محطات من سيرة الباقر (ع) : إمـامٌ تصـاغـر العلمـاء أمام علمـه

محطات من سيرة الباقر (ع) : إمـامٌ تصـاغـر العلمـاء أمام علمـه
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

في بداية هذا الشهر - شهر رجب - كانت ذكرى ولادة الإمام محمد بن علي الباقر (ع)، وعندما نذكر هذا الإمام (ع)، فإننا ننفتح على علم شمل العالم الإسلامي كله، فقد قدم إمامنا العظيم إلى العالم الإسلامي في مرحلته علماً متنوعاً غزيراً في كل جوانب المعرفة الإسلامية، من فلسفية وكلامية وفقهية ووعظية واجتماعية، رسمت للمسلمين آنذاك الخط الإسلامي الأصيل في كل جوانب المعرفة الإسلامية.

العالم المنفتح

وقد عاش الإمام الباقر (ع) في مرحلة سياسية أعطته حرية الحركة في الساحة، التي كان يحوز فيها على الثقة الكبرى عند مختلف أصحاب الفكر والمعرفة الإسلامية، بقطع النظر عن مذاهبهم الفقهية، وقد قال الشيخ المفيد في "الإرشاد": "روى عنه معالم الدين؛ بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين". وأشار إلى مثل ذلك أحد كبار الرواة في ذلك العصر، وهو عبد الله بن عطاء، بقوله: "ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم بن عتيبة عنده- وهو شخصية علمية معروفة في ذلك العصر - مع جلالته في القوم بين يديه، كأنه صبي بين يدي معلّمه". كما قال عنه أحد رواته وهو محمد بن مسلم: "سألته عن ثلاثين ألف حديث".

الذاكر لله دوماً

ويذكر المؤرخون في سيرة الإمام الباقر (ع) الشخصية، أنه كان "كثير الذكر، كان يمشي وإنه ليذكر الله، ويأكل الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكان يجمع ولده فيأمرهم بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة - قراءة القرآن - من كان يقرأ منهم، ومن كان لا يقرأ منهم أمره بالذكر، وكان ظاهر الجود في الخاصة والعامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالتفضّل والإحسان مع كثرة عياله وتوسّط حاله".

تثقيف بالقيم الإسلامية

في هذا الموقف، نريد أن نستمد من سيرة الإمام الباقر (ع) الخطوط العملية التوجيهية في حركة الإنسان المسلم في الحياة، لأن الإمام الباقر (ع) - كما هم أهل البيت (ع) - كانوا يعملون على أن يثقفوا المجتمع المسلم بكل القيم الإسلامية، وبكل ما يذكّرهم بالله، بحيث تمتلئ عقولهم وقلوبهم بالله تعالى، وبحيث يرتفعون إلى درجة التقوى. ولم يقتصر تعليمهم للناس على الجوانب الفقهية، بل كانوا يحدثونهم بكل ما يقوّي معرفتهم بالله وحبهم للناس، ويقوي خط الاستقامة في سلوكهم.

ولذلك ينبغي لكل الذين يحملون ثقافة أهل البيت (ع)، أن يعملوا في الليل والنهار، مع الخاصة والعامة، على تثقيف الناس بالإسلام، بأبعاده العقيدية والأخلاقية والفقهية والاجتماعية والسياسية، لأن المجتمع المسلم إذا لم يكن مثقفاً بالإسلام، فإنه قد يُخدع عن الإسلام بالكفر باسم الإسلام، وقد يُصوّر إليه الباطل بصورة الحق فيأخذه على أنه الحق. وكما يجب على العلماء أن يعلموا، يجب على الناس أن يتعلّموا.

لتكن مساجدنا مدارس تثقيفية

وعلى ضوء هذا، ينبغي لنا أن نجعل مساجدنا - كما كانت في الماضي - مدارس تثقيفية. كن تاجراً، كن عاملاً، كن صاحب مصنع، تلك هي مهنتك التي ترفع مستوى حياتك، ولكن كن الإنسان الذي يتعلّم دائماً، لأن الإنسان الذي يملك العلم في كل مسؤولياته، هو الإنسان الذي لا يستطيع الآخرون أن يخدعوه أو يغشوه أو يزيّفوا له نظرته إلى الحياة. إن ما أوقع المسلمين في التخلف وفي كل الخطوط المنحرفة، هو جهلهم بالإسلام والحياة وكان أئمة أل البيت(ع) يريدون أن يؤكدوا الإسلام في حياة الناس.

الصبر على الحق

ولهذا، نحتاج إلى أن نقرأ بعض أحاديث الإمام الباقر (ع) في ما كان يحدّث به الناس. ومن الأحاديث التي رواها عن أبيه الإمام علي بن الحسين (ع) قال: "لما حضرت أبي علي بن الحسين الوفاة، ضمّني إلى صدره وقال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه: يا بني، اصبر على الحق وإن كان مرّاً". حاول - أيها الإنسان - أن تعرف الحق في العقيدة والشريعة والواقع الاجتماعي والسياسي، قد يكلّفك الحق بعض مزاجك، قد تشعر بمرارة الحق في حياتك وبحلاوة الباطل فيها، قد تدفعك نفسك إلى أن تسقط أمام الباطل لأنه يمنحك بعض حلاوته، وأن تبتعد عن الحق لأنه يحمّلك مسؤولية قد تثقل مزاجك، فاصبر على الحق وإن كان مرّاً، حاول أن تضغط على مزاجك وعصبياتك وعلى كل ما يريد الآخرون أن يقودوك إليه، قف مع الحق، لأن الله تعالى هو الحق، ولأنه تعالى خلق السموات والأرض بالحق، ولأن الناس غداً يغدون إلى الله على أساس مواقعهم من الحق والباطل، ولأن الحياة تُبنى بالحق، وتكبر بالحق، وتغنى بالحق.

الجنة محفوفة بالمكاره

وكان الإمام الباقر (ع) يحدّث الناس في هذا المجال ويقول لهم: "الجنة محفوفة بالمكاره والصبر - إن الجنة تعني أن تواجه مسؤولياتك في طاعة الله، وقد تكون طاعة الله على خلاف مزاجك، وأن تصبّر نفسك عن معصية الله، وقد تكون معصية الله مع مزاجك، فإذا أردت أن تربح الجنة، فعليك أن تجاهد نفسك - فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها - مما حرّمه الله عليه - دخل النار". وقد ذكرنا مراراً أن الله تعالى لم يحرّم لذة أو شهوة بشكل مطلق، ولكنه خطّ للذّاتنا وشهواتنا خطاً يفتح حياتنا على التوازن، فإذا أردت أن تحقق شهوتك، فحققها ولكن بالحلال، لأن الله لم يرد إبعادكم عن لذّات الدنيا وشهواتها، ولكنه أراد إبعادكم عن محرماتها، لأن في الحرام إفساداً لحياتكم.

الورع عن محارم الله

وهكذا، كان الإمام الباقر (ع) يقول: "الصبر صبران؛ صبر على البلاء حسن جميل - عندما تبتلى بمرض، أو بمال، أو تفتقد بعض من تحبه - وأفضل الصبرين الورع عن محارم الله"، أن تصبّر نفسك عن الحرام فتتركه. وكان يقول في مجال سعة الصدر والمرونة في التعامل مع الذين يسيئون إليك: "ثلاث لا يزيد الله بهن المسلم إلا عزّاً: الصفح عمن ظلمه - في العلاقات الشخصية - وإعطاء من حَرَمَه والصلة لمن قطعه"، فلا تكون أخلاقك أخلاقاً تجارية، بحيث تصفح عمن صفح عنك، وتعطي من أعطاك، وتصل من وصلك، بل أن تعطي من حرمك لتكون أخلاقك أخلاق القيمة التي تعيشها في داخل نفسك، لأن ذلك يدل على أنك تعيش القيمة الأخلاقية التي لا تطلب من الآخرين أيّ عوض عمّا تقدمه إليهم، لأن الله تعالى يريد منا أن نكون كالشمس تطلع على كل الناس، وكالينبوع يتفجّر على الأرض الخصبة والقاحلة معاً ويسقي كل الناس، أن تعيش القيمة الروحية في نفسك، بقطع النظر عن نتائجها السلبية أو الإيجابية هنا وهناك.

كظم الغيظ

وكان (ع) يحدث عن أبيه علي بن الحسين (ع) فيقول: "قال لي أبي: يا بني، ما من شيء أقرّ لعيني أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر - بحيث إنك تواجه الغيظ في بيتك، أو في محل عملك، أو في موقعك الاجتماعي أو السياسي أو الديني، فتدفعك نفسك إلى أن تفجر غيظك، لأن الشيطان يأتي إليك ليوسوس لك أنك إذا لم تفجّر غيظك فإن موقعك يكون موقع الذل لا موقع العز، ولكن الإمام (ع) يعتبر أن كظم الغيظ ليس موقف ذل، بل هو موقف صبر وعزّ، لأن الإمام (ع) يرفض الذل - وما من شيء يسرّني أن لي بذل نفسي حمر النعم".

 

الحب والبغض في الله

وكان الإمام الباقر (ع) يريد من الإنسان أن يعرف نفسه من خلال طبيعة الحب والبغض، وطبيعة الموالاة والرفض، فكيف تعرف نفسك؟ يقول (ع): "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك - والقلب في المصطلح الإسلامي القرآني هو المنطقة الداخـلية الفكرية والعاطفية، وهي منطقة الوعي الداخلي للإنسان - فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء - يوم القيامة - مع مَن أَحب". وكما قال الإمام عليّ (ع): "إنما يجمع الناس الرضى والسخط، وإنما عقر ناقة "ثمود" رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضى"..

هذه بعض أحاديث الإمام الباقر (ع)، ونحن نتذكره، فنتذكّر كل هذه القيم الأخلاقية الروحية التي تقربنا إلى الله، وتقربنا إلى بعضنا البعض، وعلى أساسها نقيم علاقتنا بأهل البيت (ع)، إنها علاقة المأمومين الذين يأتمون بهم في كل نصائحهم ووصاياهم وكل سيرتهم، لأن فيها الهدى كل الهدى، وفيها الخير كل الخير، ونسأل الله تعالى أن يثبّتنا على ولايتهم، والسير في طريقهم، والأخذ بوصاياهم ونصائحهم.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما تتحملون مسؤولياته في الحياة، فإن الله سيسأل كل واحد منا عمّا قال وعلى أي أساس قال، وعما عمل كيف عمل وعلى أي أساس عمل، وسيسألنا الله تعالى عن كل ما يتصل بمسؤولياتنا في حياة الناس من أمورهم العامة والخاصة، وسيسألنا عما حمّلنا مسؤوليته من أهلنا وأولادنا والناس من حولنا، حتى نقيهم النار التي وقودها الناس والحجارة. وعلينا أن نعرف كيف نواجه مسؤولياتنا، وكيف نفهم خطوط هذه المسؤولية في القضايا العامة التي تمس حياة الإسلام والمسلمين، والتي تتصل بحياة المستضعفين، وهذا ما نحتاج إلى أن نقف عنده من خلال ما يحدث في منطقتنا والعالم كله.

بين توسع الاستيطان وواقع المفاوضات

ها نحن نشهد فصلاً جديداً من فصول التآمر على القضية الفلسطينية لإنهائها، حيث يجري ذلك في أكثر من دائرة، إذا تتواصل عملية توسيع المستوطنات، والتخطيط لعملية خداع الرأي العام العالمي بأن "هناك مستوطنات قانونية في الضفة - وهي الأكثر - ومستوطنات غير قانونية - وهي قليلة وستُزال -" على حدّ زعم العدوّ.. وتبقى مشكلة الاستيطان تفرض نفسها على مستقبل واقع المفاوضات النهائية مع الجانب الفلسطيني دون حلّ..

لعبة الخداع الصهيوني مستمرة

ويترافق ذلك مع حديث رئيس العدو باراك عن مخططات يحضّر لها الإسلاميون في فلسطين ولبنان ضد "إسرائيل" في الداخل والخارج لشنّ اعتداءات عليها بهدف نسف عملية السلام"، وذلك لكسب الرأي العام العالمي، ولتبرير التحضير للعدوان على الفلسطينيين في فلسطين، وتكثيف العدوان على لبنان.. وقد حملت إلينا الأخبار أن هناك لقاءات أمنية بين سلطة الحكم الذاتي ورئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني، بهدف تنسيق الإجراءات الأمنية ضد الإسلاميين.. وهكذا، تستمر اللعبة في عملية الخداع والتسويف والمماطلة والتهويل، بعيداً عن عملية الحل للمشكلة الفلسطينية، حتى على مستوى الاتفاقات المعقودة بين العدوّ وسلطة الحكم الذاتي.

بالمقاومة تسقط الأوضاع "الإسرائيلية"

أما في لبنان، فلا تزال الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية مستمرة في القصف الجوي والمدفعي على القرى الآمنة، ولم نسمع استنكاراً ولو خجولاً من كل الدول التي تتحدث عن حقوق الإنسان.. وقد سمعنا كلاماً خافتاً - في إطار الحديث عن الانسحاب - أن الانسحاب لن يكون كاملاً. وإن العدوّ يطمح للاحتفاظ بشريط من الأراضي اللبنانية لضمّها إلى فلسطين المحتلة، أو لجعلها مادة دسمة للمفاوضات، لأن العدو يخطط للسيطرة على بعض الأراضي التي يعتبرها حساسة أمنياً واستراتيجياً، ولأن أطماعه في الأراضي والمياه اللبنانية لا تزال على حالها، ولا يمكن إسقاطها بالكامل إلا من خلال المقاومة، وبلغة القوة التي بات يفهمها جيداً.

تهويل صهيوني لإخضاع لبنان وسوريا

وفي هذا الجو، دأب الإعلام الصهيوني على التركيز على وجود "جسر جوي بين طهران ومطار بيروت لنقل الأسلحة للمقاومة"، كأسلوب من أساليب التهويل والتهديد بإمكانية قصف المطار والعاصمة، على الرغم من نفي المقاومة الإسلامية والحكومة اللبنانية لذلك.. كما كثُر الحديث في إعلام العدو عن توقيت الانسحاب وتقريبه إلى شهر شباط، وعلينا أن نعرف أن ذلك جزء من حملة التهويل الإعلامية في عملية الضغط على سوريا ولبنان، ليُسرعا للقاء العدوّ في منتصف الطريق، من خلال الخضوع لشروطه في المفاوضات، خوفاً من خلق حالة فراغ أمني وسياسي في الواقع، كما يصوّر..

تحصين الداخل لا يمنع مواجهة العدو

إن من المستغرب أن يخطط العدو للمراحل القادمة حول تعاطيه مع الملف اللبناني، ولا سيما في مسألة الاحتلال، وكذلك على مستوى تخطيطه لحركة عدوانه الميدانية في مواجهة المقاومة، بينما لا نعمل نحن في المقابل لمواجهة هذه المراحل على مستوى تفكيك الألغام السياسية والدبلوماسية التي يزرعها أو يخطط لزراعتها، حيث لا نجد في الساحة الداخلية إلا انشغالاً بالسجالات التي تعطي الفكرة بأننا لا نهتم بما يُحضّر لنا انطلاقاً من الساحة الجنوبية.

إن علينا الاستعداد - من موقع الفعل لا ردّ الفعل - لإسقاط خطط العدو، وتعميق التواصل مع سوريا، بما يوجد أرضاً صلبة لمواجهة مشاريعه.. ولا يمنع ذلك من التفكير في تحصين الساحة الداخلية في الحفاظ على القضايا الحيوية، وملاحقة كل حالات الإثراء غير المشروع بجديّة مسؤولة، وكل أنواع الهدر وعمليات المحاسبة من دون أيّ عقدة سياسية، لأن العدو يعمل على تهميش الدور الاقتصادي والسياسي للبنان في الداخل والخارج. وعلينا أن نسعى لتأكيد هذا الدور وحيويته بمختلف وسائل المعالجة المتاحة.

إبن الست وابن الجارية في التنصت

وأخيراً، لقد سمعنا في الأسابيع والأيام الأخيرة حديثاً مستمراً عن رفض التنصت، لكننا فوجئنا أن التصويت جاء على أساس استثناء الطبقة السياسية من التنصت، وتشريعه على مستوى عامة الشعب.. إننا نسأل - بعيداً عن الحديث عن شرعية التنصت أو قـانونيته - لماذا يتمّ استثناء هذه الطبقة التي أثبتت الكثير من التجارب أن الفئة الغالبة منها لم تكن إلى جانب قضايا البلد ومشاريعه الحيوية، بينما رأينا أن الطبقات الشعبية هي التي حملت عبء مواجهة الاحتلال، وكانت ولا تزال الأكثر إخلاصاً في خدمة الوطن ومواجهة الأخطار التي هددته على مختلف المستويات؟ فلماذا تكون المسألة على طريقة "ابن الست وابن الجارية"؟

إن القضايا الوطنية العامة ينبغي أن تتم معالجتها انطلاقاً من الزاوية الوطنية، ومن خلال السعي للحفاظ على سيادة البلد وكرامة الأمة، بعيداً عن المصالح التي تصب في خدمة هذه الطبقة أو تلك، أو هذا الفريق أو ذاك، سواء في قضية التنصت أو مسألة الإثراء غير المشروع، وغيرها من الأمور التي نصرّ على أن تعالج بروح وطنية مسؤولة.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

في بداية هذا الشهر - شهر رجب - كانت ذكرى ولادة الإمام محمد بن علي الباقر (ع)، وعندما نذكر هذا الإمام (ع)، فإننا ننفتح على علم شمل العالم الإسلامي كله، فقد قدم إمامنا العظيم إلى العالم الإسلامي في مرحلته علماً متنوعاً غزيراً في كل جوانب المعرفة الإسلامية، من فلسفية وكلامية وفقهية ووعظية واجتماعية، رسمت للمسلمين آنذاك الخط الإسلامي الأصيل في كل جوانب المعرفة الإسلامية.

العالم المنفتح

وقد عاش الإمام الباقر (ع) في مرحلة سياسية أعطته حرية الحركة في الساحة، التي كان يحوز فيها على الثقة الكبرى عند مختلف أصحاب الفكر والمعرفة الإسلامية، بقطع النظر عن مذاهبهم الفقهية، وقد قال الشيخ المفيد في "الإرشاد": "روى عنه معالم الدين؛ بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين". وأشار إلى مثل ذلك أحد كبار الرواة في ذلك العصر، وهو عبد الله بن عطاء، بقوله: "ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم بن عتيبة عنده- وهو شخصية علمية معروفة في ذلك العصر - مع جلالته في القوم بين يديه، كأنه صبي بين يدي معلّمه". كما قال عنه أحد رواته وهو محمد بن مسلم: "سألته عن ثلاثين ألف حديث".

الذاكر لله دوماً

ويذكر المؤرخون في سيرة الإمام الباقر (ع) الشخصية، أنه كان "كثير الذكر، كان يمشي وإنه ليذكر الله، ويأكل الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكان يجمع ولده فيأمرهم بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة - قراءة القرآن - من كان يقرأ منهم، ومن كان لا يقرأ منهم أمره بالذكر، وكان ظاهر الجود في الخاصة والعامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالتفضّل والإحسان مع كثرة عياله وتوسّط حاله".

تثقيف بالقيم الإسلامية

في هذا الموقف، نريد أن نستمد من سيرة الإمام الباقر (ع) الخطوط العملية التوجيهية في حركة الإنسان المسلم في الحياة، لأن الإمام الباقر (ع) - كما هم أهل البيت (ع) - كانوا يعملون على أن يثقفوا المجتمع المسلم بكل القيم الإسلامية، وبكل ما يذكّرهم بالله، بحيث تمتلئ عقولهم وقلوبهم بالله تعالى، وبحيث يرتفعون إلى درجة التقوى. ولم يقتصر تعليمهم للناس على الجوانب الفقهية، بل كانوا يحدثونهم بكل ما يقوّي معرفتهم بالله وحبهم للناس، ويقوي خط الاستقامة في سلوكهم.

ولذلك ينبغي لكل الذين يحملون ثقافة أهل البيت (ع)، أن يعملوا في الليل والنهار، مع الخاصة والعامة، على تثقيف الناس بالإسلام، بأبعاده العقيدية والأخلاقية والفقهية والاجتماعية والسياسية، لأن المجتمع المسلم إذا لم يكن مثقفاً بالإسلام، فإنه قد يُخدع عن الإسلام بالكفر باسم الإسلام، وقد يُصوّر إليه الباطل بصورة الحق فيأخذه على أنه الحق. وكما يجب على العلماء أن يعلموا، يجب على الناس أن يتعلّموا.

لتكن مساجدنا مدارس تثقيفية

وعلى ضوء هذا، ينبغي لنا أن نجعل مساجدنا - كما كانت في الماضي - مدارس تثقيفية. كن تاجراً، كن عاملاً، كن صاحب مصنع، تلك هي مهنتك التي ترفع مستوى حياتك، ولكن كن الإنسان الذي يتعلّم دائماً، لأن الإنسان الذي يملك العلم في كل مسؤولياته، هو الإنسان الذي لا يستطيع الآخرون أن يخدعوه أو يغشوه أو يزيّفوا له نظرته إلى الحياة. إن ما أوقع المسلمين في التخلف وفي كل الخطوط المنحرفة، هو جهلهم بالإسلام والحياة وكان أئمة أل البيت(ع) يريدون أن يؤكدوا الإسلام في حياة الناس.

الصبر على الحق

ولهذا، نحتاج إلى أن نقرأ بعض أحاديث الإمام الباقر (ع) في ما كان يحدّث به الناس. ومن الأحاديث التي رواها عن أبيه الإمام علي بن الحسين (ع) قال: "لما حضرت أبي علي بن الحسين الوفاة، ضمّني إلى صدره وقال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه: يا بني، اصبر على الحق وإن كان مرّاً". حاول - أيها الإنسان - أن تعرف الحق في العقيدة والشريعة والواقع الاجتماعي والسياسي، قد يكلّفك الحق بعض مزاجك، قد تشعر بمرارة الحق في حياتك وبحلاوة الباطل فيها، قد تدفعك نفسك إلى أن تسقط أمام الباطل لأنه يمنحك بعض حلاوته، وأن تبتعد عن الحق لأنه يحمّلك مسؤولية قد تثقل مزاجك، فاصبر على الحق وإن كان مرّاً، حاول أن تضغط على مزاجك وعصبياتك وعلى كل ما يريد الآخرون أن يقودوك إليه، قف مع الحق، لأن الله تعالى هو الحق، ولأنه تعالى خلق السموات والأرض بالحق، ولأن الناس غداً يغدون إلى الله على أساس مواقعهم من الحق والباطل، ولأن الحياة تُبنى بالحق، وتكبر بالحق، وتغنى بالحق.

الجنة محفوفة بالمكاره

وكان الإمام الباقر (ع) يحدّث الناس في هذا المجال ويقول لهم: "الجنة محفوفة بالمكاره والصبر - إن الجنة تعني أن تواجه مسؤولياتك في طاعة الله، وقد تكون طاعة الله على خلاف مزاجك، وأن تصبّر نفسك عن معصية الله، وقد تكون معصية الله مع مزاجك، فإذا أردت أن تربح الجنة، فعليك أن تجاهد نفسك - فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها - مما حرّمه الله عليه - دخل النار". وقد ذكرنا مراراً أن الله تعالى لم يحرّم لذة أو شهوة بشكل مطلق، ولكنه خطّ للذّاتنا وشهواتنا خطاً يفتح حياتنا على التوازن، فإذا أردت أن تحقق شهوتك، فحققها ولكن بالحلال، لأن الله لم يرد إبعادكم عن لذّات الدنيا وشهواتها، ولكنه أراد إبعادكم عن محرماتها، لأن في الحرام إفساداً لحياتكم.

الورع عن محارم الله

وهكذا، كان الإمام الباقر (ع) يقول: "الصبر صبران؛ صبر على البلاء حسن جميل - عندما تبتلى بمرض، أو بمال، أو تفتقد بعض من تحبه - وأفضل الصبرين الورع عن محارم الله"، أن تصبّر نفسك عن الحرام فتتركه. وكان يقول في مجال سعة الصدر والمرونة في التعامل مع الذين يسيئون إليك: "ثلاث لا يزيد الله بهن المسلم إلا عزّاً: الصفح عمن ظلمه - في العلاقات الشخصية - وإعطاء من حَرَمَه والصلة لمن قطعه"، فلا تكون أخلاقك أخلاقاً تجارية، بحيث تصفح عمن صفح عنك، وتعطي من أعطاك، وتصل من وصلك، بل أن تعطي من حرمك لتكون أخلاقك أخلاق القيمة التي تعيشها في داخل نفسك، لأن ذلك يدل على أنك تعيش القيمة الأخلاقية التي لا تطلب من الآخرين أيّ عوض عمّا تقدمه إليهم، لأن الله تعالى يريد منا أن نكون كالشمس تطلع على كل الناس، وكالينبوع يتفجّر على الأرض الخصبة والقاحلة معاً ويسقي كل الناس، أن تعيش القيمة الروحية في نفسك، بقطع النظر عن نتائجها السلبية أو الإيجابية هنا وهناك.

كظم الغيظ

وكان (ع) يحدث عن أبيه علي بن الحسين (ع) فيقول: "قال لي أبي: يا بني، ما من شيء أقرّ لعيني أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر - بحيث إنك تواجه الغيظ في بيتك، أو في محل عملك، أو في موقعك الاجتماعي أو السياسي أو الديني، فتدفعك نفسك إلى أن تفجر غيظك، لأن الشيطان يأتي إليك ليوسوس لك أنك إذا لم تفجّر غيظك فإن موقعك يكون موقع الذل لا موقع العز، ولكن الإمام (ع) يعتبر أن كظم الغيظ ليس موقف ذل، بل هو موقف صبر وعزّ، لأن الإمام (ع) يرفض الذل - وما من شيء يسرّني أن لي بذل نفسي حمر النعم".

 

الحب والبغض في الله

وكان الإمام الباقر (ع) يريد من الإنسان أن يعرف نفسه من خلال طبيعة الحب والبغض، وطبيعة الموالاة والرفض، فكيف تعرف نفسك؟ يقول (ع): "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك - والقلب في المصطلح الإسلامي القرآني هو المنطقة الداخـلية الفكرية والعاطفية، وهي منطقة الوعي الداخلي للإنسان - فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء - يوم القيامة - مع مَن أَحب". وكما قال الإمام عليّ (ع): "إنما يجمع الناس الرضى والسخط، وإنما عقر ناقة "ثمود" رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضى"..

هذه بعض أحاديث الإمام الباقر (ع)، ونحن نتذكره، فنتذكّر كل هذه القيم الأخلاقية الروحية التي تقربنا إلى الله، وتقربنا إلى بعضنا البعض، وعلى أساسها نقيم علاقتنا بأهل البيت (ع)، إنها علاقة المأمومين الذين يأتمون بهم في كل نصائحهم ووصاياهم وكل سيرتهم، لأن فيها الهدى كل الهدى، وفيها الخير كل الخير، ونسأل الله تعالى أن يثبّتنا على ولايتهم، والسير في طريقهم، والأخذ بوصاياهم ونصائحهم.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما تتحملون مسؤولياته في الحياة، فإن الله سيسأل كل واحد منا عمّا قال وعلى أي أساس قال، وعما عمل كيف عمل وعلى أي أساس عمل، وسيسألنا الله تعالى عن كل ما يتصل بمسؤولياتنا في حياة الناس من أمورهم العامة والخاصة، وسيسألنا عما حمّلنا مسؤوليته من أهلنا وأولادنا والناس من حولنا، حتى نقيهم النار التي وقودها الناس والحجارة. وعلينا أن نعرف كيف نواجه مسؤولياتنا، وكيف نفهم خطوط هذه المسؤولية في القضايا العامة التي تمس حياة الإسلام والمسلمين، والتي تتصل بحياة المستضعفين، وهذا ما نحتاج إلى أن نقف عنده من خلال ما يحدث في منطقتنا والعالم كله.

بين توسع الاستيطان وواقع المفاوضات

ها نحن نشهد فصلاً جديداً من فصول التآمر على القضية الفلسطينية لإنهائها، حيث يجري ذلك في أكثر من دائرة، إذا تتواصل عملية توسيع المستوطنات، والتخطيط لعملية خداع الرأي العام العالمي بأن "هناك مستوطنات قانونية في الضفة - وهي الأكثر - ومستوطنات غير قانونية - وهي قليلة وستُزال -" على حدّ زعم العدوّ.. وتبقى مشكلة الاستيطان تفرض نفسها على مستقبل واقع المفاوضات النهائية مع الجانب الفلسطيني دون حلّ..

لعبة الخداع الصهيوني مستمرة

ويترافق ذلك مع حديث رئيس العدو باراك عن مخططات يحضّر لها الإسلاميون في فلسطين ولبنان ضد "إسرائيل" في الداخل والخارج لشنّ اعتداءات عليها بهدف نسف عملية السلام"، وذلك لكسب الرأي العام العالمي، ولتبرير التحضير للعدوان على الفلسطينيين في فلسطين، وتكثيف العدوان على لبنان.. وقد حملت إلينا الأخبار أن هناك لقاءات أمنية بين سلطة الحكم الذاتي ورئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني، بهدف تنسيق الإجراءات الأمنية ضد الإسلاميين.. وهكذا، تستمر اللعبة في عملية الخداع والتسويف والمماطلة والتهويل، بعيداً عن عملية الحل للمشكلة الفلسطينية، حتى على مستوى الاتفاقات المعقودة بين العدوّ وسلطة الحكم الذاتي.

بالمقاومة تسقط الأوضاع "الإسرائيلية"

أما في لبنان، فلا تزال الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية مستمرة في القصف الجوي والمدفعي على القرى الآمنة، ولم نسمع استنكاراً ولو خجولاً من كل الدول التي تتحدث عن حقوق الإنسان.. وقد سمعنا كلاماً خافتاً - في إطار الحديث عن الانسحاب - أن الانسحاب لن يكون كاملاً. وإن العدوّ يطمح للاحتفاظ بشريط من الأراضي اللبنانية لضمّها إلى فلسطين المحتلة، أو لجعلها مادة دسمة للمفاوضات، لأن العدو يخطط للسيطرة على بعض الأراضي التي يعتبرها حساسة أمنياً واستراتيجياً، ولأن أطماعه في الأراضي والمياه اللبنانية لا تزال على حالها، ولا يمكن إسقاطها بالكامل إلا من خلال المقاومة، وبلغة القوة التي بات يفهمها جيداً.

تهويل صهيوني لإخضاع لبنان وسوريا

وفي هذا الجو، دأب الإعلام الصهيوني على التركيز على وجود "جسر جوي بين طهران ومطار بيروت لنقل الأسلحة للمقاومة"، كأسلوب من أساليب التهويل والتهديد بإمكانية قصف المطار والعاصمة، على الرغم من نفي المقاومة الإسلامية والحكومة اللبنانية لذلك.. كما كثُر الحديث في إعلام العدو عن توقيت الانسحاب وتقريبه إلى شهر شباط، وعلينا أن نعرف أن ذلك جزء من حملة التهويل الإعلامية في عملية الضغط على سوريا ولبنان، ليُسرعا للقاء العدوّ في منتصف الطريق، من خلال الخضوع لشروطه في المفاوضات، خوفاً من خلق حالة فراغ أمني وسياسي في الواقع، كما يصوّر..

تحصين الداخل لا يمنع مواجهة العدو

إن من المستغرب أن يخطط العدو للمراحل القادمة حول تعاطيه مع الملف اللبناني، ولا سيما في مسألة الاحتلال، وكذلك على مستوى تخطيطه لحركة عدوانه الميدانية في مواجهة المقاومة، بينما لا نعمل نحن في المقابل لمواجهة هذه المراحل على مستوى تفكيك الألغام السياسية والدبلوماسية التي يزرعها أو يخطط لزراعتها، حيث لا نجد في الساحة الداخلية إلا انشغالاً بالسجالات التي تعطي الفكرة بأننا لا نهتم بما يُحضّر لنا انطلاقاً من الساحة الجنوبية.

إن علينا الاستعداد - من موقع الفعل لا ردّ الفعل - لإسقاط خطط العدو، وتعميق التواصل مع سوريا، بما يوجد أرضاً صلبة لمواجهة مشاريعه.. ولا يمنع ذلك من التفكير في تحصين الساحة الداخلية في الحفاظ على القضايا الحيوية، وملاحقة كل حالات الإثراء غير المشروع بجديّة مسؤولة، وكل أنواع الهدر وعمليات المحاسبة من دون أيّ عقدة سياسية، لأن العدو يعمل على تهميش الدور الاقتصادي والسياسي للبنان في الداخل والخارج. وعلينا أن نسعى لتأكيد هذا الدور وحيويته بمختلف وسائل المعالجة المتاحة.

إبن الست وابن الجارية في التنصت

وأخيراً، لقد سمعنا في الأسابيع والأيام الأخيرة حديثاً مستمراً عن رفض التنصت، لكننا فوجئنا أن التصويت جاء على أساس استثناء الطبقة السياسية من التنصت، وتشريعه على مستوى عامة الشعب.. إننا نسأل - بعيداً عن الحديث عن شرعية التنصت أو قـانونيته - لماذا يتمّ استثناء هذه الطبقة التي أثبتت الكثير من التجارب أن الفئة الغالبة منها لم تكن إلى جانب قضايا البلد ومشاريعه الحيوية، بينما رأينا أن الطبقات الشعبية هي التي حملت عبء مواجهة الاحتلال، وكانت ولا تزال الأكثر إخلاصاً في خدمة الوطن ومواجهة الأخطار التي هددته على مختلف المستويات؟ فلماذا تكون المسألة على طريقة "ابن الست وابن الجارية"؟

إن القضايا الوطنية العامة ينبغي أن تتم معالجتها انطلاقاً من الزاوية الوطنية، ومن خلال السعي للحفاظ على سيادة البلد وكرامة الأمة، بعيداً عن المصالح التي تصب في خدمة هذه الطبقة أو تلك، أو هذا الفريق أو ذاك، سواء في قضية التنصت أو مسألة الإثراء غير المشروع، وغيرها من الأمور التي نصرّ على أن تعالج بروح وطنية مسؤولة.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير