العالم الفقيه المجدّد فضل الله: علامات فارقة في شخصيته

العالم الفقيه المجدّد فضل الله: علامات فارقة في شخصيته
ولعلّ أهم العلامات الفارقة التي يلمسها الباحث - ودونما عناء أحياناً كثيرة - في شخصيته الفقهية، علامات ثلاث، قلّما يجدها في شخصيات فقهية عديدة تعيش في محيطه الاجتماعي أو في المقطع الزمني الذي يعيش فيه، وكونه أحد الشخصيات الناقدة، والجريئة، والمعاصرة.  


شخصية ناقدة:

تتميّز شخصية السيد الفقهية - كما هي في نواح أخرى - بأنها شخصية ناقدة، وذلك لأنه دائم التفكّر في موضوعات بحثه، ولا يكفّ عن التأمل فيها، وإنْ كانت مسائل ربما يعتقد البعض أنها من المتسالم عليها، ولا تثير تساؤلات أو تجتذب شيئاً من الإشكاليات، فهي - أي هذه المسائل - عند السيد محلٌ للتأمل والتفكير والفحص والنقد، سواءٌ على مستوى مقدماتها أو مضامينها.
وهو في هذا الميدان يمتلك قدرة مشهودة على التشكيك الإيجابي، دون أن يذعن أو يستسلم لضغوط ما هو شائع أو سائد أو مهيمن.
 وهو - أي السيد - ناقد على مستوى المنهج أو على مستوى التفاصيل وتطبيقات هذا المنهج، إذ لم يُخفِ السيد امتعاضه الشديد من شيوع مناهج أو تطبيقات مناهج رأى أنها أثقلت الفقه تارة وقزَّمته تارة أخرى.

على مستوى المنهج يمكن أن نشير إلى عدة ملاحظات نقدية للسيد سجّلها بوضوح على ما هو سائد في بعض الأوساط الفقهية. ومن ذلك موقفه من الإفراط المبالغ فيه المتعلق باستحواذ المفردات والمقولات الفلسفية على أدوات الاستنباط وعملياته عند بعض الفقهاء التقليديين، وذلك دون أن يكون في الأمر ما يمنع من تحليل النص وقراءته، بطريقة تستند إلى مقولات معيارية وقواعد شبه ثابتة.

وفي سياق الحديث عن ملاحظات السيد النقدية على المستوى المنهجي، نشير إلى ما أسماه السيد بمتاهات الاحتمالات التي تشيع في البحث الفقهي / الأصولي دون أن يبلغ شيئاً حاسماً في الموضوع.

وفي ضوء هذه الملاحظة لاحظ السيد على مشهور الفقهاء المبالغة في احتمال الخصوصيات لعددٍ كبير من الأحكام وعدم تعميمها إلى موارد أخرى خشية الوقوع في محذور القياس والاستحسان. (الاجتهاد وإمكانيات التجديد في منهج التفكير - مقابلة مع السيد فضل الله - مجلة المنطق العدد /111/ لسنة 1995، ص76 وما بعدها).

وقد اعتبر السيد أن المبالغة في دعوى وجود أسرار في التشريع قد تضرّ بالعملية الاجتهادية وتقزّم الشريعة، وإلاّ فكيف أمكن التعميم ببركة ما يعرف بمناسبات الحكم والموضوع.

مع التذكير بأن السيد لا ينفي أن تكون ثمة أسرار تشريعية خصوصاً في مجال العبادات المحضة، ولكنه يرفض تعميم هذه الرؤية على المساحة الفقهية كلها (المرجع السابق نفسه، ص69). ومن هذا المنطلق دعا التفكير بمسألة اهتمام الشارع (الشريعة) بالمعاملات وسعة هذا التشريع، حيث احتمل أن يكون قد ترك الشارع الناس حرية التعامل واختراع المعاملات وفقاً لطريقة العقلاء، مع تحديد الخطوط العامة لحركة هذه المعاملات من دون الدخول بالتفاصيل كما هو الشأن العبادي والأخلاقي والتنظيمي العام. (المرجع السابق نفسه ص 69).

وإذا كان سجّل السيد ملاحظاته النقدية المنهجية، فإنه سجّل ملاحظاته النقدية على ما يمكن أن نسميه بالتطبيقات الفقهية، وذلك عبر الممارسة اليومية للفقهاء، من خلال قراءة النصوص الشرعية ومراجعة الأدلة، وتحديد الوظائف الشرعية، وهي مهمات جديرة بالتأمل وتستأهل الفحص والدراسة، وهو ما يبدو للفقيه - أي فقيه - مما يجعل كل مورد من هذه الموارد محلاً للخلاف والاختلاف.

شخصية جريئة:

تميزّ السيد على المستوى الفقهي –كما على المستويات الأخرى- بجرأة علمية خاصة، دفعت به إلى خوض غمار البحث في مسائل يتجنب بعض الفقهاء – عادة - البحث فيها، مع أنَّ عدداً منهم لا يخفي رغبته في نقد ما أصبح من المسلمّات أو الضرورات.
 

ولم يجد السيد بأساً في إثارة ما اعتبرت إثارته مدخلاً للخصومة. والإحتراب، طالما وجد السيد في التفكير بهذه المسائل شاناً علمياً، وهو حق الفقيه والمفكِّر، إذ لا يمكن تصور أن يذعن الفقيه أو المفكِّر لرغبات العامة وسيادة ما هو شائع ومشهور.

ومن هذا المنطلق عالج السيد مسائل فقهية ذات علاقة بالمرأة وحقوقها وشؤونها، وأخرى تتعلق بالطهارات والعبادات، وثالثة تتصل بالتجارات، ورابعة ما كان فيها من شؤون تنظيم المجتمع عموماً والشأن العام، لأنه افترض أن يكون الفقيه معنياً بهذه المسائل، وليس من حقه التخلي عن وظائفه لمجرد الخوف من سلطة العامة وغضب الحرس القديم إنْ صحّ مثل هذا التعبير.

ولعلّ من المستحسن أن نشير إلى عددٍ من هذه المسائل:

* ناقش السيد – بجرأة - اشتراط أن يكون القاضي شيعياً. وهو شرط ادّعى البعض دلالة الإجماع عليه واعتبره آخرون من ضرورات المذهب، واستظهر السيد من الروايات التي استدل بها على الشرط المذكور أنّ ليس ثمة دليل على لزومية هذا الشرط في القاضي، لأن هذه الروايات إما أنها ناظرة إلى القاضي الذي يتخذ تجاه أهل البيت (ع) موقفاً عدائياً سلبياً فيتنكر لدورهم ولا يعتمد على ما يتبنّونه من أسس القضاء وقواعده، بل يعتمد في قضائه وحكمه على جملة مدارك لا يصح الركون إليها كالقياس والاستحسان، أو أنها ناظرة إلى القاضي الذي كان منخرطاً في خدمة السلطة السياسية القائمة، ويشارك فيما تمارسه من جور ويساهم في تطبيق سياساتها وأهدافها ويضفي عليها الشرعية، وقد كان موقف الأئمة (ع) من مثل هؤلاء القضاة يندرج في إطار الموقف من السلطة السياسية وتوجهاتها الفكرية. (فقه القضاء- تقريراً لأبحاث السيد فضل الله بقلم الشيخ حسين الخشن - ج1/112).

* كما ناقش السيد في اشتراط الذكورة في القاضي عند الكثيرين، فلا يقبل ولا يصح قضاء المرأة، وذلك بدعوى الإجماع على ذلك فضلاً عن الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة، وهو ما شاع إلى درجة أصبح القول بخلافه مستنكراً، ولكن للسيد تحفظه، إذ يرى أن مسألة عدم تولي المرأة للقضاء وعدم نفوذ قضائها محل تحفظ علمي ولا يعضدها الدليل، وما ذكر من أدلة لا ينهض لإثبات المطلوب لعدم تمامية الاستدلال به، سواء لجهة عدم صحته سنداً أو لعدم وضوح دلالتة. (المرجع السابق نفسه ص 133).

* وقد ناقش السيد - مطولاً- في ما اشتهر عند الفقهاء من عدم إنشاء العقد بالكتابة، وإنها تجربة في قرطاس – على حدّ تعبيرهم - وذلك لاحتمال العبث في الكتابة وعدم كونها صادرة عن جدٍّ، فلا تكون صريحة في إفادة المعاني، ولذا لا يجوز – عندهم – إنشاء العقد بها.

وقد علَّق السيد على هذه الدعوى: «إنَّ الكتابة اليوم تعتبر من أهم الوسائل التي تنعقد بها المعاملات، ويُنشأ بها التمليك ونقل المنفعة وغير ذلك. وذلك لجهة الظهور العرفي وجريان العقلاء وبنائهم على ذلك، والمراد هنا ما يشيع في العرف وعند الناس وما يسيرون عليه في حياتهم وفي معاملاتهم من بيعٍ وإجارةٍ وغير ذلك. وما يقال: عن أن الكتابة مجرد تجربة في قرطاسٍ فإنه جارٍ في اللفظ أيضاً، أي أن الإشكال يرد في اللفظ ايضاً، وذلك لأن القرينة الحالية وهي حال الإنسان في أثناء توقيعه أو تحدثه هي التي تعين القصدي الجدي للمتعاملين من حيث أنهم يعنون ما يقولون أو أنهم لا يعنونه ، وما جعل اللفظَ آلة للإنشاء فهو جارٍ في الكتابة أيضاً، وذلك لأن القرينة الحالية هي التي تُعيِّن القصد الجدي للمتعاملين. وإلّا فإنَّ لفظ (بعت) ونحوها ليست من الإنشاء في شيء، لأنها ظاهرة في الإخبار، وما جعلها ظاهرة في الإنشاء هو القرينة الحالية والعرف العام، وعليه فإذا قامت القرينة الحالية والعرف العام على اعتبار الكتابة في الانعقاد كفى ذلك، على خلاف ما هو المشهور». (فقه الشركة، تقريراً لأبحاث السيد فضل الله بقلم محمد الحسيني، ص 19 وما بعدها).

وقد استغرب السيد من الفقهاء (أو بعضهم) وهم يقبلون الوصية المكتوبة إذا ظهر كون ما كتب بعنوان الوصية، بل استغرب منهم الغفلة عن قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه...» (سورة البقرة/ الآية 282) فإن الأمر بالكتابة إرشاد إلى التوثيق باعتباره وثيقة يعتمد عليها عند الإنكار والجحود، وإلّا فلا فائدة منها ولا معنى للأمر بها. وهو ما يتجاوز توثيق الدين. (فقه القضاء، تقريراً لأبحاث السيد فضل الله – بقلم الشيخ الخشن، ج2/262 وما بعدها).

ولعلّ أهم العلامات الفارقة التي يلمسها الباحث - ودونما عناء أحياناً كثيرة - في شخصيته الفقهية، علامات ثلاث، قلّما يجدها في شخصيات فقهية عديدة تعيش في محيطه الاجتماعي أو في المقطع الزمني الذي يعيش فيه، وكونه أحد الشخصيات الناقدة، والجريئة، والمعاصرة.  


شخصية ناقدة:

تتميّز شخصية السيد الفقهية - كما هي في نواح أخرى - بأنها شخصية ناقدة، وذلك لأنه دائم التفكّر في موضوعات بحثه، ولا يكفّ عن التأمل فيها، وإنْ كانت مسائل ربما يعتقد البعض أنها من المتسالم عليها، ولا تثير تساؤلات أو تجتذب شيئاً من الإشكاليات، فهي - أي هذه المسائل - عند السيد محلٌ للتأمل والتفكير والفحص والنقد، سواءٌ على مستوى مقدماتها أو مضامينها.
وهو في هذا الميدان يمتلك قدرة مشهودة على التشكيك الإيجابي، دون أن يذعن أو يستسلم لضغوط ما هو شائع أو سائد أو مهيمن.
 وهو - أي السيد - ناقد على مستوى المنهج أو على مستوى التفاصيل وتطبيقات هذا المنهج، إذ لم يُخفِ السيد امتعاضه الشديد من شيوع مناهج أو تطبيقات مناهج رأى أنها أثقلت الفقه تارة وقزَّمته تارة أخرى.

على مستوى المنهج يمكن أن نشير إلى عدة ملاحظات نقدية للسيد سجّلها بوضوح على ما هو سائد في بعض الأوساط الفقهية. ومن ذلك موقفه من الإفراط المبالغ فيه المتعلق باستحواذ المفردات والمقولات الفلسفية على أدوات الاستنباط وعملياته عند بعض الفقهاء التقليديين، وذلك دون أن يكون في الأمر ما يمنع من تحليل النص وقراءته، بطريقة تستند إلى مقولات معيارية وقواعد شبه ثابتة.

وفي سياق الحديث عن ملاحظات السيد النقدية على المستوى المنهجي، نشير إلى ما أسماه السيد بمتاهات الاحتمالات التي تشيع في البحث الفقهي / الأصولي دون أن يبلغ شيئاً حاسماً في الموضوع.

وفي ضوء هذه الملاحظة لاحظ السيد على مشهور الفقهاء المبالغة في احتمال الخصوصيات لعددٍ كبير من الأحكام وعدم تعميمها إلى موارد أخرى خشية الوقوع في محذور القياس والاستحسان. (الاجتهاد وإمكانيات التجديد في منهج التفكير - مقابلة مع السيد فضل الله - مجلة المنطق العدد /111/ لسنة 1995، ص76 وما بعدها).

وقد اعتبر السيد أن المبالغة في دعوى وجود أسرار في التشريع قد تضرّ بالعملية الاجتهادية وتقزّم الشريعة، وإلاّ فكيف أمكن التعميم ببركة ما يعرف بمناسبات الحكم والموضوع.

مع التذكير بأن السيد لا ينفي أن تكون ثمة أسرار تشريعية خصوصاً في مجال العبادات المحضة، ولكنه يرفض تعميم هذه الرؤية على المساحة الفقهية كلها (المرجع السابق نفسه، ص69). ومن هذا المنطلق دعا التفكير بمسألة اهتمام الشارع (الشريعة) بالمعاملات وسعة هذا التشريع، حيث احتمل أن يكون قد ترك الشارع الناس حرية التعامل واختراع المعاملات وفقاً لطريقة العقلاء، مع تحديد الخطوط العامة لحركة هذه المعاملات من دون الدخول بالتفاصيل كما هو الشأن العبادي والأخلاقي والتنظيمي العام. (المرجع السابق نفسه ص 69).

وإذا كان سجّل السيد ملاحظاته النقدية المنهجية، فإنه سجّل ملاحظاته النقدية على ما يمكن أن نسميه بالتطبيقات الفقهية، وذلك عبر الممارسة اليومية للفقهاء، من خلال قراءة النصوص الشرعية ومراجعة الأدلة، وتحديد الوظائف الشرعية، وهي مهمات جديرة بالتأمل وتستأهل الفحص والدراسة، وهو ما يبدو للفقيه - أي فقيه - مما يجعل كل مورد من هذه الموارد محلاً للخلاف والاختلاف.

شخصية جريئة:

تميزّ السيد على المستوى الفقهي –كما على المستويات الأخرى- بجرأة علمية خاصة، دفعت به إلى خوض غمار البحث في مسائل يتجنب بعض الفقهاء – عادة - البحث فيها، مع أنَّ عدداً منهم لا يخفي رغبته في نقد ما أصبح من المسلمّات أو الضرورات.
 

ولم يجد السيد بأساً في إثارة ما اعتبرت إثارته مدخلاً للخصومة. والإحتراب، طالما وجد السيد في التفكير بهذه المسائل شاناً علمياً، وهو حق الفقيه والمفكِّر، إذ لا يمكن تصور أن يذعن الفقيه أو المفكِّر لرغبات العامة وسيادة ما هو شائع ومشهور.

ومن هذا المنطلق عالج السيد مسائل فقهية ذات علاقة بالمرأة وحقوقها وشؤونها، وأخرى تتعلق بالطهارات والعبادات، وثالثة تتصل بالتجارات، ورابعة ما كان فيها من شؤون تنظيم المجتمع عموماً والشأن العام، لأنه افترض أن يكون الفقيه معنياً بهذه المسائل، وليس من حقه التخلي عن وظائفه لمجرد الخوف من سلطة العامة وغضب الحرس القديم إنْ صحّ مثل هذا التعبير.

ولعلّ من المستحسن أن نشير إلى عددٍ من هذه المسائل:

* ناقش السيد – بجرأة - اشتراط أن يكون القاضي شيعياً. وهو شرط ادّعى البعض دلالة الإجماع عليه واعتبره آخرون من ضرورات المذهب، واستظهر السيد من الروايات التي استدل بها على الشرط المذكور أنّ ليس ثمة دليل على لزومية هذا الشرط في القاضي، لأن هذه الروايات إما أنها ناظرة إلى القاضي الذي يتخذ تجاه أهل البيت (ع) موقفاً عدائياً سلبياً فيتنكر لدورهم ولا يعتمد على ما يتبنّونه من أسس القضاء وقواعده، بل يعتمد في قضائه وحكمه على جملة مدارك لا يصح الركون إليها كالقياس والاستحسان، أو أنها ناظرة إلى القاضي الذي كان منخرطاً في خدمة السلطة السياسية القائمة، ويشارك فيما تمارسه من جور ويساهم في تطبيق سياساتها وأهدافها ويضفي عليها الشرعية، وقد كان موقف الأئمة (ع) من مثل هؤلاء القضاة يندرج في إطار الموقف من السلطة السياسية وتوجهاتها الفكرية. (فقه القضاء- تقريراً لأبحاث السيد فضل الله بقلم الشيخ حسين الخشن - ج1/112).

* كما ناقش السيد في اشتراط الذكورة في القاضي عند الكثيرين، فلا يقبل ولا يصح قضاء المرأة، وذلك بدعوى الإجماع على ذلك فضلاً عن الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة، وهو ما شاع إلى درجة أصبح القول بخلافه مستنكراً، ولكن للسيد تحفظه، إذ يرى أن مسألة عدم تولي المرأة للقضاء وعدم نفوذ قضائها محل تحفظ علمي ولا يعضدها الدليل، وما ذكر من أدلة لا ينهض لإثبات المطلوب لعدم تمامية الاستدلال به، سواء لجهة عدم صحته سنداً أو لعدم وضوح دلالتة. (المرجع السابق نفسه ص 133).

* وقد ناقش السيد - مطولاً- في ما اشتهر عند الفقهاء من عدم إنشاء العقد بالكتابة، وإنها تجربة في قرطاس – على حدّ تعبيرهم - وذلك لاحتمال العبث في الكتابة وعدم كونها صادرة عن جدٍّ، فلا تكون صريحة في إفادة المعاني، ولذا لا يجوز – عندهم – إنشاء العقد بها.

وقد علَّق السيد على هذه الدعوى: «إنَّ الكتابة اليوم تعتبر من أهم الوسائل التي تنعقد بها المعاملات، ويُنشأ بها التمليك ونقل المنفعة وغير ذلك. وذلك لجهة الظهور العرفي وجريان العقلاء وبنائهم على ذلك، والمراد هنا ما يشيع في العرف وعند الناس وما يسيرون عليه في حياتهم وفي معاملاتهم من بيعٍ وإجارةٍ وغير ذلك. وما يقال: عن أن الكتابة مجرد تجربة في قرطاسٍ فإنه جارٍ في اللفظ أيضاً، أي أن الإشكال يرد في اللفظ ايضاً، وذلك لأن القرينة الحالية وهي حال الإنسان في أثناء توقيعه أو تحدثه هي التي تعين القصدي الجدي للمتعاملين من حيث أنهم يعنون ما يقولون أو أنهم لا يعنونه ، وما جعل اللفظَ آلة للإنشاء فهو جارٍ في الكتابة أيضاً، وذلك لأن القرينة الحالية هي التي تُعيِّن القصد الجدي للمتعاملين. وإلّا فإنَّ لفظ (بعت) ونحوها ليست من الإنشاء في شيء، لأنها ظاهرة في الإخبار، وما جعلها ظاهرة في الإنشاء هو القرينة الحالية والعرف العام، وعليه فإذا قامت القرينة الحالية والعرف العام على اعتبار الكتابة في الانعقاد كفى ذلك، على خلاف ما هو المشهور». (فقه الشركة، تقريراً لأبحاث السيد فضل الله بقلم محمد الحسيني، ص 19 وما بعدها).

وقد استغرب السيد من الفقهاء (أو بعضهم) وهم يقبلون الوصية المكتوبة إذا ظهر كون ما كتب بعنوان الوصية، بل استغرب منهم الغفلة عن قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه...» (سورة البقرة/ الآية 282) فإن الأمر بالكتابة إرشاد إلى التوثيق باعتباره وثيقة يعتمد عليها عند الإنكار والجحود، وإلّا فلا فائدة منها ولا معنى للأمر بها. وهو ما يتجاوز توثيق الدين. (فقه القضاء، تقريراً لأبحاث السيد فضل الله – بقلم الشيخ الخشن، ج2/262 وما بعدها).

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير