الإمام جعفر الصادق (ع) رائد العلم ومجدد الإسلام

الإمام جعفر الصادق (ع) رائد العلم ومجدد الإسلام
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الإمام جعفر الصادق (ع)
رائد العلم ومجدد الإسلام
 

الإمام الصادق صانع العلماء والمفكرين
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب : 33]. ويقول رسول الله (ص): "مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى". في الشهر الماضي، في الخامس والعشرين من شهر شوّال، كانت ذكرى وفاة الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع).

والإمام الصادق (ع) يمثّل القمة التي أطّلتْ على كل الواقع الإسلامي، فملأت آفاقه بالعلم والمعرفة في أكثر مواقع الحياة، بحيث إن مرحلته كانت هي المرحلة التي صنعت الرجال من العلماء والمفكّرين، والتي استهدى بهديها بعض أئمة المذاهب، وإن اختلفوا معه في الرأي. وكان الإمام (ع) صاحب مدرسة منفتحة على كل الناس، فحيثما حلّ يملأ الساحة بالعلم والمعرفة، ويضمّ إليها كل مريدٍ للعلم. ينقل بعض رواة الحديث ـ وهو الحسن بن علي الوشّا الكوفي ـ وهو يشير إلى مسجد الكوفة: أدركتُ في هذا المسجد تسعمائة شيخ ـ وكلمة شيخ تعبّر عن الأستاذ الذي يعلّم الناس ـ كلٌّ يقول: "حدّثني جعفر بن محمد".
فكان في زمن إقامته في الكوفة، يملأ مسجده بالعلم والمعرفة، وكانت المساجد، حينها،  مواقعَ للدراسة والتعلم، وكلمة "حدّثَني" تعني أنه أخذ العلم منه، وقد أحصى بعض المؤرخين الشخصيات التي روت الحديث عن الإمام الصادق (ع) في مختلف جوانب العلم، وليس في جانب واحد، فبلغ عددهم  أربعة آلاف أستاذ، وهم من مختلف التيارات والمذاهب الإسلامية.

 ونجد في التاريخ  أن جابر بن حيان المعروف بتضلّعه في الكيمياء، أنه درس على الإمام الصادق (ع) علم الكيمياء، وكان يقول في كتاباته التي كان الغربيون يقرأونها: "حدّثني سيدي جعفر بن محمد".
ويُنقل في سيرته (ع) أن أبا حنيفة النعمان، وهو إمام المذهب الحنفي، تتلمذ على الإمام الصادق (ع) مدة سنتين، وكان يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان"، ويقول مالك بن أنس، إمام المذهب المالكي: "ما رأتْ عينٌ، ولا سمعت أذنٌ، ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً". وقال زيد بن علي بن الحسين (ع)، التي تنسب إليه فرقة الزيدية: "في كل زمان رجلٌ منّا أهل البيت، يحتجّ الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه".

علاقته بالخلفاء
وكان الإمام الصادق (ع) يتابع كل الاتجاهات وكل المبادئ المخالفة للإسلام، ليواجهها بعلمه ومعرفته، ويردّ عليها بالطريقة العلمية الموضوعية الحضارية. وكتب إليه المنصور، وهو من خلفاء بني العباس: "لمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ـ الناس يأتون إلينا ويزوروننا، ولكنك لا تأتي إلينا ولا تزورنا ـ فأجابه: "ليس لنا ما نخافك من أجله ـ فنزورك لنأمن من هذا الشيء ـ ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ـ لستَ ممن يُتقرّب به إلى الله ويرجو ثوابه ويأمن عقابه، فنصحبك لنأمن مما نخاف منه من عقاب الله تعالى ـ ولا أنت في نعمة فنهنّئك عليها ـ نحن لا نعتبر الخلافة والسلطة نعمة يزور الناس أصحابها ليهنّئوه عليها ـ ولا تراها نقمة فنعزّيك بها، فما نصنع عندك"؟.. فكتب إليه: "تصحبنا لتنصحنا" ـ نريد منك أن تنصحنا لأننا نواجه مسؤولية كبرى في أمر الخلافة ـ فأجابه: "من أراد الدنيا لا ينصحك ـ لأنه يحاول أن يتزلّف إليك ـ ومن أراد الآخرة لا يصحبك". فقال المنصور: "والله لقد ميّز عندي منازل الناس من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة، وإنه ـ أي الإمام الصادق (ع) ـ ممن يريد الآخرة لا الدنيا".

وينقل الإمام الصادق (ع) حواراً جرى بينه وبين أبيه الإمام الباقر (ع)، يقول: لمّا حضرتْ أبي الوفاةُ قال: "يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيراً ـ فقد ربّى أصحابه على العلم والمعرفة، ويريد لولده أن يرعاهم بذلك ـ فقلت: جُعلت فداك والله لأدعنّهم والرجل يكون في المصر فلا يسأل أحداً"، سأعلّمهم وأجعلهم في المستوى الثقافي الرفيع، بحيث لا يحتاجون إلى سؤال أحد، بل يكتفون بما علّمتهم إياه من العلم.

الحرية الإنسانية في فكر الإمام الصادق (ع)
وعندما ندرس تراث الإمام الصادق (ع) نرى أنه تراث يملأ عشرات الكتب في مختلف قضايا الإنسان والحياة والإسلام، ونحن نحاول أن نتحدث عن مسألة مهمة تتصل بقضايا الحرية في الإنسان، فهناك كلمة للإمام الصادق (ع) في الحرية يؤكد فيها أن الحرية للحرّ لا تنطلق من مرسوم يصدر إليه من ملك أو خليفة أو صاحب سلطة ليمنحه إياها، بل إن الحرية تأتي من داخل الإنسان، من إرادته الحرّة التي تنطلق من عمق ذاته، فالإنسان قد يكون حرّاً وهو في الزنزانة الضيّقة، وقد يكون عبداً وهو في متاهات الصحراء، فالحرية هي حرية الإرادة والموقف وليست حرية الحركة.

يقول الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه:"إن الحرّ حرٌّ في جميع أحواله ـ سواء أكان في السجن أو في الآفاق الواسعة، فلا يمكن أن يكون عبداً أو ذليلاً فيما إذا سُجن أو ضُيّق عليه ـ إن نابته نائبة صبر لها ـ إن أصابته مصيبة صمد أمامها، لا يسقط ولا يتنازل لمن يريد استعباده ـ وإن تداكّت عليه المصائب ـ أطبقتْ عليه ـ لم تكسره وإن أُسر وقُهر واستُبدل باليسر عسراً". ثم يقدّم نموذج النبي يوسف (ع)، يقول: "كما كان يوسف الصدّيق الأمين (صلوات الله عليه) لم يضرر حريته أن استُعبد ـ لأنه بيع كما يباع العبيد ـ وقُهر وأُسر، ولم تضرره ظلمةُ الجبّ ووحشتُه وما ناله أنْ منَّ الله عليه، فجعل الجبّارَ العاتي ـ الملك الذي كان يحكم مصر ـ له عبداً بعد أن كان له مالكاً، فأرسله ـ نبيّاً ـ ورحم به أمّةً، وكذلك الصبر يعقب خيراً ـ فالإنسان الحرّ يحتاج إلى أن يصبر على ما يلاقيه من الآلام والمشاكل ممن يريدون أن يستعبدوه ويأسروه ويضيّقوا عليه، كما نلاحظه الآن لدى المستكبرين الذين يريدون أن يستعبدوا الشعوب ويصادروا أوضاعهم السياسية والاقتصادية ـ فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر تؤجَروا".

ويقول الإمام الصادق (ع): "خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثيرٌ مستمتَع ـ وهو ليس من الأشخاص الذين يمكن للإنسان أن يستمتع بشخصياتهم ويقدّرها ويعظّمها ـ أولها الوفاء، والثانية التدبير ـ أن يدبّر أموره بما يصلحها ـ والثالثة الحياء ـ أن يملك الحياء في علاقته مع الناس ـ والرابعة حُسن الخلق، والخامسة، وهي تجمع هذه الخصال، الحرية"، فالإنسان الحرّ هو الذي يجمع كل هذه الخصال ويؤكدها في سلوكه وأوضاعه وعلاقته بالواقع كله، فهو يتحرك بإرادة لا تسقط أمام التحديات والمشاكل، بل يبقى حرّاً أمام كل الصدمات التي قد يفرضها عليه الآخرون.

وقد أخذ الإمام الصادق (ع) هذه المسألة في موضوع الحرية من الإمام علي (ع) الذي يقول: "أيها الناس، إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمَة، وإن الناس كلّهم أحرار"، فكل أولاد آدم أحرار لم يستعبدهم أحد. وفي كلمة عنه (ع): "لا تكونن عبدَ غيرك ـ لا لملك ولا لأمير أو لزعيم أو لغنيّ، أو لأيّ أحد ترجو ماله أو جاهه، لا تُخضع نفسك له ولا تستعبد ذاتك له ـ وقد جعلك الله سبحانه حرّاً"، فالله هو الذي أعطاك الحرية التي هي جزء من كيانك وذاتك، وليس لك أن تتنازل عنها، لأنك لا تملكها فهي من سرّ إنسانيتك ووجودك. وورد عنه (ع): "لا يسترقنَّك الطمع وقد جعلك الله حرّاً". وعنه(ع): "الحرُّ حرٌّ وإنْ مسّه الضرّ، والعبدُ عبدٌ وإن ساعدَه القَدَر". ويقول الإمام الصادق (ع): "إنّ صاحبَ الدين رَفَضَ الشهوات فصار حرّاً".

الحوار مع الملحدين
وقد كان الإمام الصادق (ع) يذهب إلى الحجّ ويلتقي بالزنادقة والملاحدة الذين كانوا لا يؤمنون بالله، وكانوا يسخرون من الطائفين والعاكفين، وكان الإمام (ع) يفتح لهم عقله وقلبه، ولا يعنف بهم، بل يحاول أن يحاورهم فيما لديهم من إشكالات ويردّ عليهم شبهاتهم. وقد ملأ (ع) الدنيا علماً وتقوى وروحاً تنفتح على كل قضايا الإنسان والحياة، وإنني أدعو كل المثقفين والمفكرين وأدعو كل العلماء أن يحدثوا الناس بتراث الإمام الصادق (ع)، الذي هو تراث حضاري يعكس الصورة الناصعة لأهل البيت (ع) الذين يمثلون الحضارة التي ترفع مستوى الإنسان في الحياة.
والسلام على إمامنا الصادق (ع) يوم وُلد ويوم انتقل إلى جوار ربه ويوم يُبعث حيّاً.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية

الضوء الأخضر الأمريكي للاستيطان
في فلسطين المحتلّة، يعلن رئيس حكومة العدوّ عن التّوصّل إلى اتّفاق مع الإدارة الأمريكيّة حول الاستيطان، فيما يوعز وزير حرب الكيان لإعادة تفعيل الطّاقم الصهيونيّ الذي يعطي تراخيص الاستيطان، في إشارةٍ عمليّةٍ جديدةٍ إلى أنّ العدوّ قد أخذ الضّوء

الأخضر الكامل من الإدارة الأمريكيّة لتوسعة عمليّات البناء الاستيطانيّ الّتي لم تتوقّف أصلاً، والتي يُراد لها أن تسير بوتيرة سريعة ومتصاعدة، حتى في الوقت الّذي تحدّث الأمريكيون عن المباشرة قريباً بعمليّة التفاوض بين السّلطة الفلسطينيّة والعدوّ.

الإمعان في "إذلال" الشعب الفلسطيني
وفي هذا الوقت، تتوالى الممارسات الإرهابيّة الإسرائيليّة بحقّ الفلسطينيّين، حيث يتمّ طرد عائلاتٍ جديدةٍ من القدس المحتلّة، من دون أن يحرّك ذلك أيّ ساكن في البلاد العربيّة والإسلاميّة، إضافةً إلى الغارات المتواصلة التي يشنّها العدوّ على أطراف غزّة، وحملات الهجوم الّتي يشنّها المستوطنون على الفلسطينيّين الّذين بدأوا موسم قطاف الزّيتون.

إنّنا أمام هذا المشهد الّذي يوافق فيه العالم كلّه على الخطّة الأمريكية ـ الإسرائيليّة العاملة لإبقاء الفلسطينيّين تحت دائرة الضغط، حتى يقرّوا لعدوّهم إقرار العبيد، ويعطوه بأيديهم إعطاء الذليل، نسأل السّلطة الفلسطينيّة: عن أيّ انتخاباتٍ تتحدّثون، وعن أيّ التزامات دستوريّة تتكلّمون؟!

لقد فوّض العالم كلّه الأمر إلى الفلسطينيّين في الانتخابات الماضية، وكانت النّتيجة أن ضُرب طوق الحصار على قطاع غزّة، وسالت دماء الفلسطينيّين أنهاراً، ثم وضعت الضفّة الغربيّة في عهدة الأمن الأمريكيّ الّذي يُشرف عليه الصّهاينة من بعيد، ووصل الفلسطينيّون إلى واقع المأساة التي خُيّروا فيها بين الموت جوعاً أو الموت استسلاماً... كلّ هذا والعالم يتحدث عن نزاهة الانتخابات!!

إنّنا نسأل: كيف يمكن لشعبٍ أن يُعطي رأيه في الانتخابات تحت وطأة التّهديد بالقتل، وفي ظلّ احتلالٍ وحشيّ لم يشهد التّاريخ مثله، وحيث تتحرّك الدّول الكبرى لتبرئة العدوّ من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة الّتي أكّدها تقرير الأمم المتّحدة، للإيعاز إليه ـ بطريقة غير مباشرة ـ بالقيام بحرب إبادةٍ جديدةٍ ضدّ الفلسطينيّين؟

الكيل بالمكيال الأمريكي
ونحن نسأل الرّئيس الأمريكيّ الّذي كوفئ قبل أيّام بجائزة نوبل للسّلام: كيف يمكن لك أن تتحدّث عن حرب إبادة في "دارفور"، مع أنّك تعلم طبيعة المشكلة القبليّة هناك، وتعرف الدول الغربيّة التي تغذّي هذا الصّراع، ومنها دولتكم، ولا تنطق بكلمةٍ عن حرب الإبادة التي تعرّض لها الفلسطينيّون في الحرب على غزّة، التي أعقبها حصارٌ تجويعيّ لا يزال يُستخدم للضّغط عليهم للتّوقيع على مقولة الوطن القومي للصّهاينة في فلسطين المحتلة؟! وكيف يمكن لإدارةٍ تتحدّث عن السّلام، أن تصادق على العدوان الصّهيونيّ المتواصل على الفلسطينيّين وعلى القانون الدّولي؟!

ونحن في الوقت نفسه، نرصد سكوت الإدارة الأمريكيّة عن التّجسّس الإسرائيليّ عليها، فنراها تدين متجسّساً ولا تدين إسرائيل التي تقف خلفه. ومع ذلك، تبادر إلى استدعاء ترسانتها الضّخمة من البوارج والصّواريخ المتطوّرة والمتنوّعة والمختلفة، لإجراء مناورة مع العدوّ، في اليوم الذي يُعلَن عن اكتشاف تجسّسٍ كبيرٍ وخرقٍ خطيرٍ للبنية العسكريّة والنّوويّة الأمريكيّة لحساب العدوّ، لكي تشكّل هذه المناورة البداية العمليّة لعدوانٍ متوقّعٍ ضدّ البلدان العربيّة والإسلاميّة المجاورة لفلسطين المحتلّة.

إنّنا نحذّر من أنّ اللّعبة الأمريكيّة في المنطقة لا تزال لعبة المكر والخداع، لأنّ أمريكا التي فشلت في العراق، وتحصد المزيد من الفشل في أفغانستان وباكستان، تسعى لتصدير أزماتها إلى أكثر من مكانٍ في المنطقة، وتعمل على تعميم الفوضى والعنف والإرهاب، تحت غطاء حديثها عن الديمقراطيّة والسّلام.

أولوية الوحدة الإسلامية
ولذلك، فإنّنا ندعو الدّول الإسلاميّة الكبرى في المنطقة، إلى فهمٍ واسعٍ للخطّة الأمريكيّة، وندعو الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الّتي تعرّضت لعدوانٍ وحشيٍّ غادرٍ طاول لقاءً للخير والوحدة في منطقة بلوشستان سيستان، إلى الحذر ممّا يُمكن أن تتحرّك به الخطّة الأمريكيّة تجاه الدّاخل الإيرانيّ، تحت غطاء المفاوضات في الخارج حول ملفّ إيران النّوويّ... كما ندعو السّلطات الباكستانيّة إلى مواجهة حركة المخابرات الأمريكيّة وغيرها، حتّى لا تتحوّل البلاد الإسلاميّة إلى مكانٍ تنطلق منه حركة الفتنة التي إذا اشتعلت فإنّها ستحرق الواقع كلّه.

ولذلك، فإنّنا نؤكّد على الجميع ألا يُسقطوا من حساباتهم أولويّة الوحدة الإسلاميّة الّتي تمثّل حياة المسلمين وقوّتهم ومنعتهم، وأن يضعوا هذه الوحدة في رأس أولويّاتهم وتحرّكاتهم السياسيّة وغير السياسيّة، حتى لا يتمكّن الأعداء من تمرير مشروعهم بتدمير الأمّة من الدّاخل، في الوقت الّذي يسعى المخلصون جميعاً لإخراجها من أتون الاحتلال الّذي يعيث فساداً في العراق وأفغانستان وفلسطين المحتلّة.

لبنان: الحذر من تغطية دولية لعدوان إسرائيلي
أمّا لبنان الّذي يتأرجح بين أجواء التّشاؤم والتّفاؤل بولادة حكومة جديدة، بعد أربعة أشهر من الانتظار، فهو ـ في كثيرٍ من مواقعه ـ يعيش الغفلة عن كلّ هذا العبث الأمنيّ الذي يمارسه العدوّ الصّهيونيّ في الجنوب، ولا يحرّك الكثير من الرّسميّين وغير الرّسميّين ساكناً أمام الاعتداء الإسرائيليّ التجسّسيّ والجوّي على أرضه.

وإنّنا نحذّر من وجود تغطيةٍ دوليّةٍ واسعة النّطاق للعدوان الإسرائيليّ، ومن انخراط "اليونيفيل" في هذه اللّعبة التي لا تشكّل عدواناً موضعيّاً فحسب، بل تمثّل تحضيراً لعدوانٍ واسع النّطاق قد يستغلّ فيه العدوّ انشغال الدّاخل بملفّاته الذاتيّة والشّخصانيّة، أو بحصصه الوزاريّة، ليعمل على اجتذاب البلد كلّه إلى نطاقه الاحتلالي ودائرته العدوانيّة.

إنّنا ندعو اللّبنانيّين إلى الخروج من سكرة الحكومة إلى فكرة الدّولة، والتوحّد قلباً وقالباً لحماية الاستقلال المنتهَك من خلال تعقيدات الدّاخل وخطط الخارج، الّتي يكاد اللّبنانيّون يفقد فيها حسّ الاستقلال، بعد أن فقدوا حركته في إراداتهم، وواقعه في كثيرٍ من مواقع الحركة السياسيّة.

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الإمام جعفر الصادق (ع)
رائد العلم ومجدد الإسلام
 

الإمام الصادق صانع العلماء والمفكرين
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب : 33]. ويقول رسول الله (ص): "مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى". في الشهر الماضي، في الخامس والعشرين من شهر شوّال، كانت ذكرى وفاة الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع).

والإمام الصادق (ع) يمثّل القمة التي أطّلتْ على كل الواقع الإسلامي، فملأت آفاقه بالعلم والمعرفة في أكثر مواقع الحياة، بحيث إن مرحلته كانت هي المرحلة التي صنعت الرجال من العلماء والمفكّرين، والتي استهدى بهديها بعض أئمة المذاهب، وإن اختلفوا معه في الرأي. وكان الإمام (ع) صاحب مدرسة منفتحة على كل الناس، فحيثما حلّ يملأ الساحة بالعلم والمعرفة، ويضمّ إليها كل مريدٍ للعلم. ينقل بعض رواة الحديث ـ وهو الحسن بن علي الوشّا الكوفي ـ وهو يشير إلى مسجد الكوفة: أدركتُ في هذا المسجد تسعمائة شيخ ـ وكلمة شيخ تعبّر عن الأستاذ الذي يعلّم الناس ـ كلٌّ يقول: "حدّثني جعفر بن محمد".
فكان في زمن إقامته في الكوفة، يملأ مسجده بالعلم والمعرفة، وكانت المساجد، حينها،  مواقعَ للدراسة والتعلم، وكلمة "حدّثَني" تعني أنه أخذ العلم منه، وقد أحصى بعض المؤرخين الشخصيات التي روت الحديث عن الإمام الصادق (ع) في مختلف جوانب العلم، وليس في جانب واحد، فبلغ عددهم  أربعة آلاف أستاذ، وهم من مختلف التيارات والمذاهب الإسلامية.

 ونجد في التاريخ  أن جابر بن حيان المعروف بتضلّعه في الكيمياء، أنه درس على الإمام الصادق (ع) علم الكيمياء، وكان يقول في كتاباته التي كان الغربيون يقرأونها: "حدّثني سيدي جعفر بن محمد".
ويُنقل في سيرته (ع) أن أبا حنيفة النعمان، وهو إمام المذهب الحنفي، تتلمذ على الإمام الصادق (ع) مدة سنتين، وكان يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان"، ويقول مالك بن أنس، إمام المذهب المالكي: "ما رأتْ عينٌ، ولا سمعت أذنٌ، ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً". وقال زيد بن علي بن الحسين (ع)، التي تنسب إليه فرقة الزيدية: "في كل زمان رجلٌ منّا أهل البيت، يحتجّ الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه".

علاقته بالخلفاء
وكان الإمام الصادق (ع) يتابع كل الاتجاهات وكل المبادئ المخالفة للإسلام، ليواجهها بعلمه ومعرفته، ويردّ عليها بالطريقة العلمية الموضوعية الحضارية. وكتب إليه المنصور، وهو من خلفاء بني العباس: "لمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ـ الناس يأتون إلينا ويزوروننا، ولكنك لا تأتي إلينا ولا تزورنا ـ فأجابه: "ليس لنا ما نخافك من أجله ـ فنزورك لنأمن من هذا الشيء ـ ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ـ لستَ ممن يُتقرّب به إلى الله ويرجو ثوابه ويأمن عقابه، فنصحبك لنأمن مما نخاف منه من عقاب الله تعالى ـ ولا أنت في نعمة فنهنّئك عليها ـ نحن لا نعتبر الخلافة والسلطة نعمة يزور الناس أصحابها ليهنّئوه عليها ـ ولا تراها نقمة فنعزّيك بها، فما نصنع عندك"؟.. فكتب إليه: "تصحبنا لتنصحنا" ـ نريد منك أن تنصحنا لأننا نواجه مسؤولية كبرى في أمر الخلافة ـ فأجابه: "من أراد الدنيا لا ينصحك ـ لأنه يحاول أن يتزلّف إليك ـ ومن أراد الآخرة لا يصحبك". فقال المنصور: "والله لقد ميّز عندي منازل الناس من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة، وإنه ـ أي الإمام الصادق (ع) ـ ممن يريد الآخرة لا الدنيا".

وينقل الإمام الصادق (ع) حواراً جرى بينه وبين أبيه الإمام الباقر (ع)، يقول: لمّا حضرتْ أبي الوفاةُ قال: "يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيراً ـ فقد ربّى أصحابه على العلم والمعرفة، ويريد لولده أن يرعاهم بذلك ـ فقلت: جُعلت فداك والله لأدعنّهم والرجل يكون في المصر فلا يسأل أحداً"، سأعلّمهم وأجعلهم في المستوى الثقافي الرفيع، بحيث لا يحتاجون إلى سؤال أحد، بل يكتفون بما علّمتهم إياه من العلم.

الحرية الإنسانية في فكر الإمام الصادق (ع)
وعندما ندرس تراث الإمام الصادق (ع) نرى أنه تراث يملأ عشرات الكتب في مختلف قضايا الإنسان والحياة والإسلام، ونحن نحاول أن نتحدث عن مسألة مهمة تتصل بقضايا الحرية في الإنسان، فهناك كلمة للإمام الصادق (ع) في الحرية يؤكد فيها أن الحرية للحرّ لا تنطلق من مرسوم يصدر إليه من ملك أو خليفة أو صاحب سلطة ليمنحه إياها، بل إن الحرية تأتي من داخل الإنسان، من إرادته الحرّة التي تنطلق من عمق ذاته، فالإنسان قد يكون حرّاً وهو في الزنزانة الضيّقة، وقد يكون عبداً وهو في متاهات الصحراء، فالحرية هي حرية الإرادة والموقف وليست حرية الحركة.

يقول الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه:"إن الحرّ حرٌّ في جميع أحواله ـ سواء أكان في السجن أو في الآفاق الواسعة، فلا يمكن أن يكون عبداً أو ذليلاً فيما إذا سُجن أو ضُيّق عليه ـ إن نابته نائبة صبر لها ـ إن أصابته مصيبة صمد أمامها، لا يسقط ولا يتنازل لمن يريد استعباده ـ وإن تداكّت عليه المصائب ـ أطبقتْ عليه ـ لم تكسره وإن أُسر وقُهر واستُبدل باليسر عسراً". ثم يقدّم نموذج النبي يوسف (ع)، يقول: "كما كان يوسف الصدّيق الأمين (صلوات الله عليه) لم يضرر حريته أن استُعبد ـ لأنه بيع كما يباع العبيد ـ وقُهر وأُسر، ولم تضرره ظلمةُ الجبّ ووحشتُه وما ناله أنْ منَّ الله عليه، فجعل الجبّارَ العاتي ـ الملك الذي كان يحكم مصر ـ له عبداً بعد أن كان له مالكاً، فأرسله ـ نبيّاً ـ ورحم به أمّةً، وكذلك الصبر يعقب خيراً ـ فالإنسان الحرّ يحتاج إلى أن يصبر على ما يلاقيه من الآلام والمشاكل ممن يريدون أن يستعبدوه ويأسروه ويضيّقوا عليه، كما نلاحظه الآن لدى المستكبرين الذين يريدون أن يستعبدوا الشعوب ويصادروا أوضاعهم السياسية والاقتصادية ـ فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر تؤجَروا".

ويقول الإمام الصادق (ع): "خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثيرٌ مستمتَع ـ وهو ليس من الأشخاص الذين يمكن للإنسان أن يستمتع بشخصياتهم ويقدّرها ويعظّمها ـ أولها الوفاء، والثانية التدبير ـ أن يدبّر أموره بما يصلحها ـ والثالثة الحياء ـ أن يملك الحياء في علاقته مع الناس ـ والرابعة حُسن الخلق، والخامسة، وهي تجمع هذه الخصال، الحرية"، فالإنسان الحرّ هو الذي يجمع كل هذه الخصال ويؤكدها في سلوكه وأوضاعه وعلاقته بالواقع كله، فهو يتحرك بإرادة لا تسقط أمام التحديات والمشاكل، بل يبقى حرّاً أمام كل الصدمات التي قد يفرضها عليه الآخرون.

وقد أخذ الإمام الصادق (ع) هذه المسألة في موضوع الحرية من الإمام علي (ع) الذي يقول: "أيها الناس، إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمَة، وإن الناس كلّهم أحرار"، فكل أولاد آدم أحرار لم يستعبدهم أحد. وفي كلمة عنه (ع): "لا تكونن عبدَ غيرك ـ لا لملك ولا لأمير أو لزعيم أو لغنيّ، أو لأيّ أحد ترجو ماله أو جاهه، لا تُخضع نفسك له ولا تستعبد ذاتك له ـ وقد جعلك الله سبحانه حرّاً"، فالله هو الذي أعطاك الحرية التي هي جزء من كيانك وذاتك، وليس لك أن تتنازل عنها، لأنك لا تملكها فهي من سرّ إنسانيتك ووجودك. وورد عنه (ع): "لا يسترقنَّك الطمع وقد جعلك الله حرّاً". وعنه(ع): "الحرُّ حرٌّ وإنْ مسّه الضرّ، والعبدُ عبدٌ وإن ساعدَه القَدَر". ويقول الإمام الصادق (ع): "إنّ صاحبَ الدين رَفَضَ الشهوات فصار حرّاً".

الحوار مع الملحدين
وقد كان الإمام الصادق (ع) يذهب إلى الحجّ ويلتقي بالزنادقة والملاحدة الذين كانوا لا يؤمنون بالله، وكانوا يسخرون من الطائفين والعاكفين، وكان الإمام (ع) يفتح لهم عقله وقلبه، ولا يعنف بهم، بل يحاول أن يحاورهم فيما لديهم من إشكالات ويردّ عليهم شبهاتهم. وقد ملأ (ع) الدنيا علماً وتقوى وروحاً تنفتح على كل قضايا الإنسان والحياة، وإنني أدعو كل المثقفين والمفكرين وأدعو كل العلماء أن يحدثوا الناس بتراث الإمام الصادق (ع)، الذي هو تراث حضاري يعكس الصورة الناصعة لأهل البيت (ع) الذين يمثلون الحضارة التي ترفع مستوى الإنسان في الحياة.
والسلام على إمامنا الصادق (ع) يوم وُلد ويوم انتقل إلى جوار ربه ويوم يُبعث حيّاً.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية

الضوء الأخضر الأمريكي للاستيطان
في فلسطين المحتلّة، يعلن رئيس حكومة العدوّ عن التّوصّل إلى اتّفاق مع الإدارة الأمريكيّة حول الاستيطان، فيما يوعز وزير حرب الكيان لإعادة تفعيل الطّاقم الصهيونيّ الذي يعطي تراخيص الاستيطان، في إشارةٍ عمليّةٍ جديدةٍ إلى أنّ العدوّ قد أخذ الضّوء

الأخضر الكامل من الإدارة الأمريكيّة لتوسعة عمليّات البناء الاستيطانيّ الّتي لم تتوقّف أصلاً، والتي يُراد لها أن تسير بوتيرة سريعة ومتصاعدة، حتى في الوقت الّذي تحدّث الأمريكيون عن المباشرة قريباً بعمليّة التفاوض بين السّلطة الفلسطينيّة والعدوّ.

الإمعان في "إذلال" الشعب الفلسطيني
وفي هذا الوقت، تتوالى الممارسات الإرهابيّة الإسرائيليّة بحقّ الفلسطينيّين، حيث يتمّ طرد عائلاتٍ جديدةٍ من القدس المحتلّة، من دون أن يحرّك ذلك أيّ ساكن في البلاد العربيّة والإسلاميّة، إضافةً إلى الغارات المتواصلة التي يشنّها العدوّ على أطراف غزّة، وحملات الهجوم الّتي يشنّها المستوطنون على الفلسطينيّين الّذين بدأوا موسم قطاف الزّيتون.

إنّنا أمام هذا المشهد الّذي يوافق فيه العالم كلّه على الخطّة الأمريكية ـ الإسرائيليّة العاملة لإبقاء الفلسطينيّين تحت دائرة الضغط، حتى يقرّوا لعدوّهم إقرار العبيد، ويعطوه بأيديهم إعطاء الذليل، نسأل السّلطة الفلسطينيّة: عن أيّ انتخاباتٍ تتحدّثون، وعن أيّ التزامات دستوريّة تتكلّمون؟!

لقد فوّض العالم كلّه الأمر إلى الفلسطينيّين في الانتخابات الماضية، وكانت النّتيجة أن ضُرب طوق الحصار على قطاع غزّة، وسالت دماء الفلسطينيّين أنهاراً، ثم وضعت الضفّة الغربيّة في عهدة الأمن الأمريكيّ الّذي يُشرف عليه الصّهاينة من بعيد، ووصل الفلسطينيّون إلى واقع المأساة التي خُيّروا فيها بين الموت جوعاً أو الموت استسلاماً... كلّ هذا والعالم يتحدث عن نزاهة الانتخابات!!

إنّنا نسأل: كيف يمكن لشعبٍ أن يُعطي رأيه في الانتخابات تحت وطأة التّهديد بالقتل، وفي ظلّ احتلالٍ وحشيّ لم يشهد التّاريخ مثله، وحيث تتحرّك الدّول الكبرى لتبرئة العدوّ من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة الّتي أكّدها تقرير الأمم المتّحدة، للإيعاز إليه ـ بطريقة غير مباشرة ـ بالقيام بحرب إبادةٍ جديدةٍ ضدّ الفلسطينيّين؟

الكيل بالمكيال الأمريكي
ونحن نسأل الرّئيس الأمريكيّ الّذي كوفئ قبل أيّام بجائزة نوبل للسّلام: كيف يمكن لك أن تتحدّث عن حرب إبادة في "دارفور"، مع أنّك تعلم طبيعة المشكلة القبليّة هناك، وتعرف الدول الغربيّة التي تغذّي هذا الصّراع، ومنها دولتكم، ولا تنطق بكلمةٍ عن حرب الإبادة التي تعرّض لها الفلسطينيّون في الحرب على غزّة، التي أعقبها حصارٌ تجويعيّ لا يزال يُستخدم للضّغط عليهم للتّوقيع على مقولة الوطن القومي للصّهاينة في فلسطين المحتلة؟! وكيف يمكن لإدارةٍ تتحدّث عن السّلام، أن تصادق على العدوان الصّهيونيّ المتواصل على الفلسطينيّين وعلى القانون الدّولي؟!

ونحن في الوقت نفسه، نرصد سكوت الإدارة الأمريكيّة عن التّجسّس الإسرائيليّ عليها، فنراها تدين متجسّساً ولا تدين إسرائيل التي تقف خلفه. ومع ذلك، تبادر إلى استدعاء ترسانتها الضّخمة من البوارج والصّواريخ المتطوّرة والمتنوّعة والمختلفة، لإجراء مناورة مع العدوّ، في اليوم الذي يُعلَن عن اكتشاف تجسّسٍ كبيرٍ وخرقٍ خطيرٍ للبنية العسكريّة والنّوويّة الأمريكيّة لحساب العدوّ، لكي تشكّل هذه المناورة البداية العمليّة لعدوانٍ متوقّعٍ ضدّ البلدان العربيّة والإسلاميّة المجاورة لفلسطين المحتلّة.

إنّنا نحذّر من أنّ اللّعبة الأمريكيّة في المنطقة لا تزال لعبة المكر والخداع، لأنّ أمريكا التي فشلت في العراق، وتحصد المزيد من الفشل في أفغانستان وباكستان، تسعى لتصدير أزماتها إلى أكثر من مكانٍ في المنطقة، وتعمل على تعميم الفوضى والعنف والإرهاب، تحت غطاء حديثها عن الديمقراطيّة والسّلام.

أولوية الوحدة الإسلامية
ولذلك، فإنّنا ندعو الدّول الإسلاميّة الكبرى في المنطقة، إلى فهمٍ واسعٍ للخطّة الأمريكيّة، وندعو الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الّتي تعرّضت لعدوانٍ وحشيٍّ غادرٍ طاول لقاءً للخير والوحدة في منطقة بلوشستان سيستان، إلى الحذر ممّا يُمكن أن تتحرّك به الخطّة الأمريكيّة تجاه الدّاخل الإيرانيّ، تحت غطاء المفاوضات في الخارج حول ملفّ إيران النّوويّ... كما ندعو السّلطات الباكستانيّة إلى مواجهة حركة المخابرات الأمريكيّة وغيرها، حتّى لا تتحوّل البلاد الإسلاميّة إلى مكانٍ تنطلق منه حركة الفتنة التي إذا اشتعلت فإنّها ستحرق الواقع كلّه.

ولذلك، فإنّنا نؤكّد على الجميع ألا يُسقطوا من حساباتهم أولويّة الوحدة الإسلاميّة الّتي تمثّل حياة المسلمين وقوّتهم ومنعتهم، وأن يضعوا هذه الوحدة في رأس أولويّاتهم وتحرّكاتهم السياسيّة وغير السياسيّة، حتى لا يتمكّن الأعداء من تمرير مشروعهم بتدمير الأمّة من الدّاخل، في الوقت الّذي يسعى المخلصون جميعاً لإخراجها من أتون الاحتلال الّذي يعيث فساداً في العراق وأفغانستان وفلسطين المحتلّة.

لبنان: الحذر من تغطية دولية لعدوان إسرائيلي
أمّا لبنان الّذي يتأرجح بين أجواء التّشاؤم والتّفاؤل بولادة حكومة جديدة، بعد أربعة أشهر من الانتظار، فهو ـ في كثيرٍ من مواقعه ـ يعيش الغفلة عن كلّ هذا العبث الأمنيّ الذي يمارسه العدوّ الصّهيونيّ في الجنوب، ولا يحرّك الكثير من الرّسميّين وغير الرّسميّين ساكناً أمام الاعتداء الإسرائيليّ التجسّسيّ والجوّي على أرضه.

وإنّنا نحذّر من وجود تغطيةٍ دوليّةٍ واسعة النّطاق للعدوان الإسرائيليّ، ومن انخراط "اليونيفيل" في هذه اللّعبة التي لا تشكّل عدواناً موضعيّاً فحسب، بل تمثّل تحضيراً لعدوانٍ واسع النّطاق قد يستغلّ فيه العدوّ انشغال الدّاخل بملفّاته الذاتيّة والشّخصانيّة، أو بحصصه الوزاريّة، ليعمل على اجتذاب البلد كلّه إلى نطاقه الاحتلالي ودائرته العدوانيّة.

إنّنا ندعو اللّبنانيّين إلى الخروج من سكرة الحكومة إلى فكرة الدّولة، والتوحّد قلباً وقالباً لحماية الاستقلال المنتهَك من خلال تعقيدات الدّاخل وخطط الخارج، الّتي يكاد اللّبنانيّون يفقد فيها حسّ الاستقلال، بعد أن فقدوا حركته في إراداتهم، وواقعه في كثيرٍ من مواقع الحركة السياسيّة.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير