الأعمال والصِّفات الّتي تجعل الله يحبّنا

8 جمادى الثّانية 1418هـ
الأعمال والصِّفات الّتي تجعل الله يحبّنا
 

 ألقى سماحة المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشدٍ من الشَّخصيّات العلمائيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة وآلافٍ من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ}[1]، ويقول تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله}[2].

علامات الحُبّ لله

إنَّ الله سبحانه يريدنا أن نحبّه، لأنّه وحده الّذي يستحقّ الحبّ كلّه، ونحن عندما نحبّ عبداً من عباد الله، فلصفةٍ فيه خلقها الله، ولخدمةٍ يقدِّمها إلينا منحها الله له، وهكذا عندما نحبّ الجمال في الطَّبيعة الّتي خلقها الله، ونحبّ كلَّ الأشياء الّتي هي هبة الله لنا.

لذلك، كما أنَّ علينا أن نوحِّد الله في العقيدة، فنشهد أن لا إله إلا الله، ونوحِّد الله في الطّاعة، فلا نطيع إلا الله، ولا نعبد سواه، علينا أن نوحِّد الله في الحبّ، فنحبّ الله وحده أعلى الحبّ وأفضله وأكثره وأعمقه؛ أن لا نحبَّ أحداً مع الله، وإنما نحبّ كلَّ من نحبّه من طريق الله، أن لا تحبَّ أحداً كحبِّك لله،  {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ}. ومن الطبيعيّ أنّنا لا نريد أن يكون الحبّ من طرفٍ واحد، فهذا الحبّ لا تقبلون ـ وخصوصا الشَّباب منكم ـ أن يكون من طرفٍ واحد، ألا تفكّرون أن يكون الحبّ من الطّرفين؟ فإذا كنّا نحبّ الله، فمن الطبيعيّ أن نحبَّ أن يحبَّنا الله، كما كان عليّ بن أبي طالب(ع)، وهو أمامنا وقدوتنا وسيّدنا، عندما أعطاه رسول الله هذا الوسام يوم "خيبر": "لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله"[3].

من يحبّ الله تعالى؟

فإذا كنّا نحبّ الله ونريد من الله أن يحبَّنا، فأوَّل ما ينبغي عمله، أن نحبَّ الَّذين يحبّهم الله، وأن لا نحبَّ الّذين لا يحبّهم الله، وأن نأتي بالأعمال الّتي يحبّها سبحانه، لأنَّ هذا هو علامة الحبّ.. وقد قال الإمام عليّ(ع): "أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدوّ عدوّك، وأعداؤك ثلاثة: عدوّك، وعدوّ صديقك، وصديق عدوّك"[4]، فعندما نصادق عدوّ الله، ونعادي صديق الله، فلا يمكن أن نحبّ الله. فتعالوا لنعيش مع القرآن، ومع السنَّة الواردة عن رسول الله(ص) وعن أهل البيت(ع)، حتى نعرف كيف نخُلص في حبِّنا لله، وكيف نحصل على محبَّة الله لنا، لأنَّ هذه المسألة مهمَّة جداً، لأنَّ الناس كلَّهم إذا عادونا وأحبّنا الله، فلن نخسر شيئاً، وإذا أحبَّنا كلّ النّاس وأبغضنا الله، فلن نربح شيئاً، لأنَّ الله تعالى هو كلّ شيءٍ والنّاس لا شيء: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[5].

{إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[6] الّذين يحسنون العمل في مسؤوليَّاتهم، ويحسنون لأنفسهم في العلاقة بالله وبالنّاس، ويحسنون للنَّاس فيما يقدّمونه إليهم من خدمة، ويحسنون للحياة كلِّها فيما يعطونها من طاقتهم ومن كلِّ إمكاناتهم، لترتفع أكبر، ولتقوى أكثر ولتساعد النّاس أكثر.

{إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}[7]، والله تعالى يقول لكلِّ الخاطئين والمذنبين: لا تقنطوا من رحمة الله، {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[8]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[9]، وفي بعض الأحاديث، أنّه في كلّ يوم ينطلق النّداء: "هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟"[10].. فعندما تستيقظ، تذكّر ذنوبك الّتي أسلفتها، وقل لربّك: لك الحمد أن بعثتني من مرقدي، ولو شئت جعلته سرمداً، يا ربّ إني نادم وإني تائب، والله يقبل التّوبة ويغفر للتّائبين.

و{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[11]، الَّذين يطهّرون عقولهم من كلِّ فكرٍ باطل، وقلوبهم من كلِّ إحساسٍ بالشّرّ، وحياتهم من كلِّ قذارة المعصية، وهذه فرصة لأن نحضر التّوبة في قلوبنا وعقولنا في كلّ صباح ومساء، عندها يحبّنا الله.

ثم {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[12] الَّذين يخافونه في السرّ والعلن، والّذين تمنعهم التّقوى من أن يعصوا ربهم في ترك واجبٍ أو في فعل محرَّم. {وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[13]، {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[14]، ويقول عليّ(ع): "وعليكم بالصَّبر، فإنَّ الصَّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، ولا خير في جسدٍ لا رأس معه، ولا في إيمانٍ لا صبر معه"[15].

{إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[16]، وهم الَّذين يعملون كلَّ شيءٍ يقدرون عليه في عملهم، فإذا وقفوا عند الأشياء الّتي ليست بقدر طاقتهم وخافوا من المستقبل، قالوا:  {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[17].

{إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[18] العادلين الَّذين يعدلون بين النّاس، فلا يأكلون حقوقهم ولا يظلمونهم، سواء كانوا من الأقربين، أو من الأبعدين، أو كانوا من الضّعفاء أو الأقوياء.

{وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[19]، الَّذين يعيشون الطّهارة في عقولهم وقلوبهم وكلّ حياتهم، فلا يدنو إليهم قذر المعصية ولا قذر الباطل والظّلم. {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً}[20]، الَّذين يتوحَّدون في ساحة الجهاد في سبيل الله، فلا تربكهم الخلافات والنّزاعات والعصبيَّات والذاتيّات، ولكنَّهم يعتبرون أنّ سبيل الله في مواقع الجهاد هو الّذي يوحّدهم، فيتوحَّدون عنده ويتركون كلّ شيءٍ وراءهم.

المبغضون عند الله

هؤلاء هم الّذين تحدَّث الله عنهم أنّه تعالى يحبّهم، أمّا الَّذين لا يحبهم الله، فمن هم؟ {إِنَّ الله لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ}[21] الَّذين يعتدون على نفسٍ أو مالٍ أو عرضٍ أو وطنٍ وعلى مجتمعٍ وأمَّة، والاعتداء هو أن تتصرّف مع أيِّ إنسانٍ أو أيّة جهةٍ بما لا يحقّ لك التصرّف فيه. لذلك، لا يجوز لك أن تغتاب إنساناً، فذلك اعتداء على كرامته، ولا أن تسبَّ إنساناً، فذلك اعتداء على إنسانيَّته، ولا أن تضرب إنساناً بغير حقّ ـ حتى زوجتك وولدك ـ أو أن تجرح إنساناً أو تقتله، أو تأخذ مال إنسان. {وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّار ـ يكفر بالله وبرسوله ورسالته ـ أَثِيمٍ}[22].

{وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[23]، فلا تكن ظالماً تأكل حقوق النّاس بغير حقّ، وتتصرَّف معهم بغير حقّ، أيّاً كان هؤلاء النّاس، لأنَّ الله يبغض الظّلم والظّالمين، وقد جعل الله تعالى شعار يوم القيامة: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[24]، إنّه يقول للنّاس إنَّ الله لا يظلمكم، ولكنّه سبحانه يقتصّ من كلّ ظالمٍ للمظلومين، لأنَّ يوم القيامة هو يوم القصاص، وكما قال أمير المؤمنين(ع): "القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً ُبالمُدى ولا ضرباً بالسّياط، ولكنَّه ما يُستصغر ذلك معه"[25].

ثمَّ {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}[26]، ذاك الإنسان الَّذي يتبختر ويضرب الأرض بأقدامه، والله يسخر منه فيقول: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ ـ مهما ضربت الأرض بقدمك ـ  وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}[27]، فتواضع أمام ما تراه من عظمة قدرة الله.

وبعض النّاس يفتخرون بأنهم من أبناء العلماء والأكارم والباكوات وغيرهم من العمَّال، وقد قال عليّ(ع): "ما لابن آدم وللفخر، أوّله نطفة،وآخره جيفة"[28]. {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}[29]، الَّذين يخونون عقودهم وعهودهم، ويخونون الله ورسوله. {وَالله لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[30]، الّذين يفسدون في الأرض ويدَّعون أنهم يصلحون. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[31]، الَّذين يسرفون على أنفسهم بالمعصية والانحراف عن الخطّ، والَّذين يسرفون في أموالهم وفي الأكل والشّرب. {وَالله لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[32]، الّذين يخونون أمّتهم وشعوبهم وإسلامهم، و{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}[33]، وقد أعدّ الله لهؤلاء عذاباً عظيماً، كما أعدّه للذين يخضعون للمستكبرين وهم قادرون على أن لا يخضعوا له. {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}[34]، يعني الفرح مع التكبّر والبطر وضخامة الشخصيَّة.

{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[35]، لأنّ الكفر بالله يعني أنَّ الإنسان لا يعي نفسه والحياة من حوله ولا يعي مقام ربّه. {لاَّ يُحِبُّ الله الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}[36]، بأن تغتاب الناس وتسبّهم وتؤذيهم، إلا إذا كنت مظلوماً، فإنَّ الله أجاز لك أن تتحدَّث عن ظالمك.

أحبّ النّاس إلى الله

أمّا ما هي الأعمال والصّفات الّتي تجعل الله يحبّنا، فتعالوا إلى رسول الله(ص) وإلى أئمّة أهل البيت(ع)، فكلامهم كلام رسول الله، لأنّنا نعتبر أنّ أهل البيت ليسوا مجتهدين يمكن أن يُخطئوا ويصيبوا، لذلك من الخطأ أن نقول إنَّ هناك "مذهباً جعفرياً في مقابل غيره من المذاهب"، لأنَّ أهل البيت ليسوا مجتهدين، بل هم المعصومون الّذين عندما يتحدَّثون، فإنَّهم يتحدَّثون بالحقّ الذي تحدَّث به رسول الله(ص).

يُروى عن الإمام الصَّادق(ع): "ألا وإنَّ أحبَّ المؤمنين إلى الله، من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين"[37]. وعن الإمام الباقر(ع): "أحبّ عباد الله إلى الله، أنفعهم لعباده وأقومهم بحقّه، الّذي يحبّب إليهم المعروف وفعاله"[38]، فإذا كنت الإنسان الّذي إذا عاش في الحياة، كانت حياته مباركةً نافعةً لكلّ النّاس بعلمك أو مالك أو قوّتك، وفي كلّ طاقة من طاقتك، فأنت من أحبِّ العباد إلى الله. وعنه(ع): "يقول الله تعالى: إنَّ أحبَّ العباد إليَّ المتحابّون بجلالي ـ يحبّون في الله ـ المتعلّقة قلوبهم بالمساجد ـ فيتردَّدون عليها في كلِّ وقت، لتنفتح قلوبهم من خلالها على الله ـ المستغفرون في الأسحار ـ بعد أن يهبط اللّيل وينام النّاس ـ أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً، ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم"[39]، فالله يرفع العذاب عن النّاس الّذين يستحقّونه لوجود هؤلاء في الأرض.

وعن الإمام الصَّادق(ع) أنّه قال: "أحبّ العباد إلى الله عزَّ وجلّ، رجلٌ صدوقٌ في حديثه ـ لا يكذب ـ محافظٌ على صلاته ـ لا يتهاون بها ولا يؤخِّرها عن وقتها ـ وما افترض الله عليه مع أدائه الأمانة"[40]. وعن الإمام عليّ(ع): "إنَّ من أحبِّ عباد الله إليه، عبداً أعانه الله على نفسه ـ فلم يطع هوى نفسه ـ فاستشعر الحزن ـ لما يقبل عليه من أهوال يوم القيامة ـ وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه"[41]. وقد سُئل النّبيّ(ص): "من أحبّ النّاس إلى الله؟"، فقال(ص): "أنفع النّاس للنّاس"[42].

هذه هي بعض العناوين الَّتي تجعل الله يحبّنا، ولا بدَّ لنا من أن لا نمرَّ بها مرور الكرام، بل أن نعمل على أن نتأمَّل فيها، وأن نربّي أنفسنا عليها، وأن نكون الواعين لما يحبّه الله ولما لا يحبّه، وأن نبقى مع الله نحبّه ويحبّنا، كما جاء في الآية الكريمة: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي ـ اتّبعوا الإسلام ـ يُحْبِبْكُمُ الله}[43]، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[44].

 

الخطبة الثّانية

 

عباد الله.. اتّقوا الله في ما تتحركون به في كلّ أعمالكم وأقوالكم، فإنَّ في التَّقوى النّجاة كلّ النّجاة، وإنَّ التّقوى هي الزاد كلّ الزاد، وعلى الإنسان أن يتَّقي ربه في بيته ومحلّته وقريته ومدينته ووطنه وفي أمّته، بأن لا يقدِّم رِجْلاً ولا يؤخِّر أخرى حتى يعلم أنَّ ذلك لله رضى، وأن يحبَّ المؤمنين ويبغض الكافرين، وأن يتحرك مع كلِّ من يحبّهم الله من أجل أن يقيموا الحياة على أساس طاعة الله وعبادته، وأن يبتعد عن كلِّ من لا يحبّهم الله، من أجل أن يعطِّل كلَّ خطواتهم ومشاريعهم وأوضاعهم عن أن يُفسدوا في الأرض ويُبعدوا النّاس عن الله تعالى.

عباد الله، اتّقوا الله في مسؤوليَّاتكم عن كلّ قضايا العدل والحريَّة في حياتكم. لذلك، من التّقوى مواجهة المستكبرين وإذلالهم وتحطيم قوّتهم وانتقاصهم، ومن التّقوى الوقوف مع المستضعفين وتقوية مواقعهم ومساعدتهم في كلّ ما يريدون أن يرتفعوا به. وعلى ضوء هذا، فإنّنا نواجه كلّ القضايا الّتي تجري في حياتنا ومجتمعاتنا لنحميها من المستكبرين، لأنَّ في ذلك تقوى الله عندما نحدِّد مواقفنا منهم، وكيف نواجههم ونذلّهم ونبغضهم ونبعد النّاس عنهم؟ فتعالوا لنرى ماذا هناك.

مشكلة الاستكبار الأميركي

وتبقى أميركا هي مشكلة الإنسان كلّه ومشكلة العالم كلّه، لأنَّها الدَّولة الَّتي تعيش الاستكبار من خلال ما توحي لنفسها أنَّها قائدة العالم، وأنَّ العالم كلّه لا بدَّ من أن يسخّر كلّ طاقاته لخدمة مصالحها، ولو كان ذلك على حساب مصالحه. فما هو جديد أميركا في هذه المرحلة؟

إنَّ واشنطن تبرِّر لإسرائيل القيام بأيّة عمليَّة إرهابيَّة لاغتيال معارضيها في أيِّ بلدٍ في العالم، كما برّرت لنفسها ملاحقة أيِّ مطلوبٍ لها في كلِّ العالم، بواسطة أجهزة مخابراتها المتحالفة مع المخابرات الإسرائيليَّة "الموساد".. وهكذا، انطلق التّوافق الأميركي ـ الإسرائيلي لتكون كلّ السّاحات مفتوحةً له لخدمة المصالح المشتركة. وكلّ ما هناك، أنَّ أميركا لا تريد لإسرائيل تعقيد حلفائها ـ كالأردن ـ من عمليّاتها، بل لا بدَّ لها من التّنسيق معهم في مكافحة الإرهاب، وهذا هو ما علّقت به على محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، في الأردن من قِبَل "الموساد".

وقد أصدرت أميركا قراراً باعتبار تقديم أموال وأسلحة أو أيّ شكلٍ من أشكال الدَّعم الملموس لإحدى المنظَّمات التي تعتبرها إرهابيَّة، جريمةً، حتى لو كان الدَّعم لأعمالٍ إنسانيَّة، كالمستشفيات والمدارس ودور الأيتام ونحو ذلك، وقد عدّت من هذه المنظَّمات "حزب الله"، وحركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"، و"حركة الجهاد الإسلامي"، وعدداً من المنظَّمات الفلسطينيَّة، ما يعني أنها تعمل على محاصرة كلّ أنواع المقاومة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، وإعلان الحرب عليها في كلّ العالم تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، في الوقت الَّذي نرى إسرائيل تقوم بأوحش ألوان الإرهاب، وهو احتلال الأرض وتشريد النّاس من بلادهم، واغتيال معارضيها في كلّ بلدان العالم.

إنَّ الإرهاب في مفهوم أميركا هو التحرّك ضد سياستها وسياسة حلفائها في كلّ أنحاء الأرض، حتى لو كان النّاس يعملون لتحرير أرضهم والدِّفاع عن مصالحهم ومقدَّساتهم، وهذا ما ينبغي أن تنتبه إليه كلّ الشّعوب الحرّة في العالم، لتقف ضدَّ هذه السّياسة الأميركيّة العدوانيَّة.

وقد قامت أميركا بإرسال حاملة طائرات إلى مياه الخليج، كمظهرٍ من مظاهر تهديد الأمن في المنطقة، إضافةً إلى الوجود الأميركيّ البرّي في منطقة الخليج، بحجَّة مواجهة التدخّل الإيراني ضدّ مناطق الحماية الأميركيّة في العراق، للدّفاع عن نفسها ضدّ "المنافقين"، ولكنّ أميركا لا تحرّك ساكناً في التدخّل التركي في شمال العراق، وقد اعترفت بلسان مسؤوليها بأنها تقف في موقفٍ مستحيلٍ في هدفها المعلن لتفكيك إيران، وقد اقترح بعض مستشاريها أمام هذا العجز الأميركيّ في إضعاف إيران، على الإدارة الأميركيّة، الدخول في حوارٍ معها، وردّ المسؤول الأميركيّ قائلاً: "الحوار مع إيران يعني شيئاً واحداً: الاستسلام لآيات الله"...

توالي الفشل الأميركيّ

وقد انتصرت إيران على أميركا في اختراق الحصار الاقتصاديّ عليها، عندما عقدت صفقةً مع شركة "توتال" الفرنسيّة، بالرغم من تهديد أميركا بمعاقبة الشّركات التي تدخل في اتفاقات اقتصاديَّة مع إيران، حتى لو كانت أوروبيّة، وقد علّق المفوَّض التجاريّ للاتحاد الأوروبي بالقول: "أميركا مجاز لها الاختلاف معنا، ولكن ليس مجازاً لها فرض إرادتها علينا".. وقد هدَّد هذا الاتحاد واشنطن بأنّ "تدخّلها في شؤون التّجارة الأوروبيّة سيدفعها إلى فرض عقوبات مضادّة وإطلاق حرب تجاريّة"...

إنَّ هذا التّطوّر في السّجال الأميركيّ ـ الأوروبيّ حول العلاقات الاقتصاديَّة مع إيران، قد أوقع الإدارة الأميركيّة في فشلٍ كبير، من خلال تراجعها عن تنفيذ عقوباتها ضدّ الشّركات الأوروبيّة، الأمر الَّذي يسجِّل انتصاراً للسياسة المتوازنة لإيران في مواجهة الجنون الأميركيّ في الإحساس بقيادتها المطلقة للعالم، وسوف تنتصر إيران بعون الله على الإدارة الأميركيَّة في كلِّ المعارك السياسيَّة والأمنيَّة الَّتي لا تزال تتحرَّك في خطّتها العدوانيَّة ضدّ كلِّ قوى الحريّة في العالم.

تنازل الأردن يشجِّع العدوان

وعلى صعيدٍ آخر، فإنَّ إطلاق الأردن لعميلي "الموساد" اللَّذين قاما بمحاولة اغتيال خالد مشعل، يمثّل وصمة عار في جبين بلدٍ يدّعي الحرص على القضيّة الفلسطينيَّة، حيث قام بالتّنازل عن سيادة القضاء واستقلاله في بلده. والسؤال: لو كان الأردن قد اعتقل إسلاميّين قاموا بعملية مماثلة ضدّ الصهاينة، فهل يطلق سراحهم؟

إنَّ هذا سوف يشجّع العدوّ على تكرار محاولاته الرامية إلى اغتيال المجاهدين في أكثر من بلدٍ عربيّ، ولا سيَّما أنَّ العدوَّ قال على لسان أحد وزرائه: "إسرائيل لن تتوقَّف في المستقبل عن تنفيذ عمليّات اغتيالٍ ضدّ قادة فلسطينيّين".. والسؤال: هل توافق الدّول العربيّة ـ ومنها الأردن ـ على قيام المجاهدين باغتيال الإسرائيليّين في بلدانها؟ ولماذا لم يُطلق الأردن سراح الأردني الَّذي قام بمثل هذه العمليَّة، أو أنَّ قيمة الإسرائيليّ أكبر من قيمة العربي أو المسلم لدى بعض الدّول العربيَّة؟

وإننا في الوقت نفسه، نقدّر موقف مصر في الامتناع عن إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيليّ، وفي إصدار الحكم عليه بالسّجن، مع الأمل في أن لا تسقط مصر تحت الضغوط الأميركيَّة ـ الإسرائيليَّة.

حذارِ من الإرهاب الصهيوني

ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنّ العدوّ اليهوديّ قد عاد لاستهداف المدنيّين بالعبوّة التي زرعها في "مركبا"، وقتل فيها امرأةً وابنها، وبخطف أربعة من المواطنين في "أرنون"، وهذا ما يستوجب الحذر من عبوّات جديدة داخل المنطقة المحتلّة وخارجها، ما يفرض على الجميع أن يكونوا واعين لذلك، ولا سيَّما أنَّ "الموساد" قد يحاول القيام بعمليّات متعدّدة لتغطية فشله الأمنيّ في الأردن وفي إيران وفي لبنان.

وإنّنا نقدّر للمقاومة الإسلاميَّة البطلة العمليَّات الأخيرة التي اعترف العدوّ فيها بعددٍ من القتلى والجرحى، وأثبتت من خلالها أنَّ يد المقاومة طويلة، وأنها قادرة على اختراق كلّ حواجز الدّفاع للوصول إلى حدود مستوطناته.. وإذا كان العدوّ يتَّهم المواطنين الجنوبيّين من أهالي القرى المحتلّة بمساعدة المجاهدين، فإنَّ عليه أن يعرف أنَّ هؤلاء يرفضون الاحتلال الإسرائيليّ، ولذلك، لا بدّ لهم من مساعدة المجاهدين في مقاومة هذا الاحتلال، وإنقاذهم من هذا الكابوس الخانق للبلاد والعباد.

إننا نشدّ على أيدي المجاهدين من شباب المقاومة الإسلاميّة، ونقول لهم: سلمت أيديكم، وثقوا بأنّ الأمّة كلَّها تقف وراءكم، لأنكم طليعة الجهاد.

البحث عن مخرجٍ للأزمة

ونعود إلى الدّاخل، لنؤكّد أنَّ الأهمَّ من التّوافق الرئاسي الَّذي حصل حول التقشّف في الموازنة، هو الآليّة التي سيتمّ اتّباعها وصولاً إلى التّقشف المتوازن الّذي لا يُرهق مشاريع الدّولة ولا يُرهق المواطن، ولا سيّما الطبقات الفقيرة. ثم إنَّ الحديث عن الهدر في الوزارات هو حديث الدَّولة عن نفسها قبل أن يكون حديث المواطن، حتى إنَّ البعض يقول إنَّ الهدر يفوق الثّلث من موازنة الوزارات، وقد نسبت بعض المجلات الأسبوعيّة إلى مرجعٍ كبيرٍ في الدّولة، أنَّ أحد الوزراء دخل إلى وزارته، وكان رصيده عشرين ألف دولار، والآن في رصيده عشرون مليون دولار، فمن أين له هذا؟!

لا بدَّ من التفتيش جديّاً عن مخرجٍ للمأزق الاقتصاديّ، بعيداً عن الضّرائب المتوقّعة التي تطال الفئات المحرومة، والاستماع إلى الآراء التي تطالب بنظام ضرائبيّ يأخذ بالضريبة التصاعديَّة التي تحمّل الأغنياء العبء الأكبر من الضرائب ولا تضغط على الفقراء.. وإذا كان هناك من وسيلةٍ للخروج من هذا النفق الاقتصادي المظلم، فعلى الجميع ـ من موالاة ومعارضة ـ التّعاون للخروج منه، لأنَّ البلد قد يصل إلى مستوى الكارثة الاقتصادية التي قد تُسقط الهيكل على رؤوس الجميع، الأمر الَّذي يفرض على الجميع محاسبة الّذين تسبَّبوا بالوصول إلى هذه الكارثة.

أيّها المسؤولون، لقد قال الإمام عليّ(ع): "اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنَّكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم"[45]، وعليكم أن تعرفوا أنكم خدّام هذا الشّعب ولستم أسياده، فاتقوا الله في هذا الشعب المنكوب.


[1]  [البقرة: 165].

[2]  [آل عمران: 31].

[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 351.

[4]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 4، ص 72.

[5]  [الرّحمن: 26، 27].

[6] [البقرة: 195].

[7] [البقرة: 222].

[8]  [الزمر: 53].

[9]  [الشّورى: 25].

[10]  وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 7، ص 69.

[11]  [البقرة: 222].

[12] [التوبة: 4].

[13] [آل عمران: 146].

[14] [البقرة: 156، 157].

[15]  نهج البلاغة، ج 4، ص 19.

[16]  [آل عمران: 159].

[17]  [الممتحنة: 4].

[18]  [المائدة: 42] .

[19]  [التوبة: 108].

[20] [الصف: 4].

[21]  [البقرة: 190].

[22]  [البقرة: 276].

[23] [آل عمران: 57].

[24]  [غافر: 17].

[25]  نهج البلاغة، ج 2، ص 96.

[26] [النّساء: 36].

[27]  [الإسراء: 37].

[28] نهج البلاغة، ج 4، ص 104.

[29]  [النّساء: 107].

[30] [المائدة: 64].

[31]  [الأنعام: 141].

[32]  [المائدة: 64].

[33]  [النّحل: 23].

[34]  [القصص: 76].

[35]  [الرّوم: 45].

[36] [النّساء: 148].

[37]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 261.

[38]  تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 49.

[39]  بحار الأنوار،ج  80، ص 370.

[40]  وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 19، ص 69.

[41]  نهج البلاغة، ج 1، ص 152.

[42]  وسائل الشيعة، ج 16، ص 342.

[43]  [آل عمران: 31].

[44]  [المطففين: 26].

[45]  نهج البلاغة، ج 2، ص 80.

 

 ألقى سماحة المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشدٍ من الشَّخصيّات العلمائيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة وآلافٍ من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ}[1]، ويقول تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله}[2].

علامات الحُبّ لله

إنَّ الله سبحانه يريدنا أن نحبّه، لأنّه وحده الّذي يستحقّ الحبّ كلّه، ونحن عندما نحبّ عبداً من عباد الله، فلصفةٍ فيه خلقها الله، ولخدمةٍ يقدِّمها إلينا منحها الله له، وهكذا عندما نحبّ الجمال في الطَّبيعة الّتي خلقها الله، ونحبّ كلَّ الأشياء الّتي هي هبة الله لنا.

لذلك، كما أنَّ علينا أن نوحِّد الله في العقيدة، فنشهد أن لا إله إلا الله، ونوحِّد الله في الطّاعة، فلا نطيع إلا الله، ولا نعبد سواه، علينا أن نوحِّد الله في الحبّ، فنحبّ الله وحده أعلى الحبّ وأفضله وأكثره وأعمقه؛ أن لا نحبَّ أحداً مع الله، وإنما نحبّ كلَّ من نحبّه من طريق الله، أن لا تحبَّ أحداً كحبِّك لله،  {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ}. ومن الطبيعيّ أنّنا لا نريد أن يكون الحبّ من طرفٍ واحد، فهذا الحبّ لا تقبلون ـ وخصوصا الشَّباب منكم ـ أن يكون من طرفٍ واحد، ألا تفكّرون أن يكون الحبّ من الطّرفين؟ فإذا كنّا نحبّ الله، فمن الطبيعيّ أن نحبَّ أن يحبَّنا الله، كما كان عليّ بن أبي طالب(ع)، وهو أمامنا وقدوتنا وسيّدنا، عندما أعطاه رسول الله هذا الوسام يوم "خيبر": "لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله"[3].

من يحبّ الله تعالى؟

فإذا كنّا نحبّ الله ونريد من الله أن يحبَّنا، فأوَّل ما ينبغي عمله، أن نحبَّ الَّذين يحبّهم الله، وأن لا نحبَّ الّذين لا يحبّهم الله، وأن نأتي بالأعمال الّتي يحبّها سبحانه، لأنَّ هذا هو علامة الحبّ.. وقد قال الإمام عليّ(ع): "أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدوّ عدوّك، وأعداؤك ثلاثة: عدوّك، وعدوّ صديقك، وصديق عدوّك"[4]، فعندما نصادق عدوّ الله، ونعادي صديق الله، فلا يمكن أن نحبّ الله. فتعالوا لنعيش مع القرآن، ومع السنَّة الواردة عن رسول الله(ص) وعن أهل البيت(ع)، حتى نعرف كيف نخُلص في حبِّنا لله، وكيف نحصل على محبَّة الله لنا، لأنَّ هذه المسألة مهمَّة جداً، لأنَّ الناس كلَّهم إذا عادونا وأحبّنا الله، فلن نخسر شيئاً، وإذا أحبَّنا كلّ النّاس وأبغضنا الله، فلن نربح شيئاً، لأنَّ الله تعالى هو كلّ شيءٍ والنّاس لا شيء: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[5].

{إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[6] الّذين يحسنون العمل في مسؤوليَّاتهم، ويحسنون لأنفسهم في العلاقة بالله وبالنّاس، ويحسنون للنَّاس فيما يقدّمونه إليهم من خدمة، ويحسنون للحياة كلِّها فيما يعطونها من طاقتهم ومن كلِّ إمكاناتهم، لترتفع أكبر، ولتقوى أكثر ولتساعد النّاس أكثر.

{إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}[7]، والله تعالى يقول لكلِّ الخاطئين والمذنبين: لا تقنطوا من رحمة الله، {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[8]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[9]، وفي بعض الأحاديث، أنّه في كلّ يوم ينطلق النّداء: "هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟"[10].. فعندما تستيقظ، تذكّر ذنوبك الّتي أسلفتها، وقل لربّك: لك الحمد أن بعثتني من مرقدي، ولو شئت جعلته سرمداً، يا ربّ إني نادم وإني تائب، والله يقبل التّوبة ويغفر للتّائبين.

و{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[11]، الَّذين يطهّرون عقولهم من كلِّ فكرٍ باطل، وقلوبهم من كلِّ إحساسٍ بالشّرّ، وحياتهم من كلِّ قذارة المعصية، وهذه فرصة لأن نحضر التّوبة في قلوبنا وعقولنا في كلّ صباح ومساء، عندها يحبّنا الله.

ثم {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[12] الَّذين يخافونه في السرّ والعلن، والّذين تمنعهم التّقوى من أن يعصوا ربهم في ترك واجبٍ أو في فعل محرَّم. {وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[13]، {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[14]، ويقول عليّ(ع): "وعليكم بالصَّبر، فإنَّ الصَّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، ولا خير في جسدٍ لا رأس معه، ولا في إيمانٍ لا صبر معه"[15].

{إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[16]، وهم الَّذين يعملون كلَّ شيءٍ يقدرون عليه في عملهم، فإذا وقفوا عند الأشياء الّتي ليست بقدر طاقتهم وخافوا من المستقبل، قالوا:  {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[17].

{إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[18] العادلين الَّذين يعدلون بين النّاس، فلا يأكلون حقوقهم ولا يظلمونهم، سواء كانوا من الأقربين، أو من الأبعدين، أو كانوا من الضّعفاء أو الأقوياء.

{وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[19]، الَّذين يعيشون الطّهارة في عقولهم وقلوبهم وكلّ حياتهم، فلا يدنو إليهم قذر المعصية ولا قذر الباطل والظّلم. {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً}[20]، الَّذين يتوحَّدون في ساحة الجهاد في سبيل الله، فلا تربكهم الخلافات والنّزاعات والعصبيَّات والذاتيّات، ولكنَّهم يعتبرون أنّ سبيل الله في مواقع الجهاد هو الّذي يوحّدهم، فيتوحَّدون عنده ويتركون كلّ شيءٍ وراءهم.

المبغضون عند الله

هؤلاء هم الّذين تحدَّث الله عنهم أنّه تعالى يحبّهم، أمّا الَّذين لا يحبهم الله، فمن هم؟ {إِنَّ الله لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ}[21] الَّذين يعتدون على نفسٍ أو مالٍ أو عرضٍ أو وطنٍ وعلى مجتمعٍ وأمَّة، والاعتداء هو أن تتصرّف مع أيِّ إنسانٍ أو أيّة جهةٍ بما لا يحقّ لك التصرّف فيه. لذلك، لا يجوز لك أن تغتاب إنساناً، فذلك اعتداء على كرامته، ولا أن تسبَّ إنساناً، فذلك اعتداء على إنسانيَّته، ولا أن تضرب إنساناً بغير حقّ ـ حتى زوجتك وولدك ـ أو أن تجرح إنساناً أو تقتله، أو تأخذ مال إنسان. {وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّار ـ يكفر بالله وبرسوله ورسالته ـ أَثِيمٍ}[22].

{وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[23]، فلا تكن ظالماً تأكل حقوق النّاس بغير حقّ، وتتصرَّف معهم بغير حقّ، أيّاً كان هؤلاء النّاس، لأنَّ الله يبغض الظّلم والظّالمين، وقد جعل الله تعالى شعار يوم القيامة: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[24]، إنّه يقول للنّاس إنَّ الله لا يظلمكم، ولكنّه سبحانه يقتصّ من كلّ ظالمٍ للمظلومين، لأنَّ يوم القيامة هو يوم القصاص، وكما قال أمير المؤمنين(ع): "القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً ُبالمُدى ولا ضرباً بالسّياط، ولكنَّه ما يُستصغر ذلك معه"[25].

ثمَّ {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}[26]، ذاك الإنسان الَّذي يتبختر ويضرب الأرض بأقدامه، والله يسخر منه فيقول: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ ـ مهما ضربت الأرض بقدمك ـ  وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}[27]، فتواضع أمام ما تراه من عظمة قدرة الله.

وبعض النّاس يفتخرون بأنهم من أبناء العلماء والأكارم والباكوات وغيرهم من العمَّال، وقد قال عليّ(ع): "ما لابن آدم وللفخر، أوّله نطفة،وآخره جيفة"[28]. {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}[29]، الَّذين يخونون عقودهم وعهودهم، ويخونون الله ورسوله. {وَالله لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[30]، الّذين يفسدون في الأرض ويدَّعون أنهم يصلحون. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[31]، الَّذين يسرفون على أنفسهم بالمعصية والانحراف عن الخطّ، والَّذين يسرفون في أموالهم وفي الأكل والشّرب. {وَالله لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[32]، الّذين يخونون أمّتهم وشعوبهم وإسلامهم، و{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}[33]، وقد أعدّ الله لهؤلاء عذاباً عظيماً، كما أعدّه للذين يخضعون للمستكبرين وهم قادرون على أن لا يخضعوا له. {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}[34]، يعني الفرح مع التكبّر والبطر وضخامة الشخصيَّة.

{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[35]، لأنّ الكفر بالله يعني أنَّ الإنسان لا يعي نفسه والحياة من حوله ولا يعي مقام ربّه. {لاَّ يُحِبُّ الله الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}[36]، بأن تغتاب الناس وتسبّهم وتؤذيهم، إلا إذا كنت مظلوماً، فإنَّ الله أجاز لك أن تتحدَّث عن ظالمك.

أحبّ النّاس إلى الله

أمّا ما هي الأعمال والصّفات الّتي تجعل الله يحبّنا، فتعالوا إلى رسول الله(ص) وإلى أئمّة أهل البيت(ع)، فكلامهم كلام رسول الله، لأنّنا نعتبر أنّ أهل البيت ليسوا مجتهدين يمكن أن يُخطئوا ويصيبوا، لذلك من الخطأ أن نقول إنَّ هناك "مذهباً جعفرياً في مقابل غيره من المذاهب"، لأنَّ أهل البيت ليسوا مجتهدين، بل هم المعصومون الّذين عندما يتحدَّثون، فإنَّهم يتحدَّثون بالحقّ الذي تحدَّث به رسول الله(ص).

يُروى عن الإمام الصَّادق(ع): "ألا وإنَّ أحبَّ المؤمنين إلى الله، من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين"[37]. وعن الإمام الباقر(ع): "أحبّ عباد الله إلى الله، أنفعهم لعباده وأقومهم بحقّه، الّذي يحبّب إليهم المعروف وفعاله"[38]، فإذا كنت الإنسان الّذي إذا عاش في الحياة، كانت حياته مباركةً نافعةً لكلّ النّاس بعلمك أو مالك أو قوّتك، وفي كلّ طاقة من طاقتك، فأنت من أحبِّ العباد إلى الله. وعنه(ع): "يقول الله تعالى: إنَّ أحبَّ العباد إليَّ المتحابّون بجلالي ـ يحبّون في الله ـ المتعلّقة قلوبهم بالمساجد ـ فيتردَّدون عليها في كلِّ وقت، لتنفتح قلوبهم من خلالها على الله ـ المستغفرون في الأسحار ـ بعد أن يهبط اللّيل وينام النّاس ـ أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً، ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم"[39]، فالله يرفع العذاب عن النّاس الّذين يستحقّونه لوجود هؤلاء في الأرض.

وعن الإمام الصَّادق(ع) أنّه قال: "أحبّ العباد إلى الله عزَّ وجلّ، رجلٌ صدوقٌ في حديثه ـ لا يكذب ـ محافظٌ على صلاته ـ لا يتهاون بها ولا يؤخِّرها عن وقتها ـ وما افترض الله عليه مع أدائه الأمانة"[40]. وعن الإمام عليّ(ع): "إنَّ من أحبِّ عباد الله إليه، عبداً أعانه الله على نفسه ـ فلم يطع هوى نفسه ـ فاستشعر الحزن ـ لما يقبل عليه من أهوال يوم القيامة ـ وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه"[41]. وقد سُئل النّبيّ(ص): "من أحبّ النّاس إلى الله؟"، فقال(ص): "أنفع النّاس للنّاس"[42].

هذه هي بعض العناوين الَّتي تجعل الله يحبّنا، ولا بدَّ لنا من أن لا نمرَّ بها مرور الكرام، بل أن نعمل على أن نتأمَّل فيها، وأن نربّي أنفسنا عليها، وأن نكون الواعين لما يحبّه الله ولما لا يحبّه، وأن نبقى مع الله نحبّه ويحبّنا، كما جاء في الآية الكريمة: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي ـ اتّبعوا الإسلام ـ يُحْبِبْكُمُ الله}[43]، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[44].

 

الخطبة الثّانية

 

عباد الله.. اتّقوا الله في ما تتحركون به في كلّ أعمالكم وأقوالكم، فإنَّ في التَّقوى النّجاة كلّ النّجاة، وإنَّ التّقوى هي الزاد كلّ الزاد، وعلى الإنسان أن يتَّقي ربه في بيته ومحلّته وقريته ومدينته ووطنه وفي أمّته، بأن لا يقدِّم رِجْلاً ولا يؤخِّر أخرى حتى يعلم أنَّ ذلك لله رضى، وأن يحبَّ المؤمنين ويبغض الكافرين، وأن يتحرك مع كلِّ من يحبّهم الله من أجل أن يقيموا الحياة على أساس طاعة الله وعبادته، وأن يبتعد عن كلِّ من لا يحبّهم الله، من أجل أن يعطِّل كلَّ خطواتهم ومشاريعهم وأوضاعهم عن أن يُفسدوا في الأرض ويُبعدوا النّاس عن الله تعالى.

عباد الله، اتّقوا الله في مسؤوليَّاتكم عن كلّ قضايا العدل والحريَّة في حياتكم. لذلك، من التّقوى مواجهة المستكبرين وإذلالهم وتحطيم قوّتهم وانتقاصهم، ومن التّقوى الوقوف مع المستضعفين وتقوية مواقعهم ومساعدتهم في كلّ ما يريدون أن يرتفعوا به. وعلى ضوء هذا، فإنّنا نواجه كلّ القضايا الّتي تجري في حياتنا ومجتمعاتنا لنحميها من المستكبرين، لأنَّ في ذلك تقوى الله عندما نحدِّد مواقفنا منهم، وكيف نواجههم ونذلّهم ونبغضهم ونبعد النّاس عنهم؟ فتعالوا لنرى ماذا هناك.

مشكلة الاستكبار الأميركي

وتبقى أميركا هي مشكلة الإنسان كلّه ومشكلة العالم كلّه، لأنَّها الدَّولة الَّتي تعيش الاستكبار من خلال ما توحي لنفسها أنَّها قائدة العالم، وأنَّ العالم كلّه لا بدَّ من أن يسخّر كلّ طاقاته لخدمة مصالحها، ولو كان ذلك على حساب مصالحه. فما هو جديد أميركا في هذه المرحلة؟

إنَّ واشنطن تبرِّر لإسرائيل القيام بأيّة عمليَّة إرهابيَّة لاغتيال معارضيها في أيِّ بلدٍ في العالم، كما برّرت لنفسها ملاحقة أيِّ مطلوبٍ لها في كلِّ العالم، بواسطة أجهزة مخابراتها المتحالفة مع المخابرات الإسرائيليَّة "الموساد".. وهكذا، انطلق التّوافق الأميركي ـ الإسرائيلي لتكون كلّ السّاحات مفتوحةً له لخدمة المصالح المشتركة. وكلّ ما هناك، أنَّ أميركا لا تريد لإسرائيل تعقيد حلفائها ـ كالأردن ـ من عمليّاتها، بل لا بدَّ لها من التّنسيق معهم في مكافحة الإرهاب، وهذا هو ما علّقت به على محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، في الأردن من قِبَل "الموساد".

وقد أصدرت أميركا قراراً باعتبار تقديم أموال وأسلحة أو أيّ شكلٍ من أشكال الدَّعم الملموس لإحدى المنظَّمات التي تعتبرها إرهابيَّة، جريمةً، حتى لو كان الدَّعم لأعمالٍ إنسانيَّة، كالمستشفيات والمدارس ودور الأيتام ونحو ذلك، وقد عدّت من هذه المنظَّمات "حزب الله"، وحركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"، و"حركة الجهاد الإسلامي"، وعدداً من المنظَّمات الفلسطينيَّة، ما يعني أنها تعمل على محاصرة كلّ أنواع المقاومة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، وإعلان الحرب عليها في كلّ العالم تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، في الوقت الَّذي نرى إسرائيل تقوم بأوحش ألوان الإرهاب، وهو احتلال الأرض وتشريد النّاس من بلادهم، واغتيال معارضيها في كلّ بلدان العالم.

إنَّ الإرهاب في مفهوم أميركا هو التحرّك ضد سياستها وسياسة حلفائها في كلّ أنحاء الأرض، حتى لو كان النّاس يعملون لتحرير أرضهم والدِّفاع عن مصالحهم ومقدَّساتهم، وهذا ما ينبغي أن تنتبه إليه كلّ الشّعوب الحرّة في العالم، لتقف ضدَّ هذه السّياسة الأميركيّة العدوانيَّة.

وقد قامت أميركا بإرسال حاملة طائرات إلى مياه الخليج، كمظهرٍ من مظاهر تهديد الأمن في المنطقة، إضافةً إلى الوجود الأميركيّ البرّي في منطقة الخليج، بحجَّة مواجهة التدخّل الإيراني ضدّ مناطق الحماية الأميركيّة في العراق، للدّفاع عن نفسها ضدّ "المنافقين"، ولكنّ أميركا لا تحرّك ساكناً في التدخّل التركي في شمال العراق، وقد اعترفت بلسان مسؤوليها بأنها تقف في موقفٍ مستحيلٍ في هدفها المعلن لتفكيك إيران، وقد اقترح بعض مستشاريها أمام هذا العجز الأميركيّ في إضعاف إيران، على الإدارة الأميركيّة، الدخول في حوارٍ معها، وردّ المسؤول الأميركيّ قائلاً: "الحوار مع إيران يعني شيئاً واحداً: الاستسلام لآيات الله"...

توالي الفشل الأميركيّ

وقد انتصرت إيران على أميركا في اختراق الحصار الاقتصاديّ عليها، عندما عقدت صفقةً مع شركة "توتال" الفرنسيّة، بالرغم من تهديد أميركا بمعاقبة الشّركات التي تدخل في اتفاقات اقتصاديَّة مع إيران، حتى لو كانت أوروبيّة، وقد علّق المفوَّض التجاريّ للاتحاد الأوروبي بالقول: "أميركا مجاز لها الاختلاف معنا، ولكن ليس مجازاً لها فرض إرادتها علينا".. وقد هدَّد هذا الاتحاد واشنطن بأنّ "تدخّلها في شؤون التّجارة الأوروبيّة سيدفعها إلى فرض عقوبات مضادّة وإطلاق حرب تجاريّة"...

إنَّ هذا التّطوّر في السّجال الأميركيّ ـ الأوروبيّ حول العلاقات الاقتصاديَّة مع إيران، قد أوقع الإدارة الأميركيّة في فشلٍ كبير، من خلال تراجعها عن تنفيذ عقوباتها ضدّ الشّركات الأوروبيّة، الأمر الَّذي يسجِّل انتصاراً للسياسة المتوازنة لإيران في مواجهة الجنون الأميركيّ في الإحساس بقيادتها المطلقة للعالم، وسوف تنتصر إيران بعون الله على الإدارة الأميركيَّة في كلِّ المعارك السياسيَّة والأمنيَّة الَّتي لا تزال تتحرَّك في خطّتها العدوانيَّة ضدّ كلِّ قوى الحريّة في العالم.

تنازل الأردن يشجِّع العدوان

وعلى صعيدٍ آخر، فإنَّ إطلاق الأردن لعميلي "الموساد" اللَّذين قاما بمحاولة اغتيال خالد مشعل، يمثّل وصمة عار في جبين بلدٍ يدّعي الحرص على القضيّة الفلسطينيَّة، حيث قام بالتّنازل عن سيادة القضاء واستقلاله في بلده. والسؤال: لو كان الأردن قد اعتقل إسلاميّين قاموا بعملية مماثلة ضدّ الصهاينة، فهل يطلق سراحهم؟

إنَّ هذا سوف يشجّع العدوّ على تكرار محاولاته الرامية إلى اغتيال المجاهدين في أكثر من بلدٍ عربيّ، ولا سيَّما أنَّ العدوَّ قال على لسان أحد وزرائه: "إسرائيل لن تتوقَّف في المستقبل عن تنفيذ عمليّات اغتيالٍ ضدّ قادة فلسطينيّين".. والسؤال: هل توافق الدّول العربيّة ـ ومنها الأردن ـ على قيام المجاهدين باغتيال الإسرائيليّين في بلدانها؟ ولماذا لم يُطلق الأردن سراح الأردني الَّذي قام بمثل هذه العمليَّة، أو أنَّ قيمة الإسرائيليّ أكبر من قيمة العربي أو المسلم لدى بعض الدّول العربيَّة؟

وإننا في الوقت نفسه، نقدّر موقف مصر في الامتناع عن إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيليّ، وفي إصدار الحكم عليه بالسّجن، مع الأمل في أن لا تسقط مصر تحت الضغوط الأميركيَّة ـ الإسرائيليَّة.

حذارِ من الإرهاب الصهيوني

ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنّ العدوّ اليهوديّ قد عاد لاستهداف المدنيّين بالعبوّة التي زرعها في "مركبا"، وقتل فيها امرأةً وابنها، وبخطف أربعة من المواطنين في "أرنون"، وهذا ما يستوجب الحذر من عبوّات جديدة داخل المنطقة المحتلّة وخارجها، ما يفرض على الجميع أن يكونوا واعين لذلك، ولا سيَّما أنَّ "الموساد" قد يحاول القيام بعمليّات متعدّدة لتغطية فشله الأمنيّ في الأردن وفي إيران وفي لبنان.

وإنّنا نقدّر للمقاومة الإسلاميَّة البطلة العمليَّات الأخيرة التي اعترف العدوّ فيها بعددٍ من القتلى والجرحى، وأثبتت من خلالها أنَّ يد المقاومة طويلة، وأنها قادرة على اختراق كلّ حواجز الدّفاع للوصول إلى حدود مستوطناته.. وإذا كان العدوّ يتَّهم المواطنين الجنوبيّين من أهالي القرى المحتلّة بمساعدة المجاهدين، فإنَّ عليه أن يعرف أنَّ هؤلاء يرفضون الاحتلال الإسرائيليّ، ولذلك، لا بدّ لهم من مساعدة المجاهدين في مقاومة هذا الاحتلال، وإنقاذهم من هذا الكابوس الخانق للبلاد والعباد.

إننا نشدّ على أيدي المجاهدين من شباب المقاومة الإسلاميّة، ونقول لهم: سلمت أيديكم، وثقوا بأنّ الأمّة كلَّها تقف وراءكم، لأنكم طليعة الجهاد.

البحث عن مخرجٍ للأزمة

ونعود إلى الدّاخل، لنؤكّد أنَّ الأهمَّ من التّوافق الرئاسي الَّذي حصل حول التقشّف في الموازنة، هو الآليّة التي سيتمّ اتّباعها وصولاً إلى التّقشف المتوازن الّذي لا يُرهق مشاريع الدّولة ولا يُرهق المواطن، ولا سيّما الطبقات الفقيرة. ثم إنَّ الحديث عن الهدر في الوزارات هو حديث الدَّولة عن نفسها قبل أن يكون حديث المواطن، حتى إنَّ البعض يقول إنَّ الهدر يفوق الثّلث من موازنة الوزارات، وقد نسبت بعض المجلات الأسبوعيّة إلى مرجعٍ كبيرٍ في الدّولة، أنَّ أحد الوزراء دخل إلى وزارته، وكان رصيده عشرين ألف دولار، والآن في رصيده عشرون مليون دولار، فمن أين له هذا؟!

لا بدَّ من التفتيش جديّاً عن مخرجٍ للمأزق الاقتصاديّ، بعيداً عن الضّرائب المتوقّعة التي تطال الفئات المحرومة، والاستماع إلى الآراء التي تطالب بنظام ضرائبيّ يأخذ بالضريبة التصاعديَّة التي تحمّل الأغنياء العبء الأكبر من الضرائب ولا تضغط على الفقراء.. وإذا كان هناك من وسيلةٍ للخروج من هذا النفق الاقتصادي المظلم، فعلى الجميع ـ من موالاة ومعارضة ـ التّعاون للخروج منه، لأنَّ البلد قد يصل إلى مستوى الكارثة الاقتصادية التي قد تُسقط الهيكل على رؤوس الجميع، الأمر الَّذي يفرض على الجميع محاسبة الّذين تسبَّبوا بالوصول إلى هذه الكارثة.

أيّها المسؤولون، لقد قال الإمام عليّ(ع): "اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنَّكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم"[45]، وعليكم أن تعرفوا أنكم خدّام هذا الشّعب ولستم أسياده، فاتقوا الله في هذا الشعب المنكوب.


[1]  [البقرة: 165].

[2]  [آل عمران: 31].

[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 351.

[4]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 4، ص 72.

[5]  [الرّحمن: 26، 27].

[6] [البقرة: 195].

[7] [البقرة: 222].

[8]  [الزمر: 53].

[9]  [الشّورى: 25].

[10]  وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 7، ص 69.

[11]  [البقرة: 222].

[12] [التوبة: 4].

[13] [آل عمران: 146].

[14] [البقرة: 156، 157].

[15]  نهج البلاغة، ج 4، ص 19.

[16]  [آل عمران: 159].

[17]  [الممتحنة: 4].

[18]  [المائدة: 42] .

[19]  [التوبة: 108].

[20] [الصف: 4].

[21]  [البقرة: 190].

[22]  [البقرة: 276].

[23] [آل عمران: 57].

[24]  [غافر: 17].

[25]  نهج البلاغة، ج 2، ص 96.

[26] [النّساء: 36].

[27]  [الإسراء: 37].

[28] نهج البلاغة، ج 4، ص 104.

[29]  [النّساء: 107].

[30] [المائدة: 64].

[31]  [الأنعام: 141].

[32]  [المائدة: 64].

[33]  [النّحل: 23].

[34]  [القصص: 76].

[35]  [الرّوم: 45].

[36] [النّساء: 148].

[37]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 261.

[38]  تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 49.

[39]  بحار الأنوار،ج  80، ص 370.

[40]  وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 19، ص 69.

[41]  نهج البلاغة، ج 1، ص 152.

[42]  وسائل الشيعة، ج 16، ص 342.

[43]  [آل عمران: 31].

[44]  [المطففين: 26].

[45]  نهج البلاغة، ج 2، ص 80.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير