الانتماء إلى الإسلام: عقيدةً ومسؤوليَّة

الانتماء إلى الإسلام: عقيدةً ومسؤوليَّة
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الانتماء إلى الإسلام:
 عقيدةً ومسؤوليَّة

مراتب الإنسان المسلم
في قضيّة الانتماء إلى الإسلام، يسير المسلمون في اتجاهات عديدة، والتزامات متشعّبة، فيختلفون في مشاربهم، وأفكارهم، وطروحاتهم؛ لأنّ مسألة الانتماء إلى الإسلام ليست محصورةً في دائرةٍ واحدةٍ؛ فهناك تنوّع في الخطوط، وتنوّع في الأحكام والمسارات.

وقد روي عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الإسلام ثلاثة أبيات: سفلى، وعليا، وغرفة. فأمّا السّفلى فالإسلام، دخل فيها عامّة المسلمين، فلا تسأل أحداً منهم إلا قال: أنا مسلم ـ لأنّه أقرّ بالشّهادتين وقال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله"، فمنْ أقرّ بذلك والتزم به كان مسلماً: له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وحُقن بها مالُه ودمه وعرضه ـ وأمّا العليا، فتفاضلُ أعمالِهم، بعض المسلمين أفضل من بعض ـ لأنَّ المسألة هي مسألة التنوّع في الأعمال، وهذا ما عبَّر عنه القرآن الكريم:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13]، فمن أخذ بأسباب التّقوى، وانطلق في درجاتها، فإنّه قد يبلغ درجةً عاليةً عندما تكون أعماله هي الأعمال الّتي تقرّبه إلى الله ـ وأمّا الغرفة العليا ـ أعلى المراتب ـفالجهاد في سبيل الله ـ بأنواعه، سواء كان جهاداً بالمال أو بالنّفس، أو جهاداً في كلّ ما يرفع مستوى الأمّة ويقوّي موقعها وموقفها ـ لا ينالها إلا أفضلُهم".

ميزان التّفاضل بين المسلمين
وجاء عن رسول الله(ص) قوله: "المسلمون أخوة ـ لأنَّ القرآن الكريم قال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]، والمؤمنون هم المسلمون الّذين أقرّوا بالإسلام واعترفوا به ـ لا فضلَ لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتّقوى"، فليست هناك أيّة صفةٍ أخرى يمكن أن يكون فيها الفضل لمسلم على مسلم، سواء كانت فضل نسب أو فضل مال أو فضل جاهٍ أو قوّة؛ لأنّ ما يقرّب الإنسان إلى الله تعالى، ويجعله مسلماً بين يدي الله، هو التّقوى، على أساس قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13].
وعن رسول الله(ص) لمّا سئل عن القول الفصل في حقِّ الإسلام: كيف نختصر صفة الإسلام في انتماء المسلم؟ قال(ص): "قل آمنْتُ بالله ثمّ استقمْ". وقد أخذ النبيّ(ص) ذلك من كلام الله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف:13]. فكلمةُ التّوحيد تنفتح على كلّ ما يلتزم به الإنسان في عبادته لله تعالى وطاعته له في كلّ ما شرّعه، وفي كلِّ ما أراد للنّاس أن يأخذوا به. إنَّ كلمة "ربّنا الله" تعني توحيد الله، ثمّ الاستقامة على هذا الخطّ، والاستقامة تعني أن لا يتّجه يميناً ولا يساراً، بل يبدأ بتوحيد الله وينتهي بتوحيده، لكي يلقى الله تعالى وهو مسلم.

حسنُ الخلق مظهر الإسلام
وورد عن رسول الله(ص): "الإسلام حُسْنُ الخلق". إذا كنت مسلماً، فإنّ مظهر إسلامك هو أن تتّصف بحسن الخلق، وقد ورد عن النبيّ(ص): "إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"، فالله تعالى أراد للنّاس، في كلّ العصور، ومنذ خلق آدم، أن يأخذوا بالأخلاق الطيّبة الحميدة التي تربط بعضهم ببعض، وتقرّب بعضهم إلى بعض، بحيث يتكاملون ويتواصلون في كلّ أمورهم. وهكذا كانت كلّ رسالةٍ سماويّةٍ تؤسّس لخلقٍ من الأخلاق، حتى جاء رسول الله بالدّين الحقّ، وأكملَ الأخلاق من خلال تشريعات الإسلام ومفاهيمه والخطوط التي يتحرّك فيها.

حقيقة المسلم
وفي الحديث عن رسول الله(ص): "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه"، فالعلاقة بين المسلم والمسلم الآخر هي علاقة أخوّة، ومن طبيعة الأخوّة، أنّ الأخ لا يظلم أخاه، بل يمنحه كلّ حقّه الّذي له عنده، فالمسلم يحترم المسلم، فلا يبادره بالشّتائم حتى لو اختلف معه في أيّ أمرٍ من الأمور. وقد ورد: "سبابُ المؤمن فسوق"، والله تعالى اعتبر الإنسان الّذي يسبّ أخاه المسلم إنساناً فاسقاً. وورد عنه(ص): "المسلم أخو المسلم لا يخونه ـ سواء كانت أمانة النّفس أو المال أو العرض أو السرّ أو الموقع ـ ولا يكذبه ـ بل يكون صادقاً معه في كلّ أموره، في مواقفه وأحاديثه ـ ولا يخذله"، عندما يواجه المسلم العدوان من الآخرين، فإنّ على المسلم أن ينصر المسلم إذا كان مظلوماً.

وورد عن الإمام الصّادق(ع): "المسلم مَنْ سلِم النّاسُ من يده ولسانه ـ فيده لا تتحرّك إلا بالخير للنّاس، سواء كان ذلك بطريقة العطاء أو المساعدة أو المعاونة أو النّصرة ـوالمؤمن من ائتمنه النّاسُ على أموالهم وأنفسهم"، بحيث يكون أميناً على أموال النّاس فلا يخونها، وعلى أنفس النّاس فلا يعتدي عليها.

التّعاضد بين المسلمين
وفي الحديث عن رسول الله(ص): "المسلمون كالرّجل الواحد؛ إذا اشتكى عضوٌ من أعضائه تداعى له سائر جسده"، فالإنسان يعيش همّ المسلمين الآخرين كما يعيش كلّ عضوّ من أعضائه همّ العضوّ الآخر إذا كان متألّماً، وهذا ما ينبغي لنا أن ننطلق به. وعن رسول الله(ص): "من أصبحَ لا يهتمُّ بأمورِ المسلمين فليس منهم؛ ومَنْ سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين! فلم يجبْه فليس بمسلم". فلا بدَّ للإنسان من أنْ يشعر بأنّه جزءٌ من الأمّة الإسلاميّة، فإذا حدث فيها أيّ حدثٍ، مثل مواجهة المشاكل أو العدوان، فعلى الإنسان المسلم أن يهتمّ بأمور أمّته. والاهتمام بأمور المسلمين ليس مجرّد حالةٍ نفسيّةٍ، بل هو قضيّة تتّصل بالتّفكير في أفضل الطّرق والوسائل التي يمكن له من خلالها أن يساعد المسلمين ويحلّ مشاكلهم ويعينهم أمام من يريد أن يسقطهم.

وهكذا عندما يعيش المسلم الضّغط تحت آثار العدوان من قبل المستكبرين والظّالمين والكافرين، وينادي بالنّصرة والمساعدة، فمن لا يقوم بالواجب، ويقف على الحياد، فهو ليس بمسلم، لأنّ الانتماء إلى الإسلام يقتضي الانتماء إلى الأمّة الإسلاميّة، بحيث يكون همّها همّه، وقضاياها قضاياه، وخصوصاً في هذه المرحلة من حياتنا العامّة على جميع المستويات، فإنّ هناك حرباً تُشنّ من قبل المستكبرين والكافرين والظّالمين على المسلمين في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم، ونرى أنّ المسلمين لا يتعاونون مع بعضهم البعض ولا يتواصلون، ونجد أنّ المستكبرين يصادرون حياة المسلمين وحرّياتهم وأرضهم وأموالهم، من دون أن يستجيب المسلمون للمنادين بطلب المعونة، بل ربّما نجد أنّ بعض المسؤولين من المسلمين يتعاونون مع العدوّ ومع المستكبرين، كما في بعض الدّول الإسلاميّة التي تتعاون مع أمريكا التي تصادر كلّ حياة المسلمين. فالنبيّ(ص) يقول إنّ المسلم هو الذي يعيش همّ الإسلام، وهو الّذي يستجيب لنداء المسلمين في القضايا الصّعبة التي تواجههم.

وقد انطلق الإسلام في معناه المطلق الّذي يرتبط بالله من خلال كلمة إبراهيم(ع): {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة:131]، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة:132]. وقد جاء في القرآن الكريم على لسان يوسف(ع): {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف:101].الحفاظ على الإسلام

فعلى الإنسان أن يحافظ على إسلامه، وأن يعمّقه في قلبه وعقله وحياته، لنكون الأمّة الإسلاميّة الواحدة القويّة التي لا تسمح لأحد بأن ينتقص من عزّتها وكرامتها. والمسلمون يبلغون الآن ما يقارب المليار ونصف المليار، ولكنّ مشكلتهم أنهم استضعفوا أنفسهم ولم يأخذوا بأسباب القوّة. لذلك علينا أن نتواصل مع المسلمين، فنكون قوّةً يمكن أن تواجه كلّ القوى الظّالمة المستكبرة.

 هذا هو معنى الانتماء إلى الإسلام، فهو ليس مجرّد كلمةٍ، ولكنّه موقف لا بدّ للإنسان من أن يقفه في كلّ حياته، حتى يلقى الله تعالى بإسلامه طاهراً مخلصاً.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية

التبنّي الأمريكيّ للاستيطان
مرّةّ أخرى، تكشف الإدارة الأمريكيَّة الجديدة عن حقيقة موقفها تجاه قضيَّة الشَّعب الفلسطينيّ، من خلال تبنّيها الشّروط الإسرائيليّة، عبر إعلان وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة عن أنّ للاستيطان "أحقيّته من النّاحية التّاريخيّة"، مشيرةً إلى أنّ اقتراحات رئيس حكومة العدوّ حول الاستيطان "غير مسبوقة"، لتتحدّث بلغة زوجها الرّئيس الأمريكيّ السّابق بيل كلينتون، الّذي كان يؤكّد أنّ على بلاده أن تمنع كيان العدوّ من أن يجازف كثيراً في عمليّة التّسوية.

وهي بعد أن أعطت أوامرها متحدّثةً بلغة استكباريّة، قائلةً: "أريد أن أرى الطّرفين يبدآن المفاوضات في أقرب وقتٍ ممكن"، عادت إلى أسلوب نظيرتها السّابقة (رايس)، فجمعت وزراء خارجيّة دول "الاعتدال العربيّ" إلى جانب مسؤولين من المغرب والعراق ومصر، لتحثّهم على الانصياع للرّغبة الأمريكيّة في دفع الفلسطينيّين إلى التّفاوض مع العدوّ "دون شروط مسبقة"، ما يعني التّسليم العربيّ والفلسطينيّ بشروط العدوّ، التي يستمر معها الاستيطان، ولكن بمصطلحات جديدة، ومفرداتٍ تُستخدَم لأوّل مرّة تتحدّث عن "تقييد" الاستيطان، بعد الحديث عن وقفه، ثم تجميده، ثم لجمه، وصولاً إلى مفردة التّقييد، مع ما يعنيه ذلك من التّسليم بضياع فلسطين، وسقوط المساحات الباقية من الضفّة في يد الاحتلال والمستوطنين، إلى جانب عمليّة تفريغ القدس من أهلها، والجارية بسرعة كبيرة، مع المزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى، بهدف إفراغ المسألة الفلسطينيّة من مضمونها تماماً عند بدء المفاوضات، والّتي ستكون بمثابة تبادل للرّأي بين الذّئب والحمل!!

إنّ الأمريكيّين الّذين يعطون كيان العدوّ كلّ الفرص، ويقدّمون إليه التّغطية الدّائمة على كلّ مواقفه وممارساته الإرهابيّة، وزحفه الاستيطانيّ في الأراضي الّتي صنّفتها قرارات الأمم المتّحدة بأنّها "أرض محتلّة"، يعلنون أنّ صبرهم على إيران في ملفّها النوويّ بدأ ينفد، مع أنّ إيران تعاملت بإيجابيّة مع كلّ الطّروحات، ولم تسجّل إلا تحفّظات تقنيّة وفنيّة لتتأكّد من أنّها لن تدفع المال وترسل اليورانيوم دون الحصول على الوقود، كما حصل ذلك مع فرنسا في السّابق.

الرّهان الأمريكيّ الخاسر
إنّ على أمريكا أوباما الّتي تشرف في هذه الأيّام، ومن خلال المناورات المشتركة مع العدوّ، على عملية تأهيل قوات الاحتلال، وتزويدها بالمزيد من عناصر القوة الهجوميّة أو الدفاعيّة، وخصوصاً في المجال الصّاروخيّ، لكي تجعلها أكثر قدرةً على شنّ المزيد من الحروب، واحتلال المزيد من الأراضي العربيّة؛ إنّ على الإدارة الأمريكيّة أن تعرف أنّ عمليّة بناء القوّة لم تعد محصورةً في جانب واحد، وبالتّالي، فإنّ الرّهان الأمريكيّ ـ الإسرائيليّ السّابق على تحقيق ما يسمّى السّلام من خلال فرض الهزيمة على قوى الممانعة العربيّة والإسلاميّة، بات رهاناً خاسراً، كما أنّ التّهديد باستخدام القوّة ضدّ إيران وغيرها، يطرح المزيد من علامات الاستفهام حول مشروع الإدارة الأمريكيّة في المنطقة، وهل هو مشروع سلام، أم أنّه مشروع التّأسيس لحروبٍ كبيرة في المنطقة؟!

الاستراتيجيّة الأمريكيّة: فرّقْ تسُدْ
إنّنا عندما نتأمّل في الاستراتيجيّة الأمريكيّة المتّبعة في أفغانستان وباكستان، والّتي تحضّ فيها الإدارة الأمريكيّة المسؤولين الأفغان والباكستانيّين على ممارسة أعلى درجات العنف في التّعامل مع شعوبهم، وتحثّهم على المضيّ في عمليّات المطاردة والملاحقة للمقاتلين في مناطق شعبيّة واسعة، حيث يُهجَّر أهلها بمئات الآلاف، وتزداد الكوارث الإنسانيّة فيها من خلال الازدياد المضطرد في أعداد النّازحين، نعرف أنّ المشروع الأمريكيّ قائم على سياسات التّدمير الذّاتيّ لإمكانات العالم الإسلاميّ وطاقاته، وعلى إشغال هذا العالم بالمزيد من الحروب الدّاخليّة، تارةً تحت عناوين تتّصل بالسّلطة والوراثة والحكم، وأخرى تحت عناوين مذهبيّة، حيث تُفتح كلّ إمكانيّات التّمويل والتّسليح للجهات المتطرّفة والتّكفيريّة من الدّول الخاضعة للنّفوذ الأمريكيّ، لإحداث المزيد من المجازر والكوارث والمآسي الاجتماعيّة في العالم الإسلاميّ، وهو الأمر الّذي نشهد ويلاته ومصائبه يوميّاً في العراق وباكستان والصّومال والسّودان وما إلى ذلك.

التّصدّي للمخطّط الأمريكيّ
إنَّنا نريد لشعوبنا العربيّة والإسلاميَّة، وخصوصاً الشَّعب الفلسطينيّ والشَّعب العراقيّ، وأهلنا في أفغانستان وباكستان، أن يعرفوا من هي أمريكا في دعمها لعدوِّ الأمَّة، ومن هي أمريكا في إصرارها على نهب ثروات العرب والمسلمين، وفي سعيها الدّؤوب لإشعال نيران الفتنة الطّائفيّة والمذهبيّة والعشائريّة في الواقع الإسلاميّ، أو في سعيها لتأجيج نيران هذه الفتنة، وإنْ اضطرّها ذلك إلى دفع المليارات لهذا النّظام أو ذاك لإبقاء نيران الحرب الدّاخليّة مشتعلةً.

ونريد لهذه الشُّعوب أن تتحرَّى كلَّ الأساليب والطّرق والوسائل للحفاظ على وحدتها، لأنّ وحدة الأمّة هي الّتي تضمن تعزيز قوّتها، وتمثّل الحصن الحصين الّذي يمنع النّاهبين الدّوليين من الاستمرار في اقتناص خيراتها، وامتصاص ثرواتها، كما تمنع قوى الاحتلال الصهيونيّة من استكمال مخطَّطها لقضم بقيّة المواقع في فلسطين المحتلّة، والتطلّع إلى مزيدٍ من الحروب، وخصوصاً ضدّ دول الممانعة وحركات المقاومة.

لبنان بين التّفاؤل والتّشاؤم
أمّا لبنان الّذي ينام على أخبار مفرحة ويستفيق على أخبار مفجعة، في موضوع تشكيل الحكومة الّذي يثير الحديث حوله كلّ زوّار لبنان، ولا يمنع السّفيرة الأمريكيّة من أن تواصل تشخيصها للمأزق اللّبنانيّ بعيون إسرائيليَّة خالصة؛ لبنان هذا الّذي تحاصره الهموم الاقتصاديّة، وتفتك به الأزمات الاجتماعيّة، لن يدخل في مرحلة الاستقرار السياسيّ، حتى عندما تنطلق الأضواء الدوليّة والإقليميّة الخضراء أو الصّفراء لتعلن عن تلزيم اللّبنانيين إعلان تشكيل الحكومة العتيدة، لأنّ أزمته ستبقى في دائرة الاهتزاز، حيث لا راحة لبلد يُشاغب على كيان العدوّ، ولا استقرار له أثبتت التّجارب السابقة أنّه استطاع ترويض المحتلّ الصّهيونيّ وإذلاله... ولذلك، فهو يتنقّل متعباً ومهتزّاً بين مرحلةٍ وأخرى، ولن يُسمح للعرب أو للأجانب بأن يخفّفوا عنه اقتصاديّاً أو يعينوه اجتماعيّاً، حتى مع تشكيل الحكومات، وتدوير الوزارات، وتبادل الملفَّات.

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الانتماء إلى الإسلام:
 عقيدةً ومسؤوليَّة

مراتب الإنسان المسلم
في قضيّة الانتماء إلى الإسلام، يسير المسلمون في اتجاهات عديدة، والتزامات متشعّبة، فيختلفون في مشاربهم، وأفكارهم، وطروحاتهم؛ لأنّ مسألة الانتماء إلى الإسلام ليست محصورةً في دائرةٍ واحدةٍ؛ فهناك تنوّع في الخطوط، وتنوّع في الأحكام والمسارات.

وقد روي عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الإسلام ثلاثة أبيات: سفلى، وعليا، وغرفة. فأمّا السّفلى فالإسلام، دخل فيها عامّة المسلمين، فلا تسأل أحداً منهم إلا قال: أنا مسلم ـ لأنّه أقرّ بالشّهادتين وقال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله"، فمنْ أقرّ بذلك والتزم به كان مسلماً: له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وحُقن بها مالُه ودمه وعرضه ـ وأمّا العليا، فتفاضلُ أعمالِهم، بعض المسلمين أفضل من بعض ـ لأنَّ المسألة هي مسألة التنوّع في الأعمال، وهذا ما عبَّر عنه القرآن الكريم:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13]، فمن أخذ بأسباب التّقوى، وانطلق في درجاتها، فإنّه قد يبلغ درجةً عاليةً عندما تكون أعماله هي الأعمال الّتي تقرّبه إلى الله ـ وأمّا الغرفة العليا ـ أعلى المراتب ـفالجهاد في سبيل الله ـ بأنواعه، سواء كان جهاداً بالمال أو بالنّفس، أو جهاداً في كلّ ما يرفع مستوى الأمّة ويقوّي موقعها وموقفها ـ لا ينالها إلا أفضلُهم".

ميزان التّفاضل بين المسلمين
وجاء عن رسول الله(ص) قوله: "المسلمون أخوة ـ لأنَّ القرآن الكريم قال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]، والمؤمنون هم المسلمون الّذين أقرّوا بالإسلام واعترفوا به ـ لا فضلَ لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتّقوى"، فليست هناك أيّة صفةٍ أخرى يمكن أن يكون فيها الفضل لمسلم على مسلم، سواء كانت فضل نسب أو فضل مال أو فضل جاهٍ أو قوّة؛ لأنّ ما يقرّب الإنسان إلى الله تعالى، ويجعله مسلماً بين يدي الله، هو التّقوى، على أساس قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13].
وعن رسول الله(ص) لمّا سئل عن القول الفصل في حقِّ الإسلام: كيف نختصر صفة الإسلام في انتماء المسلم؟ قال(ص): "قل آمنْتُ بالله ثمّ استقمْ". وقد أخذ النبيّ(ص) ذلك من كلام الله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف:13]. فكلمةُ التّوحيد تنفتح على كلّ ما يلتزم به الإنسان في عبادته لله تعالى وطاعته له في كلّ ما شرّعه، وفي كلِّ ما أراد للنّاس أن يأخذوا به. إنَّ كلمة "ربّنا الله" تعني توحيد الله، ثمّ الاستقامة على هذا الخطّ، والاستقامة تعني أن لا يتّجه يميناً ولا يساراً، بل يبدأ بتوحيد الله وينتهي بتوحيده، لكي يلقى الله تعالى وهو مسلم.

حسنُ الخلق مظهر الإسلام
وورد عن رسول الله(ص): "الإسلام حُسْنُ الخلق". إذا كنت مسلماً، فإنّ مظهر إسلامك هو أن تتّصف بحسن الخلق، وقد ورد عن النبيّ(ص): "إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"، فالله تعالى أراد للنّاس، في كلّ العصور، ومنذ خلق آدم، أن يأخذوا بالأخلاق الطيّبة الحميدة التي تربط بعضهم ببعض، وتقرّب بعضهم إلى بعض، بحيث يتكاملون ويتواصلون في كلّ أمورهم. وهكذا كانت كلّ رسالةٍ سماويّةٍ تؤسّس لخلقٍ من الأخلاق، حتى جاء رسول الله بالدّين الحقّ، وأكملَ الأخلاق من خلال تشريعات الإسلام ومفاهيمه والخطوط التي يتحرّك فيها.

حقيقة المسلم
وفي الحديث عن رسول الله(ص): "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه"، فالعلاقة بين المسلم والمسلم الآخر هي علاقة أخوّة، ومن طبيعة الأخوّة، أنّ الأخ لا يظلم أخاه، بل يمنحه كلّ حقّه الّذي له عنده، فالمسلم يحترم المسلم، فلا يبادره بالشّتائم حتى لو اختلف معه في أيّ أمرٍ من الأمور. وقد ورد: "سبابُ المؤمن فسوق"، والله تعالى اعتبر الإنسان الّذي يسبّ أخاه المسلم إنساناً فاسقاً. وورد عنه(ص): "المسلم أخو المسلم لا يخونه ـ سواء كانت أمانة النّفس أو المال أو العرض أو السرّ أو الموقع ـ ولا يكذبه ـ بل يكون صادقاً معه في كلّ أموره، في مواقفه وأحاديثه ـ ولا يخذله"، عندما يواجه المسلم العدوان من الآخرين، فإنّ على المسلم أن ينصر المسلم إذا كان مظلوماً.

وورد عن الإمام الصّادق(ع): "المسلم مَنْ سلِم النّاسُ من يده ولسانه ـ فيده لا تتحرّك إلا بالخير للنّاس، سواء كان ذلك بطريقة العطاء أو المساعدة أو المعاونة أو النّصرة ـوالمؤمن من ائتمنه النّاسُ على أموالهم وأنفسهم"، بحيث يكون أميناً على أموال النّاس فلا يخونها، وعلى أنفس النّاس فلا يعتدي عليها.

التّعاضد بين المسلمين
وفي الحديث عن رسول الله(ص): "المسلمون كالرّجل الواحد؛ إذا اشتكى عضوٌ من أعضائه تداعى له سائر جسده"، فالإنسان يعيش همّ المسلمين الآخرين كما يعيش كلّ عضوّ من أعضائه همّ العضوّ الآخر إذا كان متألّماً، وهذا ما ينبغي لنا أن ننطلق به. وعن رسول الله(ص): "من أصبحَ لا يهتمُّ بأمورِ المسلمين فليس منهم؛ ومَنْ سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين! فلم يجبْه فليس بمسلم". فلا بدَّ للإنسان من أنْ يشعر بأنّه جزءٌ من الأمّة الإسلاميّة، فإذا حدث فيها أيّ حدثٍ، مثل مواجهة المشاكل أو العدوان، فعلى الإنسان المسلم أن يهتمّ بأمور أمّته. والاهتمام بأمور المسلمين ليس مجرّد حالةٍ نفسيّةٍ، بل هو قضيّة تتّصل بالتّفكير في أفضل الطّرق والوسائل التي يمكن له من خلالها أن يساعد المسلمين ويحلّ مشاكلهم ويعينهم أمام من يريد أن يسقطهم.

وهكذا عندما يعيش المسلم الضّغط تحت آثار العدوان من قبل المستكبرين والظّالمين والكافرين، وينادي بالنّصرة والمساعدة، فمن لا يقوم بالواجب، ويقف على الحياد، فهو ليس بمسلم، لأنّ الانتماء إلى الإسلام يقتضي الانتماء إلى الأمّة الإسلاميّة، بحيث يكون همّها همّه، وقضاياها قضاياه، وخصوصاً في هذه المرحلة من حياتنا العامّة على جميع المستويات، فإنّ هناك حرباً تُشنّ من قبل المستكبرين والكافرين والظّالمين على المسلمين في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم، ونرى أنّ المسلمين لا يتعاونون مع بعضهم البعض ولا يتواصلون، ونجد أنّ المستكبرين يصادرون حياة المسلمين وحرّياتهم وأرضهم وأموالهم، من دون أن يستجيب المسلمون للمنادين بطلب المعونة، بل ربّما نجد أنّ بعض المسؤولين من المسلمين يتعاونون مع العدوّ ومع المستكبرين، كما في بعض الدّول الإسلاميّة التي تتعاون مع أمريكا التي تصادر كلّ حياة المسلمين. فالنبيّ(ص) يقول إنّ المسلم هو الذي يعيش همّ الإسلام، وهو الّذي يستجيب لنداء المسلمين في القضايا الصّعبة التي تواجههم.

وقد انطلق الإسلام في معناه المطلق الّذي يرتبط بالله من خلال كلمة إبراهيم(ع): {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة:131]، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة:132]. وقد جاء في القرآن الكريم على لسان يوسف(ع): {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف:101].الحفاظ على الإسلام

فعلى الإنسان أن يحافظ على إسلامه، وأن يعمّقه في قلبه وعقله وحياته، لنكون الأمّة الإسلاميّة الواحدة القويّة التي لا تسمح لأحد بأن ينتقص من عزّتها وكرامتها. والمسلمون يبلغون الآن ما يقارب المليار ونصف المليار، ولكنّ مشكلتهم أنهم استضعفوا أنفسهم ولم يأخذوا بأسباب القوّة. لذلك علينا أن نتواصل مع المسلمين، فنكون قوّةً يمكن أن تواجه كلّ القوى الظّالمة المستكبرة.

 هذا هو معنى الانتماء إلى الإسلام، فهو ليس مجرّد كلمةٍ، ولكنّه موقف لا بدّ للإنسان من أن يقفه في كلّ حياته، حتى يلقى الله تعالى بإسلامه طاهراً مخلصاً.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية

التبنّي الأمريكيّ للاستيطان
مرّةّ أخرى، تكشف الإدارة الأمريكيَّة الجديدة عن حقيقة موقفها تجاه قضيَّة الشَّعب الفلسطينيّ، من خلال تبنّيها الشّروط الإسرائيليّة، عبر إعلان وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة عن أنّ للاستيطان "أحقيّته من النّاحية التّاريخيّة"، مشيرةً إلى أنّ اقتراحات رئيس حكومة العدوّ حول الاستيطان "غير مسبوقة"، لتتحدّث بلغة زوجها الرّئيس الأمريكيّ السّابق بيل كلينتون، الّذي كان يؤكّد أنّ على بلاده أن تمنع كيان العدوّ من أن يجازف كثيراً في عمليّة التّسوية.

وهي بعد أن أعطت أوامرها متحدّثةً بلغة استكباريّة، قائلةً: "أريد أن أرى الطّرفين يبدآن المفاوضات في أقرب وقتٍ ممكن"، عادت إلى أسلوب نظيرتها السّابقة (رايس)، فجمعت وزراء خارجيّة دول "الاعتدال العربيّ" إلى جانب مسؤولين من المغرب والعراق ومصر، لتحثّهم على الانصياع للرّغبة الأمريكيّة في دفع الفلسطينيّين إلى التّفاوض مع العدوّ "دون شروط مسبقة"، ما يعني التّسليم العربيّ والفلسطينيّ بشروط العدوّ، التي يستمر معها الاستيطان، ولكن بمصطلحات جديدة، ومفرداتٍ تُستخدَم لأوّل مرّة تتحدّث عن "تقييد" الاستيطان، بعد الحديث عن وقفه، ثم تجميده، ثم لجمه، وصولاً إلى مفردة التّقييد، مع ما يعنيه ذلك من التّسليم بضياع فلسطين، وسقوط المساحات الباقية من الضفّة في يد الاحتلال والمستوطنين، إلى جانب عمليّة تفريغ القدس من أهلها، والجارية بسرعة كبيرة، مع المزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى، بهدف إفراغ المسألة الفلسطينيّة من مضمونها تماماً عند بدء المفاوضات، والّتي ستكون بمثابة تبادل للرّأي بين الذّئب والحمل!!

إنّ الأمريكيّين الّذين يعطون كيان العدوّ كلّ الفرص، ويقدّمون إليه التّغطية الدّائمة على كلّ مواقفه وممارساته الإرهابيّة، وزحفه الاستيطانيّ في الأراضي الّتي صنّفتها قرارات الأمم المتّحدة بأنّها "أرض محتلّة"، يعلنون أنّ صبرهم على إيران في ملفّها النوويّ بدأ ينفد، مع أنّ إيران تعاملت بإيجابيّة مع كلّ الطّروحات، ولم تسجّل إلا تحفّظات تقنيّة وفنيّة لتتأكّد من أنّها لن تدفع المال وترسل اليورانيوم دون الحصول على الوقود، كما حصل ذلك مع فرنسا في السّابق.

الرّهان الأمريكيّ الخاسر
إنّ على أمريكا أوباما الّتي تشرف في هذه الأيّام، ومن خلال المناورات المشتركة مع العدوّ، على عملية تأهيل قوات الاحتلال، وتزويدها بالمزيد من عناصر القوة الهجوميّة أو الدفاعيّة، وخصوصاً في المجال الصّاروخيّ، لكي تجعلها أكثر قدرةً على شنّ المزيد من الحروب، واحتلال المزيد من الأراضي العربيّة؛ إنّ على الإدارة الأمريكيّة أن تعرف أنّ عمليّة بناء القوّة لم تعد محصورةً في جانب واحد، وبالتّالي، فإنّ الرّهان الأمريكيّ ـ الإسرائيليّ السّابق على تحقيق ما يسمّى السّلام من خلال فرض الهزيمة على قوى الممانعة العربيّة والإسلاميّة، بات رهاناً خاسراً، كما أنّ التّهديد باستخدام القوّة ضدّ إيران وغيرها، يطرح المزيد من علامات الاستفهام حول مشروع الإدارة الأمريكيّة في المنطقة، وهل هو مشروع سلام، أم أنّه مشروع التّأسيس لحروبٍ كبيرة في المنطقة؟!

الاستراتيجيّة الأمريكيّة: فرّقْ تسُدْ
إنّنا عندما نتأمّل في الاستراتيجيّة الأمريكيّة المتّبعة في أفغانستان وباكستان، والّتي تحضّ فيها الإدارة الأمريكيّة المسؤولين الأفغان والباكستانيّين على ممارسة أعلى درجات العنف في التّعامل مع شعوبهم، وتحثّهم على المضيّ في عمليّات المطاردة والملاحقة للمقاتلين في مناطق شعبيّة واسعة، حيث يُهجَّر أهلها بمئات الآلاف، وتزداد الكوارث الإنسانيّة فيها من خلال الازدياد المضطرد في أعداد النّازحين، نعرف أنّ المشروع الأمريكيّ قائم على سياسات التّدمير الذّاتيّ لإمكانات العالم الإسلاميّ وطاقاته، وعلى إشغال هذا العالم بالمزيد من الحروب الدّاخليّة، تارةً تحت عناوين تتّصل بالسّلطة والوراثة والحكم، وأخرى تحت عناوين مذهبيّة، حيث تُفتح كلّ إمكانيّات التّمويل والتّسليح للجهات المتطرّفة والتّكفيريّة من الدّول الخاضعة للنّفوذ الأمريكيّ، لإحداث المزيد من المجازر والكوارث والمآسي الاجتماعيّة في العالم الإسلاميّ، وهو الأمر الّذي نشهد ويلاته ومصائبه يوميّاً في العراق وباكستان والصّومال والسّودان وما إلى ذلك.

التّصدّي للمخطّط الأمريكيّ
إنَّنا نريد لشعوبنا العربيّة والإسلاميَّة، وخصوصاً الشَّعب الفلسطينيّ والشَّعب العراقيّ، وأهلنا في أفغانستان وباكستان، أن يعرفوا من هي أمريكا في دعمها لعدوِّ الأمَّة، ومن هي أمريكا في إصرارها على نهب ثروات العرب والمسلمين، وفي سعيها الدّؤوب لإشعال نيران الفتنة الطّائفيّة والمذهبيّة والعشائريّة في الواقع الإسلاميّ، أو في سعيها لتأجيج نيران هذه الفتنة، وإنْ اضطرّها ذلك إلى دفع المليارات لهذا النّظام أو ذاك لإبقاء نيران الحرب الدّاخليّة مشتعلةً.

ونريد لهذه الشُّعوب أن تتحرَّى كلَّ الأساليب والطّرق والوسائل للحفاظ على وحدتها، لأنّ وحدة الأمّة هي الّتي تضمن تعزيز قوّتها، وتمثّل الحصن الحصين الّذي يمنع النّاهبين الدّوليين من الاستمرار في اقتناص خيراتها، وامتصاص ثرواتها، كما تمنع قوى الاحتلال الصهيونيّة من استكمال مخطَّطها لقضم بقيّة المواقع في فلسطين المحتلّة، والتطلّع إلى مزيدٍ من الحروب، وخصوصاً ضدّ دول الممانعة وحركات المقاومة.

لبنان بين التّفاؤل والتّشاؤم
أمّا لبنان الّذي ينام على أخبار مفرحة ويستفيق على أخبار مفجعة، في موضوع تشكيل الحكومة الّذي يثير الحديث حوله كلّ زوّار لبنان، ولا يمنع السّفيرة الأمريكيّة من أن تواصل تشخيصها للمأزق اللّبنانيّ بعيون إسرائيليَّة خالصة؛ لبنان هذا الّذي تحاصره الهموم الاقتصاديّة، وتفتك به الأزمات الاجتماعيّة، لن يدخل في مرحلة الاستقرار السياسيّ، حتى عندما تنطلق الأضواء الدوليّة والإقليميّة الخضراء أو الصّفراء لتعلن عن تلزيم اللّبنانيين إعلان تشكيل الحكومة العتيدة، لأنّ أزمته ستبقى في دائرة الاهتزاز، حيث لا راحة لبلد يُشاغب على كيان العدوّ، ولا استقرار له أثبتت التّجارب السابقة أنّه استطاع ترويض المحتلّ الصّهيونيّ وإذلاله... ولذلك، فهو يتنقّل متعباً ومهتزّاً بين مرحلةٍ وأخرى، ولن يُسمح للعرب أو للأجانب بأن يخفّفوا عنه اقتصاديّاً أو يعينوه اجتماعيّاً، حتى مع تشكيل الحكومات، وتدوير الوزارات، وتبادل الملفَّات.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير