مع ذكرى النبوة في يوم المبعث : الإسراء والمعراج من مظاهر قدرة الله في تكريم النبي (ص)

مع ذكرى النبوة في يوم المبعث : الإسراء والمعراج من مظاهر قدرة الله في تكريم النبي (ص)

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}. في هذا اليوم -السابع والعشرين من شهر رجب - نلتقي، من خلال بعض الروايات، بذكرى الإسراء والمعراج، كما أننا نلتقي، حسب روايات الأئمة من أهل البيت (ع)، بذكرى المبعث النبوي الشريف، ونحن، وكما تحدثنا سابقاً، لا نريد أن نتوقف عند الأيام من خلال رواية هنا ورواية هناك، بل نريد أن نقف مع الحدث.

الرحمة الإلهية:

فالمبعث النبوي الشريف يمثل الرحمة الإلهية التي أفاضها الله على الكون كله من خلال إرساله رسوله، كما جاء في القرآن الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فالرسول هو الرحمة في عقله وقلبه وكل حركته في الحياة، كان رحمة للذين آمنوا به وللذين واجهوه، لأن قلبه كان يفيض بالحب لله، ولذلك كان يفيض بالحب للناس، ويتألم للذين تمردوا عليه وكفروا به وواجهوه بكل الأساليب القاسية، لأنهم لم يكتشفوا الإيمان الذي جاء به، ولم يستضيئوا بالنور الذي أشرق منه، كان يتألم لهم كما يتألم الإنسان لأي شخص يهمه أمره، ولذلك تحدث الله تعالى عن هذه الحالة، وأراد له أن لا يقهر نفسه ويعذبها بذلك، فقال تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}، {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر}. إن الرسول(ص) لم يتألم من خلال ذاته لأنه لم يستطع أن يجعلهم من أتباعه، بل كان يتألم لإنسانيتهم أن تبقى في الظلام ولا تنفتح على النور، وكان يريد لكل إنسان أن يخرج من الظلمات إلى النور، وهذا هو سرّ القرآن وسر الرسالة:{قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين}.

الداعية الأنموذج:

لقد جاء النبي (ص) بالرسالة من أجل أن يتلو على الناس آيات الله، فكان يلاحقهم في كل المواقع التي يلتقي فيها بهم، بالموعظة والتعليم والتزكية، حتى أنه، كما تذكر بعض كتب السيرة، كان له عيون يخبرونه عن الناس الذين يأتون إلى مكة من وجوه العرب، ليذهب إليهم في بيوتهم، ويحدثهم عن الله وآياته، وعما يفتح لهم أبواب الهدى. كان يتحرك في أسواق مكة، وينادي بالناس وهم في أسواقهم ونواديهم: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، وكان يذهب إلى المسجد من أجل أن يصلي هناك، ومعه زوجته خديجة أم المؤمنين وابن عمه عليّ (ع)، فقد كانوا أول من صلى لله تعالى، وكان يعمل في الليل والنهار على أن يهدي المسلمين إلى الإسلام،حتى أنه كان يطلب من كل من أسلم، أن يهدي إلى الإسلام شخصاً آخر، وكان يوحي إليهم بأن مهمة المسلم ليست فقط في أن يكون مسلماً، بل بأن يكون أيضاً الداعية للإسلام.

التزكية وهداية الناس:

وهذه هي المهمة التي كانت وما زالت للإنسان المسلم، بأن يعيش همّ هداية الناس من أهله وأقربائه وأصدقائه، ليحدثهم عن الله وعن رسوله وعن الإسلام وعن الالتزام بالصلاة والصوم والحج وترك المحرمات وما إلى ذلك. {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم} يعمل على أن ينفذ إلى أعماقهم، من أجل أن يبث فيها طهارة الروح والقلب والإحساس والشعور، ليتحركوا في الواقع في طهارة السلوك. كان من مهمته(ص) أن يزكي الناس وينمي كل بواعث الخير في نفوسهم، حتى ينطلقوا في الحياة من موقع هذه الزكاة الروحية الفكرية العملية، وكان يعلمهم الكتاب والحكمة، لأنه لم يرد لهم أن يسمعوا القرآن وهو يتلوه فقط، بل أن يسمعوه ويتعلموه ويعوا معانيه ويعيشوها في أنفسهم. وهو أمر لا ينحصر بالجيل الذي كان مع رسول الله (ص)، بل يتعلق بكل أجيال المسلمين في كل زمان ومكان.

تعلم الحكمة:

ولعل مشكلة المسلمين في كل مواقعهم أنهم لا يعطون الاهتمام الكافي للقرآن الكريم؛ حفظاً وتلاوة وتعلماً. ومن هنا، تقع على العلماء مسؤولية توجيه الناس للاهتمام بكتاب الله، وعلى الناس أن يثيروا الاهتمام في أنفسهم في ذلك كله.. ولقد أراد النبي (ص) أن يعلّم المسلمين الحكمة، والحكمة هي أن يكون لك عقل يزن الأمور ويقيسها ويخطط لها، بحيث يضع الشيء في مواضعه، أن تضع الكلمة في موضعها، وتحرك الخطوة في طريقها الطبيعي، لأن الله تعالى يريد للناس أن يكونوا الحكماء في أفكارهم، لكي لا يفكروا إلا بالحق والخير وما يصلح أنفسهم ويصلح الناس، ولا يتكلموا أو يتحركوا إلا بالحكمة، وأن يزكوا أنفسهم، لأنهم بذلك يبتعدون عن الضلال الذي كانوا فيه، عندما كانوا يعيشون في خرافة الوثنية والأساطير، ويتحركون بالعصبية وفي خط الشهوات، فلم تكن هناك حكمة في انتماءاتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم، حتى جاء النبي (ص) ليعلمهّم الناس الحكمة، كما يعلّمهم القرآن.

الانفتاح على الحق والعدل:

وأراد الله تعالى لرسوله أن ينطلق في دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادل الناس بالتي هي أحسن، وأن يقول الكلمة الأحسن، كما أراد له أن يعرّف الناس كيف يعيشون حياتهم وينفتحون عليها، فلا يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل ويدلوا بها إلى الحكّام ليأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم، وأن ينفتحوا على كل ما يحقق العدل في حياتهم، بحيث يتحرك الإنسان في بيته وفي السوق والنادي وفي المجتمع كله، في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، ليكون الإنسان العادل الذي يعطي لكل ذي حق حقه، ولا يغمط أحداً حقه، بحيث لا يحتاج إلى قوة الدولة من أجل أن يعطي الحق لأصحابه، بل ينفتح على إيمانه وربه، ليحاسب نفسه بنفسه، وليعظ نفسه بنفسه، وليوجه نفسه إلى إعطاء الناس حقوقهم، سواء كان حقاً مادياً أو معنوياً.

إن الإسلام هو رحمة الله التي أنزلها على رسوله ليبلّغها لنا، فعلينا أن ننطلق من ذكرى مولد الإسلام في بعثة الرسول (ص)، لنجعل حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والفردية كلّها حياة إسلامية، بحيث نتحرك مع حدود الله، ولا نتجاوزها في أيّ موقع من المواقع.

الإسراء المعجزة:

وعندما نقف أمام ذكرى الإسراء، فإننا نستوحي من ذلك قدرة الله والمعجزة التي حصلت للنبي (ص)، حيث أسرى الله تعالى به من مكة إلى بيت المقدس، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، في ساعة واحدة أو أقل من الساعة، مما لا يمكن اجتيازه في ذلك الوقت إلاّ بأيام كثيرة، وكان ذلك الإسراء مظهراً لقدرة الله تعالى الله، وكرامة منه لنبيه (ص)، إذ أراد له تعالى في هذا الإسراء، أن ينفتح على آياته في الأرض، وعلى كل النبوات والرسالات، حيث جاء في السيرة، بأن الله جمع له الأنبياء وصلّى بهم في بيت المقدس، ومن ذلك انطلقت قداسة بيت المقدس إسلامياً، كما انطلقت في خط الرسالات. وقد أراد الله تعالى للمسجدين الحرام والأقصى الذين انطلقا من موقع النبوة، أن يتواصلا في خط كل الرسالات، وأن يتعاونا في رعاية الرسالة والانفتاح على الله، و أن يعيش فيهما المؤمنون الدعاة إليه والعاملون في سبيله، لا الذين يعادون الله ورسوله والناس كافة ويقتلون النبيين بغير حق.

وأراد الله لرسوله، كما جاء في كتب السيرة، في روايات السنّة والشيعة، أن يصعد به إلى السماء صعوداً حسّياً لا صعوداً روحياً، ليطّلع على السماء وما فيها.

الاستجابة لله وللرسول:

إننا عندما نقف في ذكرى الإسراء والمعراج، وهما مظهران لقدرة الله وكرامة رسوله (ص)، علينا أن ننفتح على الله تعالى في ما أكرم به رسوله، وننفتح عليه في مظهر القدرة الغيبية التي توحي لنا بأن نؤمن بالغيب، لأن الله تعالى هو المهيمن على الغيب كما هو المهيمن على الشهود.

وعندما تلتقي ذكرى الإسراء والمعراج، وهما منطلقان من قلب النبوّة، مع ذكرى النبوة في يوم المبعث، فإن ذلك يحمّلنا مسؤولية أن نعمل على أساس الاستجابة لله وللرسول إذا دعانا إلى ما يحيينا، ولنكون العاملين بالإسلام في كل حكم شرعي، بحيث إذا دعينا إلى حكم الله ورسوله، أن لا نعرض عنه لنتحرك خط الطاغوت. كما علينا أن نربي أولادنا على الإسلام، وأن نعيش همه تماماً كإبراهيم (ع)، الذي كان يدعو الله تعالى: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}، {ربِّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي}، بحيث يفكر الإنسان بتعميق في الجانب الديني عند أهله وأولاده، كما يفكر بالجانب التعليمي والمادي لهم، ليجعلهم يعيشون عمق الإسلام وآفاقه، لأن الإنسان إذا خسر إسلامه خسر الدنيا والآخرة، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.

إن الإسلام أمانة الله والرسول في أعناقنا، وعلينا أن نؤدي إلى الله والرسول أمانتهما، في العمل بالإسلام والدعوة إليه، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في الإسلام كله، لا يكن الإسلام على هامش حياتكم، كونوا الدعاة إلى الله والأدلاّء عليه، والعاملين ليكون الإسلام عزيزاً قوياً منفتحاً على الحياة كلها، وإذا عرفنا أن الله قال لرسوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ندرك أن علينا العمل، كلّ بحسب طاقته وثقافته، على نشر الإسلام في العالم، لا سيما عندما نهاجر إلى أيّ بلد من بلاد الكفر، بأن يكون همنا، إضافة إلى ما نحتاجه في شؤون حياتنا، أن نحفظ إسلامنا في أنفسنا وأولادنا، وأن ندعو إلى الإسلام، لنحمل مسؤوليته كما حملها أهل البيت (ع) والصحابة في بداية الدعوة، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا..

علينا أن نحمي الإسلام بكل ما نملك من طاقة، لاسيما في هذه المرحلة التي يتعرض فيها لحرب عالمية في كل مواقعه، لأن بلاد المسلمين هي بلاد الثروات الكبرى التي يتوقف عليها رخاء العالم، ولذلك كانت الخطة، أن يمنع المسلمون من إدارة ثرواتهم وتسويقها، لكي لا تقوم لهم قائمة، وذلك من خلال تأجيج الفتن وإشعال الحروب بين بلد إسلامي وبلد إسلامي آخر، ليتمكنوا من السيطرة عليهم، لأنهم يخافون من هذه القوة الإسلامية المتنامية إذا توحدت وتكاملت وتعاونت في كل مجالات الحياة.. ومن الطبيعي أن نقف في هذا اليوم لنتعرّف على المشاكل والتحديات التي تعترض بلاد المسلمين.

ماذا وراء أوسلو؟

ونبدأ مع القضية الفلسطينية، لنتساءل: ماذا وراء قمة "أوسلو"، وما الذي ينتظر القضية الفلسطينية في القمة التالية؟ هل يحصل الفلسطينيون من خلالها على موقع في القدس، أم يجري تزوير موضع من الضفة يُطلق عليه اسم القدس، ويُدخل في بلديتها؟ وماذا عن عودة اللاجئين إلى بلدهم وتفكيك المستوطنات؟!

إن كل هذا الجو الاحتفالي الذي اشترك فيه الجميع لمهاجمة المعارضين للحلّ الاستسلامي، تحت عنوان "أعداء السلام"، كان مناسبة استعراضية أُريد لها أن تؤسس، على أبواب الألفية الثالثة، لبداية النهاية للقضية الفلسطينية. ولا ندري ماذا يقصد "عرفات" بحديثه عن "رابين" أنه كان "قائداً عظيماً ورجلاً شجاعاً افتدى معتقداته بدمه"، وهو الذي أضاع المستقبل الفلسطيني في متاهات اتفاق "أوسلو"، وما تبعه من اتفاقات، يقدّم فيها الفلسطينيون كل يوم تنازلاً جديداً من الأرض والحرية والمصير؟!

دولة فلسطينية بلا مضمون:

إن الخطورة كل الخطورة، تكمن في أن سلطة الحكم الذاتي تسقط تحت تأثير العناوين البرّاقة، ومن بينها "إقامة الدولة" بطريقة إعلانية لا تحمل في داخلها أيّ مضمون حقيقي، بل إنها تقدّم لليهود خدمات كبيرة، تتمثل بإبعاد الفلسطينيين عن مجتمعهم في داخل كيان تحاصره "الدولة العبرية" من كل جانب، وتصادر كل خدماته وامتداداته من جميع الجهات!! لقد حقق العدو ما كان يطمح إليه منذ إعلان وعد "بلفور" الذي تمر ذكراه في هذه الأيام، بل لقد حقق أكثر مما كان يتوقع، فقد كانت إسرائيل تتطلع إلى طوق إسلامي يحاصر الطوق الفلسطيني والعربي المفروض عليها، وها نحن نجد أن الطوق العربي والإسلامي بات يحضنها - إلا بعض الاستثناءات - ويعترف بشرعية احتلالها لفلسطين، ويهرول مسرعاً باتجاهها لإقامة علاقات دبلوماسية معها..

وإذا كانت دول العالم تسرع مهرولة نحو إسرائيل؛ من الصين إلى الهند وحتى فيتنام، فإن هؤلاء يقدمون على ذلك مشفوعين بتشجيع عربي، وبأعذار تقول إن أصحاب القضية سبقوهم إلى ذلك..

تحولات خطيرة في الذهنية العربية:

ثم نلاحظ كيف أسقط الأمريكيون الوعود السابقة بالانسحاب الكامل من الجولان، كجزء من مسلسل الضغط وتوزيع الأدوار بين أمريكا وإسرائيل، لإخضاع سوريا للشروط الإسرائيلية في المفاوضات.. إن ثمة تحولات خطيرة قد أصابت الذهنية والتفكير العربيين، فقد كانت الأنظمة العربية تقوى من خلال ارتفاع نسبة عدائها لإسرائيل، أما الآن فإنها ترى مصدر القوة بإعلانها أنها لا تكنّ أية ضغينة لها، كما قال الرئيس الجزائري!!

لوعيِ الخطة المؤامرة:

إننا ندعو الأجيال الفلسطينية الجديدة، إلى وعي الخطة المؤامرة، التي يُراد منها إسقاط الحلم الفلسطيني تحت تأثير المراوغة السياسية والحصار الأمني والوعود الكاذبة، كما ندعو القوى السياسية والجهادية الفلسطينية، التي بدأت تتفكك وتخضع للابتزاز والحصار، إلى أن تواجه الموقف بمسؤولية كبرى، لأن المرحلة هي مرحلة السقوط الكامل، أو الانتصار المستقبلي الكبير.. وندعو "المؤتمر الإسلامي"، إلى أن يرتفع إلى مستوى المسؤولية - ولو لمرة واحدة - من أجل القدس القضية والرمز والمدينة، قبل فوات الأوان.

الشيشان: صمت إسلامي مطبق:

ولا زالت قضية الشيشان تتفاعل في مأساة الشعب المسلم الذي يعاني من القتل والتدمير والتشريد، أمام صمت إسلامي مطبق. وإذا كانت بعض الدول الإسلامية تتحدث عن المسألة الشيشانية كموقع من مواقع التدخل الأمريكي الذي يقف مع الشيشانيين ضد روسيا، فإن عليها أن تتدخل من خلال "منظمة المؤتمر الإسلامي" للضغط بكل الوسائل من أجل إيقاف الحرب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، لإنقاذ هذا الشعب المسلم الذي يطالب المسلمين للوقوف معه في قضيته لتقرير مصيره، وإيقاف عملية الإبادة التي يتعرض لها الآن..

مؤتمر المعارضة العراقية وأهداف واشنطن:

وننتقل إلى مأساة الشعب العراقي الذي يعاني من إرهاب النظام والإرهاب الأمريكي. ومن الطريف أن أمريكا التي تدخّلت لإسقاط الانتفاضة ضد النظام، باتت الآن تحتضن مؤتمر المعارضة العراقية الذي لم يرسم أية خطة للتغيير ولم ينتج أي حلّ، بل إنه جاء ليحل بعض مشاكل أمريكا في المنطقة.

إن أمريكا لم تنطلق من حرص لتغيير النظام العراقي، بل تريد أن تتخفف من حجم الانتقادات لها حول الكوارث التي صنعتها ولا تزال تصنعها في العراق، سواء في حصارها التجويعي للشعب العراقي، أو استمرار الغارات عليه، أو إبقاء النظام من أجل ابتزاز دول الخليج، وإبقاء القوات الجوية والبحرية والبرية الأمريكية فيه بحجة الدفاع عن هذه الدول.

إننا في الوقت الذي نقدّر فيه موقف الأطراف الأساسية في المعارضة العراقية الإسلامية التي قاطعت المؤتمر، نريد للأطراف الأخرى أن لا تتحوّل إلى أداة للمشروع الأمريكي في المنطقة، لتكون جسراً تتخلّص به أمريكا من مأزقها.. وعلى الجميع أن يعملوا لوحدة المعارضة العراقية في برنامج واقعي كامل ، من أجل إنقاذ الشعب العراقي.

السجال الداخلي لمصلحة العدوّ:

ويبقى العدوان الإسرائيلي على أهلنا في الجنوب والبقاع الغربي، في غاراته الجوية وقصفه المدفعي، وسط حالة من الصمت الدولي والعربي المطبق.. وتستمر المقاومة في مواجهتها للاحتلال، ما يفرض المزيد من الاستعداد للحرب، ومن تقديم الدعم للمجاهدين، ولكننا نلاحظ بين وقت وآخر، إثارة بعض القضايا التي أحدثت خللاً داخلياً لا يخدم قضية المواجهة مع العدّو، ولا سيما لـجهة الإساءة إلى المقدّسات - عن قصد أو عن غير قصد - بحيث لا يمكننا إخراجها عن دائرة الأخطاء التي تمثل كل الخطورة، لأنها تسيء إلى الدين من جهة، وإلى الوطن من جهة أخرى، حيث يكون السجال لمصلحة العدو ولتشتيت الاهتمام الداخلي، وصرف الرأي العام عن رصد مخططات الاحتلال..

لنكف عن إنتاج الحقد:

إننا في الوقت الذي نشجب فيه ذلك، ندعو إلى الكفّ عن إنتاج الحقد الطائفي والمذهبي في مناسبات سياسية أو رياضية، وحتى في السجال السياسي الذي يُثار حول قضايا موسمية تتجدد، لا سيما قانون الانتخاب أو غيره، لتثار الأحاديث عن أن المصلحة تتهدد إذا أخلّ بهذا الموقع أو ذاك، أو أنّ المسّ بشعبية هذا أو ذاك مسّ بالطائفة والتوازنات التي جعلوها مقدّسة، في الوقت الذي أسقطوا فيه المقدّسات الوطنية..

إننا ندعو إلى الترفع عن الإثارات والأحقاد والسجال الذي لا يُدخلنا إلا في المزيد من التمزّق والهوامش والبُعد عن قضايا المصير.


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}. في هذا اليوم -السابع والعشرين من شهر رجب - نلتقي، من خلال بعض الروايات، بذكرى الإسراء والمعراج، كما أننا نلتقي، حسب روايات الأئمة من أهل البيت (ع)، بذكرى المبعث النبوي الشريف، ونحن، وكما تحدثنا سابقاً، لا نريد أن نتوقف عند الأيام من خلال رواية هنا ورواية هناك، بل نريد أن نقف مع الحدث.

الرحمة الإلهية:

فالمبعث النبوي الشريف يمثل الرحمة الإلهية التي أفاضها الله على الكون كله من خلال إرساله رسوله، كما جاء في القرآن الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فالرسول هو الرحمة في عقله وقلبه وكل حركته في الحياة، كان رحمة للذين آمنوا به وللذين واجهوه، لأن قلبه كان يفيض بالحب لله، ولذلك كان يفيض بالحب للناس، ويتألم للذين تمردوا عليه وكفروا به وواجهوه بكل الأساليب القاسية، لأنهم لم يكتشفوا الإيمان الذي جاء به، ولم يستضيئوا بالنور الذي أشرق منه، كان يتألم لهم كما يتألم الإنسان لأي شخص يهمه أمره، ولذلك تحدث الله تعالى عن هذه الحالة، وأراد له أن لا يقهر نفسه ويعذبها بذلك، فقال تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}، {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر}. إن الرسول(ص) لم يتألم من خلال ذاته لأنه لم يستطع أن يجعلهم من أتباعه، بل كان يتألم لإنسانيتهم أن تبقى في الظلام ولا تنفتح على النور، وكان يريد لكل إنسان أن يخرج من الظلمات إلى النور، وهذا هو سرّ القرآن وسر الرسالة:{قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين}.

الداعية الأنموذج:

لقد جاء النبي (ص) بالرسالة من أجل أن يتلو على الناس آيات الله، فكان يلاحقهم في كل المواقع التي يلتقي فيها بهم، بالموعظة والتعليم والتزكية، حتى أنه، كما تذكر بعض كتب السيرة، كان له عيون يخبرونه عن الناس الذين يأتون إلى مكة من وجوه العرب، ليذهب إليهم في بيوتهم، ويحدثهم عن الله وآياته، وعما يفتح لهم أبواب الهدى. كان يتحرك في أسواق مكة، وينادي بالناس وهم في أسواقهم ونواديهم: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، وكان يذهب إلى المسجد من أجل أن يصلي هناك، ومعه زوجته خديجة أم المؤمنين وابن عمه عليّ (ع)، فقد كانوا أول من صلى لله تعالى، وكان يعمل في الليل والنهار على أن يهدي المسلمين إلى الإسلام،حتى أنه كان يطلب من كل من أسلم، أن يهدي إلى الإسلام شخصاً آخر، وكان يوحي إليهم بأن مهمة المسلم ليست فقط في أن يكون مسلماً، بل بأن يكون أيضاً الداعية للإسلام.

التزكية وهداية الناس:

وهذه هي المهمة التي كانت وما زالت للإنسان المسلم، بأن يعيش همّ هداية الناس من أهله وأقربائه وأصدقائه، ليحدثهم عن الله وعن رسوله وعن الإسلام وعن الالتزام بالصلاة والصوم والحج وترك المحرمات وما إلى ذلك. {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم} يعمل على أن ينفذ إلى أعماقهم، من أجل أن يبث فيها طهارة الروح والقلب والإحساس والشعور، ليتحركوا في الواقع في طهارة السلوك. كان من مهمته(ص) أن يزكي الناس وينمي كل بواعث الخير في نفوسهم، حتى ينطلقوا في الحياة من موقع هذه الزكاة الروحية الفكرية العملية، وكان يعلمهم الكتاب والحكمة، لأنه لم يرد لهم أن يسمعوا القرآن وهو يتلوه فقط، بل أن يسمعوه ويتعلموه ويعوا معانيه ويعيشوها في أنفسهم. وهو أمر لا ينحصر بالجيل الذي كان مع رسول الله (ص)، بل يتعلق بكل أجيال المسلمين في كل زمان ومكان.

تعلم الحكمة:

ولعل مشكلة المسلمين في كل مواقعهم أنهم لا يعطون الاهتمام الكافي للقرآن الكريم؛ حفظاً وتلاوة وتعلماً. ومن هنا، تقع على العلماء مسؤولية توجيه الناس للاهتمام بكتاب الله، وعلى الناس أن يثيروا الاهتمام في أنفسهم في ذلك كله.. ولقد أراد النبي (ص) أن يعلّم المسلمين الحكمة، والحكمة هي أن يكون لك عقل يزن الأمور ويقيسها ويخطط لها، بحيث يضع الشيء في مواضعه، أن تضع الكلمة في موضعها، وتحرك الخطوة في طريقها الطبيعي، لأن الله تعالى يريد للناس أن يكونوا الحكماء في أفكارهم، لكي لا يفكروا إلا بالحق والخير وما يصلح أنفسهم ويصلح الناس، ولا يتكلموا أو يتحركوا إلا بالحكمة، وأن يزكوا أنفسهم، لأنهم بذلك يبتعدون عن الضلال الذي كانوا فيه، عندما كانوا يعيشون في خرافة الوثنية والأساطير، ويتحركون بالعصبية وفي خط الشهوات، فلم تكن هناك حكمة في انتماءاتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم، حتى جاء النبي (ص) ليعلمهّم الناس الحكمة، كما يعلّمهم القرآن.

الانفتاح على الحق والعدل:

وأراد الله تعالى لرسوله أن ينطلق في دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادل الناس بالتي هي أحسن، وأن يقول الكلمة الأحسن، كما أراد له أن يعرّف الناس كيف يعيشون حياتهم وينفتحون عليها، فلا يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل ويدلوا بها إلى الحكّام ليأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم، وأن ينفتحوا على كل ما يحقق العدل في حياتهم، بحيث يتحرك الإنسان في بيته وفي السوق والنادي وفي المجتمع كله، في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، ليكون الإنسان العادل الذي يعطي لكل ذي حق حقه، ولا يغمط أحداً حقه، بحيث لا يحتاج إلى قوة الدولة من أجل أن يعطي الحق لأصحابه، بل ينفتح على إيمانه وربه، ليحاسب نفسه بنفسه، وليعظ نفسه بنفسه، وليوجه نفسه إلى إعطاء الناس حقوقهم، سواء كان حقاً مادياً أو معنوياً.

إن الإسلام هو رحمة الله التي أنزلها على رسوله ليبلّغها لنا، فعلينا أن ننطلق من ذكرى مولد الإسلام في بعثة الرسول (ص)، لنجعل حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والفردية كلّها حياة إسلامية، بحيث نتحرك مع حدود الله، ولا نتجاوزها في أيّ موقع من المواقع.

الإسراء المعجزة:

وعندما نقف أمام ذكرى الإسراء، فإننا نستوحي من ذلك قدرة الله والمعجزة التي حصلت للنبي (ص)، حيث أسرى الله تعالى به من مكة إلى بيت المقدس، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، في ساعة واحدة أو أقل من الساعة، مما لا يمكن اجتيازه في ذلك الوقت إلاّ بأيام كثيرة، وكان ذلك الإسراء مظهراً لقدرة الله تعالى الله، وكرامة منه لنبيه (ص)، إذ أراد له تعالى في هذا الإسراء، أن ينفتح على آياته في الأرض، وعلى كل النبوات والرسالات، حيث جاء في السيرة، بأن الله جمع له الأنبياء وصلّى بهم في بيت المقدس، ومن ذلك انطلقت قداسة بيت المقدس إسلامياً، كما انطلقت في خط الرسالات. وقد أراد الله تعالى للمسجدين الحرام والأقصى الذين انطلقا من موقع النبوة، أن يتواصلا في خط كل الرسالات، وأن يتعاونا في رعاية الرسالة والانفتاح على الله، و أن يعيش فيهما المؤمنون الدعاة إليه والعاملون في سبيله، لا الذين يعادون الله ورسوله والناس كافة ويقتلون النبيين بغير حق.

وأراد الله لرسوله، كما جاء في كتب السيرة، في روايات السنّة والشيعة، أن يصعد به إلى السماء صعوداً حسّياً لا صعوداً روحياً، ليطّلع على السماء وما فيها.

الاستجابة لله وللرسول:

إننا عندما نقف في ذكرى الإسراء والمعراج، وهما مظهران لقدرة الله وكرامة رسوله (ص)، علينا أن ننفتح على الله تعالى في ما أكرم به رسوله، وننفتح عليه في مظهر القدرة الغيبية التي توحي لنا بأن نؤمن بالغيب، لأن الله تعالى هو المهيمن على الغيب كما هو المهيمن على الشهود.

وعندما تلتقي ذكرى الإسراء والمعراج، وهما منطلقان من قلب النبوّة، مع ذكرى النبوة في يوم المبعث، فإن ذلك يحمّلنا مسؤولية أن نعمل على أساس الاستجابة لله وللرسول إذا دعانا إلى ما يحيينا، ولنكون العاملين بالإسلام في كل حكم شرعي، بحيث إذا دعينا إلى حكم الله ورسوله، أن لا نعرض عنه لنتحرك خط الطاغوت. كما علينا أن نربي أولادنا على الإسلام، وأن نعيش همه تماماً كإبراهيم (ع)، الذي كان يدعو الله تعالى: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}، {ربِّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي}، بحيث يفكر الإنسان بتعميق في الجانب الديني عند أهله وأولاده، كما يفكر بالجانب التعليمي والمادي لهم، ليجعلهم يعيشون عمق الإسلام وآفاقه، لأن الإنسان إذا خسر إسلامه خسر الدنيا والآخرة، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.

إن الإسلام أمانة الله والرسول في أعناقنا، وعلينا أن نؤدي إلى الله والرسول أمانتهما، في العمل بالإسلام والدعوة إليه، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في الإسلام كله، لا يكن الإسلام على هامش حياتكم، كونوا الدعاة إلى الله والأدلاّء عليه، والعاملين ليكون الإسلام عزيزاً قوياً منفتحاً على الحياة كلها، وإذا عرفنا أن الله قال لرسوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ندرك أن علينا العمل، كلّ بحسب طاقته وثقافته، على نشر الإسلام في العالم، لا سيما عندما نهاجر إلى أيّ بلد من بلاد الكفر، بأن يكون همنا، إضافة إلى ما نحتاجه في شؤون حياتنا، أن نحفظ إسلامنا في أنفسنا وأولادنا، وأن ندعو إلى الإسلام، لنحمل مسؤوليته كما حملها أهل البيت (ع) والصحابة في بداية الدعوة، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا..

علينا أن نحمي الإسلام بكل ما نملك من طاقة، لاسيما في هذه المرحلة التي يتعرض فيها لحرب عالمية في كل مواقعه، لأن بلاد المسلمين هي بلاد الثروات الكبرى التي يتوقف عليها رخاء العالم، ولذلك كانت الخطة، أن يمنع المسلمون من إدارة ثرواتهم وتسويقها، لكي لا تقوم لهم قائمة، وذلك من خلال تأجيج الفتن وإشعال الحروب بين بلد إسلامي وبلد إسلامي آخر، ليتمكنوا من السيطرة عليهم، لأنهم يخافون من هذه القوة الإسلامية المتنامية إذا توحدت وتكاملت وتعاونت في كل مجالات الحياة.. ومن الطبيعي أن نقف في هذا اليوم لنتعرّف على المشاكل والتحديات التي تعترض بلاد المسلمين.

ماذا وراء أوسلو؟

ونبدأ مع القضية الفلسطينية، لنتساءل: ماذا وراء قمة "أوسلو"، وما الذي ينتظر القضية الفلسطينية في القمة التالية؟ هل يحصل الفلسطينيون من خلالها على موقع في القدس، أم يجري تزوير موضع من الضفة يُطلق عليه اسم القدس، ويُدخل في بلديتها؟ وماذا عن عودة اللاجئين إلى بلدهم وتفكيك المستوطنات؟!

إن كل هذا الجو الاحتفالي الذي اشترك فيه الجميع لمهاجمة المعارضين للحلّ الاستسلامي، تحت عنوان "أعداء السلام"، كان مناسبة استعراضية أُريد لها أن تؤسس، على أبواب الألفية الثالثة، لبداية النهاية للقضية الفلسطينية. ولا ندري ماذا يقصد "عرفات" بحديثه عن "رابين" أنه كان "قائداً عظيماً ورجلاً شجاعاً افتدى معتقداته بدمه"، وهو الذي أضاع المستقبل الفلسطيني في متاهات اتفاق "أوسلو"، وما تبعه من اتفاقات، يقدّم فيها الفلسطينيون كل يوم تنازلاً جديداً من الأرض والحرية والمصير؟!

دولة فلسطينية بلا مضمون:

إن الخطورة كل الخطورة، تكمن في أن سلطة الحكم الذاتي تسقط تحت تأثير العناوين البرّاقة، ومن بينها "إقامة الدولة" بطريقة إعلانية لا تحمل في داخلها أيّ مضمون حقيقي، بل إنها تقدّم لليهود خدمات كبيرة، تتمثل بإبعاد الفلسطينيين عن مجتمعهم في داخل كيان تحاصره "الدولة العبرية" من كل جانب، وتصادر كل خدماته وامتداداته من جميع الجهات!! لقد حقق العدو ما كان يطمح إليه منذ إعلان وعد "بلفور" الذي تمر ذكراه في هذه الأيام، بل لقد حقق أكثر مما كان يتوقع، فقد كانت إسرائيل تتطلع إلى طوق إسلامي يحاصر الطوق الفلسطيني والعربي المفروض عليها، وها نحن نجد أن الطوق العربي والإسلامي بات يحضنها - إلا بعض الاستثناءات - ويعترف بشرعية احتلالها لفلسطين، ويهرول مسرعاً باتجاهها لإقامة علاقات دبلوماسية معها..

وإذا كانت دول العالم تسرع مهرولة نحو إسرائيل؛ من الصين إلى الهند وحتى فيتنام، فإن هؤلاء يقدمون على ذلك مشفوعين بتشجيع عربي، وبأعذار تقول إن أصحاب القضية سبقوهم إلى ذلك..

تحولات خطيرة في الذهنية العربية:

ثم نلاحظ كيف أسقط الأمريكيون الوعود السابقة بالانسحاب الكامل من الجولان، كجزء من مسلسل الضغط وتوزيع الأدوار بين أمريكا وإسرائيل، لإخضاع سوريا للشروط الإسرائيلية في المفاوضات.. إن ثمة تحولات خطيرة قد أصابت الذهنية والتفكير العربيين، فقد كانت الأنظمة العربية تقوى من خلال ارتفاع نسبة عدائها لإسرائيل، أما الآن فإنها ترى مصدر القوة بإعلانها أنها لا تكنّ أية ضغينة لها، كما قال الرئيس الجزائري!!

لوعيِ الخطة المؤامرة:

إننا ندعو الأجيال الفلسطينية الجديدة، إلى وعي الخطة المؤامرة، التي يُراد منها إسقاط الحلم الفلسطيني تحت تأثير المراوغة السياسية والحصار الأمني والوعود الكاذبة، كما ندعو القوى السياسية والجهادية الفلسطينية، التي بدأت تتفكك وتخضع للابتزاز والحصار، إلى أن تواجه الموقف بمسؤولية كبرى، لأن المرحلة هي مرحلة السقوط الكامل، أو الانتصار المستقبلي الكبير.. وندعو "المؤتمر الإسلامي"، إلى أن يرتفع إلى مستوى المسؤولية - ولو لمرة واحدة - من أجل القدس القضية والرمز والمدينة، قبل فوات الأوان.

الشيشان: صمت إسلامي مطبق:

ولا زالت قضية الشيشان تتفاعل في مأساة الشعب المسلم الذي يعاني من القتل والتدمير والتشريد، أمام صمت إسلامي مطبق. وإذا كانت بعض الدول الإسلامية تتحدث عن المسألة الشيشانية كموقع من مواقع التدخل الأمريكي الذي يقف مع الشيشانيين ضد روسيا، فإن عليها أن تتدخل من خلال "منظمة المؤتمر الإسلامي" للضغط بكل الوسائل من أجل إيقاف الحرب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، لإنقاذ هذا الشعب المسلم الذي يطالب المسلمين للوقوف معه في قضيته لتقرير مصيره، وإيقاف عملية الإبادة التي يتعرض لها الآن..

مؤتمر المعارضة العراقية وأهداف واشنطن:

وننتقل إلى مأساة الشعب العراقي الذي يعاني من إرهاب النظام والإرهاب الأمريكي. ومن الطريف أن أمريكا التي تدخّلت لإسقاط الانتفاضة ضد النظام، باتت الآن تحتضن مؤتمر المعارضة العراقية الذي لم يرسم أية خطة للتغيير ولم ينتج أي حلّ، بل إنه جاء ليحل بعض مشاكل أمريكا في المنطقة.

إن أمريكا لم تنطلق من حرص لتغيير النظام العراقي، بل تريد أن تتخفف من حجم الانتقادات لها حول الكوارث التي صنعتها ولا تزال تصنعها في العراق، سواء في حصارها التجويعي للشعب العراقي، أو استمرار الغارات عليه، أو إبقاء النظام من أجل ابتزاز دول الخليج، وإبقاء القوات الجوية والبحرية والبرية الأمريكية فيه بحجة الدفاع عن هذه الدول.

إننا في الوقت الذي نقدّر فيه موقف الأطراف الأساسية في المعارضة العراقية الإسلامية التي قاطعت المؤتمر، نريد للأطراف الأخرى أن لا تتحوّل إلى أداة للمشروع الأمريكي في المنطقة، لتكون جسراً تتخلّص به أمريكا من مأزقها.. وعلى الجميع أن يعملوا لوحدة المعارضة العراقية في برنامج واقعي كامل ، من أجل إنقاذ الشعب العراقي.

السجال الداخلي لمصلحة العدوّ:

ويبقى العدوان الإسرائيلي على أهلنا في الجنوب والبقاع الغربي، في غاراته الجوية وقصفه المدفعي، وسط حالة من الصمت الدولي والعربي المطبق.. وتستمر المقاومة في مواجهتها للاحتلال، ما يفرض المزيد من الاستعداد للحرب، ومن تقديم الدعم للمجاهدين، ولكننا نلاحظ بين وقت وآخر، إثارة بعض القضايا التي أحدثت خللاً داخلياً لا يخدم قضية المواجهة مع العدّو، ولا سيما لـجهة الإساءة إلى المقدّسات - عن قصد أو عن غير قصد - بحيث لا يمكننا إخراجها عن دائرة الأخطاء التي تمثل كل الخطورة، لأنها تسيء إلى الدين من جهة، وإلى الوطن من جهة أخرى، حيث يكون السجال لمصلحة العدو ولتشتيت الاهتمام الداخلي، وصرف الرأي العام عن رصد مخططات الاحتلال..

لنكف عن إنتاج الحقد:

إننا في الوقت الذي نشجب فيه ذلك، ندعو إلى الكفّ عن إنتاج الحقد الطائفي والمذهبي في مناسبات سياسية أو رياضية، وحتى في السجال السياسي الذي يُثار حول قضايا موسمية تتجدد، لا سيما قانون الانتخاب أو غيره، لتثار الأحاديث عن أن المصلحة تتهدد إذا أخلّ بهذا الموقع أو ذاك، أو أنّ المسّ بشعبية هذا أو ذاك مسّ بالطائفة والتوازنات التي جعلوها مقدّسة، في الوقت الذي أسقطوا فيه المقدّسات الوطنية..

إننا ندعو إلى الترفع عن الإثارات والأحقاد والسجال الذي لا يُدخلنا إلا في المزيد من التمزّق والهوامش والبُعد عن قضايا المصير.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير