما كنّا نقرأ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، لاحظت أنّ الرؤية ليس لها موضوعية، بل هي وسيلةٌ من وسائل المعرفة، وأعطيت مثلاً شعبياً: عندما يقول لك الشخص: "إذا رأيت فلاناً فأخبرني"، ولكنّك لم تره، بل اتصل بك تلفونياً، ألا تخبره؟! ومعنى ذلك أنّ الرؤية هي وسيلةٌ من وسائل المعرفة، وإذا وجدنا وسيلةً أخرى من وسائل المعرفة قد تكون أدقّ من الرؤية، نأخذ بها.

وهنا نركّز على المسألة من ناحيةٍ علميّةٍ. فقضيّة الشّهر مربوطة بالنّظام الكوني للزمن، لأنّه ليس هناك فاصلٌ بين شهرٍ وشهرٍ من النّاحية الماديّة، إنما الفاصل هو أنّه إذا كان القمر في المحاق انتهى الشّهر وإذا خرج من المحاق بدأ الشّهر.

ولذلك، نحن نعتبر أنّ مسألة الشّهور لا ترتبط برؤية الإنسان، خصوصاً أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الشّهور قبل أن يخلق الإنسان: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التّوبة:36]. فالرّؤية أو عدم الرّؤية لا دخل لهما في الموضوع، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإنّ التلوّث الذي أصبح يحكم الفضاء، جعل مسألة الرؤية غير دقيقة، لأنّ الإنسان قد يرى أشياء كثيرةً تلمع قد تشبه القمر، ولكن لا قمر في هذا المجال.

 ولذلك نعتبر أنّ الحسابات الفلكيّة الدقيقة التي لم يعثر فيها في مدى أكثر من مائة سنة على خطأ، هي أكثر دقةً من الرّؤية التي قد يخطئ فيها الشّهود في هذا البلد أو ذاك البلد.

ومن هنا، فإنّني أعتبر أنّه بولادة الشّهر بخروجه من المحاق مع وجود إمكانيّة للرّؤية في بلدٍ نلتقي معه في جزءٍ من اللّيل، يثبت الهلال. وعلى هذا الأساس، كان أوّل شهر رمضان هو الجمعة وفقاً لما أصدره أيضاً مجلس الإفتاء والبحوث في أوروبّا في تأكيد الجمعة كأوّل شهر رمضان، إضافةً إلى بعض الدّول الأخرى كتركيا وغيرها.

س: إذا كان شهر رمضان ثلاثين يوماً، فمعنى ذلك أنّكم صمتم يوماً زيادةً، أليس كذلك؟

ج: أعتقد أنّه من الممكن جداً أن نلتقي في العيد، لأنّ العيد عندي هو منذ الآن يوم الأحد، أي بعد ثلاثين يوماً من يوم الجمعة، وأرجو أن نتّفق إن شاء الله.
    مسألة الشّهور لا ترتبط برؤية الإنسان للقمر، بل هي مربوطة بالنّظام الكوني للزمن

الرؤية والتّوافق:

س: يقال إنّ الرؤية لا تتمّ فقط بالعين المجرّدة، بل بوسائل أخرى، فهل هذا صحيح؟

ج: أحسنتم... فلا فرق بين العين المجرّدة وبين ما يسمّى الرؤية المسلّحة، يعني "التسلكوب"، أو غير ذلك في هذا المجال، لأنّ دور "التلسكوب" هو أن يكبّر الصورة ولكنّه لا يصنعها.

س: ألا يمكن التوافق بين علماء المسلمين لتفادي هذه الإشكالية التي تتكرّر كلّ سنة مع بدء الصوم؟

ج: قلت منذ زمن أن لا طريق إلى وحدة المسلمين في أوائل الشّهور، سواء في شهر رمضان أو ذي الحجّة، إلا باعتماد الحسابات الفلكيّة، لأنّنا نلاحظ أنّ بعض الدّول الإسلاميّة صام يوم الجمعة وبعضها الآخر صام السّبت، حتى إنّه في العام الماضي كان لدينا ثلاثة أعياد.

س: الملاحظ أيضاً أنّ الشّيعة في وقفة عرفات يقفون مرّتين بسبب هذا الاختلاف أيضاً، فما هو رأي سماحتك؟

ج: هناك نظريّة اجتهاديّة من خلال بعض النصوص الواردة عن بعض أئمّة أهل البيت(ع)، أنّه إذا كان الموقف لدى المسلمين الآخرين في يومٍ مختلَف فيه، فيجوز لنا أن نتبع موقفهم في هذه الحالة، لكنّ البعض قد يحتاطون بسبب عدم ثبوت اليوم بالطريقة الشرعية وفقاً لاجتهادهم، فهم يعتبرون أنّ ذلك اليوم ليس هو يوم عرفة، ولذلك يقفون هذا الموقف ولكنّهم يحتاطون.

س: لماذا لا يتّفق المسلمون من خلال منظّمة المؤتمر الإسلامي على توحيد الموقف؟ أم أنها السياسة التي تفرّق ولا تجمع؟

ج: لماذا لا يتّفق العلماء فيما بينهم، ولا تتّفق منظمة المؤتمر الإسلامي حتى في القضايا السياسية؟!

س: ولماذا أيضاً لا يتمّ الاتّفاق مع مفتي الجمهورية اللّبنانية في هذا الإطار ويتمّ توحيد المواعيد كلّها؟

ج: نحن الآن نعيش ذكرى كبيرٍ هو الإمام موسى الصدر، وقد التقينا في المجلس الشيعيّ، وكان السيد موسى، والشّيخ محمد مهدي شمس الدين(رحمه الله)، والشيخ عبد الأمير قبلان، وكان هناك علماء آخرون من السنّة، وقلنا لهم إنّ علينا أن نتّفق على أن نلتقي ونستمع إلى الشّهود معاً إذا كانت الرؤية هي الأساس، أو أن نعتمد على الجانب العلمي في هذا الموضوع، ولكنّهم قالوا إنه إذا أفتت السعودية فلا بدّ من أن نتّبعها، في الوقت الذي قلنا لهم إنّ السعودية قد تكون موضع خلافٍ حتى بينها وبين الدول الإسلاميّة في بعض الأحيان، بحيث إنّ السعودية تفتي بيوم ومصر مثلاً تفتي بيومٍ آخر.

 ولذلك، فمع تأكيد جانب الرّؤية في المسألة، أو الجانب السياسيّ، فإنّ ارتباط دائرة إفتاء بدائرة إفتاء أخرى في بلدٍ آخر قد يمنع من توحيد الشّهر.
لا طريق إلى وحدة المسلمين في أوائل الشّهور، سواء في شهر رمضان أو ذي الحجّة، إلا باعتماد الحسابات الفلكيّة

س: كلّ سنةٍ يمرّ شهر رمضان وأحوال المسلمين من سيّئ إلى أسوأ، حيث الانقسام والتّقاتل في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من البلدان الإسلامية، فإلى متى؟

ج: أتصوّر أنّ المسلمين لا يعيشون الإسلام كما جاء عن رسول الله(ص) الذي قال: «إنّ كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». ولذلك، فإنّ هذه المسيرة الدّامية الوحشيّة التي يستحلّ فيها المسلم دم المسلم الآخر وماله، وربما عرضه، على أساس أنّه يختلف معه في مسألة اجتهاديّة أو في مسألة تاريخيّة أو ما إلى ذلك؛ هذا ليس إسلاماً. ولذلك نقول إنّ هؤلاء لا يعيشون إسلامهم، والله سبحانه وتعالى أقرّ  في القرآن الكريم منهج: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران:103]، {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:59]، فهناك منهجٌ للمسلمين بما يختلفون فيه.

ولذلك نعتقد أنّ الذين يكفّرون المسلمين، سواء كانوا من هذا المذهب أو ذاك المذهب، نتيجة اختلافهم في الاجتهاد وفهم آيةٍ قرآنيّةٍ، أو اختلاف في فهم حديثٍ نبويّ أو في توثيق حديثٍ نبويّ؛ هؤلاء لا يفهمون ما هو الفارق بين الكفر والإيمان.

قضيّة الإمام موسى الصدر

س: طالما نحن نعيش ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر الحادية والثلاثين، كيف ترى هذه المسألة من خلال اتّصالاتك الإقليميّة والدوليّة؟

ج: لقد اتّصل بي الكثيرون من المسؤولين في ليبيا، وكأنهم يريدون أن يتحدّثوا معي لإيجاد صلةٍ بيني وبينهم، ولكنّني قلت لهم إنَّ المسألة بيننا وبينكم هي مسألة السيّد موسى الصّدر، واعترضت لديهم بأنّكم لم تقدّموا حتى إخراجاً لما تدّعونه، بحيث يطمئنّ إليه الإنسان من خلال المعلومات التي تقدّمونها، ولكنّكم لم تقدموا شيئاً يوحي بالاطمئنان، ولذلك فإنّه لا يمكن أن تكون بيننا وبينكم أيّ صلةٍ ما دامت القضيّة معلقةً، لأنّ السيد موسى الصدر لا يمثّل مجرد حالةٍ شيعيّةٍ، بل هو حالة إسلاميّة وإنسانيّة، لأنّ الرّجل كان يمثّل الشخصيّة المنفتحة على الإنسان كلّه، حتى إنّه كان يتحرّك مع المسيحيّّين كما يتحرّك مع المسلمين، وربما يتحرّك مع الأشخاص الذين لا يدينون بدينٍ من النّاحية الثّقافيّة أو من النّاحية السياسيّة.

س: هل الّذين اتّصلوا بكم لديهم مسؤوليّة في ليبيا أم هم مواطنون عاديّون؟

ج: ليسوا عاديين، ولكنّهم جاؤوا رسلاً يحاولون أن يحصلوا مني على موقفٍ إيجابيّ بالنّسبة إليهم.

س: وكم كان عددهم؟

ج: لعلّهم يزيدون عن الخمسة، وهم شخصيّات سياسيّة وإعلاميّة مهمّة.

س: من خلال تحرّياتكم الخاصّة وتحقيقاتكم واستشرافكم لهذه المسألة، كيف تصفون هذه الحالة؟

ج: أنا شخصيّاً لا أزال أعيش حال التشاؤم الكبير، لأنّ السيد موسى ليس من الأشخاص الذين يُخطفون ليبقوا، وأتصوّر أنّ هناك جريمةً.

س: منذ حوالي 7 سنوات، قال الزميل المرحوم نبيل خوري على التلفزيون إنه قابل مرّةً نائب الرئيس السوريّ السّابق، عبد الحليم خدّام، وتحدّث معه، إلى أن مرّ ذكر الإمام موسى الصدر، فوصفه خدّام بالمرحوم موسى الصدر. فماذا تقول في هذا؟

ج: وأنا قابلت أحد كبار المسؤولين الإيرانيين وسألته عن الموضوع، فقال لي: ما رأيك أنت؟ أي أنّه أعاد عليّ السؤال، فقلت له إنني أرى القضيّة في دائرة الشكّ وليس في دائرة الإيجاب، فقال لي إنّ هذا هو رأيي أيضاً، فقلت لماذا إذاً لم تعلنوا ذلك أو لم تسعوا إلى إعلان ذلك؟ فقال بأن ليس هناك مصلحة في هذا الإعلان.
اتّصل بي كثيرٌ من المسؤولين في ليبيا، بهدف الحصول مني على موقفٍ إيجابيّ في قضيّة الإمام الصّدر

الصّدر ولعبة الأمم:

س: ألا يفترض استغلال ذهاب الرّئيس معمّر القذافي إلى نيويورك مع خيمته، بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، بأن يقف أحدٌ ما داخل أروقة الأمم المتحدة ويسأله عن مصير الإمام موسى الصدر؟

ج: ربما يكرّر اللّيبيون الكلمات التي أطلقوها في الإعلام بما لا يصدّقه عقل. ثم إنّ القضيّة، حسب تصوّري، دخلت في لعبة الأمم. فأنا أذكر أنه بعد غياب السيّد موسى الصدر بأيّام، كتب المحلّل السياسيّ في مجلة "الأسبوع العربي" جورج أبو عضل، فقال: إنّ هذه القضيّة من القضايا التي لن يقدّر لها أن يُكشف النّقاب عنها. وهكذا، فإنّي أعتقد أنّ الرّجل لدى أكثر من جهةٍ سياسيّةٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ قد تجاوز الخطوط الحمراء.

س: قال المرحوم الرّئيس صائب سلام، بأنّه ذهب يوماً إلى ليبيا للاجتماع بالقذافي، ومعه المرحوم جميل كبي وهشام نشابة، ونزلوا في فندق "الشّاطئ الأبيض" الذي نزل فيه الإمام الصدر ورفيقاه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين، بانتظار تحديد موعد اللّقاء، إلى أن طال الانتظار، فقرّروا العودة إلى لبنان، وتوجّهوا إلى المطار، لكن ما إن وصلوا حتى وجدوا أحد الأمنيين الكبار يسأل عن الرّئيس سلام، فعرّف الأخير عن نفسه، فقال له: تفضّل معي، فأنت ممنوعٌ من السفر، فقال سلام إنّ الامتثال خير الأدب. وذهب معه وانتظر يومين حتى لقاء الرّئيس القذّافي. وتابع الرّئيس سلام بالإيحاء بأنّ ما حصل معه قد يكون حصل مع الإمام الصدر، وقد رفض الإمام حينها أن يمتثل، وهنا كان قرار الخطف. فماذا يقول العلامة فضل الله؟

ج: كما قلت بأنّ المسألة دخلت في إطار لعبة الأمم، ولم تكن جريمة شخصٍ واحدٍ، لكن فتّشْ عن المخابرات الإقليميّة والدوليّة، فالرّجل كان شخصيّةً كبيرةً استطاعت أن تمتدّ في لبنان وفي المنطقة العربية، حتى إنّه استطاع الحصول على ثقة الرّئيس جمال عبد الناصر بعدما كان المصريّون ينظرون إليه نظرةً سلبيّةً، ولكنّه عندما اجتمع بعبد النّاصر تبدّلت نظرته به كليّاً.

س: هل ترى في تغييبه جزءاً من المؤامرة على لبنان؟

ج: نعم...

السيّد موسى الصدر لا يمثّل مجرّد حالةٍ شيعيّةٍ، بل هو حالة إسلاميّة وإنسانيّة


المرأة المفقود زوجها

س: الأحد الماضي، احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالميّ للمفقودين والمخفيين. وإذا تناولنا المسألة بشكلٍ أوسع، وهي حال المرأة التي اختفى زوجها منذ سنوات، مثل بعض زوجات المفقودين والمخطوفين في لبنان. ماذا يقول الشرع هنا بالنسبة إلى المرأة وحالها، وبالنّسبة أيضاً إلى تركة المفقود وإرثه؟

ج: المرأة إذا غاب عنها زوجها غيبةً منقطعةً ولم يكن له وليّ، فالحاكم الشرعي يطلّقها بعد أربع سنوات بعدما يبحث عن المسألة، وإذا كانت النتائج سلبيةً فإنه يطلّقها. وعندنا أيضاً أنّه إذا غاب الإنسان غيبةً منقطعةً ولمدة أربع سنوات، يوزّع إرثه على من يستحقّه.

س: وإذا ظهر المفقود فجأةً؟

ج: عندها يكتشف هؤلاء أنهم أخذوا ما لا يستحقّونه منه، فعليهم أن يرجعوه إليه أو تجري المصالحة.

س: وإذا تزوّجت زوجته رجلاً آخر بعد أربع سنوات ومن ثم ظهر؟

ج: إذا تزوّجت فهي لا تكون مأثومةً في زواجها، لأنها اتّبعت الحكم الشّرعيّ، وتبقى في عصمة زوجها الثّاني، لأنّ طلاقها من الأوّل كان شرعيّاً.

الحرمان في الوصيّة

س: إذا قام الأب بكتابة وصيّته وحرم فيها أحد أولاده أو بعضهم من الإرث، فماذا يقول الشّرع في ذلك؟

ج: شرعاً، الوصيّة لا تنفّذ إلا بالثّلث، ثلث ماله، أي يستطيع حرمان أولاده من الثّلث فقط، ولكنّهم يرثون من الثّلثين الباقيين.

س: حتّى لو كان هناك حرمانٌ لهم في الوصيّة ؟

ج: حتّى مع الحرمان في الوصيّة، فالمال الذي يتركه الأب هو للآخرين، والمحرومون في الوصيّة يشاركونهم في الثّلثين فقط، وتنفّذ الوصيّة فقط في الثّلث، إلا إذا توافق جميع الورثة عليها. ومن ثمّ هناك حالة أخرى، وهي فيما إذا ملّك الأب في حياته عدداً من أولاده ولم يملّك واحداً مثلاً، فليس لهذا الأخير تركة حتى يورَّث منها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 18 رمضان 1430 هـ  الموافق: 07/09/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير