اللّسان مرآة الفكر

اللّسان مرآة الفكر
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

مسؤوليّة اللّسان

اللّسان مرآة الفكر
في موضوع التّربية الإسلاميّة، يؤكّد الله تعالى، من خلال رسوله(ص)، مسألة اللّسان، باعتباره المُعبِّر عن كلّ ما يفكّر فيه الإنسان، وعن كلّ ما يخطَّط له، وعن كلّ ما يتحرّك به من خيرٍ أو شرّ. ولذلك أراد للإنسان المسلم أن يتعامل مع لسانه بطريقةٍ تربويّة، فيربّي لسانَه على أن لا يقول إلا خيراً، ولا يتحدَّث إلا بما يصلح النَّاس، وأرادَ للإنسان أن يكونَ لسانُه أميناً في نقل الفكر الصَّحيح للنَّاس، والّذي يرفع المستوى الثّقافيّ والرّوحيّ والعمليّ، وأراد للّسان أن يخاطب الله، وأن يطلب منه حاجاته، وأن يتحدّث معه ليدعوه بما يريده، وليشكو إليه كلّ همومه.

صيانة اللّسان أساس الإيمان
وقد تحدّث رسول الله(ص) كثيراً عن خصوصيَّة اللّسان، وعن دوره في حياة الإنسان، كما تحدّث الأئمّة(ع) في ذلك. فقد ورد عن رسول الله(ص): "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبه ـ والقلب في القرآن والأحاديث يراد به العقل، فلا بدَّ للعقل من أن يستقيم لكي يفكّر في الحقّ، فلا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم عقله وينفتح قلبه على خطّ الاستقامة ـولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ـ باعتبار أنّ اللّسان هو الّذي يعبّر عمّا في القلب، فإذا استقام القلب، كان اللّسان معبّراً عمّا يفكّر به العقل في خطوط الاستقامة ـ فمن استطاع منكم أن يلقى الله تعالى وهو نقيّ الرّاحة من دماء المسلمين وأموالهم ـ بحيث لا تتحرّك يده في قتل مسلم، ولا في الاعتداء على مال مسلم ـ سليم اللّسان من أعراضهم ـ لا يغتاب ولا يذمّ النّاس، ولا يتّهمهم بالباطل ـفليفعل".

وعن رسول الله(ص): "إذا أصبح ابنُ آدم، أصبحت الأعضاء تستكفي اللّسان ـ وهذا على نحو التّمثيل والكناية ـ أي تقول اتّقِ الله فينا ـ أيّها اللّسان في ما نواجه به الله تعالى، وفيما نحمل من مسؤوليّات ـ فإنّك إذا استقمتَ استقمنا ـ إذا أخذت بخطّ الاستقامة، فلم تتكلّم إلا بخير، فإنّنا نستقيم، لأنّنا تابعون لك ـوإن اعوججْت اعوججْنا".

اللّسان ميزة المؤمن من المنافق
وعن رسول الله(ص) في الفرق بين المؤمن والمنافق: "إنّ لسان المؤمن وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلّم بشيءٍ، تدبّره بقلبه ثم أمضاه بلسانه ـ فإذا خطرت الفكرة لدى المؤمن، فكّر فيها، فإذا رآها تنسجم مع العقل والمصلحة أمضاها وأقرّها، ثم تحدّث بها ـ وإنّ لسان المنافق أمام قلبه، فإذا همّ بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبّره بقلبه".

وقد أخذ هذا المعنى الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) فقال: "إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه، وإنّ قلب المنافق من وراء لسانه، لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه ـ فكّر فيه ـ فإن كان خيراً أبداه ـ أظهره ـوإن كان شرّاً واراه ـ أخفاه ـ وإنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه، لا يدري ماذا له وماذا عليه"، بحيث لا يفكّر في النّتائج. فالمؤمن يفكّر في عاقبة كلماته ونتائجها، بينما لا يفكّر المنافق فيما إذا كانت الكلمة في مصلحته ومصلحة النّاس، أو أنّها ليست كذلك.

حصائد اللّسان
وورد عن الإمام زين العابدين(ع): "حقّ اللّسان إكرامه عن الخنا ـ الفحش في القول ـ وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة منها ـ أي كلام اللّغو ـ والبرّ بالنّاس، وحُسْنُ القول فيهم". وعن رسول الله(ص) لما سأله معّاذ بن جبل عمّا يُدخله الجنّة ويباعده من النّار، فأخبره، إلى أن قال(ص): "ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟" ـ بالأساس الذي يرتكز عليه دخول الجنّة، والبعد عن النّار ـ قلت: بلى يا رسول الله. قال: "عليك بهذا" (وأشار إلى لسانه). قلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال(ص): "وهل يكبُّ النّاس في النّار على وجوههم (أو على مناخرهم) إلا حصائد ألسنتهم؟!". فالّذين يدخلون النّار ويُكَبّون على وجوههم، يدخلونها من خلال ما يحصدونه من ألسنتهم في ما لا يرضي الله تعالى.

وعن رسول الله(ص): "أعظم النّاس خطايا يوم القيامة، أكثرهم خوضاً في الباطل"، هؤلاء الّذين يخطبون في النّاس، ويتكلّمون معهم بالباطل بعيداً عن الحقّ، خصوصاً الذين يملكون الزعامة والقيادة والرئاسة، هؤلاء الذين يغشّون النّاس ويخدعونهم ويتحدّثون معهم بالباطل.

وورد عن رسول الله(ص): "يعذّب الله اللّسان بعذابٍ لا يعذِّب شيئاً من الجوارح ـ فلا يعذّب اليد ولا العين ولا السّمع ولا الرِّجل كما يعذّب اللّسان ـ فيقول: أي ربّ، عذّبتني بعذابٍ لم تُعذِّب به شيئاً!! فيقال له: خرجتْ منك كلمة ـ إذ كنت صاحب مسؤوليّة، والنّاس تأخذ بكلامك وتطيعك في ما تتحدّث به وتأمرهم به ـفَبَلَغت به مشارق الأرض ومغاربهاـ بحيث امتدّت في العالم ـ فسُفك بها الدّم الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتُهك بها الفرج الحرام". وهذا ما يَمثُل أمامنا، اليوم، من الّذين يحكمون العالم من رؤساء أمريكا وأوروبّا والعالم المستكبر، الذين يأمرون بما يُسفك به الدّم الحرام، وينتهك به الفرج الحرام.

خزانة اللّسان
ويقول الإمام عليّ(ع): "ليخزن الرّجل لسانه، فإنّ هذا اللّسان جموحٌ بصاحبه ـ كالفرس غير المروّض الّذي يوقع صاحبه عن ظهره ـ والله ما أرى عبداً يتَّقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه"، فإنّ خزنَ اللّسان وضبطه هو قمّة التقوى، فمن لا يضبط لسانه لا يكون تقيّاً. وعن رسول الله(ص):"لا يعرف أحدٌ حقيقة الإيمان حتى يَخْزُنَ من لسانه"، لأنّ الإيمان يمثّل الخطّ المستقيم الّذي يستقيم صاحبه في ما يحبّه الله ويرضاه.

إنّ علينا أن نعمل على أن نضبط ألسنتنا، لأنّ الألسنة هي الّتي تعمل على  الإضرار بالنّاس وإثارة الفتن والمشاكل، وهذا ما نتحمّل مسؤوليّته أمام الله تعالى.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية

الانحياز الأمريكيّ الصّارخ إلى الكيان الصّهيونيّ
في فلسطين المحتلة، تُستكمل التّحضيرات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة لتنفيذ أكبر مناورة في تاريخ العلاقة بين الطّرفين، بعدما تواترت الأخبار حول استعداد الإدارة الأميركيّة لتزويد العدوّ بالأسرار النّووية، على الرّغم من أنّ الرئيس الأميركيّ يعلن في استعراضاته الخطابيّة ـ بين الحين والآخر ـ ضرورة إيجاد عالَم خالٍ من الأسلحة النوويّة.

وقد بات واضحاً أنّ هذه المناورة تحاكي حرباً يشنّها كيان العدوّ ضدّ لبنان أو غزّة أو سوريا، أو كما أشارت مصادره، بأنّها تشكّل رسالةً مزدوجةً في حماية هذا الكيان أو في تهديد إيران؛ الأمر الّذي يشير إلى حقيقة الموقف الأميركيّ حيال ملفّات المنطقة عموماً، ويؤكّد استمرار السّياسة الأميركيّة المشجِّعة لإسرائيل على خوض المزيد من الحروب ضدّ العرب والمسلمين، والاعتداء على بلدانهم وبناهم التحتيّة، في الوقت الّذي يواصل الرّئيس الأميركيّ إرسال مبعوثيه إلى المنطقة لتكرار مقولة العمل للسّلام، ودعوة الأطراف إلى التّفاوض، علماً أنَّ المسار التّفاوضيّ الّذي رعته الولايات المتّحدة الأمريكيّة، أوشك أن يُفقد المفاوِضين الفلسطينيّين كلّ الأوراق الّتي كانت بأيديهم، سوى رفض الاعتراف بفلسطين كوطنٍ قوميّ لليهود المحتلّين، وهو ما يُراد دفع الأمور باتّجاه التخلّي عنه أيضاً.

إنّ الدّعم الأميركيّ الحاسم لكيان العدوّ على الصّعيدين السياسيّ والأمنيّ، يشير إلى أنَّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة قد انخرطت فعلاً في مشروع الحرب الإسرائيليّة، من دون أن ينخرط العدوّ في مشروع السّلام الأميركيّ المزعوم، ويؤكّد أنّ حرص هذه الإدارة على عدم إدانة العدوّ في جرائمه السّابقة، كما في التّقرير الأخير الذي تحرّك الضّغط الأمريكيّ باتّجاه تأجيل مناقشته، إنّما يندرج في نطاق تسهيل الأمور للحكومة اليمينيّة الصهيونيّة لكي تخطّط لحروب جديدة؛ لأنّ التجارب أثبتت أنّ لكلّ حكومة إسرائيليّة حربها، خصوصاً بعد اطمئنان العدوّ إلى أنّ الإدارة الأميركيّة ستمنع إدانة جنوده وضبّاطه أمام المحاكم والمؤسّسات الدوليّة لارتكابهم جرائم حربٍ وجرائم ضدّ الإنسانيّة، ما يؤكّد مجدّداً عدم أهليّة الإدارة الأمريكيّة للعب أيّ دور وسيط في المنطقة.

جائزة نوبل "لـ "الحروب الأمريكيّة"!
وفي هذا الجوّ، فإنّنا عندما نلتقي بالحدث المتمثّل بتقليد الرّئيس الأميركيّ وسام جائزة نوبل للسَّلام، نتساءل: هل يعني ذلك أنّنا على  طريق الحرب؟ وخصوصاً أنّ "أوباما" لم يقدّم لمسيرة السّلام المزعومة إلا الكلمات المعسولة الّتي كانت إسرائيل تتبعها بحملاتٍ استيطانيّةٍ مكثّفة، ومحاولاتٍ تهويديّةٍ متواصلةٍ للقدس الشّريف، وعمليّات اعتقالٍ واغتيالاتٍ، وغاراتٍ جويّةٍ إسرائيليّة تتكرّر على قطاع غزّة بين الوقت والآخر.

ولذلك، على الجميع أن يدركوا ـ ولا سيّما الفلسطينيّين ـ أنّ السياسة الاستكباريّة الحاقدة التي تقودها الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، وربّما كانت هذه الإدارة أخطرها، هي المسؤولة الأولى عن تدمير أوضاع الفلسطينيّين الداخليّة، وإدخال قضيّة فلسطين في محرقة اللّعبة الدّوليّة والإقليميّة الّتي يُراد لها أن تقضي على البقيّة الباقية من مفردات القضيّة، في تسارع حركة الوقائع التي يحرّكها العدوّ الصهيونيّ ليمنع أيّ حلّ واقعيّ يسعى إليه الفلسطينيّون أو العرب في المستقبل.

هذا كلّه والإدارة الأمريكيّة، في تاريخها وسياساتها، مسؤولة عن كلّ حالات الاهتزاز التي تعيشها المنطقة والعالم، وإننا عندما نتطلّع إلى ما يسمّونه "قوس الأزمات" في المنطقة، من العراق إلى أفغانستان، مروراً بالسّودان والصّومال واليمن وباكستان، نعرف حجم الجريمة التي تُرتكب بحقّنا كأمّة وكشعوب يراد لها أن تبقى رهينةً لحروب الآخرين على أرضها، أو أسيرةً للتّقاتل النّاشئ من تدبيرٍ دوليّ وتحضيرٍ إقليميّ، يهدف في نهاية المطاف إلى حماية مصالح العدوّ، وجعله يعيش في نطاق أمنٍ وسط منطقة متفجّرة.

لبنان: النّوم على حرير الوعود
أمّا لبنان، الّذي أخذ العلم من الخارج بأنّ عليه أن يخلد إلى الرّاحة قليلاً، وأن يسكن إلى خيارات التّفاهم الإقليميّ المحكوم بسقف الشّروط الدوليّة الآخذة بالاعتبار هواجسَ العدوّ، في الأمن وغيره، فقد بات عليه أن يعدّ العدّة لتفاهماتٍ داخليّة، تعيد الجميع إلى ميدان الحلول الموقّتة الّتي تعني إدارة الأزمة بأساليب جديدة تعيد الاعتبار إلى هذا الموقع أو ذاك، وتُرضي هذا الزّعيم وذاك المسؤول، وتقدّم أوضاعاً جديدةً من الخيارات الّتي ُتريح الكثيرين، وتوحي بأنَّ عمليّة الإخراج أطلّت على المرحلة الّتي يشعر فيها هذا الفريق أو ذاك بأنّه حقّق الأرباح السياسيّة الذاتيّة على حساب الرّبح العام للبلد والوطن، لتمتدّ مرحلة تصريف الأعمال حتّى مع ولادة حكومةٍ جديدة؛ لأنَّ لبنان أصبح ـ من النّاحية العمليّة ـ موظّفاً لدى الآخرين، يحمي لعبتهم، ويؤمِّن التّوازن لحركتهم، أمّا أن يتوازن هو لحساب شعبه، فتلك أمنيةٌ سوف يتعب اللّبنانيون كثيراً قبيل الوصول إلى تحقيقها. وكيف يطمئنّ شعبٌ إلى مصيره بعدما وضع خياراته في سلّة الانتخابات لحساب اللّاعبين الكبار في الخارج؟! إنّه لبنان الّذي ينام على حرير الوعود، ويستفيق على آلامه السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة الّتي لا تترك مجالاً للرّاحة والاستجمام.

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

مسؤوليّة اللّسان

اللّسان مرآة الفكر
في موضوع التّربية الإسلاميّة، يؤكّد الله تعالى، من خلال رسوله(ص)، مسألة اللّسان، باعتباره المُعبِّر عن كلّ ما يفكّر فيه الإنسان، وعن كلّ ما يخطَّط له، وعن كلّ ما يتحرّك به من خيرٍ أو شرّ. ولذلك أراد للإنسان المسلم أن يتعامل مع لسانه بطريقةٍ تربويّة، فيربّي لسانَه على أن لا يقول إلا خيراً، ولا يتحدَّث إلا بما يصلح النَّاس، وأرادَ للإنسان أن يكونَ لسانُه أميناً في نقل الفكر الصَّحيح للنَّاس، والّذي يرفع المستوى الثّقافيّ والرّوحيّ والعمليّ، وأراد للّسان أن يخاطب الله، وأن يطلب منه حاجاته، وأن يتحدّث معه ليدعوه بما يريده، وليشكو إليه كلّ همومه.

صيانة اللّسان أساس الإيمان
وقد تحدّث رسول الله(ص) كثيراً عن خصوصيَّة اللّسان، وعن دوره في حياة الإنسان، كما تحدّث الأئمّة(ع) في ذلك. فقد ورد عن رسول الله(ص): "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبه ـ والقلب في القرآن والأحاديث يراد به العقل، فلا بدَّ للعقل من أن يستقيم لكي يفكّر في الحقّ، فلا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم عقله وينفتح قلبه على خطّ الاستقامة ـولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ـ باعتبار أنّ اللّسان هو الّذي يعبّر عمّا في القلب، فإذا استقام القلب، كان اللّسان معبّراً عمّا يفكّر به العقل في خطوط الاستقامة ـ فمن استطاع منكم أن يلقى الله تعالى وهو نقيّ الرّاحة من دماء المسلمين وأموالهم ـ بحيث لا تتحرّك يده في قتل مسلم، ولا في الاعتداء على مال مسلم ـ سليم اللّسان من أعراضهم ـ لا يغتاب ولا يذمّ النّاس، ولا يتّهمهم بالباطل ـفليفعل".

وعن رسول الله(ص): "إذا أصبح ابنُ آدم، أصبحت الأعضاء تستكفي اللّسان ـ وهذا على نحو التّمثيل والكناية ـ أي تقول اتّقِ الله فينا ـ أيّها اللّسان في ما نواجه به الله تعالى، وفيما نحمل من مسؤوليّات ـ فإنّك إذا استقمتَ استقمنا ـ إذا أخذت بخطّ الاستقامة، فلم تتكلّم إلا بخير، فإنّنا نستقيم، لأنّنا تابعون لك ـوإن اعوججْت اعوججْنا".

اللّسان ميزة المؤمن من المنافق
وعن رسول الله(ص) في الفرق بين المؤمن والمنافق: "إنّ لسان المؤمن وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلّم بشيءٍ، تدبّره بقلبه ثم أمضاه بلسانه ـ فإذا خطرت الفكرة لدى المؤمن، فكّر فيها، فإذا رآها تنسجم مع العقل والمصلحة أمضاها وأقرّها، ثم تحدّث بها ـ وإنّ لسان المنافق أمام قلبه، فإذا همّ بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبّره بقلبه".

وقد أخذ هذا المعنى الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) فقال: "إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه، وإنّ قلب المنافق من وراء لسانه، لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه ـ فكّر فيه ـ فإن كان خيراً أبداه ـ أظهره ـوإن كان شرّاً واراه ـ أخفاه ـ وإنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه، لا يدري ماذا له وماذا عليه"، بحيث لا يفكّر في النّتائج. فالمؤمن يفكّر في عاقبة كلماته ونتائجها، بينما لا يفكّر المنافق فيما إذا كانت الكلمة في مصلحته ومصلحة النّاس، أو أنّها ليست كذلك.

حصائد اللّسان
وورد عن الإمام زين العابدين(ع): "حقّ اللّسان إكرامه عن الخنا ـ الفحش في القول ـ وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة منها ـ أي كلام اللّغو ـ والبرّ بالنّاس، وحُسْنُ القول فيهم". وعن رسول الله(ص) لما سأله معّاذ بن جبل عمّا يُدخله الجنّة ويباعده من النّار، فأخبره، إلى أن قال(ص): "ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟" ـ بالأساس الذي يرتكز عليه دخول الجنّة، والبعد عن النّار ـ قلت: بلى يا رسول الله. قال: "عليك بهذا" (وأشار إلى لسانه). قلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال(ص): "وهل يكبُّ النّاس في النّار على وجوههم (أو على مناخرهم) إلا حصائد ألسنتهم؟!". فالّذين يدخلون النّار ويُكَبّون على وجوههم، يدخلونها من خلال ما يحصدونه من ألسنتهم في ما لا يرضي الله تعالى.

وعن رسول الله(ص): "أعظم النّاس خطايا يوم القيامة، أكثرهم خوضاً في الباطل"، هؤلاء الّذين يخطبون في النّاس، ويتكلّمون معهم بالباطل بعيداً عن الحقّ، خصوصاً الذين يملكون الزعامة والقيادة والرئاسة، هؤلاء الذين يغشّون النّاس ويخدعونهم ويتحدّثون معهم بالباطل.

وورد عن رسول الله(ص): "يعذّب الله اللّسان بعذابٍ لا يعذِّب شيئاً من الجوارح ـ فلا يعذّب اليد ولا العين ولا السّمع ولا الرِّجل كما يعذّب اللّسان ـ فيقول: أي ربّ، عذّبتني بعذابٍ لم تُعذِّب به شيئاً!! فيقال له: خرجتْ منك كلمة ـ إذ كنت صاحب مسؤوليّة، والنّاس تأخذ بكلامك وتطيعك في ما تتحدّث به وتأمرهم به ـفَبَلَغت به مشارق الأرض ومغاربهاـ بحيث امتدّت في العالم ـ فسُفك بها الدّم الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتُهك بها الفرج الحرام". وهذا ما يَمثُل أمامنا، اليوم، من الّذين يحكمون العالم من رؤساء أمريكا وأوروبّا والعالم المستكبر، الذين يأمرون بما يُسفك به الدّم الحرام، وينتهك به الفرج الحرام.

خزانة اللّسان
ويقول الإمام عليّ(ع): "ليخزن الرّجل لسانه، فإنّ هذا اللّسان جموحٌ بصاحبه ـ كالفرس غير المروّض الّذي يوقع صاحبه عن ظهره ـ والله ما أرى عبداً يتَّقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه"، فإنّ خزنَ اللّسان وضبطه هو قمّة التقوى، فمن لا يضبط لسانه لا يكون تقيّاً. وعن رسول الله(ص):"لا يعرف أحدٌ حقيقة الإيمان حتى يَخْزُنَ من لسانه"، لأنّ الإيمان يمثّل الخطّ المستقيم الّذي يستقيم صاحبه في ما يحبّه الله ويرضاه.

إنّ علينا أن نعمل على أن نضبط ألسنتنا، لأنّ الألسنة هي الّتي تعمل على  الإضرار بالنّاس وإثارة الفتن والمشاكل، وهذا ما نتحمّل مسؤوليّته أمام الله تعالى.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية

الانحياز الأمريكيّ الصّارخ إلى الكيان الصّهيونيّ
في فلسطين المحتلة، تُستكمل التّحضيرات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة لتنفيذ أكبر مناورة في تاريخ العلاقة بين الطّرفين، بعدما تواترت الأخبار حول استعداد الإدارة الأميركيّة لتزويد العدوّ بالأسرار النّووية، على الرّغم من أنّ الرئيس الأميركيّ يعلن في استعراضاته الخطابيّة ـ بين الحين والآخر ـ ضرورة إيجاد عالَم خالٍ من الأسلحة النوويّة.

وقد بات واضحاً أنّ هذه المناورة تحاكي حرباً يشنّها كيان العدوّ ضدّ لبنان أو غزّة أو سوريا، أو كما أشارت مصادره، بأنّها تشكّل رسالةً مزدوجةً في حماية هذا الكيان أو في تهديد إيران؛ الأمر الّذي يشير إلى حقيقة الموقف الأميركيّ حيال ملفّات المنطقة عموماً، ويؤكّد استمرار السّياسة الأميركيّة المشجِّعة لإسرائيل على خوض المزيد من الحروب ضدّ العرب والمسلمين، والاعتداء على بلدانهم وبناهم التحتيّة، في الوقت الّذي يواصل الرّئيس الأميركيّ إرسال مبعوثيه إلى المنطقة لتكرار مقولة العمل للسّلام، ودعوة الأطراف إلى التّفاوض، علماً أنَّ المسار التّفاوضيّ الّذي رعته الولايات المتّحدة الأمريكيّة، أوشك أن يُفقد المفاوِضين الفلسطينيّين كلّ الأوراق الّتي كانت بأيديهم، سوى رفض الاعتراف بفلسطين كوطنٍ قوميّ لليهود المحتلّين، وهو ما يُراد دفع الأمور باتّجاه التخلّي عنه أيضاً.

إنّ الدّعم الأميركيّ الحاسم لكيان العدوّ على الصّعيدين السياسيّ والأمنيّ، يشير إلى أنَّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة قد انخرطت فعلاً في مشروع الحرب الإسرائيليّة، من دون أن ينخرط العدوّ في مشروع السّلام الأميركيّ المزعوم، ويؤكّد أنّ حرص هذه الإدارة على عدم إدانة العدوّ في جرائمه السّابقة، كما في التّقرير الأخير الذي تحرّك الضّغط الأمريكيّ باتّجاه تأجيل مناقشته، إنّما يندرج في نطاق تسهيل الأمور للحكومة اليمينيّة الصهيونيّة لكي تخطّط لحروب جديدة؛ لأنّ التجارب أثبتت أنّ لكلّ حكومة إسرائيليّة حربها، خصوصاً بعد اطمئنان العدوّ إلى أنّ الإدارة الأميركيّة ستمنع إدانة جنوده وضبّاطه أمام المحاكم والمؤسّسات الدوليّة لارتكابهم جرائم حربٍ وجرائم ضدّ الإنسانيّة، ما يؤكّد مجدّداً عدم أهليّة الإدارة الأمريكيّة للعب أيّ دور وسيط في المنطقة.

جائزة نوبل "لـ "الحروب الأمريكيّة"!
وفي هذا الجوّ، فإنّنا عندما نلتقي بالحدث المتمثّل بتقليد الرّئيس الأميركيّ وسام جائزة نوبل للسَّلام، نتساءل: هل يعني ذلك أنّنا على  طريق الحرب؟ وخصوصاً أنّ "أوباما" لم يقدّم لمسيرة السّلام المزعومة إلا الكلمات المعسولة الّتي كانت إسرائيل تتبعها بحملاتٍ استيطانيّةٍ مكثّفة، ومحاولاتٍ تهويديّةٍ متواصلةٍ للقدس الشّريف، وعمليّات اعتقالٍ واغتيالاتٍ، وغاراتٍ جويّةٍ إسرائيليّة تتكرّر على قطاع غزّة بين الوقت والآخر.

ولذلك، على الجميع أن يدركوا ـ ولا سيّما الفلسطينيّين ـ أنّ السياسة الاستكباريّة الحاقدة التي تقودها الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، وربّما كانت هذه الإدارة أخطرها، هي المسؤولة الأولى عن تدمير أوضاع الفلسطينيّين الداخليّة، وإدخال قضيّة فلسطين في محرقة اللّعبة الدّوليّة والإقليميّة الّتي يُراد لها أن تقضي على البقيّة الباقية من مفردات القضيّة، في تسارع حركة الوقائع التي يحرّكها العدوّ الصهيونيّ ليمنع أيّ حلّ واقعيّ يسعى إليه الفلسطينيّون أو العرب في المستقبل.

هذا كلّه والإدارة الأمريكيّة، في تاريخها وسياساتها، مسؤولة عن كلّ حالات الاهتزاز التي تعيشها المنطقة والعالم، وإننا عندما نتطلّع إلى ما يسمّونه "قوس الأزمات" في المنطقة، من العراق إلى أفغانستان، مروراً بالسّودان والصّومال واليمن وباكستان، نعرف حجم الجريمة التي تُرتكب بحقّنا كأمّة وكشعوب يراد لها أن تبقى رهينةً لحروب الآخرين على أرضها، أو أسيرةً للتّقاتل النّاشئ من تدبيرٍ دوليّ وتحضيرٍ إقليميّ، يهدف في نهاية المطاف إلى حماية مصالح العدوّ، وجعله يعيش في نطاق أمنٍ وسط منطقة متفجّرة.

لبنان: النّوم على حرير الوعود
أمّا لبنان، الّذي أخذ العلم من الخارج بأنّ عليه أن يخلد إلى الرّاحة قليلاً، وأن يسكن إلى خيارات التّفاهم الإقليميّ المحكوم بسقف الشّروط الدوليّة الآخذة بالاعتبار هواجسَ العدوّ، في الأمن وغيره، فقد بات عليه أن يعدّ العدّة لتفاهماتٍ داخليّة، تعيد الجميع إلى ميدان الحلول الموقّتة الّتي تعني إدارة الأزمة بأساليب جديدة تعيد الاعتبار إلى هذا الموقع أو ذاك، وتُرضي هذا الزّعيم وذاك المسؤول، وتقدّم أوضاعاً جديدةً من الخيارات الّتي ُتريح الكثيرين، وتوحي بأنَّ عمليّة الإخراج أطلّت على المرحلة الّتي يشعر فيها هذا الفريق أو ذاك بأنّه حقّق الأرباح السياسيّة الذاتيّة على حساب الرّبح العام للبلد والوطن، لتمتدّ مرحلة تصريف الأعمال حتّى مع ولادة حكومةٍ جديدة؛ لأنَّ لبنان أصبح ـ من النّاحية العمليّة ـ موظّفاً لدى الآخرين، يحمي لعبتهم، ويؤمِّن التّوازن لحركتهم، أمّا أن يتوازن هو لحساب شعبه، فتلك أمنيةٌ سوف يتعب اللّبنانيون كثيراً قبيل الوصول إلى تحقيقها. وكيف يطمئنّ شعبٌ إلى مصيره بعدما وضع خياراته في سلّة الانتخابات لحساب اللّاعبين الكبار في الخارج؟! إنّه لبنان الّذي ينام على حرير الوعود، ويستفيق على آلامه السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة الّتي لا تترك مجالاً للرّاحة والاستجمام.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير